بالشَّراكة مع موقع “حكمة يمانية” المعرفي، ومركز “الكلمة الطيبة للبحوث والدراسات”، أقام “المركز المدني للدراسات والبحوث” في تعز صباح السَّبت: 2024.08.03 ندوة ثقافيَّة بعنوان: “الحركة القومية أقيال قراءة في المخيال والسِّياق التَّوظيفي” من تقديمِ الأستاذ حمير الحوري، ومداخلة للأستاذ الخضر الشَّيباني ألقاها بالنِّيابة الأستاذ شاكر العبسي. وقد حضرَ النَّدوة عدد من الأكاديميين والمثقفين والمهتمين بالشَّأنِ الثَّقافي اليمني.
وقد ناقشت النَّدوة “حركة الأقيال” من النَّاحية الاجتماعية والثَّقافية، وتناولت جملة من متخيلات الحركة المركزيَّة عن كثيرٍ من القضايا في الواقع اليمني. وسيصدر عن النَّدوة ورقة بحثية ستنشر في وقتٍ لاحق.
ودونكم الخاتمة،
وهي خلاصة مكثفة لما عُرِضَ في النَّدوة:
“إنَّ الحركة القومية اليمنية أقيال، تعد إحدى الاستجابات المتوقعة لحالة الانهيار التي أصابت الدولة اليمنية المعاصرة، والتي نتَجَ عنها تهدم كثير من البنى الاجتماعية والثَّقافية والسِّياسية، كما أنها تعدُّ نمطًا وشكلًا من أشكالِ الحركات الاجتماعية التي سيجري عليها – حتمًا – ما يجري على أي حركةٍ اجتماعية من مراحل نمو أو تدهور حسب المعطيات والسِّياقات المحيطة بها، والحركة القومية اليمنية أقيال، هي صورة من صور امتداد الصِّراع القومي الذي كان يظهر بين الفينة والأخرى في الحالةِ التَّاريخية العربيَّة، تحت راية القحطانية والعدنانية، مع اختلاف غاياتها وتنوع أسبابها، وتناقض مرجعياتها في نسختها الحالية.
تعاني “الحركة اليمنية أقيال” جملة من الثَّغرات في كثيرٍ من تصوراتها المركزية، تتحوصلُ في المتخيَّل المسيطر على كثير من المنخرطين فيها، كمتخيل التَّعريف للقومية أقيال وسؤال الهُويَّة، ومتخيل الاتصال الأبستمولوجي المعرفي التَّاريخي، ومتخيل حجية الدَّليل الأركيولوجي “الأثري”، ومتخيل الأفضلية القومية، ومتخيل: أنَّ الهاشميين معضلة اليمن وأس الاشكال، والمبالغة في تضخيم دور الهاشمية في الحالةِ اليمنية، ومتخيل الاعتقاد بأنَّ إحياء القومية أقيال كفيل بالنُّهوض الحضاري، ومتخيل: “اللغة الأم”، وما قد تنتجه من إشكالات ثقافية ولغوية، ومتخيل المواطنة والحدود، وإشكالية تعريف الوطن القومي.
ومن الواضح أنَّ القومية أقيال خضعت لعملية تحفيز اجتماعي ومثيرات استثنائية كانهيار النِّظام الجمهوري واستفزاز بعض الاتجاهات الهاشمية بممارساتها الاستعلائية، مع ضعف في المنظومة الحاكمة نخبًا ومؤسسات، وتوفر الذخيرة التاريخية كمخزون يمكن الاستعانة به في عملية التعبئة والتحشيد والظهور، وكان لشبكات التواصل الاجتماعي الدور الأبرز في انتشار أفكارها واتساع دعايتها، كما أن إمكانية توظيفها في سياقات الصراع الاجتماعي والتَّدافع السياسي العام، تعد مسألة قائمة في ظلِّ التَّداخلات القائمة لشبكات المصالح، ولمعرفة صور التوظيف الممكنة للقومية أقيال سيكون من الجيد دراسة شبكات المصالح وفئات الانتفاع من مثل هذه الحركات الاجتماعية، والتي لخصناها في أربع فئات تعمل على توجيهها لصالح مآربها السياسية ومصالح نخبها المؤثرة.
وعليه، فالحركة القومية أقيال، يمكن أن تتجه نحو التَّطرف والإضرار بالتَّعايش الاجتماعي، إذا انساقت خلفَ بعض الأوهام المضرة، ويصبح من الضَّروري توجيهها في سياقاتٍ تعاونية، وإصلاح الخلل العميق في بنيتها التَّصورية والتكوينية الكامنة في المتخيلات الكبرى التي أشرنا إليها، إذِ اختزلت إشكاليات اليمن الكبرى في ثلاث اختزالاتٍ مخلة:
الأول: الإشكال التَّاريخي، والثاني: إشكال الصراع مع الهاشمية، والثالث: إشكال تغييبها للأسباب الكبرى للتدهور الاجتماعي القائم، لصالح الإشكالين السَّابقيْن.
فالإشكال التَّاريخي يتلخص في تضخيمِ الحركة القومية أقيال له، وفي السِّياق الذي وضعته فيه، فالتَّاريخ برغم أهميته إلا أن استعادته بطريقة مفرطة والعيش فيه، ونقل صراعاته إلى الحاضر، مشكلة تضاف للواقع لا حل يقدم له، أما السياق الذي يقدم فيه هذا التاريخ فيتلخص في العودة لمرحلة تاريخية غابرة ليس فيها إلا بقايا آثار ولا نستطيع أن نمسك فيها بمنظومة الحياة الكلية لتلك الحقبة، لأسباب ثقافية ولضعف الإمكان المعرفي والبحثي.
أمَّا ما يتعلق بالإشكال الثاني وهو تضخيم دور الهاشمية التاريخي والمعاصر، فهذا غطاء بجلباب أسود على الأسباب الحقيقية لحالة التردي الاجتماعي والسياسي لليمن، بالإضافة لعدم التسليم البحثي بهذه المقولة، وقد فصلنا فيها القول في متخيل الأقيال عن الهاشمية من ناحية التاريخ الهاشمي في اليمن، أما الإشكال الثالث وهو أهمها فتغييب الإشكالات الكبرى المؤثرة في تدهور اليمن ودخوله في حالة الاحتراب والصراع الاجتماعي، والتي منها، توغل منظومة الفساد المالي والإداري، وموقع اليمن الجغرافي وما خلقه لها من إشكال دولي انعكس عليها سلبًا، وطبيعة تضاريس اليمن وما هيأته من أرضية مناسبة لحركات التمرد والانفصال، وفساد غالب النُّخب السياسية، وفشل العلاقات الخارجية مع دول الجوار، ودور القبيلة وطبيعة السياسات الدولية في المنطقة، ونحوها من الأسباب العميقة التي لم تنل حظها من الدراسة والبحث لدى الأقيال وغيرهم، وكان لها الدور الحقيقي في ما وصلت إليه اليمن اليوم.