آثار

حرب 1200 سنة بين اليمنيين وبين العنصريين السلاليين (ج4)

الأكاذيب المؤسسة للعنصرية الهادوية الزيدية في اليمن

نواصل في هذا الجزء استعراض أكاذيب العنصريين السلاليين التي يستخدمونها لتثبيت حكمهم وسلطانهم على اليمنيين من خلال تحريض الجهلة من أتباعهم ضد اليمنيين تشكيكا في صحة دينهم وإيمانهم بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتبريرا للحرب ضدهم واستعبادهم واستحلال أموالهم.

ثالثا/ أكذوبة أن آل محمد ورثة الكتاب وهداة الأمة وحجج الله على أرضه:

ويترتب على هذه الأكذوبة أن السنة النبوية مرتبطة بالهداة من آل محمد الأمناء عليها في اعتماد الصحيح من غيره (عدا المتواتر والمجمع عليه). ومعنى هذه الأكذوبة أن الإسلام لا يؤخذ إلا منهم أو على طريقتهم فهم الهداة وورثة الكتاب وقامعوا البدع من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة. والدين ظهر في بيتهم وهم الأولى به من غيرهم. وهذه نقاط تبين حقيقة هذه الأكذوبة وتبين استحالتها شرعا وعقلا:

أ/ رسالة الإسلام للعالمين وليس لقومية ولا سلالة ولا أسرة

وأولا فإن مثل هذه الأكذوبة يهدمها أن الإسلام لم يكن أبدا متاعا خاصا لأسرة أو قبيلة مهما كانت هذه الأسرة أو تلك القبيلة، والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كان مبعوثا للعالمين وليس لأمة ولا لأسرة، وعندما كان الرسول الكريم يطوف على القبائل طلبا لدعمها وحمايتها له لتبليغ رسالته كان يرفض أبدا مطالب من يقبل نصرته وحمايته أن يكون جزاؤه وعدا بتولي أمر الدين والأمة (أو السلطة) من بعده، وفي بيعة العقبة عندما استفسره الأنصار عن جزائهم مقابل نصرته وحمايته ومعاداة بني الأحمر والأصفر قال لهم كلمة واحدة: (الجنة). وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم لم يصدر منهم (عدا تلك الساعة في سقيفة بني ساعدة) ما يدل على أنهم كانوا يؤمنون أن لهم حقا في الخلافة جزاء نصرتهم للإسلام والنبي الكريم، وجهادهم وإيوائهم له وأصحابه من المهاجرين.

ب/ تتلمذ أئمة آل النبي على الصحابة والتابعين

وثانيا/ فإن الصحابة الذين تلقوا الإسلام منه وتتلمذوا في مدرسته ونقلوا إلى الدنيا رسالة الإسلام لم يكن فيهم من أسرة النبي الكريم إلا عدد محدود فكيف لهم أن تكون ذريتهم دون غيرهم هداة الأمة وورثة الكتاب، وسفينة النجاة وحجج الله على أرضه، وكيف لهم أن يحتكروا الهدي النبوي وتبليغه للناس؟ فلا يمكن عقلا أن يحتكر فرد أو أفراد نقل تعاليم الرسالة والسنة عن النبي الكريم وقد كانت له أحوال ومواقف وأقوال كثيرة عامة وخاصة لم يحضرها أحد من أسرته ولا كل الصحابة ناهيكم من جاء بعدهم. وعلي بن أبي طالب نفسه لم يكن يعلم كل سنة النبي الكريم، وثبت عنه حتى عند الزيدية أنه كان يأخذ ما يجهله من الراوي بعد أن يستحلفه فإذا حلف صدقه.(1)  وهذا الصحابي ابن عباس (الذي التحق بالمسلمين في عام الفتح) كان تلميذا نجيبا للصحابة الذين سبقوه في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منهم العلم وورثه للتابعين من تلاميذه وفاق بعلمه كثيرا ممن سبقه من الصحابة ومن ضمنهم كل الهاشميين عدا الإمام علي. وكل كبار آل النبي الكريم ممن يوصفون بالعلم بعد علي وابنيه كانوا تلاميذ للصحابة الذين عاصروهم فأخذوا منهم العلم والهدي النبوي.

ومن الثابت أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كان من كبار التابعين وممن وثقه علماء الحديث، أخذ الحديث عن أبيه وابن مسور بن مخرمة، وأبي بن رافع مولى رسول الله صلى الله عيه وسلم، وذكوان مولى عائشة، وأبي هريرة وعائشة، وصفية بنت حيي، وأم سلمة وابنتها زينب بنت أبي سلمة، ومروان بن الحكم، وسعيد بن المسيب، وعمرو بن عثمان بن عفان. وروى عنه مجموعة متميزة من كبار العلماء والمحدثين ممن تتلمذوا على يده.

وكان ابنه محمد بن علي بن الحسين الباقر من كبار علماء عصره المشهود لهم بالعلم والفضل، ومن خيار أهل العلم والدين على حد تعبير ابن تيمية، أخذ العلم عن كثير من الصحابة والتابعين وروى عنهم كمثل الصحابة ابن عمر وعائشة وأم سلمة وأبي سعيد الخدري، ومن التابعين عبيد الله بين أبي رافع وحرملة مولى أسامة، وعطاء بن يسار، ويزيد بن هرموز. ومن أبرز تلاميذه الزهري والأوزاعي وعمر بن دينار، ومكحول بن راشد.

ومثلهما جعفر بن محمد الباقر كان من كبار العلماء وثقه ابن حبان وقال عنه الشافعي: ثقة. روى عن أبيه، وعبيد الله بن أبي رافع، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، وجده القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق تلميذ عائشة أم المؤمنين التي كفلته بعد مقتل والده وربته في كنفها، والزهري، وعكرمة. وروى عنه مجموعة كبيرة من كبار العلماء.

وأما زيد بن علي فيقر عبد الله حمود العزي محقق كتاب المجموع الحديثي والفقهي للإمام زيد بن علي في سرده لشيوخ زيد بن علي أن منهم صحابة وتابعين مثل الصحابيين عامر بن وائلة المعروف بأبي الطفيل (آخر من توفي من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين)، وجابر بن عبدالله الأنصاري(2)،  ومن التابعين عبيدالله بن أبي رافع، وعروة بن الزبير بن العوام، ومحمد بن أسامة بن زيد. ومن هؤلاء أيضا إبان بن عثمان بن عفان. وعلى الرغم من أن المجموع كما هو موجود لا يظهر فيه أثر من حيث الرواية لتتلمذ زيد بن علي على الصحابة والتابعين من غير أهل النبي الكريم إلا أن الإقرار بذلك يعني بوضوح أن علم النبي الكريم وسنته الشريفة لم يكن لها طريق واحد فقط، بل نقل بواسطة جمع غفير من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وكلهم كانوا هداة وحاملين لمشعل العلم النبوي، ونشروه في كل مكان. (3)

حرب 1200 سنة بين اليمنيين وبين العنصريين السلاليين (ج4)

ج/ مخالفة الهادوية لآئمة آل النبي ومذهب زيد بن علي

وثالثا/ فباستثناء مسألة الإمامة وخرافاتها والأكاذيب التي ألصقها الشيعة بها، ومعاملاتهم ذات الصبغة العنصرية فما هو الموجود عندهم من الهدي النبوي وغير موجود لدى المسلمين؟ ولو قارنا كتاب المجموع الحديثي والفقهي المنسوب للإمام زيد بن علي، ويعده زيدية اليمن أصح كتاب بعد القرآن الكريم، لوجدناهم أي الهادوية يخالفون عشرات من المسائل الاعتقادية والفقهية المهمة الموجودة فيه مما تتفق مع ما هو موجود لدى أهل السنة، ومع مخالفتهم تلك لاعتقادات وفقه أئمة آل النبي الكريم إلا أنهم يصنعون منها أسبابا للخلافات المذهبية وإثارة الأحقاد والإحن ضد غيرهم المسلمين وتحريض العامة منهم عليهم بحجة بغضهم للعترة! فهل خالف زيد هداة الأمة وحجج الله على أرضه أم هم الذين خالفوه؟ وكيف حصل هذا الخلاف في الدين وهم كما يزعمون أخذوا دينهم من مصدر واحد؟

[ولمن أراد الاستزادة والاطلاع على كامل هذه المخالفات فيمكنه الرجوع إلى كتاب (جناية ادعياء الزيدية على الزيدية) للشيخ الدكتور عبدالوهاب الديلمي رحمه الله تعالى، وكتابي: (القول الخفي في الذب عن مذهب الإمام زيد بن علي) و(الحدائق الوردية في بيان حقيقة أصول الدين عند الزيدية المتفق عليها مع سائر الامة المحمدية لعلي أحمد مفضل. ويعد كتاب العواصم والقواصم للعلامة محمد بن إبراهيم الوزير مرجعا لا نظير في مجال تتبع مخالفات هادوية اليمن (من داخل البيت نفسه كما يقولون) لاعتقادات وفقه أئمة آل النبي الكريم.].

وهذه نماذج فقط من مخالفات الزيدية الواضحة للإمام زيد بن علي في أمور العقيدة والفقه مما يصنع الهادوية منها معارك سب وتفسيق وتكفير للمسلمين من أبناء اليمن والتطاول على دينهم بحجة مخالفتهم لآل النبي وعترته: (4)

1- إثبات عذاب القبر عند زيد: النص رقم 17 في باب الطهارة. والنص رقم 540 في باب فضل الجهاد. وإثبات رؤية الله في الجنة النص رقم النص رقم (543)، وإثبات اليدين لله تعالى النص رقم (222)، وإثبات النزول الإلهي إلى السماء الدنيا النص رقم (257)، وإثبات القضاء والقدر النص رقم (653). (5)

2- صلاة التراويح جماعة في المسجد بأمر الإمام علي وتوجيهاته لمن يصلي بالناس في عدد ركعاتها ومتى يسلم ومتى يصلي الوتر بهم النص رقم ( 155).

3- الضم في الصلاة ووضع الكف على الكف تحت السرة النص رقم (235) في كتاب الصيام. (6)

4- إيمان أهل الجمل وصفين والنهروان وعدم تكفيرهم، النص رقم (656).

5- الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، النص رقم (600) باب فضل العلماء.

6- عدم استحقاق بني هاشم للخمس إذا استغنوا. النص رقم (549).

7- رفض القول بشرط الكفاءة في الزواج وأن المسلمين المؤمنين أكفاء لبعضهم دماؤهم واحدة ودياتهم واحدة ليس لبعضهم على بعض فضل. باب الأكفاء.

د/ افتراق آل النبي بين الأمصار والمذاهب

ورابعا/ فإن مما يبطل القول إن فئة من الناس هم وحدهم الأمناء على دين الله وعلى سنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، وأنهم الأمناء وحدهم في اعتماد الصحيح من غيره أنه مما هو في حكم الإجماع أن أهل النبي تفرقوا في الأمصار وبين المذاهب فكيف يمكن أن يقال إن فئة من مذهب واحد فقط هم هداة الأمة وحجج الله في الأرض ولا دين إلا ما جاء منهم وعنهم كما يقول السلاليون العنصريون في اليمن؟

وفي كتابه الشهير/ العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ أورد العلامة صالح المقبلي قولا حاسما ردا على من يزعم وجود إجماع لأهل النبي في قول ما مؤكدا أن أهل النبي لا يمكن نسبة إجماعهم على قول واحد بسبب تفرقهم بين البلدان والمذاهب فقال رحمه الله: [ إن هذه العترة الطيبة قد تفرقت في البلاد، وملأت الأغوار والأنجاد، ومن كان في إقليم من الأقاليم وقطر من الأقطار إنما هو على مذهب أهل تلك الجهة في غالب الأمر لم يتوصلوا كلهم بمذهب واحد في مهمات الأصول كيف نوادر الفروع؟ ثم من هذه الذرية شافعية في الفروع أو حنفية أشعرية في الأصول متظهرون بذلك المحقق السيد الشرف الجرجاني وغيره، وفي المحدثين الكثير الطيب علماء مجتهدون منتسبون إلى المذاهب الأربعة مصنفون فيها إذا طالعت كتب الرجال وما يصفونهم به عرفت أن الذين في الزيدية من أهل البيت لا يزيدون عن غيرهم من أهل البيت عددا ولا صفة، وكل يدعي أنه المقتفي لآثار القدماء من أهل البيت علي والحسنين ونحوهم رضي الله عنهم… بل إذا نظرت في أنساب الفاطميين وجدت الزيدية نزرا يسيرا.]. (7)

وردا لكذوبة أن ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قرناء الكتاب وحكماء السنة مع تفرقهم في كل الطوائف السنية والشيعية يقول المقبلي: [ وهذا السؤال بعينه وارد على من زعم أن العترة والكتاب لن يفترقا عملا بحديث الترمذي، وأن معناه أن العترة دليل الحق فإذا ذهبوا إلى شيء فهو حق وذهابهم إليه يغنينا عن الدليل، فيقال: ذرية النبي صلى الله عليه وسلم بل قرابته افترقوا في الأمة على حد افتراقها ففي كل من طوائف السنية والشيعية الكثير الطيب، وفي أقوالهم التناقض الذي لا يخفى لا سيما كبار المسائل التي هي ضلال قطعا كما يأتي الحديث في هذه الأبحاث، ولا تنقض في الكتاب العزيز، ويلزم ذهاب خصوصية أهل البيت إذ لم ينفردوا بمقالة تجمعهم وتخصيص فرقة إن كان بدليل خارج كان يقول دل الاستقراء على صحة مذهب هذه الفرقة..]. (8)

ه/ ضعف علوم الحديث والجرح والتعديل عند الهادوية الزيدية

وخامسا/ إن من أقوى نواقض أكذوبة أن علم السنة النبوية المطهرة لا يؤخذ إلا من طائفة معينة ما هو مشهور وثابت عن الهادوية الزيدية في اليمن من ضعف علوم الحديث عندهم وقلة بضاعتهم في علم الجرح والتعديل مما يجعلهم غير مؤهلين لنقل السنة النبوية ولا معرفة الصحيح من غيره فيها بطريقة علمية دقيقة يطمئن إليها. ومن باب أولى أن يكونوا أولى من غيرهم في فقهها وفهم المراد منها وتعليمها. وفي مقابل هذا الضعف وقلة البضاعة فإنهم يتطاولون على أئمة الحديث ويشككون في رواياتهم ودينهم وتلاعبهم بالحديث النبوي خدمة للملوك والسلاطين وفق زعمهم.

وعن طريقة الهادوية في فهم النصوص النبوية مع قلة بضاعتهم في علوم الحديث وتعسفهم السنن الواضحة رغم أنها متواترة المعنى قطعا مثل التأمين ورفع اليدين عند التكبير ووضعهما على صدره يقول المقبلي: [.. لا ينكر هذا إلا من جهل حقيقة الحال لكن القوم بهم لُدُدّ عن نحو هذا لبعدهم عن الحديث، إنما يقتطعون من كتب الحديث ما يتقوون به لقلة الرواية في كتبهم الأصلية. وأما المتأخرون فقد أخذوا من سنن أبي داود ونحوها ووضعوا لهم كالشفاء ( أي كتاب شفاء الأورام) وأصول الاحكام بغير إسناد بل مراسيل في الظاهر فلا يقدر أحدهم على إسنادها اللهم إلا إلى أصولها من كتب المحدثين لكن الدعوى أنها متصلة بغير حاجة إلى المحدثين، والحقيقة خلاف ذلك، والمسند كما في كتابي الهادي (الأحكام والمنتخب) وكتاب أحمد بن عيسى (الأمالي)، وكتاب محمد بن منصور، وشرح التجريد ونحوها لا يقدرون على معرفة رجالهم إلا من جهة المحدثين لأنه ليس لهم وضع في الجرح والتعديل بل قال سيدهم الإمام المهدي: إن قبول المراسيل أسقط علم الجرح والتعديل فلا يحتاج إليه المجتهد.. فلا هم استغنوا عن المحدثين لتأدية ذلك إلى اطراح السنة كمذهب الإمامية والخوارج، ولا هم رجعوا إلى المحدثين صريحا..]. (9)

وفي العواصم والقواصم للعلامة ابن الوزير رد على شيخه علي بن أبي القاسم الذي أساء إلى أئمة المذاهب الأربعة فوصف الإمام مالك بن أنس بالبلى وأبا حنيفة بأنه جاهل بالعربية والحديث، وشكك في إسلام الشافعي ومالك، وقطع بكفر أحمد بن حنبل، دافع ابن الوزير عن هؤلاء الأئمة العظام فقال مستنكرا قوله مذكرا له أن الزيدية عالة عليهم:

[ ..إذا كان هذا في الأئمة الأربعة الذين طرزت بأقاويلهم كتب الزيدية، ورسخت بمذاهبهم تصانيف العترة الزكية، وعطرت بذكرهم حِلق الذكر بكرة وعشية،..]. (10)

وقد أجمل الشيخ الدكتور عبد الوهاب الديلمي (رحمه الله تعالى) في كتابه (جناية أدعياء الزيدية على الزيدية) ردود العلامة محمد إبراهيم الوزير التي فندت أكذوبة أن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هم المصطفون الذين أورثهم الله الكتاب وأوجب سؤالهم عند الارتياب لأنهم أهل الذكر المقصودون في قوله تعالى: [ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون] النحل 43.. نثبت بتصرف أبرز ما فيها: (11)

DALL·E 2024 10 01 19.56.20 An illustration of an elderly Yemeni scholar sitting and writing in a traditional 18th century setting. The scholar has a long beard and is wearing a حرب 1200 سنة بين اليمنيين وبين العنصريين السلاليين (ج4)

عن ضعف الهادوية الزيدية في الجرح والتعديل:

[ ويجدر بنا هنا أن نذكر منهج الزيدية في الجرح والتعديل، والقواعد المتبعة عندهم في قبول الحديث، حتى تعرف عِظم الجُرم الذي أقدم عليه صاحب كتاب: “الزيدية..”(12)  في رمي أهل الحديث بالكفر والنفاق:

١- في مقدمة الأزهار، تأليف العلامة أحمد بن يحي بن المرتضى أنّ التقليد في مسائل الفروع لا يجوز إلا لغير المجتهد، بمعنى أن من كان قادراً على الاجتهاد فلا يجوز له التقليد، وهذه منقبة تذكر للمذهب الهادوي، غير أن ما يدعو إلى العجب أن من أخذ بهذه الدعوة إلى الاجتهاد، فخرج من ربقة التقليد ممن تأهل لذلك، نجد بعض معاصريه من الهادوية، (المنسوبين إلى المذهب الزيدي)، ينقمون عليه، ويعادونه ويعتبرونه مخالفا لما عليه أهل البيت بل قد يناله منهم من السباب والشتائم والأذى ما يحمل بعضهم على العزلة، أو مفارقة الوطن، ومن هؤلاء الذين واجهوا مثل هذا الأذى:

١- محمد بن إبراهيم الوزير (ت ٨٤٠هـ).

2- صالح بن مهدي المقبلي (ت ۱۱۰۸ هـ).

3- محمد بن إسماعيل الأمير (ت ۱۱۸۲ هـ).

٤- محمد بن على الشوكاني (١٢٥٠هـ)، وغيرهم.

فتجد الدعوة إلى الاجتهاد في واد، والواقع العملي في واد آخر، وهذا يذكرني المثل المصري، الذي يقول: “العب ولا تتحرك” وكذا هؤلاء كأنهم يقولون: اجتهد، ولكن لا تخرج عن مذهبنا!

ثانياً: هناك نصوص لأهل العلم تدل على عدم عناية علماء الزيدية بعلم الجرح والتعديل، وطرق معرفة الصحيح من الضعيف من الأحاديث النبوية، فهذا الإمام محمد بن إبراهيم الوزير، وهو علم من أعلام أهل البيت يقول في كتابه: “الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم” ما لفظه:

“قال(13)  والضابط في ذلك أنّ ما صححه أئمتنا من ذلك فهو صحيح، وما ردوه أو طعنوا في روايته، فهو مردود، مثل خبر الرؤية، عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله وإنما كان ما ردوه أو جرحوا راويه مردوداً ومن جرحوه مجروحا لوجهين:

أحدهما: أن أئمتنا عدول، لصحة اعتقادهم واستقامة أعمالهم، والقطع أنّه إذا جرح الراوي جماعة عدول فإن جرحهم مقبول؛ لأنّ الجارح مقدم على المعدل.

الثاني: أنها إذا تعارضت رواية العدل، الذي ليس على بدعة، ورواية المبتدع قُدمت رواية العدل الذي ليس على بدعة، وهذا مجمع عليه.

أقول [والقائل ابن الوزير]: الجواب على هذه الجملة يظهر بذكر وجوه جُملية، ووجوه تفصيلية، أما الجملية:

فالأول منها: أن نقول: ما مرادك بالأئمة هاهنا هل الجميع أو البعض منهم؟  إن أردت البعض، فقولهم ليس بحجة لا عند الزيدية، ولا عند أهل الحديث، وإنما هم من جملة الثقات، الذين يجوز – عند جميع المسلمين – أن تعارض رواياتهم برواية من هو مثلهم، أو فوقهم في الحفظ والصدق، فإنّ كل ثقة، يجوز وجود من هو مثله، أو فوقه، في باب الرواية، ولم نعلم أحداً من مصنفي الزيدية والمعتزلة، جعل الخلافة، ولا نسب فاطمة رضي الله عنها، من أسباب الترجيح في الرواية، على أنّ في ولد فاطمة رضي الله عنها: الشافعي والحنفي والمالكي، والحنبلي، كما أنّ فيهم الزيدي، والإمامي، وقد بينا من قبل اختصاص أحاديث البخاري ومسلم بوجه من وجوه الترجيح، لا يوجد في غيرهما، وهو تلقي الأمة لأحاديثهما بالقبول، وبيّنّا أن أهل البيت وأئمة الزيدية، من جملة من تلقى أحاديثهما بالقبول.

وإن أردت الكل من الأئمة، فما أردت أيضاً بتخصيصهم بالذكر؟ هل توهمت أنّهم هم جميع أهل البيت حتى ينعقد بإجماعهم إجماع أهل البيت؟ هذا وهمٌ فاحش، فلم يقل أحد أن أهل البيت هم الخلفاء دون غيرهم، على أن القول بأن إجماع أهل البيت حجة مسألة خلاف بين أهل البيت، فإنّ فيهم من لا يقول بذلك: أعني في الزيدية منهم، أما سائر الفرق فظاهر، فهؤلاء المعتزلة أقرب الفرق إلى الزيدية، يخالف أكثرهم في هذه المسألة. أقصى ما في الباب أن إجماعهم حجة قاطعة، لكنّا قد بيّنا من قبل أنهم مجمعون على صحة أحاديث كتب السنة التي صححها أئمة الحديث، وبيّنا أنهم يعولون في أحاديث الأحكام عليها، ويفزعون في مهمات حوادث الشريعة إليها، وأن ذلك مستمر شائع ذائع في ديارهم، من غير ظهور نكير، وهذه إحدى طرق الإجماع، أقصى ما في الباب أن تنازع في صحة هذا الإجماع، فلا أقل من ثبوت الخلاف بينهم في صحة كتب الحديث، وهذا القدر: أعنى أن فيهم من يقول بذلك معلوم لا يمكن إنكاره، ومع ذلك بطل عليك إجماعهم، ولم يكن في الاحتجاج ببعضهم اولى من خصمك في الاحتجاج بمن خالف من قلدته، ونازع من تابعته.

الوجه الثاني: أن قولك بالرجوع في الحديث، وتصحيحه وتضعيفه، وردّه وتعليله إلى أئمة الزيدية، يحتاج إلى تمهيد قاعدة وهي: أن يكون أئمة الزيدية قد صنّفوا في معرفة صحيح الحديث ومعلوله ومردوده ومقبوله، ما يكفي أهل الاجتهاد من أهل الإسلام والمعلوم خلاف ذلك، فإنّ من أهل الاجتهاد من لا يقبل المرسل ومنهم من لا يقبل من وقفه الأكثرون ورفعه بعض الثقات أو وصله وقطعوه، أو أسنده وأرسلوه، ومعرفة هذا يحتاج إلى تأليف في العلل، والذي صنف كتب العلل هم علماء الحديث كالدار قطني وغيره، وليس لأئمة الزيدية في ذلك تصنيف البتة، ومن لم يفرد للعلل تأليفاً من المحدثين ذكرها في تأليفه في الحديث، كما يصنع أبو داود والنسائي وغيرهما، بخلاف من جمع الحديث من الزيدية، فإنه لا يتعرض لذلك. وكذلك المجتهد يحتاج عند تعارض الأحاديث إلى معرفة الراجح بكثرة الرواية، أو زيادة معدليهم أو كون بعضهم مجمعاً عليه وبعضهم مختلفاً فيه، وهذا يحتاج إلى معرفة فنّين عظيمين:

أحدهما: معرفة طرق الحديث، وهو فن واسع لا يعرف للزيدية فيه تأليف، وقد تعرض لذلك جماعة من أهل المسانيد والصحاح والسنن من المحدثين، وجمع الحافظ الماسرجي (14) في ذلك “المسند الكبير” الذي فرغ في قدر ثلاثمائة مجلد كبار، واختصر الحفاظ منهم أحاديث الأحكام، وجردوها من هذه المؤلفات الواسعة، وذكروا ما تجب معرفته من وجوه الترجيح على أخصر ما يمكن تسهيلاً على الأمة، وتمهيدا لقواعد الملة.

الفن الثاني: علم الجرح والتعديل، وما فيه من تعريف مراتب الثقات والضعفاء، الذين لا يتم ترجيح حديث بعضهم على بعض، إلّا بعد معرفته، وهو علم واسع، صنف الحفاظ فيه الكتب الواسعة الحافلة، حتى جمع  الفلكي (15) فيه كتابا فُرّغ في ألف جزء، ثم لم يزل الحفاظ يهذبون ويختصرون ما لا بد من معرفته، حتى انضبط ذلك – بعد الانتشار الكثير – في مقدار الخمسة مجلدات أو ما يقاربها، وليس للزيدية في هذا الفن تأليف البتة، وهذه علوم جليلة لا بد من معرفتها عند من يعتقد وجوب معرفتها، من أهل الاجتهاد، فقول المعترض: إنّ الواجب هو الرجوع إلى أئمة الزيدية في علم الحديث، قول مغفل، لا يعرف أن ذلك مستحيل في حق أكثر أهل العلم الذين يشترطون في علوم الاجتهاد ما لم تقم به الزيدية، وإنّما هذا مثل من يقول: إنه يجب الرجوع في علم الطب إلى الآثار النبوية، والآثار الصحابية، ولا يجوز تعديها إلى غيرها، ومثل من يقول : إنّه يجب الرجوع في علم الأدب إلى أئمة الزهاد، وأقطاب أهل الرياضة… إلى أن قال:  فكذلك أئمة الزيدية ليس لهم من التأليف في علم الحديث ما يكفي المجتهدين، فما للمعترض والتعرض لانتقاص المحدثين، الذين قاموا بما قعد عنه غيرهم من علوم الدين، وهذا أمر يعرفه من له أدنى تمييز، وإنما أُتي المعترض – في انتقاص المحدثين – من قلة الإنصاف ومحبة الاعتساف، والله درّ القائل:

أقِلُّو عليهم – لا أبا لأبيكم

من اللوم أو سُدّوا المكان الذي سَدُّوا.

الوجه الثالث: أنّا لو رجعنا إلى تصانيف الزيدية في الحديث لكنا قد رجعنا إلى أضعف مما استضعفت، وأنكر مما استنكرت، وذلك لأن المصنفين من الزيدية في الحديث، ليس إلا: القاضي زيد والإمام أحمد بن سليمان، والأمير الحسين، والإمام يحي بن حمزة، هؤلاء الذين توجد تصانيفهم في أيدي الزيدية في نجد اليمن”. ثم قال:

أما القاضي زيد فقد ادّعى في شرحه الذي يروي فيه الحديث إجماع الأئمة قبول خبر أهل الأهواء. وأما الإمام أحمد بن سليمان، فقد صرّح في خطبة كتابه بالنقل من كتب المحدثين، بل ذكر أنّه جمع كتابه من كتب مسموعة، وكتب غير مسموعة، ولم يميز ما رواه من الكتب المسموعة، مع أنّ كتابه عمدة عند علماء الزيدية، معتمد عند المجتهدين منهم. وأما الأمير الحسين، فينقل من كتب المحدثين وهما معاً ينقلان من كتاب القاضي زيد، وكل كتبهم خالية من الإسناد، وبيان من خرَّج الحديث من الأئمة، وأما الإمام يحيى بن حمزة، فينقل عنهم الجميع، وعن جميع أهل التأويل، ويصرح بذلك، وأما من لم يصنف في الحديث، من أئمة الزيدية، ولكن توجد الأحاديث في كتبهم، ففيهم من يصرح بقبول أهل الأهواء وفسّاقهم وكفارهم، كالمؤيد بالله، مع إجماع الزيدية على قبول ما أرسله بل قال المؤيد: إنّ الظاهر من قول أصحابنا: قبول شهادة كفار التأويل بلفظ أصحابنا، وهذا يقتضي روايته لذلك عن جميع علماء الزيدية، وهو مجمع على ثقته عند الزيدية، فوجب قبول روايته، وهي تقتضي أنّ الرجوع إلى حديث الزيدية مشكل على من لا يقبل حديث كفار التأويل، وكذلك المنصور بالله فإنه قال في المهذب ما لفظه: “وقد ذكر أهل التحصيل من العلماء جواز قبول أخبار المخالفين في الاعتقادات، وروى عنهم المحققون بغير مناكرة” هذا لفظه…].

الهوامش:

  1. الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير، ص 102، دار عالم الفوائد. وفي مجموع زيد أمثله على عدم معرفة علي بعض الأحكام مثلا في محرمات الرضاعة النص 457. وتعد واقعة حرقه للزنادقة على غير الهدي النبوي الناهي للتعذيب بالنار.
  2. يتحفظ بعض الباحثين على تتلمذ زيد بن علي على الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري الذي مات وزيد في سن صغيرة.
  3. في تتلمذ آل النبي الكريم على الصحابة والتابعين ينظر في كتب أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي، وكتاب زيد بن علي آراؤه الاعتقادية: دراسة وتحليل ونقد لشريف الشيخ صالح أحمد الخطيب.
  4. ينظر كتاب المجموع الحديثي والفقهي المعروف باسم مسند زيد بن علي، تحقيق عبد الله حمود العزي، ط2 2009، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية.
  5. النص الذي أورده عبدالله العزي في المجموع الحديثي والفقهي ينقصه (وغالبا حذفت من النص) عبارة واضحة عن الإيمان بالقضاء والقدر لكن أثبتها أحمد علي مفضل صاحب الحدائق الوردية ص 92 هامش 3 نقلا عن تتمة الروض النضير للعباس بن احمد الحسني، ونص العبارة هو ( فإن من زعم أن في الأرض شيئا لم يقدره الله ولم يقضه ولم يخلقه فقد زعم أن مع الله إلها آخر يقضي ويقدر سبحان الله عما يقولون علوا كبيرا)
  6. يعتمد هادوية اليمن في إرسال اليدين ورفض الضم بل معادته ووصفه بأنه بدعة وتشبه باليهود تقليدا ليحيى بن الحسين إمام المذهب دون أن يكون لديه أي سند علمي إلا أنه يرويه عن آبائه دون أن يورده في أي كتاب من كتبه. يراجع كتاب الفروق البهية بين الفرق الإمامية والفرقة الزيدية للعلامة محمد أحمد الكبسي وفيه يروي حكاية غريبة عن التقليد الأعمى لكبار فقهاء المذهب ليحيى الرسي ونبذ ما أثبته الإمام زيد.
  7. العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ، الإمام صالح بن المهدي المقبلي، ص55.
  8. العلم الشامخ، ص59.
  9. العلم الشامخ، ص 292 و293.
  10. العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، الإمام محمد بن إبراهيم الوزير، ص 190، ج1.
  11. جناية أدعياء الزيدية على الزيدية، د. عبد الوهاب الديلمي، ص 140 -144.
  12. يقصد شقيقه أحمد الديلمي صاحب كتاب الزيدية بين محب غال ومبغض قال/ وهو احد عتاة التعصب المذهبي العنصري في الهادوية الزيدية.
  13. يقصد بالقائل صاحب الرسالة التي كانت باعثة لابن الوزير على تأليف هذا الكتاب، والتي أشار إليها في مقدمة كتابه هذا ص ۸ – ۹.
  14. الصواب: الماسرجسي: وهو الحسين بن محمد بن أحمد أبو على ث ٣٦٥ هـ انظر الأعلام (۲۷۷/۲).
  15. هو: علي بن الحسين بن أحمد الفلكي الهمداني ت ٤٢٧ هـ. الأعلام: (5 / 89).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى