يُحدِّثُنا مَرُّ الزمانِ وحالُهُ
فيُصْغِي لهُ سَمْعُ اللبيبِ وبالُهُ
فكمْ عِبَرٍ تَندَى بكُلِّ نصيحةٍ
وكمْ ناظرٍ فيها يَقِلُّ احتفالُهُ
وفي الحِكمةِ الحُسنَى ضياءٌ لِسَالكٍ
فكيف بِسَارٍ ضَلَّ عنهُ هِلالُهُ
فمَنْ مرَّ في دربِ الحياةِ بحِكْمةٍ
نَماْ عَقلُهُ فيها وشَعَّ كَمالُهُ
ألا بئسَ مَنْ جاءَ الحقيقةَ مُعرِضًا
وأرعَى لصوتٍ في حَشاهُ ضَلالُهُ
إذا المرءُ قَضَّى عَيْشَهُ مُتَلَهِّيًا
فقدْ ضاعَ منهُ عُمْرُهُ ومآلُهُ
وإنْ عَبدَ الدنيا ويَطمَع بعدَها
بجَنةِ خُلْدٍ لمْ يَصلْهُ مَنالُهُ
وفي طاعة المولى نعيمٌ ولذَّةٌ
ونُورٌ على وجهٍِ يَزينُ جَمالُهُ
هوَ الدهرُ يَمضيْ والحُتوفُ بمَرصَدٍ
فلا حَيَّ إلّا والمماتُ زوالُهُ
ألا إنَّ لذَّاتِ الحياةِ مَشُوبةٌ
وكلُّ ظَليلٍ لا تُقِيمُ ظِلالُهُ
هِيَ الدارُ دارٌ للتبدُّلِ والفَنَاْ
فلا يأمنُ الحيُّ المَخُوْفَ يَطالُهُ
ومَنْ فرَّ مِنْ بُؤسِ الحَياةِ وهَمِّها
إلى مَنكِبِ الجوزاْ القَصِيِّ عَلاْ لَهُ
إذا رَحُبَتْ دنياكَ في غيرِ طاعةٍ
ففيْ رُحْبِها ضِيْقٌ فَسِيحٌ مَجالُهُ
وفي الموتِ مِنْ طُوْلِ البَليَّةِ راحةٌ
لِميْتٍ إلى الجَناتِ صارَ انتقالُهُ
فلا تُذهِبِ الدنيا بلَهْوٍ وغفْلةٍ
فمَنْ عاشَها لهواً يَسوءُ مآلُهُ
ومَنْ عقَّ ظُلمًا والديهِ ولم يَتُبْ
إلى اللهِ صِدْقًا لمْ تُطِعْهُ عِيالُهُ
ومَنْ أصبحَ الدُّولارُ في العيشِ ربَّهُ
سواءٌ عليهِ حِرْمُه وحَلالُهُ
وكلُّ وَصولٍ في الحياةِ لِغايةٍ
-فَبَانتْ لأمرٍ- لا يَدومُ وِصَالُهُ
سيندمُ مَن يُلغِيْ نصائحَ مُشفِقٍ
ويَذكرُها لمَّا يَحيقُ وبالُهُ
ومَنْ يَعتقدْ أنَّ الصوابَ برأيهِ
على كُلِّ حالٍ بَانَ فيه خَبالُهُ
ولَلَجهلُ للإنسانِ خيرٌ ونِعمةٌ
إذا ساءَ بالعلمِ الغَزيرِ خِصالُهُ
متى اعوجَّتِ القُدْواتُ عنْ نَهْجِها غَدَتْ
نُموذجَ سوءٍ لا يُرامُ مِثالُهُ
وما أَكملَ المرءَ التَّقِيَّ إذا استوَتْ
على الحقِّ أقوالٌ لهُ وفِعالُهُ
وكمْ صُورةٍ حُسنَى يَرُوقُكَ حُسْنُها
وفي طَبْعِها قُبْحٌ وَسِيعٌ مَجالُهُ
إذا المرءُ ساءتْ في الأنامِ فِعالُهُ
فليسَ شفيعًا حُسنُهُ وجَمالُهُ
أَرى الناسَ إنْ أثَرى الفتى زادَ قَدْرُهُ
لديهمْ ولو كانتْ تُذمُّ خِلالُهُ
وذو العَقلِ مَكسورُ الجَناحِ مُعذَّبٌ
ولا ذنبَ إلّا أنَّهُ قَلَّ مالُهُ
إذا ما امرؤٌ لم تُغنِ عنهُ يَمينُهُ
فليستْ سَتُغنيهِ بشيءٍ شِمالُهُ
وفي المالِ عَونٌ في الحياةِ وعِزَّةٌ
وخِدْنٌ وفِيٌّ لا يُخافُ مَلالُهُ
إذا أحسنَ الحُرُّ اكتسابَ حَلالِهِ
فأكرِمْ به خِلّاً يَطيبُ وصالُهُ
ودَعْ يومَكَ المُثرِيْ يَجودُ لِقادمٍ
فرُبَّ دُجىً آتٍ يَغيبُ هِلالُهُ
تَرى الناسَ –إلا النَّزرَ- ما بينَ حاسدٍ
وآخرَ مِهزاءٍ أليمٍ مَقالُهُ
فإنْ كنتَ في فقرٍ جَفَوكَ لِذِلَّةٍ
وقالوا: فقيرٌ لا يُطاقُ احتمالُهُ
وإنْ كنتَ ذا يُسْرٍ رَماكَ بِبَغيِهِ
حَسودٌ بِوَقْدٍ ليس يَخبو اشتعالُهُ
إذا ما عَزيزُ الناسِ أضحى مُذَمَّمًا
لِعِزّتِهِ فالدَّهرُ جَمٌّ وَبَالُهُ
وساءَ زمانٌ سَادَ فيه أراذلٌ
فيا ليتَهُ للبُعْدِ يَدنو ارتحالُهُ
وما حازَ مَجداً مُؤْثِرُ اللهوِ والهَوَى
ولا نالَ نُبْلاً مَنْ هواهُ دَلالُهُ
إذا صلحَ الأولادُ دِيْنًا وعِيشةً
فَهُمْ رَوْضُ إسعادٍ يَطيبُ ظِلالُهُ
وإنْ فَسدوا كانوا جَحيمًا وغُصَّةً
يَضِيقُ بهِمْ وُسْعُ الحياةِ وحالُهُ
تَضيقُ بيوتُ الناسِ مهما تَوسَّعتْ
بِجَارٍ على الإيذا تُقيمُ فِعالُهُ
وفي البُعدِ عن دارِ الأقاربِ راحةٌ
لِكلِّ امرئٍ فيهمْ كثيرٍ عيالُهُ
وإنْ خافَ مِنْ ذنبِ العقوقِ لوالدٍ
ووالدةٍ أوْ ظُلْمَ زوجٍ يَخالُهُ
وإنَّ عدوَّ الدِّينِ لو رُمتَ وصْلَهُ
بحربِكَ دِينَ اللهِ ما جاْ وِصالُهُ
فيا واقعًا مازالَ لُغزًا مُحَيِّرًا
وأحداثُهُ سُقْمًا يَطولُ اعتلالُهُ
سألْنَا ولكنْ لا جوابَ لِسُؤْلِنا:
متى يَنجلي ليلُ الأَسى وخَيالُهُ؟!
أرى في سماءِ العَصرِ أسرابَ مُنذِرٍ
تُخبِّرُ عن آتٍ عظيمٍ نَكالُهُ
ولكنَّ عُقباهُ إلى الخيرِ تَنتهِي
فَمِنْ ربِّنا الخيراتُ جَلَّ جَلالُهُ