بسم الله وبه نستعين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد ،،،
في الجزء الثاني من هذه الأجزاء التي تتحدث عن حركة النهضة التونسية من النشأة إلى الحكم محطات في مسير التطور والتعثر نواصل فيها عرض ما تم طرحه من رؤى وأفكار ورصد وأبحاث من المختصين والمهتمين لهذه الحركات الناهضة في مجال الدعوة والخير والبناء للأمة العربية والإسلامية عوداً على بدء من تأريخ الحضارة الإسلامية التي بسطت خيرها على الأرض في مراحل تاريخية متعددة على نِسَبٍ متفاوتة من الإسلام الكامل والشامل إلى إسلام غالب على مجالات غائب عن بعضها حتى غاب بشكل كلي عن أغلب مجالات الحياة والإنسان إلا بعض قلة من الإيمان الحقيقي والحكمي، غير أن سلطان الإسلام لم يغب عن سلطان الزمن كمثل ما هو حاصل بعد سقوط الخلافة الإسلامية وتفتت الوحدة الإسلامية، حتى قيض الله من الحركات والتكتلات الإسلامية من يقوم باستعادة الإنسان والسلطان إلى حضيرة الإيمان والتأثير توحيد الخالص فكان المسير الشاق المحفوف بالمخاطر من الداخل والخارج على حد سواء.
وهنا تبرز مجموعة أسئلة لتجيب عنها هذه المقاربة النسبية وهذه الأسئلة تتمحور حول السياسات والأداء عند النهضة بعد الثورة التونسية :
سؤال النهضة والنظام القديم وتحالفاتها السياسية.
سؤال تجربة الانتقال الديمقراطي والتحدي الشعبوي.
سؤال التحدي الاقتصادي والتنموي.
سؤال تأثير الإعلام على أداء النهضة.
سؤال تأثير الأوضاع الإقليمية والدولية على أداء النهضة.
سؤال القوى الصلبة وموقف النهضة منها.
(1)
سؤال الحركة والنظام القديم وتحالفاتها السياسية [1].
تجربة النهضة تحتاج لفهمها والبناء على منجزاتها وتجاوز أخطائها، وتحتاج توفر الحد الضروري من الموضوعية والمعطيات التي تكشف عن صورتها. فقد كانت علاقة النهضة بالنظام القديم علاقة تحالف سياسي، حيث هي ثورة متسامحة في زمن عسكر الثورات لفُجائيتها وانهماك القوى السياسية في عمل سياسي حر مفاجئ، وكذا الحرية مقدمة لدى الثورة ، وكان التحول من الزخم الثوري إلى الانتقال الديمقراطي، وتسامح القوى السياسية لانطلاقها من الدستور.
وقد ظل جسم النظام القديم موجودا إلى آخر سنة 2011م حال الثورة ، بل كان فاعلا أساسيا ظاهرا قائما وحاكما.
بعد انتخابات 2011م كانت القوى الجديدة هي النهضة والمؤتمر بقيادة المرزوقي والتكتل بقيادة بن جعفر بما يسمى ائتلاف الترويكا، وكانت الصورة الواقعية وقوة الحقيقة الانتخابية هي التي تفرض الخيارات على النهضة. فالخيار السياسي خيار واقعي.
وكانت مسيرة النهضة وفق هذه الواقعية والخيارات على مراحل:
• المرحلة الأولى دامت سنة ونصف أعطت النهضة خيار علاقاتها وتحالفاتها مع القوى الجديدة/ تجربة الترويكا، وهذه السنة والنصف هي مدة حكم فعلي من بداية 2012 وحتى منتصف 2013م ، بعدها بدأ ميزان القوى يتغير حيث النظام القديم ذهب رأسه وظل حاكما خلال سنة 2011 ، وقد تمكن من العودة وتشكل في عباءة نداء تونس بقيادة الباجي السبسي، وهو إطار لتجميع القوى المناهضة للنهضة والثورة والديمقراطية ، اجتمعت ولا جامع بينها وذلك لبروز الحركة الإسلامية وهذا ليس أمرا سارا في حقهم .
تحالف النهضة مع القوى الجديدة رغم ضعف هذه القوى مقارنة بها كان من منطلق الحقائق الانتخابية، فقد حصلت النهضة على 86 مقعدا ، والمؤتمر 29 مقعدا والتكتل 20 مقعدا .
• المرحلة الثانية ما بعد انتخابات 2014م ، وهنا انعطافة جديدة بتقدم النظام القديم في المرتبة الأولى ، لتحل بعده النهضة في المرتبة الثانية ، أما حزب المؤتمر فحصد 4 مقاعد ولم يحصد حزب التكل أي مقعد.
هذه الحقائق الانتخابية التي هي إفراز الصندوق فرضت على النهضة خيارات التحالفات وطبيعتها، فتعمل مع الموجود ولو لم تحبه ولا تعمل مع غير الموجود وإن كانت تحبه.
كانت تونس في أزمة الاغتيالات 2013م التي هي مدخل لإسقاط التجربة وحوصر المجلس التأسيسي وشُلّت حركته حتى تم إغلاقه.
السبسي كانت روحه ديمقراطية ومشروعه النداء وكل القوى المناهضة للثورة بما فيها اليسار الجناح المتطرف للمنظومة القديمة، وقد تَرجم السبسي بروحه الديمقراطية من خلال لقاء باريس بينه وبين الشيخ راشد الغنوشي للتحالف بينهما، وقد كان إلاّ إنه كان تحالفا فوقيا على مستوى الشيخين ولم يترجم إلى المؤسسات رغم محاولة النهضة ذلك وذلك لوجود الشخصيات اليسارية الكثيرة التي رفضت نزول هذا التحالف إلى الهياكل والفعل، وقد حقق هذا التحالف استقرارا مؤقتا .
مشروع النهضة كان ممثلا في تحقيق:
التحالف وتكون جزءا وقائدا لمنظومة الحكم وهذا تحقق في تحالف 2012 – 2013م . ثم كان التحالف الثاني بفعل الحقيقة الانتخابية والواقعية السياسية مع نداء تونس بعد انتخابات 2014م .
كان انطلاق تجربة النهضة مع النظام القديم من معطيات الواقع ، فقد قاطعوا في مرحلة معينة وتحالفوا معه في مرحلة أخرى بحسب هذه المعطيات، وهي بهذا الانطلاق لم تتخلى عن خيار بناء دولة جديدة ، فالسبسي شجرة تُخفي تحتها غابة من الاستئصاليين ، إذ بغيابه انكشفت وجوه الاستئصاليين، وانتهت إلى هذا التوقيت بشعبوية يمينية مقيتة.
كان تعامل النهضة مع النظام القديم بموضوعية، ولديها أخطاء وكذا انجازات وثراء في فعلها .
(2)
سؤال تجربة الانتقال الديمقراطي والتحدي الشعبوي[2].
كل تجارب الانتقال الديمقراطي تتميز بجملة خصائص تمثل ثغرات ونقائص، وليست تونس بدعا من هذه الوضعية، وهذه التغرات هي : الهشاشة ، العرضية ، التردد، الارتجال ، الشك والبحث عن إحداثيات ممارسة، يضاف لتونس عنصران أساسيان :
مفاجأة الثورة ، غياب القيادة الموحدة، وهذه الأمور قادت وضع تونس إلى التعطل والتعثر والانحباس السياسي ، والتوقف في الاقتصاد. وما نجحت فيه تونس هو: جانب سياسي ولكنه هش ، إخفاق اقتصادي وتنموي كبير.
ولا غرابة في ذلك فقد كتب شعراء فرنسيون عن حالة إخفاق الثورة الفرنسية بعد عشر سنوات من قيامها، وفي كل الثورات تكون هذه الفجوة مدخلا للتيار الشعبوي والانكفاء الذاتي ، وحالة الانسحاب ، ودخول الشعوب في مرحلة من القبول والاذعان ، وحدوث الانقلابات العسكرية ، والانهيارات ، والانتكاسات، وعودة الشعب إلى قبل الثورة، فالسنوات التي أعقبت الثورة منسوب الأمل للتونسيين تدنى إلى مستويات كبيرة، وتفصح الأرقام عن حجم الأزمة وعمقها، فهناك 95 ألف مهاجرا تونسيا بين مهندس وطبيب وإطارات عليا، وبلغت نسبة البطالة 18.7 ،و 10 ألف انقطاع مدرسي سنويا ، يكون مآلهم الشارع فلا أُطر ثقافية ولا تربوية ولا رياضية ولا حزبية ولا سياسية تستوعبهم، و16 ألف قضية طلاق تُعرض على المحاكم التونسية سنويا، والوعي الشعبي العام يُحمّل المسؤولية لمن تقلدوا الشأن العام ولا يهمهم التفاصيل التي يهتم بها الأكاديمي والدارس والباحث والموضوعي، والتفاصيل ربما تعفي كثيرا من الأطراف السياسية أو تقلل من نصيبها من المسؤولية، والمدقق يعرف أن النهضة لا تتحمل المسؤولية العامة ، لكن الشعب لا يلتفت لهذا .
من الأسباب المعجلة لظهور التيار الشعبوي:
– عدم اكتمال البناء المؤسسي – غياب المحكمة الدستورية ، وهي ثغرة كبيرة دخل منها قيس سعيد واستحوذ على كل البلاد خاصة مهمة تأويل الدستور ، وألغى هيئة دستورية القوانين التي تفصل في الخلاف بين البرلمانيين والسياسبين حول القوانين وهي تبث في الأمر مقام المحكمة الدستورية حتى تنشأ.
– الصورة التي جسدها الأداء البرلماني في السنوات الأخيرة 2019- 2020م، حيث لم تقدم صورة المسؤول المحترم المقدر بل كانت صورة سيئة لدى الناس ، ولذلك في السياسة الصورة هي الحقيقة والانطباع هو الحقيقة رغم خطأ الصورة وغلط الانطباع أحيانا. كان المنجز البرلماني في القانون مدعاة للفخر والتبجيل لهذه المؤسسة ، ولكن ما جرى فيها مؤخرا جعل الشعب ينظر إلى البرلمان بعدم الاحترام والتبجيل، وضياع هيبة الدولة والمسؤولية .
– عدم الاستقرار الحكومي… في عشر سنوات تعاقبت 9 حكومات ، وتخلل هذا تحويل وزاري كلي وجزئي ، مما انعكس على أداء الدولة ومس المواطن في قدرته الشرائية ، وعدم المشاريع ، وغياب التنمية والخدمات والمرافق العامة .
– ضعف الثقافة الديمقراطية لدى النخب ، وهذه إعاقة كبيرة في المشهد التونسي، فهناك منسوب عال في التنافي الذي يخترق الخطاب والتخاطب السياسي .. فقد تعلموا في المؤسسات التعليمية التعدد والتنوع ، ونسبية الحقيقة ، والحقيقة خطأ مؤجل، وأن المركز في كل مكان ، والحقيقة أفق من المشاركة ، وأنها ليست ملكية وإنما هي علاقة، في الخطاب السياسي تلاشت هذه القيم ، فالثورة مختبر مهم لامتحان هذه القيم، فكان خطابا مليئا بالعنف اللفظي والاقصاء والاستبعاد .
• الدلالات التي يحملها التيار الشعبوي في سياق التجربة الديمقراطية هي :
– لا يمكن للبناء الديمقراطي أن يستمر أو يصمد في غياب التنمية والوضع الاقتصادي المتأزم . والتيار الذي يعارض الانقلاب الشعبوي له انخراط والتزام سياسي ولم يتحول إلى تيار شعبي ، فالناس يحركهم الموضوع التنموي والاقتصادي.
– لا يمكن للتجربة الديمقراطية أن تنجح في غياب قيمة أساسية هي الاعتراف السياسي المتبادل بدل الخطاب السياسي العنيف.
– التغيير السياسي لا يكفي بل لابد من مرافقة التغيير الثقافي والفكري ، فإذا لم يكن هناك إشباع ثقافي فلا تنفع القوانين والمؤسسات المتقدمة ، إشباع ثقافي بقيم التعدد والتنوع واختلاف الرأي واحترام القوانين والمؤسسات . – الثورة التي لا تحمل أملاً كالوردة التي لا تحمل رحيقا ، فالشعب التونسي ليس لديه أمل أو حلم ، الأمل مع الثورة ولم يدم طويلا فلم يعد هناك من محرك للتجربة التونسية، فلا تنمية اقتصادية ولا ترشُّد سياسي ولا ترشُّد ثقافي ولا أمل ، فالنتيجة ظهور التيار الشعبوي الذي يشكك في الطبقة السياسية وفي الدولة نفسها وبكل شيء، وجاء من خارج منطقة المعنى ، من منطقة العبث فهو ليس تقويضا لمعنى الثورة بل لمعنى الدولة والتعايش في حدوده الدنيا، فالسياسي يتواصل والشعبوي لا يتواصل ولا يستمع لأحد.
حالة من الاحباط وفقدان الأمل بسبب غياب الترشد السياسي ، صورة سيئة قدمها السياسيون: غياب الخطاب الثقافي.
غياب الأمل ، وقد جاء الأمل الشعبوي في متناول الناس ولكن سيستفيقون من هذا الوهم .
• أوجه التقابل بين الديمقراطية والشعبوية.
– الديمقراطية تقوم على الاعتراف المتبادل بين الأطراف المتنافسة وعلى اعتبار الحقيقة مشاركة تجمع بين كل الآفاق العقلية بينما الشعبوية تعتبر الحقيقة مطلقة وحصرية للشعب ممثلة فيه.
– الديمقراطية تقوم على التنوع والاختلاف وتجمع من كل الآفاق العقلية بينما الشعبوية تقوم على التقابلات الحادة ..الوجه الأول نحن الوجه الآخر هم ، نحن الخيرون الأنقياء والآخرون فاسدون ، ويبقى يدور في الغموض.
– الديمقراطية تقوم على التمثيل والشعبوية تدّعي التمثيل لكن على خلاف الديمقراطية ، إذ تمثيل الشعبوية اتهام للآخرين بالفساد أما الديمقراطية فلا تتهم حتى يثبت قضائيا .
– الشعبوية تستهدف النخب وتتهمها بالفساد والتزييف وتشكك بكل المؤسسات، وهذا يكرس التقسيم الاجتماعي الحاد ويؤدي إلى الاحتراب والعنف. ولهذا أثَّر المسار الشعبوي على المسار الديمقراطي من خلال تقسيم المجتمع وتهديد الدولة وتدمير الإرث السياسي والثقافي ، والانفتاح على المجهول .
(3)
سؤال التحدي الاقتصادي والتنموي .[3].
كيف أدارت النهضة العملية التنموية الاقتصادية؟
كيف استجابت للمطلب الاجتماعي والاقتصادي من خلال مشاركتها؟
الجانب الاقتصادي يستند للإحصائيات والمؤشرات بعيدا عن الانطباعات والمزاج العام مع أهمية أخذه بعين الاعتبار ، ولكن الاحكام النهائية تميز بين النتائج الحقيقية والانطباع العام الذي تتحكم فيه وسائل الاعلام والحملات الانتخابية
هناك 9 رؤساء حكومات و12 حكومة ، ولكل حكومة نتائج ولكل تجربة نتائجها ، ولا بد من الاحتكام إلى تقييم المؤسسات الدولية ، فهناك تقييم للمؤسسات المالية الدولية ووكالات الترقيم ، تساعد على الفهم وخلاصات واستنتاجات وأحكام موضوعية وواقعية .
المنطلقات الفكرية للرؤية الاقتصادية والاجتماعية.
تجربة النهضة في إدارة الشؤون الاجتماعية.
هل كانت النهضة مستعدة لخوض تجربة الحكم إثر الثورة ، كيف خاضتها ؟
برنامجها الانتخابي ارتكز على رؤية اجتماعية واقتصادية ، ما هي الأدوات التي تم اعتمادها؟ إكراهات واقع الثورة ، كيف تعاملت النهضة وممثليها في الحكومة ؟
ما هو نصيب الحقيقة من المغالطات والأحكام الانطباعية السائدة التي تصف التجربة بالفشل الذريع ولا سيما في المنجز الاقتصادي والاجتماعي التنموي؟ كيف أثّر المناخ السياسي العام على أداء الحكومة ؟
مساهمة النهضة من خلال وجودها المتواصل والأغلب في المجال التشريعي، المجلس التأسيسي كطرف أول ثم البرلمان كطرف سياسي ثاني ، ثم حجم المشاركة .
هل هناك أخطاء في سير التحالف والسياسات التي تم اعتمادها والاخفاق في اعتماد من يقوم على تنفيذ هذه السياسات في الحكومة ؟
• الرؤية الاقتصادية للنهضة.
عندما دخلت النهضة الحكومة لم تكن مكتملة، كانت هناك بعض الشذرات وبعض محاولات لبعض الخبراء في الحركة ، ولم يكن هناك برنامج تفصيلي متفق حوله داخل النهضة ، ففي 2009م حصل حوار شامل في النهضة ، انطلقت من التقويم ومحاولة رسم آفاق مستقبلية حول نشاط الحركة إثر محنة الحركة التي دامت عقدين وكانت إحدى الأوراق حول الجانب الاقتصادي الاجتماعي المالي ومحاولة تقويم بعض الأفكار والمقترحات.
اعتمدت النهضة وهي في الحكومة منهجية مراحل التأسيس وبراجماتية سياسية واقعية في التنزيل ، وبرنامجا مشتركا مع الشركاء.
في منطلقها الفكري ناقشت النهضة دور الدولة والخيار التنموي الدي يعتمد الاقتصاد الحر الاجتماعي، وإبراز دور الاقتصاد الاجتماعي التضامني ، وتقديم مقترحات حول العدالة الاجتماعية ، وما هو دور القطاع الخاص في التنمية !
عندما تسلّمت السلطة لم تكن مهيأة بالكامل بل كان لديها برنامجا عاما وليس تفصيليا . كانت التجربة محطة نضالية لتحقيق أهداف الثورة في التنمية والعدالة الاجتماعية في إطار برنامج مشترك مع حزبين علمانيين، تحققت بعض النتائج وأخفقت بعضها لظروف عدة من حيث نمو سلبي حيث تراجع المقدرة الشرائية 20% ، وارتفاع معدل العام للأسعار ، وارتفاع معدل البطالة فاق 18.3%. حاولت الحكومة التحكم في الموازنة المالية العامة وإعطاء الأولوية لانطلاق السياسة المالية العمومية في سنتين ، كان هناك توسع في الانفاق العمومي المرحلي في ظل عزوف المستثمر الخاص والخوف من المستقبل. تمّ تسجيل أكثر من 30 ألف إضراب في القطاعات، إلى جانب إضرابان عامان ، اغتيالات سياسية .
وبرغم هذا حققت الحكومة نسبة نمو في حكومة حمادي الجبالي 4% عام 2012م ، وفي 2013 عام الاغتيالات السياسية نسبة نمو 3% ، التحكم في استعادة الميزانية 75% والمديونية 45%، استثمارات أوجدت أكثر من 10 ألف شغل ، تحقيق استثمارات في البنية الأساسية وتعبيد الطرقات والمسالك الريفية ، التحويلات الاجتماعية استحوذت 60% من ميزانية الدولة ، إطلاق البرنامج للسكن الخصوصي .
كان هناك مفاوضات اجتماعية مع المنظمات النقابية، ولو تواصل هذا المساق لتحققت انجازات مهمة، ولكن تم إعاقته .
أيضا حصل نشاط برلماني في المجال الاقتصادي والمالي التنموي في الفترة التشريعية بعد انتخابات 2014 وبعد انتخابات 2019م ، قوانين اقتصادية وخاصة القانون المالي في كل سنة .
حاولت النهضة حوكمة الإدارة ، والتشارك والعقلانية مع الأوضاع وسقف المطالب المرتفعة، والاستفادة من السابقين دون قطيعة ، وفتح قنوات التواصل مع المؤسسات الدولية والجهات المانحة ، وعقد منتدى دافوس في تونس لأول مرة عام 2012، وتأسيس مجلس تحليل اقتصادية ، وانجاز ومتابعة المشاريع اليومية ، والرفع من برمجة المجالس الوزارية والأعمال الوزارية ، والمصالحة مع مؤسسات الدولة بين هياكلها، والمساهمة مع الشركاء في الحفاظ على كيان الدولة ، وتطوير العمل الحكومي وتحسين الأداء العام ، والرفع من سقف المشروعات والبرامج اليومية ، ومراجعة منظومة الاستثمار والدعم ، ونظام جديد للشراكة بين القطاع العام والخاص ، وقانون جديد للطاقة المتجددة ، والشروع في إصلاح المنظومة البنكية .
هذا التحسن المالي الاقتصادي لم ينعكس على الشأن اليومي وعلى حياة الناس آنيا وإنما بعد سنتين ثلاث.
(4)
سؤال تأثير الإعلام على أداء النهضة [4].
توضيح المشهد العام الذي أحاط بالنهضة إعلاميا ومحاولة ربطه في الأداء والتعثر، فالعمل الإعلامي بهذا الكائن السياسي – حزبا وسلطة- لا ينفي وجود عمل إعلامي خال من كل توجيه ويرتكز على حرفية التعاطي وحياديته.
هناك أسئلة تحتاج للتفكير في الإجابة.
ماذا لو كان الأمر مختلفا؟ ماذا لو لم يتم الضغط على النهضة بهذا الشكل؟ ماذا لو ترسخت الحقائق في الذاكرة الشعبية والسياسيين أين كنا؟
النهضة وتحدي التضليل الاعلامي
هناك محطّات ما قبل وأثناء وبعد الثورة .
تتنوع الديمقراطيات إلى نيابية وتمثيلية وديمقراطية الرأي العام، وهذه الأخيرة الاعلامي ورجل السوق هما أهمّ المسيطرين فيها أكثر من اللاعب السياسي، والديمقراطية المباشرة تسود فيها مواقع التواصل والاعلامي ورجل السوق.
فالإعلامي ورجل السوق يحددان : الرسالة ، السردية ، المنحى ، التزمين .
تونس انتقلت من الديكتاتورية إلى الديمقراطية المباشرة .
قبل الثورة المشهد الاعلامي رتيب وذو نسق واحد ، متقيد كثيرا ، ويحاكي خط الدولة، ومؤسسة وحيدة تعمل به هي المجلس الأعلى للاتصال الوحيد والذي تأسس في 89م وأدواره صورية ، وتم إلغاؤه بعد الثورة وتأسست الهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال للعناية بالمشهد الإعلامي ، وقد تراجع دور الجزيرة وظهرت قنوات عربية ودولية أخرى مناصرة للثورة المضادة وتعزز دورها تدريجيا ثم إعلام محلي وتجديد إذاعات وفضائيات .
خصوم النهضة والثورة اهتموا كثيرا بوسائل التواصل الاجتماعي ، بمقابل تراجع نسبي في قدرة التأثير من الموالين للثورة عبر هذا الفضاء .
فمنذ انتخابات 2019 كانت بداية الانحدار وتغيير التحركات على هذه الفضاءات وخصوصا على الفيس .
إنشاء هيئة وطنية لإصلاح الإعلام والاتصال ، حيث حصل تضخم سمعي وبصري في المشهد التونسي 13 قناة ، 35 إذاعة خلال سنة.
الفيس شكل فارقا في الثورة التونسية وفي لحظات الانقلاب الذي تعيشه تونس اليوم 6 مليون تونسي في الفيس، و39% يعتقدون في المعلومات التي من الفيس ولا يعتقدون بغيرها وهو يحدد توجه الرأي العام ويهيمن على العقول ، والقنوات المتلفزة هي الأقل مصداقية عند التونسيين ، أما الجرائد ففقدت مصداقيتها.
المشهد العام بعد الثورة انفجار كبير في الحرية والتعبير والعمل الصحافي كان معيقا لمحاولات الإصلاح الذي لم يتعد الإطار القانوني وبعض المؤسسات، وفهم أخلاقيات ممارسة الصحافة لم يكن متوفرا في تونس .
الإعلام صناعة فيه لوبيات مهيمنة ، لوبيات الإعلانات والإشهارات والتوزيع الورق الطباعية ، لوبيات مغلقة ومحتكرة للسوق ، والمال أساس العمل الإعلامي المحترف .المقال والتلفزة أضعف حلقات العملية الإعلامية .
صناعة الوعي شيء آخر أهمله القائمون على الثورة ، والنتيجة أن تهميش دور تأثير الوزارة منح غطاء كبيرا للثورة المضادة .
والمعركة الإعلامية أم المعارك لها الحسم ، ولذا أكبر عامل في تراجع الربيع العربي هو فقدانها الغطاء الإعلامي .
الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري عُهد إليها حوكمة الإعلام وتنظيمه واستقلاله ومهنيته ، وضمان الحقوق والشفافية لكفاءة الحياد ، ورغم ترسانة القوانين والمراسيم إلا أنها لم تكن بالمستوى .
عاد الإعلام العمومي إلى مستوى ما قبل الثورة ، إعلام التعليمات واللوبيات الصغيرة ، وينطق بأجندة مملات .
كيف حاول الإعلام صناعة سردية حول المحافظين أو الإسلاميين أو كل من ليسوا في صف اليسار والعلمانيين ؟
المعارضة التي لم تدخل البرلمان التونسي تمترست في الإعلام والمؤسسات عبر صحفييها ولوبياتها وعلاقاتها .
هناك مجالات عبر التاريخ أبدع فيها اليسار هي : الاعلام ، الشؤون الثقافية ، الرسم ، محاولين خلق الانطباع العام حول القضايا المطلوبة لهم.
من ركائز العمل الصحفي ، الخبر مقدس ، وحرية الرأي .
ما مورس هو انطباع، والانطباع أرسخ في النفس من الحقيقة؛ لأن الانطباع قريب ممن يصغي إليه .
أوجد سردية كاملة وهذه السردية فيها مساعدون ، مرسل ومرسل إليه والوسط البطل المكلف بتحقيق المهمة ، وهناك الأشرار معيقوا البطل مهمته، حيث صنعوا الفشل الحكومي في تسع حكومات متعاقبة .
كيف صُنع أن النهضة تتحمل كل شيء؟
صُنعت بهذا المبدأ البسيط ، أنها الشرير الذي يعيق البطل الذي هو الحكومة أو بعض الأحزاب أو الرئيس من القيام بمهامه التي جاء من أجلها .
الهدف ضرب صورة النهضاوي في تدينه ، نظافته ، نضاله ، ألصقوا بهم النفاق ، السرقة ، همشوا ملف العدالة الانتقالية .
سؤال بكم كيلوا النضال !!!
هذه السرديات أضرّت كثيرا بالحركة ومناضلها إضافة لبعض الأدوات المستخدمة للسخرية والكذب وتأثيرها كان عميقا .
عندما تحاول هذه القوى صناعة صورة سيئة للنهضة توجد ذلك البطل النظيف الصادق وطني رحيم بعثه الله يصلي جمعة يحاب الفساد سينظف العمل من الفاسدين . لعب على الأبعاد الدينية والشعبية والسياسية ليسهل رسم صورة البطل وإقصاء الأشرار المعيقين للبطل . هذا لعب على ما يسمى في علم النفس السياسي الوعي واللاوعي في علاقة الجماهير .
الوعي العقلي ثلث الإنسان ، العقل يستمع للحجة، للدليل، للبرهان، يعي بمحاضرة ، بكتاب ، بندوة في جمهور محدد.
اللاوعي يتحدث عن الغرائز وهو يصل إلى ثلثي الإنسان ،تدرك بحواسه وإدراكه اللاواعي ، الكذب الخداع التمويه ، ووسائل الدخول إلى هذا اللاوعي : الصورة ، السينما ، المسرح ، اسكتش المستقطعات الفكاهية ، النكتة ، الكاريكاتور، كل هذا يبدعون فيه ويعلون عن طريقه إلى جمهور واسع وعريض .
• محاولات تعديل في المشهد الإعلامي
لم تفلح المؤسسات الإعلامية غير المعادية للنهضة في تعديل هذه الصورة ، حيث فشلت مهنيا ، وعجزت ماليا ، وغياب الحزام الاعلامي الصديق، وضعف العلاقات العامة ، وانعدام خطة اتصالية ناجعة في تفاقم الوضع، وفتور المتعاطفين والمتحمسين لإعادة التوازن المنقذ في محاولات التعديل الاعلامي ، رغم وجود قنوات وإذاعات للثورة مع غياب الرؤية ، وكثرة المتدخلين وغياب قيادة موحدة للمعركة الإعلامية ، وافتقاد الخبرة الكافية وغياب تقاليد في العمل الإعلامي، وعدم فهم قوانين اللعبة الاعلامية وخاصة على مستوى الخطاب، وأدوات التأثير في مجال الصورة، النهضة متخلفة ولم تدرك خطورة الصورة، ومعركة الرموز، وفي مستوى الخطاب لم نفهم اللعبة الاعلامية ، خطاب سياسي جاف في العموم لا يخاطب عموم التونسيين.
غياب عن الساحة الثقافية وما يمكن أن تفتحه لنا من مجالات للتواصل والتأثير عبر أدوات فنية وجمالية وغيرها .
كان هناك حصار مادي للقنوات والاذاعات والصحف وتصنيفها عند الإعلان عنها، محاصرة إدارية وقانونية واضحة وصريحة ونقص الخبرة في المجال ، وسوء إدارة البشرية، أن تدرب محترفين ولم يتفرقوا عنك، نتيجة إغلاق مؤسساتهم يتحولون عمالا لأجندة في المؤسسات التي التحقوا بها.
المآلات السياسية على حركة النهضة تشويه دورها لوجودها الفاعل الوطني في الخط الأمامي أمام الرأي العام، وهذا ما جعل صورتها تتأكد بحسب متغيرات الوضع العام في البلاد الخاضع للتجاذبات.
الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والهزات الأمنية وعدم الاستقرار الحكومي ، بل الأداء السياسي الوطني عامة كلها مناخات لاستعادة مضامين تركز العداء والاتهام على خصم واحد.
تحول جزء مهم من الجهد في العمل السياسي اليوم للنهضة إلى مواجهة العمل الإعلامي اليومي ومحاولة إطفاء الحرائق المفتعلة وتفنيد الشائعات ورد الهجمات على المنابر والمنصات الالكترونية .
النهضة كانت تواجه الزخم الإعلامي لاعتبارها حزبا ضامنا للاستقرار في البلاد لم تدافع عنها، كانت ترفع قضايا بصمت هذا إن رفعت. لم تكن تجيب عن الاتهامات وكانت هناك اتهامات جدية جدا ، وهذا ما وفر في جزء منه مناخ الحرية ، وأبرزت حركة النهضة لضمانها الاستقرار قدرتها على التحمل ، ابتلاع الضربات وتحويلها إلى العمل والتحسين من جديد.
التشويه الممنهج
من موقع تراست نيوز المختص بمحاربة الأخبار الزائفة ، كان الغنوشي موضوع 53 خبرا مخالفا لأخلاقيات العمل الإعلامي منذ شهر اكتوبر 2020م بمعدل أكثر من 4 أخبار كل شهر في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بين 16 خبر زائف و11خبرا مضللا، و4 إشاعات ، و4 أخبار إثارة ، وإضافة لأخبار بين انتقائي ومخادع ، إضافة لحسابات مزيفة لنقل الأخبار والأكاذيب .
في التشويه الممنهج كان هناك محاولة لكسر الرموز والقيادة وافقارها قيمتها كي يتدنى الحزب وتشتيت القاعدة .
تأثير هذا على الحركة في المهام الوزارية والاستشارية والمناصب السامية في الدولة ، تسليط المجهر عليهم ، ويسيرون في حقل ألغام سياسي وإعلامي وحيدا.
إعاقة عمل البرلمان والبرلمانيين في مهامهم عبر الحكومات المحلية وتشويه العلاقة بين البرلمان ومؤسسة الرئاسة منذ الثورة .
ماذا لو… ؟
لو كان هناك أداء حزبي خاصة حكومي وبرلماني، في ظروف سياسية ملائمة ، وحضور إعلامي مقنع مع خطاب حزبي موحد، وحِرَفية في الأداء القيادي مرفوق بتقليص عدد المتحدثين وتوسيع بث المعلومات ونشرها، وتجنب الخطابات والممارسات
المعادية للإعلاميين، والممارسة الصحفية، حسن الاستعداد ، والتوقّي في الحملات عبر عمل متكامل بين المكاتب ، ونجاعة في التنسيق بين مختلف مكاتب الحزب ، وفي المقابل حياد ومهنية وشفافية وتعددية وحرفية وحوكمة وتحليل .
تحولت المنابر والمنصات المختلفة إلى ساحة معارك يومية تتطلب عقلا سياسيا ومتابعة يومية مستمرة وفهما لاستراتيجيات الخصوم وتكتيكاتهم وتفكيكا لأسس الخطاب الذي يعتمدونه .
أبرز التشويه تركز على قيادة الحزب ووجوهه السياسية ومن يقابلهم في الأحزاب التي تحالفت معهم .
(5)
سؤال تأثير الأوضاع الإقليمية والدولية على أداء النهضة [5].
دراسة الظاهرة ضمن سياقها العام ومن ثمّ تنزيل دور النهضة وغيرها من الأحزاب الإسلامية ضمن السياق العام وتخصيصها بدراسة وفهم ذلك .
منظومة الدول الحديثة تأسست على موقف سلبي تجاه المضمون الإسلامي للدولة أو علاقة الدولة بالإسلام .
فهم الثورات ودراستها في إطار نظريات العلاقات الدولية مبحث جديد ، وأغلب الابحاث تتعاطى مع الثورة بما هي حدث محلي وليس حدثا دوليا أو إقليميا وتشير إشارات خفيفة لتأثير الوضع الدولي، نظريات السياق الجيوسياسية أو الوضع الدولي ناشئة .
الأدبيات عن الثورة صنفين: صنف تعامل معها من منطلق أيديولوجي وصنف من منطلق علم الاجتماع السياسي الانجلوسكسكوني، أما الدراسات ضمن الفرنكفوني باللغة الفرنسية فقليلة جدا ضمن المتاح .
الثورة في عرف الماركسيين وعلماء الاجتماع السياسي : حدث درامي في مرحلة تحول منظومات الحكم .
وهنا تخرج الانقلابات عن تصنيفها ثورة، حيث يشترطون الحراك الاجتماعي المؤدي إلى السياسي.
هناك مقاربات تجعل الثورة ضمن نموذج دورة الحياة .
قبل الثورة المنظومة الحكومية تفقد مساندة النخبة خاصة المثقفين.
في مرحلة الثورة نظام الحكم يعيش أزمة اقتصادية واجتماعية يحاول إصلاحها. وهنا تتعمق الأزمة لنظام الحكم مع المعارضة التي سقفها عال فيؤدي إلى حراك اجتماعي شعبي فيكون حدث الثورة . بعد سقوط المنظومة الحاكمة يبرز صراع في صف الثوريين ونخبتهم . الأطراف الممسكة بالحكم تكون معتدلة . يتحول المزاج الثوري والمزاج الشعبي إلى حالة راديكالية بسبب عجز الأطراف المعتدلة عن الاستجابة للسقف العالي للتطلعات المجتمعية والسياسية. تبرز أطراف راديكالية يفتكون الحكم يقومون بإجراءات راديكالية لها طابع منظومي وبنيوي وبعض الخلفيات الأيديولوجية. فرض نظام قهري في الحياة السياسية مرحلة الارهاب آلية وحيدة لفرض التغيير الثوري الراديكالي . مرحلة الراديكالية تؤدي أو تفتح الباب للقوى الصلبة العسكرية لقيادة البلاد .
بعد عقد او عقدين من الزمن يقع عقلنة مسار التحول السياسي .
هذه خطوات من دراسة واقع الثورة الفرنسية وسياق التحول العربي إلى حدود 2005م . وهي نظرية لا تعطي للعامل الدولي دورا في فهم الثورات .
• هناك ستة شروط لنجاح التحول في أنظمة الحكم دراسة عن ألمانيا وجنوب أفريقيا.
تحول نظام الحكم حدثا من فاعلين محليين ، وكان الجانب الأمني فيه ذا أهمية .
في نموذجي ألمانيا وجنوب أفريقيا كان هناك التزام المجتمع الدولي على دعمهما أمنيا واقتصاديا وماليا.
• أهمية المعطى الدولى في الثورات.
الثورة الفرنسية جاءت في وضع جيوسياسي دولي بدأت علاماته تبرز في 2008م حال بروز قوة إيران وتركيا والصين وعودة روسيا ، وفشل الحرب على الإرهاب، وفشل مقولات الأنظمة العربية في الملف الفلسطيني، وفشل مشروع التطبيع، والأزمة المالية العالمية التي جعل الدول لا تستطيع تكلفة دعم الأنظمة العربية ، وأزمة الأنظمة العربية وعجزها عن التجدد الداخلي باستثناء قطر وسوريا. فالمعطى الدولي أساسي في توفر فسحة للتحولات السياسية للمنطقة.
كان وضع تونس بعد استلام النهضة للحكومة محفوفا بخلاف في السياسة الخارجية في ملف سوريا بالذات وليبيا ، وارتباك في الشأن الفلسطيني. فالمرزوقي كانت له مقاربة راديكالية في الملف السوري .
بقيت السياسة الخارجية في عهد النهضة على نفس السياسة التقليدية للدولة التونسية سابقا ، كالمحافظة على الاتحاد الأوروبي وأمريكا ، والبحر الأبيض المتوسط، فلم تعمل على تغيير التموقع الجيوسياسي للدولة التونسية، حتى انقلاب قيس سعيد الذي حاول تغيير هذه السياسة وسحب تونس في اتجاه الشرق إيران وروسيا.
حينما يحصل ارتخاء في المنظومة الدولية تحصل هناك فراغات تسمح بتحولات في الأنظمة وهذه التحولات تولد إرادات متناقضة .
الثورة ليست حدثا ديمقراطيا ، الثورة يمكن أن تنتج منظومة استبداد متركبة من القديم والجديد ، الخلاف في أجندتها السياسية ، في حالة الراديكالية، أو بناء منظومات ديمقراطية .
سياسة النهضة خلال عقد من الزمن كانت معتدلة ، والصراعات التي دخلت معها هي من المنظومات الراديكالية الشعبية السياسية التي تبني مقولاتها الحزبية والسياسية على الحنين إلى الماضي كالدستور الحر.
البرلمان الأخير العقلانيين مقابل الراديكاليين .
في إطار مرحلة حكومة النهضة أيام الترويكا والوضع الدولي كانت سياستها محدودة، والوضع في ليبيا كان من إشاراته مخاطبة المجتمع الدولي أن ما وقع في تونس خطير ، ثم الاغتيالات ، وتفكيك النخبة الثورية، وتوليد صراع بين منظومة الترويكا والتيار القومي واليساري الذين هما ضمن منظومة الثورة والمعارضة لابن علي قبل رحيله.
هذه العمليات لا يمكن تعاطيها خارج الأجندات الاقليمية في تعاملها مع حدث تونس .
قيمة المعطى الاقليمي خاصة الجزائر بعد تدخل مصر والامارات في ليبيا ، جعل الجزائر تتوسط بين الغنوشي والسبسي وهو ما ساعد في إنهاء الدستور والمضي إلى الانتخابات 2014م . وقد أسهم الاتحاد الأوروبي في نزاهة الانتخابات وتليين موقف فرنسا التي ترغب في عدم السماح للنهضة بالعودة إلى المشاركة .
لم تكن هناك رجّات في الموقف الدولي خلال 2014-2019م .
يمكن تفسير الانقلاب في تونس ضمن التحولات الجديدة التي وقعت في الفترة الأخيرة ، مخرجات الوضع في سوريا وما وقع في ليبيا .
العالم الآن داخل مرحلة صراعات خاصة أوكرانيا . حركة النهضة انضبطت والتزمت بالتموقع الجيوسياسي للدولة التونسية مع أفق استراتيجي في العلاقة الخاصة مع تركيا التي أصبحت عاملا مهما في التحولات التي تشهدها منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء، فهذه وضعيات صراع ما زالت تتبلور و مفتوحة على التغيرات والانفلاتات وتعني تمكن قيس سعيد من أن تتقدم إلى تونس. وهذا يعني لو تدخلت تونس في هذا الوضع فيعني تعميق عدم الاستقرار وحركة النهضة على وعي بهذا الأمر ولذا تحتاج المحافظة على الدولة وسياساتها التقليدية في العلاقات الدولية مع انفتاح على قيمة العمق الاقليمي الجزائر وليبيا ، إذ السياسة التونسية لا تتجاوز السياسة الليبية الجزائرية والعمل ضمن سقف السياسات الأوروبية الأمريكية .وهذه مقاربة تأمين للوضع السياسي وأدى إلى نوع من العزل السياسي لقيس سعيد.
المعطى الداخلي للدول التي شهدت تغيرا في الحكم أساسي وله دور حاسم خاصة والعالم يعيش صراع وحرب ساخنة متعددة وسيكون هناك ارتخاء .
(6)
سؤال القوى الصلبة وموقف النهضة منها [6].
القوى الصلبة وعلاقتها بالأمن والجيش حساسة وتحتاج لمعطيات ودقة .
إذا لم تدرج حركة مؤسسة الأمن والجيش في استراتيجيتها ستبقى تخبط خبط عشواء منذ نشأتها إلى أن تجد نفسها في ظرف مأساوي . حركة النهضة في تونس ولدت في بيئة سياسية وأمنية معادية لها كونها مشروعا نقيضا ومضادا للتوجه البورقيبي الذي له رؤية في بناء الدولة ونمط النظام المجتمعي خلاف ما تنشده الحركة وتوده في مرجعيتها الإسلامية ، إذ تحمل في مشروعها أبعادا سلفية مناقضة لكثير من أطروحات ومنجزات بورقيبة وجماعته.
حصل صدام مبكر من نشأة الحركة مع الدولة والأجهزة الأمنية ، لأن الحركة حاولت تعيش في طابقين، طابق علوي علني كدروس المساجد وتعبئة الشعب بالإسلام ، فكانت عادية اجتماعية يتفاعل معها الجميع دون التباس ، وطابق سفلي سري ، فقامت الأجهزة الأمنية برصد الحركة من خلال نشاطها ومظاهراتها والبحث عن محرك هذه الحركية الدينية والنشاط الاجتماعي فاكتشفت نواة التنظيم المهيكل الدقيق.
فقيادة الحركة / الغنوشي متأثرا بحسن البنا عمل على ثنائية التنظيم / تنظيم سياسي له هياكله وخطابه ، وجناح سري داخل هذا المربع الذي استقطب عسكريين وأمنيين ووضعوا في هذا الهيكل السري. الحركة تعاملت مع الوضع التونسي على مستويين .
مستوى علني – مساجد ومدارس وجامعات . مستوى سري دخل مربع الأمن والعسكر .
الجهاز السري لحمايتها واستقصاء معلومات للحركة عن هاتين المؤسستين حتى تتجنب الضربات إذا ما وجّهت لها.
وفي لحظة الصراع انتقل التفكير من الدفاع إلى الهجوم والتصدي لمشروع بورقيبة وهو في نهاياته مدعوم من الحركة المدنية لاستعاضة بورقيبة بتجمع وتحالف سياسي ما في 87م ، لكن ابن علي سبق هذه الحركة بأربعة وعشرين ساعة وأزاح بورقيبة.
باكتشاف الأمن لوجهي الحركة العلني والسري المدني والأمني الحامي لها في فعلها وسياق تطورها تعمقت أزمة الثقة بين ابن علي والنهضة وكان أسوأ مراحلها عنف وقمع ، كما خلقت حالة من الحذر والتخوف لدى المؤسسة العسكرية تراقب ذاتها وتبحث عن تسلل جديد من الإسلاميين إلى داخل المؤسستين ، وقد استمر هذا الصراع المفتوح إلى قيام الثورة .
دخلت الحركة جهاز الدولة ومعرفة ما يدور فيه وحرصت على استلام وزارة الداخلية ومسك هذا الحيوان الشرس وترويضه وطمأنته بعدم قضائها عليه وإنما بناء علاقة جيدة معه.
لما فشل إسلاميو مصر في إدارة السلطة ولم يتمكنوا من حماية أنفسهم وسمحوا للمؤسسة العسكرية بالتحرك وضربهم بشراسة تخوف الغنوشي وبعض قيادات الحركة من هذا الدرس العنيف ودون أن تتدخل القوى الدولية التي يمكن لها لعب دورا لإعادة التوازن ورد الاعتبار للصراع السلمي بأدواته السلمية وبقي العالم يتأمل، ثم دعم انقلاب مصر حتى سارت الأمور إلى شكل آخر .
حصلت حالة وعي داحل النهضة جعلتها تقبل التوافقات وتبتعد عن السلطة بشكل مؤقت في سياق اتهامها بالتحالف مع الجهاديين وأنها وراء الاغتيالات، ورغم هذا التراجع التكتيكي للنهضة وقبولها الحوار الوطني ومشاركة انتخابات 2014م لم يقلل من أزمة الثقة التي بقيت في المؤسستين الأمنية والعسكرية .
بعد انتخابات 2019م وصعود قيس سعيد – الذي لم يكن له تاريخ سياسي وإنما أستاذا جامعيا- بدأ يهيئ إلى تغيير نوعي في إدارة النظام السياسي وخلق تجانسا بين الأمن والعسكر وكل حاملي السلاح في جهاز واحد على المستوى النظري ، وبقيت المسافة بين المؤسستين وإنما قيادتهما ومرجعيتهما هو رئاسة الجمهورية .
استثمر قيس سعيد حالة النقمة والغضب الواسع ضد حكومة المشيشي والنهضة المساند لها ، واستُغل النقد الشعبي الواسع لأداء النهضة وحلفائها.
بعد انقلاب 25 جم وجدت الحركة نفسها بدون مؤسسات ، برلمان جُمد ، وحكومة مقالة وتشكيل أخرى بعيدا عن النهضة ، وحصل تجييش ضدها وبدت الحركة في موقف الدفاع عن وجودها وعناصرها وقياداتها وليس عن الديمقراطية التي رسخته.
وواصل قيس سعيد الترصد للنهضة والاقتراب من الصدام معها عبر الأجهزة الأمنية والعسكرية والأحزاب الصغيرة المعادية لها، وهذه الأطراف المعارضة للنهضة رافضة للاقتراب معها وتأسست جبهة موحدة للدفاع عن الديمقراطية لأنها لا تريد أن تبتلعها النهضة أو تستثمرها وتعود من خلالها إلى الواجهة .
هناك مسألتان أساسيتان
– مسعا الآن إعلاميا سياسيا لتحميل النهضة مسؤولية الفشل خلال عشر سنوات، وحشد الرأي العام لاعتبارها حركة شيطانية جاءت لتخريب البلاد وتهديد الدولة ، فعلى النهضة إعادة النظر وممارسة النقد الذاتي بشكل عميق لتقدر على الاستمرار في المستقبل .
– بعد وقوف الجيش إلى جانب قيس سعيد، تأمين عملية الإطاحة بالمنظومة القديمة ومؤسساتها وتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي ، أخذ الجيش مسافة لاعتبارات استراتيجية دولية ، ولا يُعرف كيف سيتحرك الجيش في المرحلة القادمة، و الواضح ضيق المجال على المستوى الداخلي .
قيس سعيد لا يتراجع مع وضوح الخطأ ، ويستعد للمسار إلى الآخر حتى ولو سقط البناء كله، وهذا ما سيعقد المشهد على الحركة.
* قواعد التكتيك التي تعمل النهضة على تنفيذها هي:
– تجنب عملية التصعيد الشامل مع الأمن والعسكر وعدم الدخول المباشر والقوي ضد الأمن وخاصة العسكر .
– تدخل المعركة مع أطراف أخرى حتى لا يترسخ أن الصراع بين النهضة والرئيس.
– تجنب عملية التصعيد الشامل مع الأمن والعسكر وعدم الدخول المباشر والقوي ضد الأمن وخاصة العسكر . – تدخل المعركة مع أطراف أخرى حتى لا يترسخ أن الصراع بين النهضة والرئيس.
– تراهن النهضة على المجتمع الداخلي للدفاع عن الديمقراطية والشرعية والقانون ، وهي تقود حملات باتجاه أوروبا وأمريكا لكي النبض الدولي الديمقراطي يقف إلى جانب المسار الديمقراطي.
-تعتمد النهضة في بيان أن الأزمة ليست في وجود النهضة وإنما هي أزمة حريات ، وحقوق الإنسان واحترامها.
– تعتمد النهضة وتنتظر ماذا ستفعله الأزمة المالية الخانقة، والتي ستكون لها تداعيات على النظام والتحولات المقبلة، فتجفيف مصادر التمويل وتواصل عملية الانهيار الاقتصادي التونسي يفترض من قيس سعيد والنظام أن يعدل من سياسته وإلا ستسقط البلاد في حالة من أنواع الفوضى .
يتبع
الهوامش:
- ورقة قدمها نور الدين العرباوي بعنوان الحركة والنظام القديم وتحالفاتها السياسية ضمن محور السياسات والأداء، لمركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم بتركيا، وهو قيادي في حركة النهضة رئيس المكتب السياسي لها منذ 2015م، عضو المكتب التنفيذي لها منذ 2012م أستاذ علم نفس، له كتابات في التربية والتحديث.
- ورقة قدمها الدكتور محسن السوداني بعنوان: تجربة الانتقال الديمقراطي والتحدي الشعبوي إلى مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم ، وهو أستاذ جامعي فلسفة وباحث ، عضو برلماني من 2014-2019م، عضو لجان الأمن والدفاع والحقوق والحريات الخارجية ، خبرة واسعة في التواصل الاجتماعي العام.
- ورقة قدمها رضى السعيدي بعنوان: التحدي الاقتصادي والتنموي إلى مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم، وهو قيادي في النهضة ، ورئيس مكتب الدراسات والتخطيط ماجستير في الجودة والإنتاجية، كبير مستشارين 2016-2019م وزير مستشار في حكومة يوسف الشاهد، له مصنفات : الاقتصاد التونسي الواقع والآفاق، تأملات في الاقتصاد والسياسة.
- ورقة قدمتها فاطمة التومي بعنوان : التأثير الإعلامي على أداء حركة النهضة، إلى مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم ، وهي مستشار رئيس حركة النهضة وباحثة جامعية في الطاقة المتجددة .
- ورقة قدمها الباحث أحمد قعلول بعنوان : تأثير الأوضاع الإقليمية والدولية في أداء الحركة وسياساتها الخارجية إلى مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم، وهو مستشار رئيس الحكومة في النهضة ، أستاذ فلسفة وباحث في بريطانيا ونظم العديد من المؤتمرات الدولية، محاضر في الإسلاميات في الأكاديمية الأوروبية.
- ورقة قدمها المفكر صلاح الدين الجورشي بعنوان : القوى الصلبة وموقف الحركة منها إلى مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم بتركيا، وهو مفكر إسلامي تونسي معروف ، عضو في حركة الإسلاميون التقدميون.