أشتات

قراءة في كتاب: “إلا المودة في القربى.. مباحث في تحرير الاستدلال وتفنيد أباطيل الاستغلال”

أولاً: بطاقة تعريف بالكتاب:

عنوان الكتاب: إلا المودة في القربى.. مباحث في تحرير الاستدلال وتفنيد أباطيل الاستغلال.

المؤلف: أبو عمرو بن النعمان.

معلومات النشر: الناشر مركز علوم السنة النبوية للبحوث والدراسات، اليمن. ط1، 1446هجرية، 2024ميلادي. عدد الصفحات(232 صفحة). والكتاب متاح للتحميل من النت.

ثانيًا: بين يدي الكتاب:

ليس يخفى أن موضوع (مودة ذوي القربى) أو مودة ما يسمى بـ (آل البيت)  من الموضوعات التي استطال فيها كثيرًا الفكر الباطني الغنوصي؛ إذ استفرغ جهده ومكره  في تحوير دلالتها بما يخدم العقائد الغنوصية الباطنية، والأهواء العنصرية السلالية، وأن  ذلك قد تم تحت شعار وستار التشيع لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل بيته، وأن  حملة ذلك الفكر قد نجحوا  – مع الأسف –  في الترويج لتصوراتهم ومفاهيمهم الخاطئة بين المسلمين، كما نجحوا في تسريبها إلى فضاءات الفكر الإسلامي عبر اختلاقهم للروايات، فحدث الاختراق الفكري الكبير في ظل تساهلٍ غلب على الموقف الإسلامي (السني)،  ويبدو أن من أسباب ذلك التساهل عدم إدراك كثير من أهل السنة للمقاصد البعيدة والأهداف الخطيرة التي تكمن وراء ادعاء الشِّيَع الباطنية الغنوصية مودة ومحبة من يسمونهم (آل البيت)، ولعل هذا ما دفع مؤلف كتاب (إلا المودة في القربى) إلى استفراغ وسعه في كشف مرامي ومقاصد القوم من وراء ذلك الادعاء، مع تركيزه على الآثار والنتائج الواقعية كما فعل في مبحث التوظيف السياسي وغيره من المباحث.

فنحن إذن أمام كتاب يسلط الضوء على الآية الكريمة: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى/23) ويضع القراءات المتحيزة والمتعسفة للآية تحت مجهر النقد ومطارق الفحص؛ بما يكشف عن فساد الأفهام الخاطئة، ويفند أباطيل الاستغلال المموهة بشعارات المودة والمحبة لما يسمى (آل البيت).

ثالثًا: مباحث الكتاب:

جاء الكتاب في ثلاثة عشر مبحثًا تناولت القضايا والمفاهيم والمسائل المتعلقة بقوله تعالى:{قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى/23) ، وعلى النحو الآتي:

المبحث الأول: الإيديولوجية الشيعية وعبث البحث عن نصوص تأسيسية في القرآن الكريم

وفيه رصد المؤلف بتتبع واستقراء مسالك الإيديولوجية الباطنية الشيعية في تعاملها مع القرآن الكريم، وأوضح أنها لا تخرج عن ثلاثة مسالك:

المسلك الأول: الطعن في القران واتهام الصحابة بتحريفه.

المسلك الثاني: إحلال العترة المزعومة محل القرآن الكريم.

المسلك الثالث: تحريف معاني الآيات القرآنية بما يوافق اﻷهواء الشيعية.

وفي إطار هذا المسلك الأخير جاءت المحاولات المستميتة لتحريف معنى الآية الكريمة: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى/23) في محاولة ماكرة لجعلها نصًا تأسيسيًا للأفكار الباطنية، والنزعات العنصرية السلالية، والأهواء والمطامع الدنيوية، واﻵية بعيدة كل البعد عن ذلك كله.

المودة في القربى قراءة في كتاب: "إلا المودة في القربى.. مباحث في تحرير الاستدلال وتفنيد أباطيل الاستغلال"

المبحث الثاني: آية المودة في القربى.. سياق التنزيل وصحيح التأويل

قدم المؤلف في هذا المبحث تحريرًا متينًا، وتحليلاً عميقًا لمعنى قوله تعالى: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى/23)  واعتمد في الإبانة عن معنى الآية سياق التنزيل وصحيح التأويل، ودحض عقلاً ونقلاً دعاوى أهل التحريف والتضليل، وما نسجوه حول الآية من دعاوى باطلة ومضللة تزعم أن لسلالة علي بن أبي طالب حقًا يميزها عن سائر المسلمين هو حق المودة في القربى، ومن ثَمَّ ادعاؤهم امتيازات كهنوتية وطبقية وسياسية لسلالة علي رضي الله عنه تفريعًا على الحق المزعوم في المودة الذي تدل عليه الآية الكريمة بزعمهم.

المبحث الثالث: أثر الروايات الشيعية في إشاعة تحريف معنى الآية

في هذا المبحث تتبع المؤلف الروايات الشيعية الموضوعة التي اختلقها كذابو الشيعة لتحريف معنى آية المودة في القربى، وبيَّنَ أثر تلك الروايات على بعض المفسرين، والجهد الذي بذله المؤلف في هذا المبحث يفتح العيون على حجم المكر والكيد الروائي الذي مارسه الباطنيون (الشيعة) لتحريف معنى الآية؛ ومن ثَمَّ جعلها نصًا تأسيسيًا لادعاءاتهم الباطلة.

المبحث الرابع: هل مودة قرابة النبي عليه الصلاة والسلام هي أجر بلاغ الرسالة؟!

وفيه ناقش المؤلف دعوى الفرق الشِّيعية أن مودة قرابة النبي عليه الصلاة والسلام هي أجره على بلاغ الرسالة! وبين ما في هذه المقولة من اﻹساءة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ثم نقضها نقلاً وعقلاً، ليهدم بذلك أساسًا تنظيريًا طالما اتكأ عليه السلاليون العنصريون في ترويج فكرهم الاستعلائي الجاهلي مستغلين عاطفة المسلمين نحو رسول الله عليه الصلاة والسلام.

المبحث الخامس: مودة كاذبة خاطئة

وهو مبحث مهم كشف فيه المؤلف عن الأهداف الخفية والمقاصد الخبيثة التي تقف وراء ادعاء الفرق الشيعية الباطنية مودة علي بن أبي طالب وأهل بيته، ومن تلك الأهداف والمقاصد: أنهم جعلوا من تلك المودة المزعومة لعلي رضي الله عنه ولسلالته طريقًا للتنفيس عن أحقادهم وكراهيتهم للصحابة رضي الله عنهم وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهن زوجاته أمهات المؤمنين الطاهرات رضوان الله عليهن؛ وذلك تبعًا لقاعدة اخترعوها، هي قاعدة التولي والتبري؛ زعموا فيها – وبئس ما زعموا- أن  التبري من الصحابة ومن أمهات المؤمنين شرط لقبول موالاة من يسمونهم (آل البيت).

وأيضًا فمغالاتهم في تلك المودة المزعومة لمن يسمونهم (آل البيت) لها مقصد آخر خفي هو تسويغ وشرعنة الإباحة والانحلال الأخلاقي والتحلل من أحكام الشريعة، وساق المؤلف عددًا من الشواهد والأدلة على ذلك.

المبحث السادس: ضرب منظومة القيم الإسلامية ونسف عقيدة التوحيد

ويعد هذا المبحث من أخطر مباحث الكتاب التي يجب الوقوف عندها مليًا؛ إذ تطرق فيه المؤلف إلى استغلال الفرق الباطنية الغنوصية –  المتسترة برداء التشيع –  لدعوى مودة ذوي قربى النبي عليه الصلاة والسلام أو ما يسمى (آل البيت) في تنفيذ هدفهم الأكبر المتمثل في ضرب نظام القيم في الإسلام ونسف عقيدة التوحيد القرآنية، وإحلال القيم والعقائد الباطنية الغنوصية محلها.

المبحث السابع: معراج الشرك

وهو مبحث  مكملٌ للمبحث السابق، وفيه مزيد بيان وتفصيل لاحتيال الشِّيع الباطنية الغنوصية على عقيدة التوحيد من خلال ادعاء مودة ذوي قربى النبي عليه الصلاة والسلام؛ بحيث أصبحت كل صور الشرك الصريح، وتأليه من يدّعون إمامتهم من سلالة علي، يمارس تحت ستار دعوى المحبة والموالاة، حتى إنه ليمكن القول: إن أول بدايات ظهور الشرك وعبادة القبور والأضرحة في الأمة انطلقت من تقديس المنتسبين  إلى سلالة علي بن أبي طالب تحت شعارات المحبة والموالاة لما يسمى (آل البيت).

المبحث الثامن: التوظيف السياسي

في هذا المبحث دق المؤلف نواقيس الخطر من التوظيف السياسي لآية المودة في القربى، وأوضح خطورة التساهل مع مفهوم المودة السلالي الذي روجت له الفرق الباطنية وانخدع به بعض أهل السنة.

واستعرض المؤلف نماذج تاريخية لذلك التوظيف والاستغلال الذي خلق الفتن والصراعات وشرعن الاستبداد بدءًا من دولة عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر  بن أبي طالب سنة ١٢٧هـ، ومرورًا بدولة القرامطة في شرق شبه الجزيرة العربية سنة ٢٧٠هـ، والدولة الزيدية في اليمن سنة ٢٨٤هـ، والدولة الفاطمية في مصر سنة ٢٩٦هـ، والدولة البويهية في العراق سنة ٣٣٤هـ، والدولة الصفوية في إيران سنة ٩٠٧هـ؛ إذ قامت كل هذه الدول على أساس تنظيري مشترك وهو اعتبار السلطة السياسية حقاً حصرياً لسلالة علي بن أبي طالب، وأن ذلك الحق المزعوم هو مقتضى مودة ما يسمى (آل البيت)، وبحسب تعبير المؤلف فقد جعلوا الدولة أجرة عيال النبي على تبليغ جدهم للرسالة! وحاشا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من هذا الافتراء.

وخص المؤلف الاستغلال والتوظيف السياسي لشعار (مودة آل البيت) الذي مارسه أئمة الدولة الزيدية في اليمن بمزيد بيانٍ وتوضيح، كاشفًا عن اﻷفكار الظلامية العنصرية السلالية التي حكمت مسار دولة الإمامة الزيدية في اليمن، وإفرازاتها المأساوية التي طالت حياة اليمنيين.

المبحث التاسع: ينابيع المودة وأكاذيب أخرى

مع أن هذا المبحث جاء لبيان حقيقة كتاب (ينابيع المودة) الذي نسبه الرافضة لفقيه حنفي، وأكثروا من الاستدلال والاحتجاج به، جاعلين منه حجة على أهل السنة في تقريرهم للمفهوم العنصري السلالي لمودة ذوي القربى، لكن المؤلف لم يقف عند هذا الكتاب المنحول، بل استطرد في تناول ما أطلق عليها ظاهرة (حرب الكتب)، واستعرض عدداً من الأمثلة عليها؛ ويقصد المؤلف بحرب الكتب هنا تلك الكتب المنحولة والمنسوبة كذبًا إلى بعض علماء أهل السنة بهدف التضليل واﻹيهام بأن فلانًا وفلانًا من كبار علماء أهل السنة على دين الشِّيَع الباطنية الغنوصية، وهي لعبة خطيرة انتهجها الباطنيون  لتضليل أتباعهم والترويج لباطلهم.

المبحث العاشر: حرب الروايات

بعد أن تناول المؤلف في المبحث السابق (حرب الكتب) تناول في هذا المبحث (حرب الروايات)، ويقصد بحرب الروايات هنا: تلك الروايات المختلقة الموضوعة الهادفة إلى ترسيخ المفاهيم الخاطئة حول مودة قرابة النبي عليه الصلاة والسلام، وجعل مودة ما يسمى (آل البيت) محور الدين وغايته، ومناط الفلاح في الدنيا والآخرة، وللتدليل على أن تلك الروايات جاءت ضمن سعي مقصود ﻹفساد نظام القيم واﻻعتقاد في اﻹسلام، وتحريف حقائق الدين وتجريف مبادئه استعرض المؤلف (43) رواية موضوعة في هذا السياق.

المبحث الحادي عشر: وقفة مع المرويات في فضائل علي رضي الله عنه لدى أهل السنة

في هذا المبحث تناول المؤلف مسألة المرويات في فضائل علي رضي الله عنه لدى أهل السنة، مبينًا اﻷسباب التي جعلت المحدثين من أهل السنة يحرصون على جمع اﻷحاديث في فضائل علي، ويتساهلون كثيرًا في إيراد الضعيف والموضوع منها، مع أن في تلك الروايات الضعيفة والموضوعة ما يرسخ المفاهيم المغلوطة حول محبة ما يسمى (آل البيت)، كذلك تتضمن تلك الروايات مفاهيم باطنية غنوصية مناقضة لروح الإسلام وتعاليمه، وختم المؤلف المبحث بالدعوة إلى المراجعة والنقد والتمحيص.

المبحث الثاني عشر: حديث ((لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني الا منافق))

يكاد يكون هذا المبحث امتدادًا للمبحث السابق، أو تطبيقًا عمليًا لما دعا إليه المؤلف من إعمال النقد والتمحيص في المرويات، وفيه بحث المؤلف – رواية ودراية –  الحديث المروي عن على ((لا يحبني إﻻ مؤمن وﻻ يبغضني إﻻ منافق)) وخلص  إلى ضعف الحديث، ثم ذكر توجيهًا له على القول بصحته عند من يقول بذلك، وإن كان هو قد قرر ضعفه سندًا ومتنًا.

المبحث الثالث عشر: براءة الإمام الشافعي من تهمة التعصب السلالي

في هذا المبحث قدّم المؤلف مرافعةً قويةً عن اﻹمام الشافعي، بيّن فيها براءة اﻹمام الشافعي من تهمة التعصب السلالي للهاشمية، وهي التهمة التي يرددها  – مع الأسف – البعض اليوم .

فبيَّن المؤلف أن  ما نُسب إلى الشافعي من أشعار في مدح البيت العلوي، هي أشعار مكذوبة عليه.

وأتى على البيتين المشهورين المنسوبين للإمام الشافعي وهما:

يا أهل بيت رسول الله حبكم 

فرض من الله في القرآن أنزله

يكيفكم من عظيم القدر أنكمُ 

من لم يصل عليكم لا صلاة له

وأوضح بالدلائل القاطعة الكذب على الشافعي في نسبة هذين البيتين إليه.

واستعرض ما نسب إلى الشافعي من القول بوجوب الصلاة على (اﻵل) في التشهد في الصلاة، وبيَّن أن ذلك مكذوب عليه أيضًا.

وختامًا: إلى هنا نكون قد وصلنا إلى آخر مباحث الكتاب، وأرجو أن أكون قد وفقت في  تقديم صورة واضحة عن مباحثه والأفكار الرئيسة والمعاني الكلية التي تضمنها، وإن كان ولابد في خاتمة هذه القراءة من إيجاز لكل ما سبق، فيمكن القول: إن المؤلف تناول  مفهوم (المودة في القربى) أو مودة ما يسمى  (آل البيت) برؤية امتازت بالعمق والشمول والإحاطة، فبحث مختلف القضايا والمسائل المرتبطة بالمفهوم، ولفت الأنظار إلى جملة من الحقائق المغيبة، ولست أشك أن الكتاب سيبني في القارئ المسلم وعيًا حصيفًا، ويشعل  فيه يقظةً فكرية تجعله أكثر حصانة وأكثر قدرة على مواجهة الباطل المموه في صورة الحق.

وأعتقد أنه من الخير لعموم المسلمين على اختلاف مذاهبهم أن يتحرروا من القراءات المتحيزة والمتعسفة لمفهوم المودة في القربى، ومن حمولتها الباطلة المجافية لروح الإسلام والمناقضة لتعاليمه، وأن يفتحوا أبصارهم على ما جرته تلك القراءات الخاطئة من بلاء وفتن إلى حياة المسلمين قديمًا وحديثًا.

وفي الأخير أتمنى أن تكون هذه القراءة حافزًا للرجوع إلى الكتاب والوقوف على ما تضمنه من فوائد وتحقيقات أحسبها جديرة بالقراءة والتأمل.

أ. د. سعيد بن دحباج

أستاذ التفسير وعلوم القرآن / جامعة سيؤون/حضرموت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى