Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فكر

انتقادات الشنقيطي للحركات السياسية الإسلامية

تقييم الخطاب النقدي للأداء السياسي للحركات الإسلامية:

لا تزال سيول النقد والتقييم والتصحيح لسلوك الأحزاب والحركات الإسلامية السياسية تترى منذ ما بعد الربيع العربي بعد أن انفتح مجال المشاركة في السلطة لهذه الاحزاب والحركات بعد عهود الإقصاء والإلغاء من قبل أنظمة الاستبداد وأدوات العمالة والاستغراب، وما إن حصل هذا التشارك حتى حصل التفاف تحرُّفٍ وتحيُّز من قبل الأنظمة المستبدة تفاوتت بين انقلاب دموي خشن في المشرق العربي كما في مصر على حزب العدالة والحرية ونظام الرئيس المنتخب محمد مرسي رحمه الله، تلاه ليبيا وغيرهما ثم انقلاب ناعم كما في تونس على حزب النهضة الإسلامية و المغرب على حزب العدالة والتنمية المغربي حتى تفجرت حمم النقد على رؤوس هذه الأحزاب والحركات متوسلة بهذه النقود في مسعاها التسديد والترشيد من خلال إبداء قدر من الموضوعية والمصطلحات الهادفة الهادية غير أن كثيرا منها تدميري تذمري ناقض بامتياز عاصف جارف مجانب في بعضه للنّصفة والعدل.

وقد ذكّرنا هذا المسعى النقدي بالكاتب السوداني الشيوعي حيدر إبراهيم المتخصص في النقد والحقد على الحركات الاسلامية خصوصا منها السودانية والتي كان آخر أعماله في 2011م (الحركة الاسلامية السودانية كسب الدنيا وخسارة الدين)وهو بهذا الفعل قد أبقى للإسلاميين الدنيا وأبعد عنهم الدين  … بينما كتابات النقد من المفكرين الاسلاميين قد تجاوزت الحد في سحب بساط  الدين والدنيا معا عن الأحزاب الاسلامية في  تونس والمغرب والجزائر و مصر كقولهم انسلخت من الإسلام / أخفقت في النقاء / أخلّت بالمنهج/ تحيّزت للعلمانيين وتحيّزت للأنظمة المستبدة وغيرها.

وقد اشتدت ثائرة النقد بعد نتائج الانتخابات المغربية وحصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي على المرتبة الثامنة ب12 مقعدا بعد أن كان في المرتبة الأولى حاكما لمدة عشر سنوات واشتعلت المواقع الالكترونية ووسائل التواصل تبدي وتعيد في أمر هذه الأحزاب وسلوكها السياسي… وكان من أبرز الكتابات الناقدة حسب اطلاعي:

  1. الدرس البليغ لكل الاسلاميين العدالة والتنمية المغربي نموذجا د. عبد الرزاق مقري.
  2. نهاية الواقعية المهادنة كأسلوب في التدافع السياسي “ملاحظات من أجل الإنقاذ “د. محمد الطلابي.
  3. دروس سبعة إلى الإسلاميين يمليها سقوط حزب العدالة والتنمية المغربي، د. محمد الأسطل.
  4. انحسار الأحزاب الاسلامية المغزى والسياق.د. محمد المختار الشنقيطي.

هذه الكتابات من داخل الحقل الإسلامي جاءت تعبيرا عن واجب النصح والتسديد وتفسير ظاهرة التعثر في مضمار التمكن والتمكين السياسي فكاتبوها قيادات ومفكرون إسلاميون أُصلاء شرفاء أنقياء أتقياء نحسبهم كذلك والله حسيبهم، ولكن هذه الكتابات النقدية بمنظورنا جانبت بعض الموضوعية وحادت عن حالة الإنصاف الكامل والنظر المتوازن باستثناء مقال الدكتور محمد طلابي نهاية الواقعية المهادنة كأسلوب في التدافع السياسي فقد مثّل وثيقة تنظيرية مهمة في السلوك السياسي والحس الإداري وخطوطا واضحة في المسير الصحيح ، ولعل في عرضنا هذا ما يوضح هذه المجانبة ويبين هذا الحيد مع الاحتفاظ بالتقدير والاجلال لهذه الأصوات التي تحمل هم الدعوة وهمة النجاح والفلاح للعمل الإسلامي في كل مكان.

الدعاء المأثور الذي دائما ما يستفتح به الدكتور الشنقيطي كتاباته وحواراته:

اللهم إني أعوذ بك من أن أضل أو أُضل أو أزلّ أو أُزل أو أظلم أو أُظلم أو أجهل أو يجهل علي” ينبغي أن يكون محل اعتبار واستثمار في الخطاب والموقف لا أن يكون محط تبرك استهلالي سرعان ما يُتجاوز ويُغفل في حال الخطاب أو الموقف، فهو سياج بنّاء عن الزلل والانحراف والتجاوز، حيث الإرشادات الإسلامية التي تدعوا إلى خشوع القلب تدعو إلى خشوع الفكر وإلى خشوع المنطق؛ ليكون الفلاح والنجاح هو الحاصل في النفس والآخر.

قمر مضيء

الشنقيطي و تآكل الرصيد الأخلاقي:

اعتبر الشنقيطي أن انحسار الاحزاب الاسلامية مشكلة معقدة مركبة من قيود موضوعية وقصور ذاتية، الموضوعية تمثلت بالاستئصال الدموي ومنافسة قوى علمانية والموقف الدولي المعادي وهذا بلا شك توصيف مطابق للواقع… أما القصور الذاتي فتمثل حسب تصوره بالتفريط بالرصيد الأخلاقي وبالرخاوة في الالتزام بالمبادئ المعلنة وهذا في تقديري توصيف عريض غير متناسق مع عنوان المقال الراصد للأحزاب الاسلامية وليس حزبا بعينه فهو عموم يراد به خصوص العدالة المغربي من حيث جهة الكلام لا انطباق الحقيقة.. فالحزب أبدى مرونة اجتهادية ورؤية مصلحية شرعية وتدبيرية لا تصل به إلى حد تآكل الرصيد الأخلاقي ورخاوة التحلي بالمبادئ فالمرونة نظر فقهي والرخاوة خوَر نفسي إذ الأول سلوك مُرْضِي والثاني موقف مرَضِي؛ لذا كان التعليل لظاهرة الانحسار في جانب القصور الذاتي ذاتي وليس موضوعي.

يقرر كذلك أن سوء التقدير السياسي كان حاضرا في مسيرة الأحزاب الاسلامية وهو توصيف يستند على الانعكاسات ونتائج المواقف لا على مقدمات تأسيسية، فالمقدمات دوما مبنية على اجتهاد وموازنة فكانت النتائج ليس من ذات المقدمات وإنما من انعكاساتها الموجهة والموظفة بفعل القيود الموضوعية التي حددها.

هل تعيش قيادة الأحزاب الإسلامية حالة بؤس مهدرة للفرص والإمكانات؟

يعتبر أن قيادة الأحزاب الإسلامية تعيش حالة بؤس ومهدرة للفرص والامكانات.. وهذا اعتبار مغالي مجافي لحقيقة الجهد والاجتهاد المبذول منها وهو ما يدركه جميع العاملين بوضوح وظهور تام، مع اعتراف الجميع بالقصور في الامكانات والتحركات والدراسات لكن الحكمة والإنصاف تتطلب التحلي بها قولا وعملا… كما أن هذا التوصيف الاستعلائي الازدرائي يمثل طعنا في خاصرة القيادات والقواعد لا يضمد جراحا ولا يسدد ثغرة وفجوة بل يوسع وينفر، وصدق الله في توجيه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وقوله تعالى: {واذا قلتم فاعدلوا} {ادفع بالتي هي أحسن}وهو سلوك تنفيري عابه رسول الله في العبادات حيث قال بعد شكوى رفعت إليه عن معاذ في تطويل صلاته فقال صلى الله عليه وسلم :” إن منكم لمنفرين” .

ولم يكتف د. الشنقيطي بهذا التوصيف للقيادة، بل أتبعه بالقول أن أداء القوى السياسية الإسلامية الحالية ينقصها الكثير من الحاسة الاستراتيجية والوعي بعالم السياسة وسياسة العالم… ولعله نسي أن مرحلة الخطأ والأهداف التي تسير عليها الأحزاب والحركات الإسلامية تدرجية؛ منها: اكتساب خِبرة وخُبر السلطة والحكم، وإكساب الناس قناعة التداولية التشاركية وتعدد الوجوه، والاختلاط برموز الحكم من القوى المختلفة والتحاور معهم وإسماعهم الصوت الإسلامي بما يخفف من غلواء التخويف والتخوين، إضافة للتقابل مع ممثلي الدول والمنظمات والمؤسسات العالمية السياسية التي لها تأثير… وختاما محاولة تقديم خدمة تنموية وتخليق العمل السياسي.. فهو حفر في النهر وشق في الصخر حتى يتوسع الحفر والشق فيكون خطا مستقيم المرور والسلوك، وهي بهذه القصود تمضي بخطى حثيثة، وطبيعي تعثرها بقصور ذاتها او بغلواء أعدائها… فحاستها الاستراتيجية حاضرة في هذا التدريج الإطاري الواعي وليس كما يرجو الخيال السياسي لدى المفكرين أو الخيال المعيشي لدى الشعوب. وحاديهم في هذا المسار التدرجي فقه ابن تيمية النبيه أنه يُفعل الواجب في الولاية بحسب الإمكان وهذا من أفضل الأعمال الصالحة.

الشنقيطي يقرر بدهية أن النجاح والفشل لا يغير من طبيعة الدين:

يقرر الشنقيطي بدهية أن النجاح والفشل لا يغير من طبيعة الدين الذي من خصائصه شمول رسالة الاسلام… وهذا تقرير في منظوره الفلسفي صحيح غير أنه في المنظور الحركي مؤثر لهذا كان دعاء الرسول قبيل غزوة بدر: اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد؛ لأنهم السيّارون بالفكرة والسائرون لتشمل الزمان والمكان وتقدم صورة ناصعة عن طبيعة الدين في تأطير حركة الحياة والأحياء.

وإذا كان الربيع العربي لقاء على غير ميعاد لممارسة السلطة فإن فصائل الإصلاح الإسلامي السياسي قد استثمرته وهو جزء من استثمار حركة الحياة التي يقومون بها تربية ومدافعة وبناء وتحدياً.. فهذا في مضمار انسيابهم الحركي ليس جديدا ضمن خطاهم السياسي التدريجي.

هل يمتلك قادة الأحزاب الإسلامية القدرة والإرادة؟

وصف د. الشنقيطي الأحزاب الإسلامية بعدم امتلاك القدرة والإرادة للاضطلاع بشؤون السلطة وهو توصيف غير صحيح بالنسبة لحراكهم التدريجي.. يمتلكون قدرة وإرادة بقدر أهدافهم وسياستهم المتوازنة وفق الإمكان والمتاح وإن حُكِم عليهم بأن مشاركتهم بعد الثورة كانت مجازفة خطرة؛ كونهم رفعوا سقف الفعل السياسي المتجاوز للقدرة والامكان وهذا صحيح نتيجة الكيد التآمري المضاد المجهض لكل تنوير وتغيير، كان الأولى بهم التواضع في الفعل السياسي تحسبا لهذه الخنادق.

طالَبَ هذه الأحزاب السياسية الإسلامية بالتواضع الأقل تبجحا وألا يفتتنوا بإغواء السلطة حسب تعبير شادي حميد.

ونقول له التبجح شيء لا يتنصف كونه كتلة مقيتة بإزاء التواضع المقدور الحقيق… فهم بفعلهم السياسي بعد ثورات الربيع العربي لم يكن كبرا ولا تبجحا بقدر ما هو اهتبال للفرصة ومسابقة للزمن حسب ظنهم وتقديرهم فعاكستهم الأقدار التي تحمل في ثناياها عبر وعظات لقادم الأيام للاصطفاء الأنقى المستقبلي في حركة الاصلاح والبعث الإسلامي .

فالابتلاءات والأقدار جزء من قوانين التربية الإلهية والاصطفاء الطيب المميز للخبيث البغيض .

هل رضي الإسلاميون بسلطة شكلية لا يملكون أمرها؟

قال د. الشنقيطي: رضي الاسلاميون بسلطة شكلية يحملون وزرها ولا يملكون أمرها كمصر وتونس والمغرب؛ لأنهم لم ينتزعوا الصلاحيات الدستورية من خلال المدافعة والمخاطرة المحسوبة .وهذا القول منه: يحمل بذرة التناقض مع ما سبقه من توصيف نقدي سابق عن أنها لم تتواضع بعد الثورة لحصول مجازفتها السياسية الخطرة… فتطالب بمشاركة سياسية وانتزاع صلاحيات دستورية وحساب مخاطر مع العلم بوجود منافسة قوى علمانية واستئصال مشرعن متربص فكيف تحكم بالمخاطرة وتطلب التواضع الأقل تبجحا مع انتزاع صلاحيات أو التنازل عنها طوعا وإعادة الأمر الى الشعب تجنبا لتحمّل الكلفة الأخلاقية لتلك المناصب … خلطة نقدية محيرة عنوانها بالمثل اليمني لا تشلوني ولا تطرحوني… وهو مضمون التناقض النقدي الواضح.

من خلال أهدافهم السياسية التدرُّجية في الانتزاع والانتفاع كان موقفهم السياسي منسجما ومتسقا معها وإن بدا للخيال المعيشي الشعبي نكسة ونكبة.

ثم إنه لا يُعقل أن تكون الأحزاب السياسية الإسلامية في حالة الغفلة والتغفيل وتفضيل السلامة على المخاطرة وهي تُجذِّر الهوية الإسلامية في كل اتجاه وموقف، وتخاطر بالنفس والمال والعرض من أجل المبادئ والقيم الدينية، فهم بررة وأتقياء أنقياء عقلاء في هذا الزمن الصعب في كل تفاصيله ومفاصله بالنسبة لهم، لهمِّهمُ الديني والدنيوي.

يقول د. الشنقيطي: لا يملكون حاسة استراتيجية ومرونة تكتيكية وهذا تجنٍّ واضح لا يمت للحقيقة والواقع بشيء.

أمعقول أنهم متبلدون عن الحاسة الاستراتيجية ومتصلبون عن المرونة التكتيكية وهم يحاولون ذلك حتى اتهمهم بعض الاسلاميين بالتفلت والخنوع!

يقول د. الشنقيطي : تخلت الحركات الاسلامية في المغرب العربي عن شرعية النقاء لصالح الأداء فخسرت الشرعيتين .

ليست هناك معادلة عند الإسلاميين تفترض الجدلية وتستلزم التنازع بين النقاء والأداء، النقاء صفة ذاتية تعني صلاح الظاهر والباطن، والأداء السياسي الفعل الاجتهادي من خلال مصادر النقاء والخير، وإذا تنازع النقاء الذاتي مع الفعل الأدائي فهذا يعني النفاق بالفهم الشرعي والانفصام بالفهم النفسي والمراوغة بالفهم الشعبي وهذه تهمة كبيرة وفرية عظيمة. إنهم يؤدون أعمالهم السياسية وهم متسلحون بالنقاء والوفاء وسنن المغالبة والبقاء لخير الخيرين أو لأهون الشرين، جهدهم وجهادهم المبني على فقه المدافعة وفعل المستطاع محكوم بالثواب بإذن الله منه وليس بالخسران والعقاب، فهذا ما يرجونه وما يعملون له وإن خسرت في تصور المتابعين فالله مسبب الأسباب ومقدر الوسائل، ومن افترض محض إنتاجها واعتمد عليها في تسلسلها فهو الشرك والخسران، ولنسلم أن الخسارة في الأداء لكن النقاء حاصل وماثل، ومن ظن أن الناس هلكى وهم في خير وعلى خير فهو أهلكم كما جاء في الحديث. والدفاع عن الهوية والثوابت كانت ولازالت هي عنوان الأحزاب الاسلامية .

ويعزز د. الشنقيطي هذه الاتهامات بالقول: أن خوف خسارة المكاسب السياسية بغريزة البقاء إنما كان على حساب الثوابت والمبادئ وهذا تجنٍّ وتعميم فاسد يمحق فعلها وجهدها وجهادها بموقف أو موقفين لها تأول فيه وتأوه بفعل الاكراهات والضغوط… وفي فقهنا السياسي الشرعي الإسلامي مخارج لها تؤطرها تحت مقصد الاضطرار وامتصاص حرب الأشرار.

السياسات الإسلامية

هل اتسم حزب العدالة المغربي بالرخاوة الأخلاقية والموبقات السياسية؟

شماعة الرخاوة الأخلاقية والموبقات السياسية كما سماها د. الشنقيطي من خلال التطبيع والقنب الهندي وتعليم اللغة الفرنسية التي صادق عليها حزب العدالة المغربي ساقطة أمام العارفين بالواقع المغربي حيث وزارة الخارجية والسلطة الملكية هي من فرضت الأمر وكان التوقيع من رئاسة الوزراء .. وهم بهذا الفعل قد أخطئوا لحسابات مصلحية ارتأوها لكنها لا تبيح اتهامهم بالرخاوة والانفلات والانحراف الاخلاقي.

التقييمات الأخلاقية التي أطلقها د. الشنقيطي ضد العثماني ليست أخلاقية حيث قال : العثماني أكاديمي بيروقراطي ضعيف لا يملك خيالاً سياسيا ولا يجرؤ على المناورة ضد أخابيل المخزن .

وما أظن هذا ديدن العثماني أن يكون بهذه التشوهات الشخصية التي لا تسمح له بقيادة مربع شعبي لأحد أزقة الدار البيضاء فضلا عن أن يكون زعيم حزب إسلامي ووزير أول في الحكومة، لكن التوازن والحكمة والمصلحة التدبيرية هي من تفرض السياسة المناسبة للموقف المناسب .

استراتيجيات الأحزاب الإسلامية حسب وصف الشنقيطي:

قال الشنقيطي: إن الأحزاب السياسية الإسلامية اتخذت استراتيجيتين: حد أعلى في مصر للترشح للرئاسة قبل نضوج الأمور ارتطمت بجدار الواقع المصري ،وحد الأدنى في حركات المغرب انتهت بترويضها وتجريدها من رسالتها الأخلاقية.

انتهاج العدالة المصري الحد الأعلى لرئاسة مصر سلوك جاء بعد مداولات ونقاشات انتهت بأغلبية الشورى عليه، وهذا يشبه شورى غزوة أحد حين جنح الرسول لشورى ملاقاة العدو مع ميله للبقاء وكانت النتيجة مؤلمة، لكنه الالتزام بالقيم العليا كيفما كانت مع محاولة الإصلاح وتوقي المحذور بثبات وقوة، فكان الابتلاء والمقدور أكبر وأجل وقد نجوا من فتنة التردد والترعدد والارتجاف في العقيدة والحركة والمبادئ الى الثبات عليها والتوكل على الله فيها .

أما العدالة المغربي فلم يختر الحد الأدنى بل اختار الحد الأعلى نسبيا وكان على رأس هرم السلطة التنفيذية وقدم إشراقات مضيئة في مجالات متعددة وأخفق في بعضها سواء كان من القيود الموضوعية التي مر ذكرها أم من القصور الذاتي فهذه سنة الحياة الحركية والطبيعة البشرية وهم كُرار لا فرار، وكانوا مثلاً للنزاهة والنظافة الحسية والمعنوية ينشدون الخير للأمة ويجتهدون لها ما وسعتهم الظروف والامكانات.

هل نجحت الأحزاب الإسلامية في معركة الهوية والحرية؟

اعترف د. الشنقيطي أن الأحزاب الإسلامية السياسية نجحت في معركة الهوية والحرية… وهذا صحيح إلى حد ما فالأمور في دائرة النسبية لا الكلية ولا يزال الأمر متسعا للنضال والنزال.

الأحزاب الإسلامية أكبر رافعة لثورات الربيع العربي وانصب عليها حجم الاستئصال الاقليمي الدولي .

هل عجزت الحركات الإسلامية في المعركة التنموية؟

قوله: أن الحركات الإسلامية عاجزة في معركة التنمية. نعم عجز نسبي؛ كون الصدود التي جوبهت بها كبيرة ومتوحشة ومتنوعة فكان عطاؤها التنموي ضعيفا، إضافة لكون أهدافها في مرحلتها الثانية بعد الاستضعاف هو المحاورة والمفاعلة السياسية في حدود إيصال الصوت وبيان الرأي حتى تحين مرحلة التمكين فتكون التنمية والاصلاح التام .

يدعي د. الشنقيطي أن بعض الأحزاب الإسلامية السياسية بفعل المخاطر رضيت بالسقف الواطي بحيث أصبح مجرد بقائها على قيد الحياة علاقة نجاح وهذا كلام غير دقيق بل قوانين السير المتدرج والواقعية وعدم القفز فوق المراحل والامكانات يجعل خطاها قويمة ومستقيمة حسب منظورها وأهدافها.

يدعي الشنقيطي: أن بعض الحركات خرجت من جلدها الإسلامي دون داع أو ثمرة فتآكل رأسمالها المعنوي، وهذه دعوة حسب نظرنا ورأينا لا واقع لها على مستوى الأحزاب أن تنسلخ من جلدها الإسلامي إلى غيره وتدعي إسلاميتها وهي كذلك، أم أن الأمر مقصور على منظور الشنقيطي ورأيه، فإن كان الأول فمن هي ؟ وما هو ؟الكلمة مسؤولية والطيشان النقدي واستطالته كلام قد يهوي بالمرء كما في الحديث الشريف.

مراكش المغربية

الشنقيطي يصف الأحزاب الإسلامية بضعف الحاسة الإستراتيحية:

وأخيرا يرمي رصاصته الأخيرة على هذه الأحزاب بكونها ضعيفة الحاسة الاستراتيجية عبر الانفعال والارتجال وردود الأفعال والبقاء في دوامة الصعود والهبوط دون تراكم جدي واحتراف نوعي. هذه الرصاصة المدمرة الساحقة الماحقة تدل على أن النقد والتقويم تجاوز الموضوعية والنصفة وكان أشبه بضغط نفسي وطيش فكري فهذا طلق ناري للتهديم لا للتصحيح والتقويم.

ولعل لحظة المواقف العدائية التي تجابه حركات الاسلام السياسي والتي تقابل من قيادة الاحزاب الاسلامية بالصبر والمصابرة والمرابطة والمدافعة قد أذهلت الناظرين والمنظرين فأفقدتهم الاتزان ليقوموا بصب جام الغضب ومحو إيجابياتها وتصويرها بهياكل جوفاء فارغة آيلة للموت بعد ما تعانيه من نزع آني. وإن يكن ما كان فهذا تنمّر فكري واضح، والسياسة كما يقول المفكر العراقي طه حامد الدليمي السياسة تشتغل على الجغرافيا وليس على الأفكار والأحلام .

وهنا أقتطف بعضا من مقولات المفكر المغربي الدكتور ميمون نكاز من خلال مقالاته المبثوثة في حسابه على الفيسبوك، قوله: ففي السياسية التي نأت عن الطهر في مسعاها الطويل تشكلت فكانت ” عقول القوم وقلوبهم بين أصابع المآرب والمناهز تقلبها كيف تشاء يصبح الرجل طاهرا ويمسي حائضا تحرم عليه الثقافة وتحل له السياسة… تنقص من دينه أو من رجولته أو من هويته دورة بعد دورة ” فهذا حال الساسة والسياسة في زمنها المعاكس للدين والأخلاق… فكان الصوت الإسلامي الباحث عن فضاءات التخليق والتصديق النسبي المتاح.

فعل الأحزاب الإسلامية مشمول بالأحكام الخمسة بحسب المآل والمجال والحال وبالمعايير اللازمة الوازنة:

معيار المصالح: تستجلب وجوبا وندبا والمفاسد تستدفع حرمة وكراهة.

معيار الموازنة: حيث الأصل جلب المصالح ودرء المفاسد ولكن هذا لا يتأتى دائماً في الواقع فتضطر إلى الموازنة بين المصالح نفسها والمفاسد نفسها وبينهما.

معيار الواقع : الأحكام افرازات الواقع… حيث فهم النص كما يقول الباحث عادل رفوش دلالة ومدلولا ..وفهم الواقعة تصورا واستيعابا كما هي في الواقع تحقيق المناط.

عملية تنزيل الحكم على النازلة كيفية الاستدلال: وهي تنزيل الأحكام على محالها وأي انحراف في الفهم والتصور والتنزيل ينعكس على الحكم . وهنا تدخل قاعدة اعتبار المآل .. فقد يحكم على الشيء باعتبار مآله وليس باعتبار حاله وهو ضرب من النظر الاستراتيجي المبني على هذه المآلات.

شعار الاسلاميين ” رب أدخلنا مدخل صدق وأخرجنا مخرج صدق وهم بين مدخل الصدق ومخرج الصدق صادقوا الوعد والعهد وليسوا للخائنين ظهيرا” .

والسياسة كملعب الكرة يتدربون حتى يصلوا إلى مرحلة الاحترافية والنجومية فهم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض ويحتاجون للتوبة من قريب في عالم السياسة بعد ارتكاب السوء بجهالة التدبير.

ليس من حكمة العلم والمعرفة انتقاد المستضعف المظلوم في ظرف استضعافه وظلمه مع فرض التسليم بصدق التعقب وصحة النقد ..بل المطلوب من حكيم العلم والمعرفة النظر إلى وجهة الكلام لا إلى جهة الصدق فيه فقط، إذ تغافل هذه الأبعاد يجعل الأمر تسويق للمعرفة في غير محلها ومناطها .

لقد رفع حزب العدالة المغربي شعار الاصلاح في ظل الاستقرار متحاشيا الصدام والخصام الممكن تجاوزه باللطف والاستيعاب حتى يظل السلم قائما لقيام الأمة، مع العلم أن المخزن لا يبتعد عن نظرية الحجم الطبيعي الذي رسمه للمشهد السياسي بأحزابه ومنظماته، للحياة السياسية بحيث تكون تحت الايقاع المستطاع، فلا تحب الأحزاب ولا تكرهها بل يعتبرها أدوات غيار حسب تعبير كاتب مغربي .. فيتحكم في التوازنات فتكون أشبه بعالم الخيالات في الروايات، وعلى هذا الحال فمن يناقش الواقع السياسي المغربي بالاعتماد على الخيار الديمقراطي فإنه وقع في الفخ. والتصوير والتصور على خلاف ما هو الحال. الديمقراطية المخزنية تنظم الصراع وتضبطه.

الايجابيات هو الاستقرار واستمرار مؤسسات الدولة والمطلوب من الإسلاميين تبديد سواد الظلام بخيوط الضوء المشعة بنَفَسٍ هادئ حكيم رزين وترويج مقولة الشعب عاقب حزب العدالة خصوصا والشعب يعرف أخنوش وحزبه أنه الحاكم فعلا وقد قاطع منتجات شركاته فهذه مقولات تسطيح وتنميط لعقول الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى