المؤرخ اليمني/ عمر بن علي سمرة الجعدي صاحب كتاب/ طبقات فقهاء اليمن
مع كل عودة جديدة لذكرى 26 سبتمبر والثورة ضد السلالة العنصرية تتجدد في الذاكرة الشعبية مظاهر معركة اليمنيين الطويلة مع حكم الإمامة ورموزها وأساطيرها وأكاذيبها وتزويرها للإسلام والتاريخ والهوية اليمنية التي اكتملت مقوماتها بالإسلام منذ آمن اليمنيون به، وامتزجت حياتهم وطورهم التاريخي به فصاروا الدرع الذي يحمي الإسلام وصار هو الفنار الذي يهديهم في حياتهم ودنياهم.
ألف ومائتا سنة وأكثر وأهل الإيمان والحكمة يواجهون مع هذه السلالة العنصرية حروبا لا تهدأ ولا تكل ولا تمل ولا تتوقف ينزفون أنهارا من الدماء، ويخسرون ضحايا وأنفسا بلا حساب، ويعانون دمارا ماديا لا حدود له استهلك طاقاتهم الحضارية وإبداعاتهم في البناء والعمل في حروب ومذابح لا غاية لها إلا إشباع شهوات عنصريي السلالة ومحرميها إلى الاستحواذ على السلطة والثروة بمبررات كاذبة في أحقيتها فيهما دون اليمنيين أصحاب الأرض والثروة الشرعيين.
ولمن قد يستهول عبارة 1200 سنة حروب فلينظر إلى النسخة الجديدة من العنصرية العلوية الجديدة التي ظهرت رسميا في ستة حروب في صعدة من 2004 إلى 2010 دمرت وقتلت وجرحت عشرات الآلاف من الأرواح والأجساد ومليارات من الخسائر المادية ناهيكم عن الشروخ العميقة التي أصابت الجسد الوطني اليمني طائفيا وقبليا إحياء لزمن ظن كثيرون أنه قد ولى، وأن قيمة المواطنة المتساوية قد نجحت في إجبار الأمراض الطائفية والقبلية على الانزواء بعيدا والتستر خوفا من العقاب.
عشرون سنة كاملة من سنة 2004 إلى اليوم 2024 والنسخة العنصرية الجديدة للأوهام الشيعية العنصرية تحارب وتقتل وتدمر وتجلب الخراب على اليمن واليمنيين دون ذنب اقترفوه إلا أنهم لم يفعلوا بهم يوم انتصار 26 سبتمبر 1962 ما فعلوه هم حقدا وعنصرية بخصومهم وأعدائهم ومنافسيهم ولو كانوا من داخل مربع مذهبهم العنصري ( أي كما فعلوا مع الزيدية المطرفية الذين أنزلوا بهم من الجرائم التي يندى لها جبين الإنسان فضلا عن المسلم حتى أنهم استباحوا أعراض نساء أتباع المطرفية الزيدية وأعراض من يجاورنهن في قراهم من المسلمات العفيفات من غير المطرفية). وكما أحرق جدهم يحيى الرسي قرى اليمنيين وقتل أبناء اليمن وعلق جثثهم في الأشجار ( كما هدد فرعون السحرة بعد إيمانهم برسالة موسى وهارون) حتى انتنت الجثث وعاف أهاليهم وإخوانهم الطعام والشراب فاضطروا أن يذهبوا إلى يحيى الرسي ضيف اليمن الآكل الشارب من أقوات أبنائه الهارب من المدينة إلى اليمن لإصلاح شأن اليمنيين وتعليمهم الإسلام وإخراجهم ( كما يقول حفدته اليوم) من ظلمات الكفر والفسوق والدعارة إلى نور الإسلام والعفة والطهارة ذهب أهل اليمن إلى الغريب الضيف يهتجفون ويقبلون أقدامه ليتكرم عليهم بالسماح لهم أن يدفنوا جثث إخوانهم وأبنائهم اليمنيين المعلقين في الأشجار جزاء رفضهم أداء واجبات وجبايات ما أنزل الله بها من سلطان.(1)
وفرية إخراج الأمة واليمنيين من الكفر والفسوق إلى الإسلام والإيمان مشهورة وقد وصفت الأمة الإسلامية ومنهم اليمنيون بالضرورة بالكفر في كتاب سيرة الهادي بقلم ابن عمه بأنها (خالفت نبيها في ذلك حسدا لأهل بيت نبيها فقدموا غيرهم وأمروهم عليهم، وطلبوا العلم من سواهم، واتبعوا أهواءهم.. وكفروا بربهم، ونقضوا كتاب الله خالقهم فقالوا في دينهم بالتقليد والهوى خلافا لله ولرسوله وحسدا لأهل بيت النبوة). وكقول مؤلف سيرة الهادي عن أبيه [ ما كنا ننزل منزلا إلا خرج يحيى بن الحسين حتى يتنزح منا ساعة ثم يبكي وينتحب كما تنتحب المرأة الثكلى على الإسلام وعلى الأمة الضالة المضلة!!] كما أورد أبياتا لابن عقيب الشاعر منها:
عدا قوم على ملك وكان الله قد شده
ولا بد لأهل البيت أن يسترجعوا عقده
إذا ما خرج الهاد ي بعد البأس والشده
ليلقى أمة حادت عن الإسلام مرتده
ومن أقوال يحيى الرسي كما جاء في كتاب سيرته [ والله لو كان معي 313 مؤمنا (!) لا بل لو كان معي 500 (لأن تلك فضيلة لرسول الله) لدست (!) بها اليمن..]. ومنها قوله: [ ما أشتفي ولا يشفى قلبي أو أطأ جيف المخالفين بفرسي!]. (2)
وفي مذهبهم أن اهل اليمن من غير شيعتهم من أتباع المذاهب السنية هم مجبرة ومشبهة يعاملون معاملة الكفار المتأولة وكالمرتدين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ولا تؤكل ذبائحهم.(3)
وهذه نماذج أخرى من جرائم الأئمة وقسوتهم العنصرية في حق من يعارضهم من سكان اليمن الأصليين وهي جرائم موثقة في عديد كتب تاريخية وأفضل من وثقها وجمعها في كتاب واحد هو الباحث اليمني عبد الفتاح البتول في كتابه القيم (خيوط الظلام عصر الإمامة الزيدية):
– الإمام عبد الله بن حمزة فعل الأفاعيل بخصومه بمن فيهم المطرفية من الشيعة الهادوية فدمر المطرفية، وصب كل محنة عليهم وبلية حتى صاروا بين قتيل وطريد، وسبى النساء والذراري، واستلب الأموال في البلاد الحميرية وغيرها من الجهات. وقد عاملهم مثل المرتدين بعد وفاة الرسول؛ صلى الله عليه وسلم؛ بل عدهم أشد كفرا، وصنع الصنيع نفسه مع ((الجبرية القدرية) أي أهل السنة فقد أجرى عليهم ما أجراه على المطرفية من القتل، وسبي الذرية، وتغنم أموالهم. وأجاز ما عمله أخوه يحيى بن حمزة من سبي مئات من نساء الأيوبيين وأولادهم في صنعاء.
– الإمام أحمد بن سليمان خرج في عسكر عظيم لحرب صعدة بدعوى نكثهم أيمانهم ونقض عهودهم فقهرها وأخذها عنوة، وتغنمت الجنود منها أموالا جليلة.. وأخربها! وخرج لقتال قوم أظهروا الباطنية – وتسمى وقعة جلاجل – فهزمهم ثم تتبع وعسكره دروبهم يخربون ويحملون ما يجدون فيها من الطعام والأثاث ثلاثة أيام، وأجلى سكان مناطق عدة حتى وصل نجران، وأقفرت بلدان عدة من أهلها وهي قدر مسيرة 3 مراحل. وسار مرة إلى عيان على طريق الجوف فأمر بقطع زروعهم وإخراب دورهم. ومن جديد يحاصر صعدة 556ه حتى استولى عليها فأخرب كثيرا من دورها. واستعان بالسلطان علي بن حاتم على حرب الأشراف القاسميين في وادعة فحاربوا الأشراف في مصنعة أثافت فامتنعوا فأخرب قرى بني عبس ودروبهم وقطع أعنابهم.
الإمام المطهر بن شرف الدين أحد كبار الحكام المجرمين في تاريخ اليمن، اقترف جرائم ضد خصومه مثل قتله لمجموعة من الرهائن الأطفال والصبيان؛ إذ أمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. وفي خولان التي خرج بعض قبائلها عن طاعة الإمام اعتراضا على بعض تصرفاته؛ فخرب ما استطاع من المزارع، وقطع الأعناب والأشجار، ودمر ما استطاع من البيوت، وظفر بقرابة 300رجل من خولان فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. وكلفه أبوه الإمام شرف الدين بمواجهة حلف السلطان عامر بن الوهاب والشريف يحيى السراجي للزحف على صنعاء، فلحق بالسراجي في رداع وهزمهم، وأمر بضرب عنقه بعد أسره، وضرب أعناق ألف أسير، وأمر بقية الأسرى أن يحمل كل واحد منهم رأس قتيل منهم، وتوجه بهم ماشيين إلى صنعاء وصعدة، وهناك أمر بضرب أعناق باقي الأسرى فكان يسقط رأسان في وقت واحد.
وحاصر المطهر الشريف صلاح بن أحمد الذي استولى على حصن الطويلة، فلما استسلم وقبل النزول على حكمه أمر بالجميع فربطوا من أرجلهم بالجمال، ثم سحلوا سحلا حيث جرتهم الجمال ووجوههم منكوسة على الأرض حتى تقطعت أشلاؤهم وتناثرت في الطرقات، ثم أمر بقتل الشريف صلاح ورمى جثته في الأرض بلا دفن ولا قبر.
– السيد الشريف القادم من بلاد الديلم ثأر لمقتل الإمام أبي طالب يحيى بن أحمد بن الحسن المؤيد وولده على يد أهل صعدة سنة 513ه؛ فأخرب صعدة وعاونه على ذلك شيخ الشيعة في وقته/ محمد بن عليكم بن أسعد. (وكان لا يقبل لهم توبة، ويأخذ أموالهم ويسبي ذراريهم، وكان يقتل من خالط الباطنية مختارا حتى أمر بقتل سبعة أنفس فيهم رجل رأى ملحدا صلحا ولم يتميز عن الستة وقال: القاتل والستة في الجنة والواحد في النار، وصلب 3 أحياء..).
عشرون سنة من حياة النسخة الجديدة من العنصرية الهاشمية دمرت ما صنعه اليمنيون منذ أسقطوا نظام الإمامة الزيدية العنصرية من إنجازات حضارية علمية وتعليمية وصحية وبنية تحتية وتقارب نفسي بين أبناء اليمن الذين اختلطوا وامتزجت أرواحهم في بوتقة الانتماء الوطني اليمني الواحد.. ستون عاما رغم الأخطاء إلا ان اليمني شعر فيها أنه إنسان وليس عبدا لعضايض السلالة ولا خداما لخدام الجرافي وليس مضطرا أن يقول لإنسان مثله يا سيدي ويا مولاي وصلوات الله عليك يا ظالمني وصلوات الله عليك يا ناهب مالي ولا مضطرا أن يصف نساء السلالة أنهن الشريفات العفيفات وإلا نزل عليه غضب السلالة (4) وكأن اليمنيين واليمنيات من نسل سبأ وحمير وحضرموت وقبائل مذحج وحاشد وبكيل ويافع وأبين لا علاقة لهم بالشرف والسيادة في بلادهم وأرضهم بل امتدت جريمة تحقير اليمنيين إلى وصف كل ما يتعلق بالسلالة بالشرف فسجنهم الذي سجنوا وعذبوا وقتلوا الأحرار فيه: سجن شريف، ومقامهم الذي يتحكمون منه بأصحاب الأرض الأصليين مقام شريف، وقلمهم قلم شريف وحرسهم حرس شريف وقيود الحبس قيد شريف وربما دورة مياههم شريفة وعرقهم شريف وأحذيتهم شريفة فقط اليمنيون ليس شرفاء ولا يستحقون هذا الوصف رغم أن البلاد بلادهم والأرض أرضهم والثروة ثروتهم.
وكالعادة في كهنوت الدجل الشيعي في كل زمان ومكان فقد كان ضروريا لنسختهم الحوثية الجديدة أن تتستر بالأكاذيب والأساطير لتبرير عدوانها الجديد في مسيرة حرب الألف ومائتي سنة التي تخوضها هذه السلالة ضد اليمنيين منذ وصل السفاح إبراهيم الجزار سنة 199ه ثم وصول جدهم الأول يحيى الرسي سنة 284ه نازحا إلى أرض سبأ وحمير وإلى اليوم.
ومعركة اليمنيين مع هذه العنصرية السلالية لا تقتصر على مواجهة إجرامهم العسكري فقط فلا بد من أن تكون مواجهة أكاذيبهم المذهبية والتاريخية ودحضها وبيان زيفها والتذكير بجرائمهم في حق اليمن واليمنيين هي المعركة الفكرية الدائمة التي لا تفتر لكي لا تتكرر أخطاء الماضي القريب عندما ظن كثيرون غفلة وسذاجة أو انتهازية أن السلالة العنصرية قد تصالحت مع اليمنيين وقررت تجاوز أوهام الحق الإلهي وأطماعها في احتكار السلطة والثروة والتسيّد على اليمنيين وتحويلهم إلى رعايا مستذلين يؤمرون فيطيعون ولو بالقطرنة الجديدة ولا يجوز لهم حتى المطالبة برواتبهم وحقوقهم الطبيعية.
ولأجل كل ما سبق فهذا سبتمبر قد عاد وعاد معه كل تاريخ السلاليين العنصريين وصار محتما على أهل القلم أن يخوضوا معركة الوعي وفضح الإجرام العنصري في حقهم وحق بلادهم وأجيالهم القديمة والجديدة
يتبع الجزء الثاني: الأكاذيب المؤسّسة للعنصرية الهادوية الزيدية في اليمن
الهوامش:
- ينظر في كتاب سيرة يحيى الرسي ص 173 ما حدث سنة 286ه أنه قاتل أهل نجران فقتل منهم جماعة، وأمر بتعليق القتلى على الشجر منكسة رؤوسهم أياما عدة حتى انتنت القرية من جيفتهم فلم يقدر الناس على أكل الطعام، فجاءوا الهادي يستعطفونه ويقبلون رأسه ويديه ورجليه وسألوه أن يهب لهم جيف أصحابهم ليدفنوها في الآبار فرفض، ولم يقبل إلا بعد جهد. ومثلها كثير من صور هذه القسوة والإجرام في التعامل مع اليمنيين.
- فرفض، ولم يقبل إلا بعد جهد. ومثلها كثير من صور هذه القسوة والإجرام في التعامل مع اليمنيين.
- ينظر كتاب التاج المذهب في أحكام المذهب للقاضي/ أحمد قاسم العنسي، الجزء الرابع ص497 عند الحديث عن أحكام الردة وحكم المرتد من كلام خطير يقصد به أهل السنة في اليمن المتهمين بأنهم أهل جبر وتشبيه استنكره العنسي نفسه وتبرأ منه في نفس الصفحة ( وأما الكافر المتأول كالمجبر والمشبه ونحوهما فعند أهل المذهب أنه كالمرتد لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف…. وقيل بل هو كالذمي.. وقيل بل حكم المتأول كالمسلم في أحكام الدنيا في قبول شهادته وخبره ويدفن في مقابر المسلمين ويصلى خلفه ونحو ذلك وله حكم الكفار في الآخرة فقط!).
- يورد المناضل حسين المقبلي في مذكراته حكاية عن مثل هذه الممارسات العنصرية حدثت له مع الإمام أحمد يا جناه ففي أثناء حديث بينهما بعد عودتهما إلى اليمن حدث التالي (.. قلت: كما تكلمت في هذا الموضوع مع الأخ أحمد الشامي فرفع الإمام عينيه من وراء نظارته وقال مستغربا: من؟ أحمد الشامي أو تقصد أحمد محمد؟ فتنبهت أنني لم أقل(سيدي) قبل ذكر اسم أحمد الشامي كما كان متبعا في ذلك الوقت فقلت: نعم سيدي أحمد الشامي] ص 357.