عند زَبيد والزَّبيدي يتّضحُ نسيجُ التاريخ، وعناصرُ الجغرافية في تعاضدها وتآزرها على إنشاء مدينةٍ، وعلى تهيئة أسباب نبوغ علَم كريم من أعلام العربيّة؛ أمّا المدينة فإنّها زَبيد التي في اليمن، وأمّا العَلَم فإنّه السيّد محمّد مرتضى الزَّبيديّ الذي صنع للعربيّة أكبر معجماتها .
لابدّ للمدينة حتّى تنشأ من أن تتمَّ لها أسبابٌ من الجغرافية، وأسبابٌ من التاريخ؛ فإذا أعوزها سببٌ اختلّت نشأتها وقصُر عمرها؛ غير أنّ زَبيد نشأت بأسبابٍ تامّة فصحّت النشأة واستطال العمر، واتسع الأثر.
كان اسم “زَبيد” يُطلق على وادٍ غزير المياه عنده مدينةٌ قديمة، نشأت قبل الإسلام، يقال لها الحُصيب؛ فلمّا جاء الإسلام، وبسط الدينُ سلطانه على أرض العرب بعث الرسول الكريم أبا موسى الأشعري عاملًا عليها وقد بقي هناك، في عمله، خلافةَ أبي بكر.
قال ياقوت: “زَبيد … اسم وادٍ به مدينةٌ يقال لها الحُصيب ثم غلب عليها اسم الوادي”. وأوّل أسباب النشأة؛ أنّها كانت في وادٍ خصيب لا ينقطع جريانه. وإذا وُجِد الماء فقد وجدت الحياةُ، ونمت أسباب الاستقرار وتهيأت حضارة. كان وادي زَبيد عظيمَ الخصب كثيرَ الثمار متنوعَ الزروع . يقول القاضي محمَّد بن علي الأكوع في حاشيته وهو يحقّق كتاب “الإكليل”: “زَبيد هي المدينة المشهورة حاضرة القطر التِهاميّ وأمّ مدنه التي لا يلحق بها نظير في كَثرة خيراتها ، وحُسن رونقها، ورقّة أهلها، وجمال طباعهم ولين جانبهم”. وكأنّ كلام الأكوع يستمدّ من الماضي استمداده من الحاضر، بل هو يصل بين طرفي الزَّمن وقد انعقد على مجد مدينة.
ولم يكن هذا الوادي منقطعًا عمّا حوله، بل هو متّصل بما يزيده في أسباب الحياة؛ إنّه في تِهامة اليمن، وتِهامةُ هي “الأراضي الواطئة السهلة الممتدة على ضفاف البحر الأحمر مبتدئًا من تيه عدن وأبين جنوبًا إلى حلى ابن يعقوب شمالاً، وتقدر مسافة ذلك بعشرين مرحلة وزيادة، وعرضًا من البحر إلى حزاز الجبال مسافة يومين فصاعداً، وهو إقليم عظيم خصيب. ويلتقي خصب الوادي بخصب الإقليم، ويزيد موقعُ الإقليم من مكانة الوادي إذ يضعه على الطريق المؤدي إلى مكّة المكرّمة حيث رحلةُ التجارة، ورحلةُ العلم، ومقصدُ الحجّ . وكثيرًا ما قامت المدينةُ العربية الإسلامية على هاتين الرحلتين: التجارة والعلم ، وكثيرًا ما امتزج العلم بالتجارة.
لقد اكتملت الأسباب من وادٍ خصيب وإقليم طيّب الأرض وموقع يقترب بها من البحر فيصلها بحواضر العلم الإسلامي .
وما كان على هذا الوصف من الأرض لابد أن يكون قديم الاستيطان، وقد كان، وممّا يذكر التاريخُ بشأنها؛ أنّ أهلها دخلوا الإسلام سنة 10 من الهجرة، وكان خالد بن سعيد بن العاص ممّن ولي أمرَها في عهد الإسلام الأوّل . ويبدو أنّ الإسلام تمكّن من قلوب أهلها فاطمأنوا به، وثبتوا عليه فلم ينهضوا مع المرتدين. لقد وجد الإسلام في أهلها أرضا خصيبة فضرب فيها وامتدّ في السماء فكانت له جذور بعيدة الغور، وكانت له فروع واسعة المدى أثمرت معارف شتى .
بقي ” الوادي ” في صدر الإسلام بقعةً من بقاع المسلمين كثيرةَ الخصب ، وفيرةَ الخير؛ لكنّه لم ينل صدارة في أمر حتّى جاء زمن المأمون فاختط محمد الزياديّ في سنة 204 مدينة زَبيد. وصارت حاضرة الدولة الزيادية، وإذا كان ياقوت الحموي صاحبُ معجم البلدان يجعل اختطاطها في زمن المأمون فإنّ السيد محمّد مرتضى الزَبيدى صاحبَ تاج العروس يقول: “زَبيد بلد باليمن مشهور اختطّه محمد بن زياد مولى المهدي في زمن الرشيد العباسي إذ بعثه إلى اليمن فاختار هذه البقعة، واختطّ بها هذه المدينة المباركة، وسوّرها، وجعل لها أبوابًا. “ولعلّ ما ذهب إليه ياقوت أرجح ، لأنّه أدخل في علم البلدان، في نشأتها وموقعها، واختطاطها. ولأن مصادر أخرى وثيقة الصلة باليمن؛ مدنها ودولها قد ذهبت مذهبه؛ يقول ابن الدَيْبع وهو من هو في كتابة تاريخ زبيد: “وأوّل من اختطّ المدينة محمّد بن عبد الله بن زياد الأمويّ بأمر سلطانه عبد الله المأمون بن هارون الرشيد في يوم الاثنين الرابع من شهر شعبان سنة أربع ومائتين”. ويقول تاج الدين اليماني: “استولى ابن زياد على تِهامة بعد حروب جرت… واختطّ مدينة زَبيد في سنة أربع ومائتين وكان مع ابن زياد مولى له يسمّى جعفر وهو الذي نسب إليه مخلاف جعفر، وكان فيه دهاء وكفاية حتى كانوا يقولون ابن زياد بجعفره “. وغلب اسم “زَبيد” على اسم “الحُصيب” حتّى محاه.
ومهما يكن الأمر فإن بضع سنين في الزيادة أو النُقصان لا تغير شيئًا من حقيقة نشأة المدينة في مطالع القرن الثالث الهجري .
غير أنّ ما ذهب إليه ياقوت كُتب له الشيوع في المراجع التي تناولت بلاد اليمن ومدنها يقول الدكتور حسن إبراهيم حسن: “لم يزل ولاة الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين يتقلدون اليمن حتّى اضطرب أمرها في عهد الخليفة المأمون العباسي، فوجّه إليها محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد بن أبيه ففتح هذه البلاد وأسس فيها دولة دامت قرنين، وبني مدينة زَبيد سنة 204 هـ”. نعم إنّ الذي عليه جلّ المصادر والمراجع أنّها اختطَّت في سنة 204 هـ.
“وهي مدينة مدوّرة الشكل عجيبةُ الوضع على النصف فيما بين البحر والجبل، ومن جنوبها الوادي المبارك المسمى زَبيد الذي دعا رسول الله فيه بالبركة فليس في اليمن وادٍ أبرك منه، ومن شمالها وادي رمع وقد دعا فيه الرسول الكريم أيضًا بالبركة فهي مدينة مباركة بين واديين مباركين، ومن شرقيّها الجبال الشامخة والحصون الباذخة والمعاقل المنيعة والمساكن الرفيعة ومن غربيّها البحر الزَّاخر والسفن المواخر والنخيل الباسقة والحدائق الفائقة “.
صارت زَبيد حاضرة الدولة الزيادية وهيّأ لها قربُها من البحر الأحمر أن تكون على صلة وثيقة بحواضر العالم الإسلاميّ فتتّصل الأسباب بينها وبين مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، وتمتد بها الأسباب إلى طرف من بلاد الهند، وهي صلات تلتقي عندها رحلتا التجارة والعلم .
وإذ تحقق لزَبيد أن تكون حاضرةَ الدولة الزيادية فلقد تهيأ لها أن يستقر فيها العلم وأن تمتدَّ في أرجائها عناصره ويشتدَّ بنيانه. نما فيها علمُ العربية ، وعلم الدين، وهما وما يتفرّع منهما وثيقا الصلة؛ ذلك أنَّ علم الدين يقوم على العربية، وعلم العربية إنّما نشأ ليخدم أصل الدين الشَّريف، وقد امتزج العلمان معًا في كل مدينة إسلامية نشآ فيها، وها هما يدرُجان على أرض زَبيد وينتشران في أنحائها ويتمكّنان من أذهان أهلها، ويُصبحان نسيجَ هذه المدينة الثقافيّ حتّى قيل فيها: “إنّها إحدى البقاع المقدَّسات المرحومات… وهي بلاد العلم والعلماء والفقه والفقهاء والدين والصَّلاح والخير والفلاح ولم تعلم مدينة من مدائن اليمن المعمورات ومساكنها المشهورات ظهر فيها ما ظهر في مدينة زبيد من العلم والعلماء الأثبات هذا مع قلة كفاية أهلها وأرزاقهم الدقيقة فهم أهل السَّعادة في الدارين حقيقة، وهي أم قُرى اليمن ومحطّ رجال العلماء في كل فن”.
رسخ العلم في زَبيد حتّى إذا اختلفت عليها الغِيَرُ فزالت دولة، وقامت دولة أخرى بقي أصلُ العلم فيها ثابتًا وكأنّه فوق الحوادث، وكأنّ الحوادث لا تنال مما استقرَّ في أعماق النفوس، وهذه خصيصةٌ أخرى من خصائص المدن العربية الإسلامية؛ أنّ تيار الحضارة يظلّ متدفقًا فيها على الرغم من اختلاف الدول من انهيار دولة، وقيام أخرى؛ بل إنَّ كلّ دولة تُكتب لها الغَلَبة وتتمّ لها السيادة لابدّ لها من أن تُعلي من شأن العلم. وهكذا كان أمر زَبيد؛ فقد حكمت الدولة الزيادية وادي زَبيد وما إليه ما يقرب من سبع وتسعين ومئة سنة ثم أذنت شمسها بالأفول، وقامت بعدها دولةُ بني نجاح في سنة 402 هـ ، وليس هيّنًا يسيرَ الأثر في المجتمع أن تنهار دولة وأن تقوم أخرى؛ لأنَّ ذلك مصحوب في تاريخ البشر كلّه بإراقة دماء وهدم منازل وارتحال أقوام، فإن كانت الرُّوح المستقرَّة في أعماق النَّاس ضعيفة واهية حلَّ الدَّمار التام وانطفأت شعلةُ العلم، أمّا إذا كانت روحًا قويّة دافقة فإنَّها تجد لها منفذًا من وراء الأحداث فتمدَّ العلمَ بأسبابه وترعى مصباح الحضارة أن ينطفئ . وهكذا كانت الروح المستقرّة في أهل زَبيد، وكأنّ قيام الدول وانهيارها شيء لا ينال من مبدأ العلم لديهم.
وتعاقبت الدول على زَبيد، وليس من شأن هذه الصفحات أن تفصّل القول في ذلك وإنّما هي معنية في بيان أنّ زَبيد دار علم نشأ فيها علماء وانتسبوا إليها وطافوا البلدان، وكلّهم يرجع بنسبته إلى زَبيد حاملا اسمها مُشيعًا في الآفاق فضلها، ولولا العلم الذي نشأ فيها، والعلماء الذين اعتزوا إليها لكانت بلدة منسيّة لا يذكرها إلّا من ينقّب في التاريخ.
ولمّا كانت زَبيد تقع على ملتقى طرق؛ طريق يصلها بمكّة والمدينة، وطريق يصلها بالبحر، وييسر لها سبيل الهند؛ فقد كانت مسترادَ كثير من العلماء ينزلونها لملاقاة نظرائهم، ومواصلة الدرس، واستجمام أنفسهم، وهم في ذلك يحيون تقاليدَ الدرس العلميّ؛ فإذا ارتحلوا أبقَوا من أنفسهم شيئًا في المدينة وحملوا منها أشياء يُذيعونها في الآفاق فيتردّد اسم زَبيد. ومما له دلالة واضحة فيما نحن فيه من منزلة مدينة زَبيد أنّ مجد الدين محمد بن يعقوب المشهور بالفيروز آبادي صاحب القاموس توفي فيها في سنة 816 أو 817 هـ.
وكأنّ نزول الفيروز آبادي زَبيد واتخاذها موطنًا له حتّى أدركته الوفاة قد زاد في الأسباب بينه وبين السيّد محمّد مرتضى الحسينيّ الزَبيديّ فوضع ” تاج العروس من جواهر القاموس”، وإنّما العلم أسباب موصولةٌ يتلقاها اللاحق عن السَّابق فيزيد فيها .
ولعلّه لم تقترن مدينة بأحد أعلامها كما اقترنت زَبيد بالسيّد محمّد مرتضى الزَبيديّ صاحب ” تاج العروس” فحمل اسمها متنقّلاً في البلاد الإسلاميّة، ثم حمل اسمها بعد ذلك متنقّلاً في التاريخ العربيّ الإسلاميّ حتّى كأنّ المدينة والرجل شيء واحد بعضه يضيء بعضًا.
والزَبيديّ هو أبو الفيض محمّد مرتضى بن محمّد الحسينيّ الزَبيديّ، يرجع نسبه إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين، وعلى هذا جلّ المصادر التي تناولت سيرته. ولد في سنة 1145هـ، وليس في ذلك خلاف عند من ترجم له، ولكنّهم اختلفوا في مكان ولادته، وزاد في اختلافهم أنّه لم يذكره فيما ذكر من شؤون حياته في أثناء مؤلفاته، ولعلّه لم ير للأمر من أهمية حتّى ينصَّ على موضع ميلاده من بلاد الإسلام فحيث تُلي القرآن ونُطق بالعربيّة، وارتفع الآذان كانت بلادَ العربيّ المسلم . غير أنّ الدارسين لم يريدوا أن يغفلوا مكان ميلاده حبّاً في استجلاء الحقائق فراحوا يجمعون الأخبار ويمحّصونها ويرجّحون ما تقوم به الحجّة لديهم فكان ممّا اهتدوا إليه أنّه ولد في الهند في مدينة بلكرام ، ولكنّ أصله عربيّ صريح يرجع إلى الإمام زيد بن عليّ. وكان أهله الأقربون قد ارتحلوا إلى الهند، وكانت دواعي الارتحال كثيرةً، وسبله ميسرة، فوُلد هناك؛ غير أنّه ما كاد يشبّ عن الطوق، ويأخذ بطلب العلم حتّى ارتحل من الهند ودخل زَبيد وأقام بها مدة طويلة. وكانت زَبيد يومئذٍ مدينة علم ودرس و “كانت جامعة من الجامعات الإسلامية المعروفة ومشعلاً من مشاعل النور والمعرفة ” ، فأخذ يسمع الحديث ويتلقّى اللغة، ويستوعب آثار العربيّة ويدوّنها، وامتدت مدّته في زَبيد، وعلم أنّ الفيروز آبادي كان قد نزلها، وبقي فيها مدّة حياته وشاع فيها علمه وذاع كتابه “القاموس المحيط” ، وكأنّه كان يجد ذكر الفيروز آبادي ومعجمه في كلّ حلْقة درس فشرع يتأمّل المعجم ويدير الفكر فيه ويزيد عليه مادةً وشرحًا.
تزوّد السيّد محمّد مرتضى من علم زَبيد ما شاء، وأحبّ المدينة فأضاف إلى اسمه لقب الزَبيديّ ، ولصق اللقبُ بالاسم وغلب عليه حتّى صار يعرف أولاً بالزَبيديّ ثمّ يأتي اسمه وتأتي كنيته، وألقابه الأخرى، هو الزَبيدي أولاً وما كان ذلك ليتمّ لولا مكانة المدينة من العلم .
كانت الرحلة في تلك العصور من نسيج تكوين العالم، فالعالم من يرتحل في طلب العلم، ويتّصل بعلماء الأمصار؛ وذلك نهج إسلامي قديم ظلت العصور تتلقّاه بالتأييد وتزيد منه، وإذا كان السيّد محمّد مرتضى قد لبث في زَبيد زمناً فلقد حان أوان الارتحال فقصد مكّة المكرّمة ، والمدينة المنورّة ولقي فيهما العلماء وأخذ عنهم ودوّن من آثارهم، ثم قصد مصر. وكانت أمّةُ الإسلام، وطليعتها مصر يومئذٍ تتمخّض بنهضة علميّة ذات أركان ، وكان كلّ ركن يحيي ممّا درس جانباً فـ ” هبّ المرتضى الزَبيدي يبعث التراث اللغوي والديني وعلوم العربية وعلوم الإسلام ، ويُحيي ما كاد يخفى على الناس بمؤلفاته ومجالسه “، كما هبّ آخرون يُحيون ما اندرس من الأدب وتذوّقه، ويُحيون ما ابتعد عنه الناس من معالم الدين، ويكتبون التاريخ العربي الإسلامي.
كانت للزَبيديّ في مصر مكانة، وكان له مجلس علم، ولقي من سعة الجاه شيئاً كثيراً ، وقد بقي بمصر حتّى لقي وجه ربّه ؛ لكنّه لم يلقب بالمصريّ لأنّه جاء مصر مكتملَ النضج مستحصد النفس قد سبقته شهرته إليها، وكأنّ زَبيد قد طبعته بطابعها ووسمت شخصيته بمِيسمها فهو الزَبيديّ أينما حطّ وارتحل .
نعم إنّ زَبيد من مدن الإسلام ذات المِيسم، أي ذات الطابع، التي تسم من يتصل بها، نشأةً وطلبَ علم، بمِيسمها ، وتطبعه بطابعها، فتكون عندئذٍ حيّة بأعلامها، ويكون أعلامها أحياء بها، فلا غروَ أن يدخل التاريخ السيّد محمّد مرتضى مقترناً بزَبيد، وأن تقترن هي به، فإذا أخطأ مخطئ في قراءة لقبه فقال: (الزُّبيديّ)، رُدّ الى الصواب وقيل له إنّه الزَّبيديّ نسبة إلى زَبيد التي في اليمن فعرف القارئ المدينةَ كما عرف صاحبَ التاج، لقد سارا معاً كلٌّ يضيء جانباً من الآخر.
إنّ زَبيد بحالها هذه مثال للمدينة الإسلامية التي نشأت بالإسلام وقام مجدها عليه فازدهرت فيها علومه من لغويّة وشرعية على ما بينها من وثيق الصلة، وأنشأت علماء أعلاماً ارتضعوا العربيّة والدين فسار ذكرهم في الآفاق، وكلّما ذُكروا ذُكرت مدنهم؛ أفيذكرُ الحسن البصريّ وتُنسى البصرة، أم يذكر أبو حنيفة وتُنسى الكوفة، أم تُذكر البصرة وينسى الجاحظ. إنّها مدن اقترن ذكرها بذكر أعلامها فصارت وإياهم تاريخاً متصلاً.
وكلّما قيل زَبيد قيل الزَّبيديّ، وكلّما قيل الزَّبيديّ قيل زَبيد فكلٌّ آخذ بالآخرِ.
