في سبر عميق لمباني الاستدلال التي قامت عليها الديانة الشيعية الرافضية يخلص شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنها لا تخرج عن ثلاثة أصول:
الأصل الأول: روايات كاذبة موضوعة اختلقوها ونسبوها كذبًا وزورًا إِلى النبي عليه الصلاة والسلام.
الأصل الثاني: تحريف معاني النصوص الصحيحة في الكتاب والسنة، وحملها على معانٍ بعيدة وفاسدة.
الأصل الثالث: أقيسة عقلية فاسدة.
ومن يمعن النظر في كل مقولات التشيع المخالفة لما عليه أهل الإسلام يجد أن بناءها التنظيري لا يخرج عن هذه المباني الثلاثة، ومن ذلك خرافة: (عيد الغدير) و(يوم الولاية)، التي تأسست على عدد من الأكاذيب، وهي:
الأكذوبة الأولى:
الزعم أن الله عزو جل أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتبليغ ولاية علي بن أبي طالب وأن النبي بلغها في خطبة غدير خم:
زعمت الرافضة أن النبي عليه الصلاة والسلام نزل عليه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ(المائدة/67) فقام وبلغ في غدير خم: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)).
قال الرافضي ابن مطهر الحلي: ((قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ اتفقوا في نزولها في علي، وروى أبو نعيم الحافظ من الجمهور بإسناده عن عطية قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي بن أبي طالب ومن تفسير الثعلبي قال: معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي، فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه)).
وتعقبه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: ((وقوله: اتفقوا على نزولها في علي أعظم كذبًا مما قاله في تلك الآية، فلم يقل لا هذا ولا ذاك أحد من العلماء الذين يدرون ما يقولون، وأما ما يرويه أبو نعيم في الحلية، أو في فضائل الخلفاء، والنقاش والثعلبي والواحدي ونحوهم في التفسير، فقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن فيما يروونه كثيرًا من الكذب الموضوع، واتفقوا على أن هذا الحديث المذكور الذي رواه الثعلبي في تفسيره هو من الموضوع، وسنبين أدلة يعرف بها أنه موضوع، و ليس الثعلبي من أهل العلم بالحديث، ولكن المقصود هنا أنا نذكر قاعدة، فنقول: المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك، فلكل علم رجال يعرفون به))(1) .
وقد بنى الرافضة على هذه الكذبة الطعن في القرآن، والطعن في النبي عليه الصلاة والسلام، فأما طعنهم في القرآن فهو زعمهم أن الآية كانت: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي!! وأنه قد جرى تحريفها بإسقاط اسم علي منها، وهذا القول كفر صريح لا مراء فيه.
وأما طعنهم في النبي عليه الصلاة والسلام فهو اتهامهم له ضمنيًا أنه لم يبلغ البلاغ المبين، بل صرَّح بعض الرافضة أن النبي عليه الصلاة والسلام قصَّر في البيان، وحملوه مسؤولية ما وقع في الأمة من الاختلاف حول خلافة علي!
قلت: وهذا مما يلزم على افتراء الرافضة؛ ذلك أن الرسل مأمورون بالبلاغ المبين، قال تعالى: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (النحل/35) وقال سبحانه: وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (النور:/54)، وإذا كان الله قد أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ الناس أن عليًا هو الإمام المفترض الطاعة والخليفة من بعده، فإنه كان يجب عليه أن يبلغ ذلك بلاغاً بينًا واضحًا فيقول: إن علي هو إمامكم وخليفتي عليكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، لا أن يأتي بكلام غير صريحٍ وغير دالٍ على الإمامة والخلافة، وهو قوله: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)).
إنه ليس من البلاغ المبين في شيء أن يعدل الرسول عليه الصلاة والسلام عن لفظ الإمامة والخلافة والإمارة إلى لفظ (مولى) الذي يحتمل معانٍ كثيرة ليس من بينها معنى الإمامة والإمارة والخلافة؛ فيكون النبي بذلك قد قصّر وأخلَّ فيما يجب عليه من البيان!
ولو لم يكن في الاحتفال بأكذوبة عيد الغدير إلا تضمنه لهذا الطعن في الرسول عليه الصلاة والسلام، إضافة إلى ما سبق من الطعن في القران الكريم، لكفى ذلك في بيان أنه دسيسة من دسائس الزنادقة المنافقين.
الأكذوبة الثانية:
الزعم أن قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (المائدة:3) نزل في غدير خم؟
وهذه مجاهرة بالكذب لا تستغرب من القوم، فالآية نزلت بإجماع أهل الإسلام في يوم الحج الأكبر على النبي عليه الصلاة والسلام وهو واقف بعرفة، روى ذلك البخاري ومسلم وأصحاب السنن، وأجمعت عليه كلمة المفسرين قاطبة(2).
الأكذوبة الثالثة:
الزعم بأن حديث: ((من كنت مولاه فهذ علي مولاه)) حديث متواتر، وصحيح عند كل أهل العلم.
وهذا كذب، بل نقاد وجهابذة الحديث على تضعيفه، نعم اغتر البعض بكثرة طرقه فصححه، وأما نُقاد الحديث المستبصرين في علله فلم تغرهم كثرة طرقه الضعيفة، والقاعدة هنا أن كثرة الطرق الضعيفة للحديث لا تزيده إلا وهنًا على وهن.
قال الإمام البخاري: ((قال إسحاق بن إبراهيم: أنبأ يحيى بن آدم، ثنا أبو بكر قال: سمعت أبا حصين: ما سمعنا بهذا الحديث حتى جاء هذا من خراسان فنعق به؛ يعني أبا إسحاق: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فاتبعه على ذلك ناس))(3).
قلت: وخراسان يومها معقل التشيع والتنظيمات السرية الفارسية الباطنية التي أسقطت الدولة الأموية، ومنها كانت بداية النعق بهذا الحديث.
وممن ضعف الحديث العلامة المحقق جمال الدين الزيلعي فقال: ((وكم من حديث كثرت رواته، وتعددت طرقه، وهو حديث ضعيف، كحديث: الطير، وحديث الحاجم والمحجوم، وحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفًا))(4) .
وقال الإمام أبو محمد علي بن حزم: ((وَأما: (من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ) فَلَا يَصح من طَرِيق الثِّقَات أصلاً))(5) .
وقال الإمام أبو بكر الخطيب البغدادي: ((أبو عبد الله الحاكم كان ثقة، كان يميل إلى التشيع فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي وكان صالحًا عالمًا قال: جمع الحاكم أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم منها: (حديث الطير)، و(من كنت مولاه فعلي مولاه)، فأنكرها عليه أصحاب الحديث فلم يلتفتوا إلى قوله))(6).
وقال العلامة الدِّهلوي: ((الطاعنون في صحته [حديث: من كنت مولاه فهذا علي مولاه] جماعة من أئمة الحديث وعدوله المرجوع إليهم فيه، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم)).(7)
وإذن فالخلاصة: أن حديث ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) لم يروه الشيخان البخاري ومسلم، وإنما رواه أحمد وبعض أصحاب السنن واختلف العلماء في صحته، والصحيح عند أهل العلم بالحديث الحذاق في صنعته أنه حديث ضعيف، وأما الزيادات والإضافات الأخرى مثل: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله)) فهي كلها زيادات موضوعة باطلة باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
الأكذوبة الرابعة:
الزعم بأن الولاية المذكورة في حديث الغدير تعني الخلافة والحكم والسلطة:
زعمت الرافضة أن كلمة (مولى) الواردة في الحديث تعني: الخلافة والإمارة، وهذا تدجيل وكذب، فكلمة (مولى) لها في اللغة معانٍ كثيرة، ليس من بينها معنى الإمام أو الحاكم، أو الخليفة، أو الأمير، وفي بيان تلك المعاني قال الإمام ابن الأثير ((وقد تكرر ذكر (المولى) في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة: فهو: الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتِق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف، والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتَق، والمُنعَم عليه، وأكثرها قد جاءت في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه))(8).
وقد استقصى معجم الرائد اللغوي معاني كلمة (مولى) فذكر لها (19) معنى، ليس من بينها معنى الأمير أو الحاكم أو الخليفة، وهي:
1/ السيد والمالك.
2/ العبد.
3/ المُعتِق (بكسر التاء).
4/ المعتَق (بفتح التاء).
5/ المُنعِم.
6/المُنعم عليه.
7/ المُحب.
8/الصاحب.
9/الحليف.
10/الجار.
11/الشريك.
12/الضيف.
13/الابن.
14/العم.
15/ ابن العم.
16/ابن الأخت.
17/الصهر.
18/ القريب مطلقًا.
19/ الولي والتابع(9).
ومما يبين بطلان حمل كلمة (مولى) على الإمامة السياسية، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان حال حياته هو الإمام ولا إمام معه، ولو أنه قال: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه))، وكان معنى هذه العبارة الإمامة الكبرى، فهذا يقتضي التشريك معه في الإمامة، فيكون للمسلمين في ذات الوقت إمامان: النبي وعلي! وهذا محال وممتنع شرعًا؛ ذلك أن الحديث لم يقل: من كنت مولاه فهذا علي من بعدي مولاه، وإنما هو يتحدث عن أمر مشترك بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين علي، ولا يمكن أن يكون ذلك الأمر المشترك هو الإمامة السياسية؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام حال حياته كان هو الإمام ولا إمام معه، وإنما الأمر المشترك هنا هو المحبة والولاء، والمعنى: من كان يحبني ويواليني فلا يبغض عليًا، وقد قال النبي ذلك لمّا شاع الانتقاد لعلي وبدرت بوادر البغض له من بعض الصحابة بسبب بعض التصرفات التي صدرت عنه كما سيأتي معنا.
الأكذوبة الخامسة:
الزعم بأن الولاية السياسية المزعومة لعلي بن أبي طالب ممتدة في سلالته! وأن الإسلام جاء ليجعل السلطة في يد سلالة مستعلية على الأمة:
وهذه الأكذوبة لا سند لها حتى في الروايات الضعيفة والمكذوبة أو تلك التي صححها بعض المتساهلين؛ إذ هي كلها تتحدث عن علي رضي الله عنه، وليس فيها أي ذكر لسلالته من بعده، ولا ندري كيف حشر السلاليون أنفسهم في تلك الأحاديث!
الأكذوبة السادسة:
الزعم بأن سبب ورود الحديث تفضيل وتمييز علي بن أبي طالب على بقية الصحابة وتعمد اخفاء قصة الحديث حتى لا تنكشف الحقيقة:
إن حديث: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) على فرض صحته، ليس فيه ميزة ولا خاصية لعلي رضي الله عنه، بل غاية ما فيه النهي عن بغضه، وكان بعض الصحابة قد كره عليًا وأبغضه لتصرفات بدرت منه، هو فيها متأول.
وإذن فالحديث له سبب، وإذا عرف السبب زال العجب كما يقال، ولكن الشيعة لا يذكرون أبدًا سبب وقصة الحديث، لأنهم إن ذكروا سببه وقصته تهاوى كل باطلهم الذي شيدوه.
والآن تعالوا لننظر في قصة الحديث:
كان النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، فبلغه تململ وشكوى بعض الصحابة من بعض تصرفات علي رضي الله عنه، والمآخذ التي أخذها أولئك الصحابة على علي هي:
المأخذ الأول: بعث النبي عليه الصلاة والسلام عليًا رضي الله عنه إلى اليمن ليقبض من خالد بن الوليد رضي الله عنه خمس الغنائم، فتصرف علي في الخمس وأخذ لنفسه سبية منه ودخل بها، وكان من معه من الصحابة يرون أن الواجب عليه أن يؤدي الخمس إلى النبي عليه الصلاة والسلام ولا يتصرف فيه، فصار في نفوسهم بسبب ذلك شيء عليه.
المأخذ الثاني: منعه لمن كانوا تحت إمرته قادمين من اليمن إلى مكة من ركوب إبل الصدقة، فشق ذلك عليهم.
المأخذ الثالث: حين اقترب علي من مكة استخلف على من كان معه رجلاً منهم وسبقهم إلى مكة، فأخرج ذلك الرجل ثيابًا من ثياب الصدقة وألبسهم إياها ليدخلوا مكة في منظر حسن، فتلقاهم علي حين قدومهم إلى مكة وأمرهم بنزع تلك الثياب، فنزعوها.
وبسبب هذه التصرفات اشتكاه أولئك الصحابة الذين كانوا تحت إمرته إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وعبروا عن استيائهم من أفعاله تلك، بل عن بغضهم له بسبب تلك الأفعال، وشاع بين الصحابة الكلام في علي وفي تصرفاته تلك.
فكيف عالج النبي عليه الصلاة والسلام الموقف؟
تروي كتب الحديث مستويين من المعالجة:
المستوى الأول: ما رواه أحمد والبخاري وهو مخاطبة المستائين من علي رضي الله عنه ونهيهم عن بغضه، والاعتذار لعلي فيما فعل، فأخرج أحمد (23086) بإسناد صحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال لبريدة رضي الله عنه: ((يا بريدة أتبغض عليًا؟ قال: قلت نعم. قال: “فلا تبغضه”. قال رَوْحٌ [راوي الحديث] مَرَّةً: فَأَحِبَّهُ فإِنَّ له في الخُمُسِ أَكثر من ذلك)). وأخرج البخاري في الصحيح (4093) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريدة رضي الله عنه: ((يا بريدة أتبغض عليًا؟ فقلت: نعم. قال: ((لا تبغضه، له في الخمس أكثر من ذلك)).
قال الحافظ ابن حجر: ((قال أبو ذر الهروي إنما أبغض الصحابي عليًا لأنه رآه أخذ من المغنم فظن أنه غَلَّ))(10).
وفي هذا المستوى من المعالجة للمشكلة نرى النبي صلى الله عليه وسلم يسعى في إزالة ما في نفوس بعض الصحابة على علي رضي الله عنه من خلال نهيه لهم عن بغضه، والتماس العذر له فيما فعل.
المستوى الثاني: وأما المستوى الثاني من المعالجة للمشكلة فقد تمثل في إلقاء النبي عليه الصلاة والسلام خطبة في طريق عودته من مكة إلى المدينة في مكان يقال له غدير خُم، وفي تلك الخطبة روي عنه أنه قال: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه))، وهذا المستوى من المعالجة للمشكلة لم يروه البخاري ولا مسلم، وإنما جاء في روايات عند أحمد والحاكم والترمذي والنسائي وابن ماجة وهي كلها روايات لا تخلو من ضعف.
قال الإمام الحافظ ابن كثير ((إن عليًا لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة، واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه، وعلي معذور فيما فعل، لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج. فلذلك والله أعلم لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته، وتفرغ من مناسكه ورجع إلى المدينة، فمر بغدير خم قام في الناس خطيبًا فبرأ ساحة علي، ورفع من قدره، ونبه على فضله؛ ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس))(11).
وإذن فالحديث في سياقه وقصته التي تبين سببه ليس فيه فضيلة زائدة لعلي على باقي الصحابة، ولا شيء من خصائصه، وإنما غاية ما فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يزيل ما في نفوس بعض الصحابة من البغض والكراهية لعلي، وفي هذا السياق يمكن فهم ما روي: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه))، فهو على فرض صحته معناه: من كان يحبني ويتولاني فلا يبغض عليًا، فإن له عذرًا وتأويلاً فيما فعل.
وختامًا:
يتبين من خلال ما سبق أن كل المباني التأسيسية التي بنيت عليها خرافة عيد الغدير ويوم الولاية هي مبانٍ كاذبة وباطلة، وتتضمن الطعن في القرآن، والقدح في النبي عليه الصلاة والسلام، كما تتضمن تعطيل وتحريف وتشويه مبادئ الإسلام السامية، وقيمه الراشدة في الشورى والعدالة والمساواة، وكذا شرعنة الاستبداد والانقلاب على حق الأمة في اختيار الحاكم، ورفض كون الأمة مصدرًا للمشروعية السياسية، وتسفيه عقول الأمة وازدرائها من خلال تنصيب أوصياء عليها يستمدون شرعيتهم من وصية غدير خم! مع اعطاء أولئك الأوصياء المزعومين الحق في سفك دماء المسلمين ونهب أموالهم، وتشريدهم، والتنكيل بهم، وتدمير أوطانهم، طالما وهم يرفضون الخضوع الكامل والتسليم المطلق للوصي السلالي!
ولا يشك عاقل – مع كل هذه المفاسد الدينية والدنيوية – أن بدعة ما يسمى عيد الغدير ويوم الولاية هي منكر من أقبح المنكرات، وضلالة من أسوأ الضلالات، وأنه لا يجوز السكوت عنها بحال، بل يجب على رجال العلم، وأرباب القلم، وصاحب كل منبر حر: بيان ما تنطوي عليه هذه البدعة الضالة من الجهالات والأكاذيب، وما تتضمنه من طعن في الإسلام، وتحريف وتشويه لمبادئه وقيمه، وما تمثله من خطر داهم على السلم والاستقرار الاجتماعي.
إنها بدعة تأسست على الكذب، وارتكزت على الضلال، وأعطت للمعتنقين لها صك غفران من كل الجرائم والشرور والمفاسد التي يقترفونها في سبيل الوصية المزعومة، والولاية الموهومة!
الهوامش:
- شيخ الإسلام ابن تيمية: منهاج السنة النبوية (7/21).
- ينظر في إبطال ما تعلقت به الرافضة من الأخبار المكذوبة في نزول الآية في غدير خم: العلامة الأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس: الفرية الكبرى المراجعات لعبدالحسين الموسوي.. نقض المراجعات: (ص111- 115)، مكتبة دار القرآن، الشرقية، مصر،ط2، 1429هـ/2008م).
- الإمام البخاري: التاريخ الكبير (7/300).
- العلامة جمال الدين الزيلعي: نصب الراية لأحاديث الهداية: (1/360)، تحقيق: محمد عوامة. مؤسسة الريان للطباعة والنشر ، بيروت، لبنان، ط1/ 1418هـ/1997م.
- الإمام أبو محمد علي بن حزم الأندلسي: الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/116).
- الإمام الذهبي: تذكرة الحفاظ: (3/164)، تحقيق: زكريا عميرات. دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، ط1، 1419هـ/ 1998م.
- العلامة عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدِّهلوي الحنفي: لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح: (9/666)، تحقيق د. تقي الدين الندوي. دار النوادر، دمشق، سوريا، ط1، 1435هـ/2014م).
- العلامة ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: (ص990)، أشرف عليه وقدم له: علي بن حسن بن علي بن عبدالحميد الأثري. دار ابن الجوزي، الإحساء، السعودية، ط1، 1421هـ.
- جبران مسعود: معجم الرائد: (ص782)، دار العلم للملايين/ بيروت، لبنان،ط7، 1992م.
- الحافظ ابن حجر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري: (8/ 67).
- الحافظ ابن كثير: البداية والنهاية: (5/123).