أدب

أوهن من غرور قسعاء!

بعد غيبوبة قصيرة -أو ربما طويلة-، أفاقت (قسعاء) الفتيَّة؛ لتجد نفسها في مكان غريب لا تعرف عنه شيئًا!

كان سطحُه واسعًا مرتفعًا ممتدًّا، وفيه طراوة. إنَّه يشبه الصحراء، لكنّ أرضَه بلا رمال!

سمعت من بعيد  صوت صديقاتها العاملات على الأرض .. (مِسكينات)! كُنَّ يبحثن عنها في كلّ اتّجاه، وعلى غير هدى.

لم تكن تَراهُنَّ من مكانها، لكنَّ أصواتهُنَّ بدت لها آتيةً من مسافة غير بعيدة أسفل منها.

فكّرت (قسعاء) في عُلوّها؛ كيف وصلت إليه؟!

وإذ لم تسعفها ذاكرتُها بسببٍ مُدرَك، قام بالمهمة خاطرٌ راقَ لها، يقول:

إنّ تَميّزها عن صُوَيْحِباتِها هو التّفسير الأقوى لوجودها هنا.

بدأت بالتحرُّك لاستكشاف المكان .. سارت مسافة غير قصيرة؛ لتجد نفسها تعود من حيث بدأت، وكأنَّها تدور حول نفسها. وأعادت الكَرَّة فوجدت السِّماء تنعطف معها (أثناء سيرها) لتحيط بها من كلّ جانب!

زادها الأمر حيرة، ولكنّ صوتَ الهاجس بتفرُّدها عَلا معه أيضًا!

أصابها تكرار محاولة الاستكشاف بالملل والتّعب ثم الجوع، فأقلعت .. وفجأة!

اهتزّ المكان بها اهتزازًا عنيفًا، فصرخت وصرخت، وتنبّهت إلى بُعد المسافة التي تفصلها عن جماعتها؛ إنها لا تسمع لهنّ رِكزًا.

لفَّهَا الصَّمتُ لحظات ثقيلة، قبل أن يحلّ مكانه صوتٌ مخيفٌ جدًّا، يُحاكي فحيح الأفاعي.

عادت نفسها تهمس لها، تسأل وتُجيب: هل انتقلتُ إلى عالم آخر؟ إلى كوكب آخر!  وحدي؟! هل سأكون مَلِكَتَهُ بلا منازع؟

أيُعقل أن يكون اختياري من بين الملايين صدفة! أم لأغيِّر مصير أمَّة النمل إلى الأبد؟!

وتحوَّلَ الصَّوتُ المخيف إلى شيء أشبه بالقهقهة، مع نبضات متسارعة ذكَّرتْها بِقرعِ الطّبول .. ثم بدأ الظّلام يُخيِّم من فوقها، والشمس ما تزال في كبد السماء! الدويُّ يقترب ويقوى أكثر فأكثر .. وصرير الخوف يعلو فوق كل الأصوات الداخلية والتساؤلات، فتخمد وتتلاشى.

اهتزَّت .. زُلزلت الأرض من تحتها .. وكاد الضّجيج يصمّ أذنيها .. دارت عيناها في مكانيهما .. لا مفرّ؟!

انكمشت على نفسها، مُستكينةً لمصير لم تجرؤ على تخيُّله .. كان آخرُ ما رأتْه عينَيْنِ تلمعانِ وسط الأفق، ويدًا عملاقةً تمتدُّ لتَحطِمَها بين الإبهام والسبابة، ثمّ ينتهي كلُّ شيء.

وفي الحال تعاظمتْ الاهتزازات، وصمتتْ القهقهات، وخرَّتْ مع اليد التي تشبّثت بها على الأرض .. وتوقفت الطبول!

وبكلّ ما أوتيت من سرعة، قفزت (قسعاء) إلى أرضها ومُستقرّها .. وجَرَتْ مُبتعدةً عن تلك اليد الهامدة، وعن رأس صاحبها، ذلك المخلوق الجبّار، وقد فارقته الحياة.

ونادت قومها:

يا أيُّها النمل! أشهد أني منكُم، وبكُم، ومعكُم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى