6 دقائق
قالَ مسلمُ بنُ عبدِ اللهِ: ضمّني وأصدقاءَ مجلسُ أُنسٍ وأدب، وأجرينا فيه خيلَ الإنشادِ حتى بلغْنا الأرب، وقضينا في المساجلةِ الأوطار، بذكرِ شعراءِ الأعصارِ على اختلافِ الأمصار، فتذاكرنا في الشعرِ والشعراء، وتقاولْنا فيمن أحسنَ منهم ومَن أساء، وأمتعنا آذانَنا بالأبياتِ النادرة، والقصائدِ العذبةِ السائرة، فمررنا بالعصرِ الجاهلي على امرئِ القيسِ ونسيبِه الذائع، وعمروِ بنِ كلثوم وفخرِه الواسع، ثم دلفنا إلى العصرِ النبويِّ فذكرنا حسانَ ونبوياته، وكعبَ بنَ زهيرٍ واعتذارَه في أبياتِه، ويممّنا ديارَ العصرِ الأمويِّ فاغترفنا من بحرِ جريرٍ بعضَ هجائياتِه، وحملنا من جنادلِ الفرزدقِ نماذجَ من صولاتِه، ومررنا بالعصرِ العباسيِّ وأطلنا الوقوفَ في عرصاتِه، وتناشدنا قريضَ لاتِ الشعرِ وعُزّاه ومناتِه؛ فركبنا على سُحبِ أبي الطيبِ إلى رياضِ أوصافِه المتأنقة، وامتطينا صهواتِ حبيبٍ إلى مرابعِ حِكمِه المشرقة، وخضنا بحرَ أبي الوليدِ إلى إبداعِ صورِه وتشبيهاتِه، وحلاوةِ قصائدِه وأبياتِه.
وظلينا نمرُّ بشعراءِ العصور، ممن أقامَ في البوادي أو القصور، حتى أنخنا ركابَنا في عصرِنا الحاضرِ وشعرِه وشعرائِه، وطفقنا نتحدثُ عن كدرِه وصفائِه، ومن سارَ على نهجِ الإبداعِ من أهلِه، ومن تنكّبَ مهيعَ الإحسانِ في قولِه.
وبينا نحنُ على حالِنا التي وصفت، وتناشدِنا الذي ذكرت؛ إذ سمعنا طرقَ البابِ بأدبٍ جم، فقلنا: اللهم طارقًا يجلبُ الخيرَ العم، فأسرعتُ نحوَ البابِ من بينِ الجماعة، فقلتُ: من الطارقُ هذه الساعة؟ فقال: ناشدُ أدبٍ من أربابِه، ومجتدي علمٍ من أصحابِه.
ففتحتُ البابَ فإذا هو أبو الحارثِ الأديب، ذي العقلِ الخصيب، والرأيِّ المصيب، فأشرقتْ نفسي جذلا، وبشّرتُ ذوي سمري عجلا، فقلتُ: لقد طلعتْ عليكم في هذا الدجى شمسُ النهارِ، فأطفئوا مصابيحَكم بهذا الإسفار، فما يصنعُ نورُ المصباح، وقد هلَّ نورُ الصباح؟
فرحبنا بِه أجملَ ترحيب، وأنزلناه في المكانِ الرحيب، وقلنا: لقد حضرَ هذه الليلةَ مسكُ الختام، وزينةُ الأدبِ في هذه الأيام، فما أجملَ أنْ نقضيَ بقيةَ ليلتِنا تحتَ ظلالِ أدبِهِ الواسع، ونشمُّ عبيرَ الشِّعرِ من روضِه الأنيقِ الجامع.
فقلنا له: أنتَ فينا بحرُ الشعر الذي لا ساحلَ يحدُّه، وقَطرُ الأدبِ الذي لاعادَّ يعدُّه، فاروِ لنا الساعةَ من حَسنِ الشعرِ ما يكشفُ عن سمّوِه وسناه، ويُعرِبُ عن أهميتِه وعُلاه، ويجلّي عن الحيِّ منهُ والميْت، سواءٌ أكانَ في أبياتٍ أم بيت.
فقال: إنّ الشعرَ في هذا لكثير، وإنّ نهرَ العربيةِ بهذا لغزير، لكن ألم تسمعوا قولَ الطائيِّ المُسْتَعْذَبِ النَّظْم ، المتفنّنِ في قولِ الشعرِ الفخم:
وإنّ العلا ما لم ترَ الشعرَ بينها
لكالأرضِ غُفلاً ليس فيها معالمُ
وما هو إلا القولُ يسري فتغتدي
لَهُ غُرَرٌ في أَوْجُهٍ ومَوَاسِمُ
يُرى حِكْمَةً ما فيهِ وهْوَ فُكَاهَةٌ
ويُقْضى بما يَقْضِي بهِ، وهْوَ ظَالِمُ
ولولا خِلالٌ سنّها الشعرُ ما درى
بغاةُ الندى من أين تؤتى المكارمُ.
وقولَه الآخر:
ولوْ كانَ يفنى الشِّعرُ أفناهُ ما قرتْ
حِياضُكَ منهُ في العصورِ الذَّواهبِ
ولكنَّهُ صوْبُ العقولِ إذا انجلتْ
سحائبُ منهُ أُعقبتْ بسحائبِ.
واسمعوا قولَ دعبلِ بنِ علي، في هذا القولِ الجلي:
يَقولونَ: إِنْ ذَاقَ الرَّدَى مَات شِعرُهُ
وهيهاتَ عُمْرُ الشعرِ طالتْ طوائلُهْ
وَهَبْ شِعْرَهُ إِنْ ماتَ ماتَ فأيْنَ ما
تَحَمَّلَهُ الراوونَ والخطُّ ناقِلُهْ
سأقضي ببيتٍ يحمدُ الناسُ أمرَهُ
ويَكثرُ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايةِ حامِلُهْ
يَموتُ رَدِيءُّ الشِّعرِ مِنْ قَبْلِ أَهْلِهِ
وجيّدهُ يَبقى وإنْ ماتَ قائلهْ.
وقولَه الآخر:
فرُبَّ قافِيَةٍ بالمزحِ جاريةٍ
مشبوبةٍ لم تردْ إنماءها نمتِ
إِنِّي إذَا قُلْتُ بَيْتاً ماتَ قائِلُهُ
ومَن يُقالُ لهُ، والبَيْتُ لم يَمُتِ
فقلنا: ألا رويتَ لنا شعرَ شاعرٍ يصفُ شعرَه بالإحسان، ويبيِّنُ فيه تحكيكَه ألفاظَه، وتنقيتَه أسلوبَه زمانًا بعد زمان، فيخرجُ شعرُه للناسِ وقد تضمّخَ بالجودةِ واستوفى، وأصبحَ من كلِّ عيبٍ مصفّى.
فقال: ألم تسمعوا قولَ عبدِ العزيزِ بنِ حاتم، وهو للفرزدقِ مهاجٍ ومخاصم:
أنفي قَذَى الشِّعرِ عنهُ حينَ أقْرضُه
فما بِشعْريَ من عيْبٍ ولا ذامِ
كأنّما أصْطَفي شِعري وأغرِفُه
من مَوْجِ بحْرٍ غزيرٍ زاخرٍ طامِ
منهُ غرائِبُ أمثالٍ مُشهَّرةٍ
ملمومةٍ زانها رَصْفي وإحكامي.
قلنا: لقد كثرَ في زمانِنا العقوق، وهُضمَ الآباءُ والأمهاتُ الحقوق، وسمعنا عن أبناءٍ يُفضلِّون زوجاتِهم، على أمهاتِهم، ويُعرضون عنهن إلى أمهاتِ أولادِهم، فتشكو الوالداتُ من جفائِهم وهناتِهم، فهل حفلَ شعرُ العربِ، وتضمنّتْ كتبُ الأدب، أبياتًا قالتْها أمٌّ تشكو هذا الهمَّ العظيم، وتتوجعُ من هذا العملِ الأثيم، وتذكرُ العداءَ بين الكَنَّةِ وحماتِها، وتنعتُه بألمٍ في أبياتِها؟
فقال: نعم، هذه أم ثوابٍ الهزانية تشكو بحرقةٍ كبيرة، عقوقَ ابنِها وحنقَ زوجتِه الشريرة تقول:
رَبَّيْتُهُ وَهْوَ مِثلُ الفَرْخِ أعْظَمُهُ
أُمُّ الطَّعامِ ترَى في جِلْدِهِ زَغَبا
حتى إذَا آضَ كَالفُحَّالِ شَذَّبَهُ
أباَرُهُ وَنَفَى عَنْ مَتْنِهِ الكَرَبا
أنْشَا يُمزِّقُ أثْوَابي يُؤَدِّبُنِي
أبَعْدَ شَيْبِيَ عِنْدِي يَبْتَغي الأَدَبَا!
إِنّي لأُبْصِرُ فِي تَرْجِيلِ لِمَّتِهِ
وَخَطِّ لِحْيَتِهِ فِي خَدِّهِ عَجَبَا
قالَتْ لهُ عِرْسُهُ يَوْماً لِتُسْمِعَني
مَهْلاً فإِنَّ لنَا في أُمِّنا أرَبَا
وَلوْ رَأتْنِيَ فِي نارٍ مُسَعَّرَةٍ
ثُمَّ اسْتَطاعَتْ لزَادَتْ فَوْقَها حَطَبا
ثم إننا قلنا: إننا-كما ترى-شببةٌ يجري بِنِا الهوى في ملاعبِه، ولولا التّقى لانسقْنا إلى معاطبِه، لكنّنا نحبُّ أن نسمعَ من رقيقِ الشعرِ في هذا الباب، ما يمكنُ أنْ يتناجى به الأحباب، مما ليس به ذمٌّ ولا عاب.
فقال: خذوا قولَ ابنِ الفارضِ وهو يشكو هجرَ محبِّيه، ويشرحُ شدةَ عذابِه وصبرِه على ما هو فيه:
أحبَّةَ قلبي والمحبَّةُ شافعي
لدَيكُمْ، إذا شِئتُمْ بها اتّصَل الحبلُ
عسَى عَطفَةٌ منكُمْ عَليَّ بنَظرَةٍ
فقدْ تعبتْ بيني وبينكمُ الرُّسْلُ
وتعذيبكمْ عذبٌ لديَّ وجوركمْ
عليَّ بما يقضي الهوى لكمُ عدلُ
وصبريَ صبرٌ عنكمُ وعليكمُ
أرى أبداً عندي مرارتَهُ تحلو
أخذتمْ فؤادي وهوَ بعضي فما الَّذي
يَضَرّكُمُ لو كانَ عِندَكَمُ الكُلّ
نأيتمْ فغيرَ الدَّمعِ لمْ أرَ وافياً
سوى زفرةٍ منْ حرِّ نارِ الجوى تغلو
فسهديَ حيٌّ في جفوني مخلَّدٌ
ونوميْ بها ميْتٌ ودمعيْ لهُ غسلُ .
واسمعوا نصيحةَ الأعرابيةِ وموعظتَها، واستجيبوا لإرشادِها ودعوتِها، فهي تصفُ الهوى المستبدَّ بالهوان، الذي يلقاه أسيرُه في السرِّ والإعلان، تقول:
ليتَ الهوى لذوي الهوى لم يُخلقِ
بلْ ليتَ قلبي بالهوى لم يَعلقِ
إن الذي عَلِق الهوى بفؤادِه
كمنوَّطٍ دون السماءِ مُعلَّقِ
لا يستطيعُ نزولَه لشقائِه
لكنْ إليهِ كلُّ همٍّ يرتقي
إن الهوى لهوَ الهوانُ بعينِه
ما ذاقَ طعمَ الذلِّ مَن لم يعشقِ.
قلنا: إنّ رثاءَ الرجالِ لزوجاتِهم وأولادِهم لكثير، والشعرُ فيه موفورٌ غزير، فهل من شعرٍ لامرأةٍ ترثي وليدَها المفقود، وتبكيه بعد أن غيّبتهُ اللحود، وشعرِ امرأةٍ أخرى تندبُ زوجَها بأبيات، بعد أنْ صارَ في عدادِ الأموات؟
فقال: اسمعوا قولَ أعرابيةٍ ترثي ولدَها فتلهبُ الأكباد، وتستشرفُ لحياتِها بعدَه قربَ النفاد، تقول:
يا قرحةَ القلبِ والأحشاءِ والكبدِ
يا ليتَ أمّكَ لم تحبلْ ولم تلدِ
لما رأيتُك قد أُدرجتَ في كفنٍ
مطيَّبا للمنايا آخرَ الأبدِ
أيقنتُ بعدك أنّي غيرُ باقيةٍ
وكيف يبقى ذراعٌ زالَ عن عضدِ.
وهذه أعرابيةٌ أخرى ترثي زوجَها الفقيد، وتذكرُ حالَها معه في العيشِ الرغيد، تقول:
كنّا كغصنينِ في جرثومةٍ بسقاْ
حينًا على خير ما ينمى به الشجرُ
حتى إذا قيلَ قد طالتْ فروعُهما
وطاب قِنواهما واستنظرَ الثّمرُ
أخنى على واحدٍ ريبُ الزّمانِ وما
يُبقي الزّمانُ على شيءٍ ولا يذرُ
كنّا كأنجمِ ليلٍ بيننا قمرٌ
يجلو الدّجى فهوى من بيننا القمرُ.
وهذه امرأةٌ أخرى تقفُ على قبرِ زوجِها وقفةً حزينة، وهي في أبهى منظرٍ وزينة، فتنادي زوجَها وهي في تلك الحال، ودموعُها تسبقُ كلماتِها على الرمال، تقول:
يا صَاحبَ القبرِ يا من كان يؤنسُني
وكانَ يُكثِرُ في الدُّنيا مُؤاتَاتي
قد زُرتُ قبرَك في حَلْيي وَفي حُللي
كأنّني لَستُ من أهلِ المُصيباتِ
لزمتُ ما كنتَ تَهوَى أن تَرَاهُ وَما
قد كنتَ تَألَفُه من كلِّ هيئاتي
فَمنْ رآني رأى عَبْرَى مُوَلَّهَةً
مَشهورَةَ الزِّيِّ تَبكي بينَ أموَاتِ.
فقلنا: إن الصفحةَ الأخيرةَ من عمرِ الحياةِ كثيرةُ الرجفان، لا يثبتُ فيها اللسانُ ولا الجَنان، حينَ يكونُ المرءُ على علمٍ بدنوِّ الأجل، وفواتِ البقاءِ والأمل، فهل هناك شاعرٌ سطّرَ هذا الشعورَ قبلَ موتِه بلحظات، وذكرَه في عددٍ من الأبيات؛ فإننا سمعنا عن عَبيد، في الزمنِ البعيد، أنه لم يقدرْ على القولِ عندما نزلَ القضاء، بين يدي المنذرِ بنِ ماءِ السماء، وسطّرَ كلمته الخالدة: (حَال الجريض، دون القريض).
فقالَ: ألمْ يأتكمْ نبأُ تميمِ بنِ جميل، حينَ دنتْ منه ساعةُ الرحيل، بين يدي المعتصمِ وقد أحضرَ السيفَ والنطعَ لقتلِه، ونزلَ به الرعبُ وشدةُ هولِه، حيثُ قال:
أرى الموتَ بين النَّطْعِ والسيفِ
كامناً يُلاحظُني من حيثُ ما أتلفَّتُ
وأكبرُ ظنّي أنك اليوم قاتلِي
وأيُّ امرئٍ مما قضى اللهُ يُفلِتُ
وأيُّ امرئٍ يُدلي بعذرٍ وحُجة
وسيفُ المنايا بين عينيه مُصلَتُ
يعزُّ على الأوسِ بنِ تغلبَ موقفٌ
يُسلُّ عليّ السيفُ فيه وأسكتُ
وما حَزَني أني أموتُ وإنِّني
لأعلمُ أن الموتَ شيءٌ مؤقّتُ
ولكنَّ خَلفي صبيةً قد تركتُهمْ
وأكبادُهمْ من حسرةٍ تَتفتّتُ
كأني أراهمْ حين أُنعى إليهمُ
وقد خَمشوا تلك الوجوهَ وصوّتوا
فإن عشتُ عاشوا خافضين بنعمةٍ
أذودُ الردى عنهمْ وإن مِتُّ مُوِّتوا
فكم قائلٍ لا أبعدَ اللهُ دارَهُ
وآخرَ جذلانٌ يُسرُّ ويَشمتُ
فلما سمعَ المعتصمُ هذه الأبياتَ الرائقة، في تلك الساعةِ الحرجةِ الخانقة؛ عدلَ عن رأيِه في قتلِه، بل صيّره من أهلِ عطائِه ونولِه.
فلما أسمعَنا ما طلبنا من غيرِ تباطء ولا ملال، بل كانَ ينصبُّ في روايتِه انصبابَ السيلِ من الجبال؛ قلنا له: لقد أتحفتَنا الليلةَ بمنقولِك، فهلّا ختمتَ سمرَنا بهذا بمقولك؛ فأنتَ شاعرٌ متأنق، وفحلٌ متنوِّق، مليحُ الديباجةِ رائقُ الأسلوب، تغزو بشعرِك النفوسَ فتسبي القلوب.
فقال: أما إذا قد رمتمْ ذلك فلستُ برادٍّ رغبةَ وادٍّ، لاسيما والطالبُ من أهلِ الوداد.
فرفعَ عقيرتَه وأنشد:
الشِّعرُ ترجمةُ النفوسِ وبوحُها
والناطقُ الرسميُّ عن أخبارِها
ومذيعُ ما تُخفي القلوبُ عن الورى
والمرسلُ الماضي إلى أسرارِها
لا يستريحُ المرءُ بعدُ إذا غدتْ
أشعارُه تكويْ الفؤادَ بنارِها
فإذا هفتْ نحوَ الضياءِ تهلّلتْ
نفسٌ تلظّتْ في جحيمِ سعارِها
هل خلّدَ الذِّكرَ الجميلَ مُخلِّدٌ
عن أمةٍ بادتْ سوى أشعارِها؟
هُوَ للشؤونِ نظامُها وحفيظُها
وسجلُّها الباقي مدى أدهارِها
يصفُ السخاءَ لدى النفوسِ فيمّحي
بصباحِه الزاهي دُجى إقتارِها
يُزجيْ الجبانَ إلى الشجاعةِ في الوغى
فيهونُ في الجُلَّى عناْ أضرارِها
ويخلِّدُ الأخلاقَ عن أصحابِها
ويُطيلُ في الدنيا مدى أعمارِها
ويخاطبُ العقلَ القصيَّ عن الهدى
ليتوبَ من تيهِ الحياةِ ونارِها
ما أحسنَ الشِّعرَ الجميلَ إذا ارتوى
مِن زمزمِ التقوى وفازَ بدارِها
قالَ مسلمُ بنُ عبدِ اللهِ: فلما خلبَ ألبابَنا بشعرِه، وأسرَ مشاعرَنا بحلاوةِ دُرِّه؛ إذ بمؤذِّنِ الفجرِ يشقُّ حُجبَ الظلامِ بنورِ أذانِه، مُعلِمًا للصباحِ بدءَ أوانِه، أما نحنُ فقلنا: ليتَ ليلتنا طالتْ، وامتدتْ لنا ساعاتُ الدجى وتوالت، فقمنا للوضوء واستعدّينا، وإلى المسجدِ توجّهنا فصلّينا، وودّعنا أبا حارثِ أُنسنِا وشكرناه، وإلى مجلسٍ آخرَ ألحّينا عليه ودعوناه.