أدب

تنبيهات لغوية من واقع انتصار الثورة السورية

مع بزوغ فجر الحرِّية بانتصار ثورتنا السورية، وإسدال السُّتُر على حِقْبة نظام البعث الأسدي الاستبدادي، كثُر الحديث في وسائل الإعلام المختلفة عن تلك الحِقْبة المظلمة من تاريخ سُورِيَةَ الحديث، وعن الحَراك الثوري الذي آتى أُكُلَه بفضل الله تعالى المُنعِم الكريم.

تنبيهات لغوية

● وما أودُّ التنبيه عليه هنا هو ضبطُ جمهور الإعلاميين لكلمة (حِقْبة) في نُطقهم، فلا أكادُ أسمعها منهم على الجادَّة؛ ينطِقونها: حُقْبة، وحَقْبة، وحَقَبة!

والصَّواب في ضبطها:

الحِقْبة: بكسر الحاء وسكون القاف، وهي: المدَّة من الزمان، والسِّنونَ، والسَّنة.

قال الفيُّومي: الحِقْبة والجمع حِقَب: مثلُ سِدْرة وسِدَر.

وقال الفِيرُوزابادي: الحِقْبة (بالكسر) من الدَّهر: مدَّةٌ لا وقتَ لها، والسَّنة.

وورد في وصف قُسِّ بن ساعِدة: هو أوَّلُ من تألَّهَ منَ العَرَبْ، وأعبَدُ من تعَبَّدَ في الحِقَبْ.

[انظر “لسان العرب”، و”المصباح المنير”، و”القاموس المحيط” (ح ق ب)]

● وشاع على ألسنة الإعلاميين والمتكلِّمين، ضبطُ كلمة (حَراك) بكسر الحاء (حِراك)، في نحو قولهم: حراك ثوري، وحراك ثقافي، وحراك قانوني. وهو خطأ مخالفٌ للمسموع من كلام العرب.

والصَّواب في ضبطها:

الحَراك: بفتح الحاء، وهو الحَرَكة.

قال الفيُّومي: الحَراك: مثلُ سَلام.

وقال الفِيرُوزابادي: ما به حَراكٌ، كسَحاب: حَرَكة.

[انظر “المصباح المنير”، و”القاموس المحيط” (ح ر ك)]

قال جرير:

إنَّ العُيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ 

قَتَلْنَنا ثمَّ لا يُحْيِينَ قَتْلانا 

يَصْرَعْنَ ذا اللُّبِّ حتَّى لا حَراكَ بهِ

وهُنَّ أضعَفُ خَلْقِ اللهِ أَرْكانا

ومن طريف ما قال شوقي:

مُضْنًى وليسَ بهِ حَراكْ

لكِنْ يَخِفُّ إذا رآكْ

● ويُخطئ كثيرٌ من أبناء البلد ومثقَّفيه في نُطق اسم بلدهم (سُورِيَة)!

فيثقِّلون الياء من (سُورِيَّة)، ومَن خفَّف الياء منهم سكَّن الراء (سُورْيَة)، وكلُّ ذلك خطأ!

والصَّواب في ضبطه:

سُورِيَة: بضم السين، وكسر الراء، وتخفيف الياء.

قال الفِيرُوزابادي: سُورِيَةُ، مضمومة مخفَّفة: اسمٌ للشَّام. وأقرَّه الزَّبِيدي وزاد أنها اسمٌ للشَّام في القديم، والكلمة روميَّة.

ونصَّ أبو عُبَيد البَكْريُّ على تخفيفها أيضًا، قال: سُورِيَةُ، بضمِّ أوَّله، وكسر الراء المهملة، وتخفيف الياء وفتحها: اسمٌ للشَّام.

[انظر “القاموس المحيط”، و”تاج العروس” (س و ر)، و”معجم ما استَعْجَم” 3/ 766]

وفي رسمه وجهان جائزان: سُورِيَةُ وسُورِيَا.

– الوجه الأول (سُورِيَةُ) بالهاء (التاء المربوطة): على أنه اسم معرَّب، وهو المأثور والشائع في الكتب القديمة، والمعتمَد رسميًّا في الدولة السُّورِيَّة.

نقول: انتصرت سُورِيَةُ، وأعزَّ اللهُ سُورِيَةَ، ونفَى الله الخَبَثَ عن سُورِيَةَ.

– والوجه الثاني (سُورِيَا) بالألف: على أنه اسم أعجمي، وفضَّله بعض الدارسين للتفريق كتابةً بين (سُورِيَة) اسم الدولة، و(سُورِيَّة) النسبة إليها، كما في قولنا: طالبةٌ سُورِيَّة، ومُنتجاتٌ سُورِيَّة. ولئلَّا يقع اللَّبْس في نحو: (مِحنة سورية)، إذ تحتمل قراءتين؛ الأولى: (مِحنةُ سورِيةَ) أي محنةُ الدولةِ السوريَّة في العهد البائد. والأُخرى: (مِحنةُ سورِيَّةٍ) أي محنةُ امرأةٍ سوريَّةٍ في ظلِّ نظام الإجرام الزائل، وما أكثرَهُنَّ!

ويبقى الوجه الأول من الرسم (سُورِيَة) هو الراجح، وقد أوصى به كبارُ أعضاء مَجمَع اللغة العربية بدمشق، منهم رئيسُ المَجمَع الأمير مصطفى الشِّهابي، والشيخ عبد القادر المَغرِبي، في مقالين نُشِرا في مجلة المجمع.

[مقالة الشهابي في المجلد 37 – الجزء الثاني، عام 1381هـ/ 1962م، ص307- 308. ومقالة المغربي في المجلد 28 – الجزء الثاني، عام 1372هـ/ 1953م، ص329- 330]

● وكذلك يجنَحُ الجَمُّ من الإعلاميين عن الصواب في نُطق اسم جبل دمشقَ الأشَمِّ (قاسِيون)، فينطِقُونه: (قاسَيُون) بفتح السين، وهو خطأ!

والصَّواب في ضبطه:

قاسِيُون: بكسر السين، وضم الياء.

قال ابنُ عبد الحقِّ البغدادي (ت ٧٣٩هـ): قاسِيُون، بالفتح، وسين مهملة مكسورة، والياء المضمومة، وآخره نون: الجبل المُشرِفُ على مدينة دمشق.

وقال محمد بن عبد الله الحُسَيني (المشهور بكِبْريت) (ت ١٠٧٠هـ): وقاسِيُون، بكسر السين المهملة، وضمِّ المثنَّاة من تحت: جبلٌ مطلٌّ على دمشق. وأنشد لابن عُنَيْن:

وفي كَبِدي من قاسِيُونَ حرارةٌ

تَزولُ رَواسِيهِ وليسَ تَزولُ

[انظر “مراصد الاطِّلاع على أسماء الأمكنة والبِقاع” 3/ 1057، و”رحلة الشتاء والصيف” بتحقيق محمد سعيد الطنطاوي ص222]

وكذلك ضبطها ياقوت الحَمَوي: بكسر السين، ضبطَ قلم، في “معجم البلدان” 4/ 295، وفي “المُشترِك وَضعًا والمُفتَرِق صُقْعًا” ص381.

إضافة:

● ما سلفَ من أخطاء يذكِّر بخطأ بشِع يصرُّ عليه بعضُ الإعلاميين اللبنانيين، في نُطق اسم (المملكة العربية السُّعُودية)، ينطِقُونه: (السَّعُودية) بفتح السين، وهو خطأ!

والصَّواب في ضبطه:

السُّعُودِيَّة: بضم السين، وهي نسبة إلى آل سُعُود، الذين ينتَسِبون إلى جدِّهم سُعُودِ بن محمَّد بن مُقْرِن. وبدأ هذا الخطأ يتسرَّب إلى ألسنة غير اللبنانيين! فليُتنبَّه.

تلخيص:

قُل: حِقْبة، ولا تقل: حُقْبة ولا حَقْبة ولا حَقَبة. 

وقُل: حَراك، ولا تقل: حِراك. 

وقُل: سُورِيَة، ولا تقل: سُورِيَّة ولا سُورْيَة. 

وقُل: قاسِيُون، ولا تقل: قاسَيُون. 

وقُل: السُّعُوديَّة، ولا تقل: السَّعُوديَّة.

هذا، والله تعالى أعلم.

لغوية من واقع انتصار الثورة السورية تنبيهات لغوية من واقع انتصار الثورة السورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى