أشتات

الصحابة الكرام والدرس السياسي

تمهيد:

تلقِّي العلم يتمُّ في عدَّة دوائر، في الدرس التعليمي، وفي المختبر التجريبي، وفي ميدان البحث والاطِّلاع، وفي الواقع العملي. وهذه الدوائر تتكامل مع بعضها في صناعة العالم الخبير، الذي يلمُّ بالعلم معرفة وتطبيقًا. وهكذا تلقى الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- العلوم الدينية والدنيوية، بحيث جمعوا بين المدارك المعرفية والقدرات المهارية والخبرة العملية، فكانوا بحقٍّ مفتتح التحوُّل الحضاري في المجتمع العربي والإنساني، وروَّاده الذين يضرب بهم المثل في الهداية والرشد. والسياسة مِن العلوم التي لا تتوقَّف على الجانب النظري والتلقِّي، بل لا بدَّ فيها مِن الخبرة العملية والتجربة المستمرَّة.

وإذا كان إعداد الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- للصحابة -رضي الله عنهم- قصد فيما قصد تهيئتهم ليسوسوا الأمَّة بعده، على منوال ما كان يجري في بني إسرائيل(1) ، فإنَّه دون شكٍّ أعدَّهم لهذه المهمَّة العظيمة، وزوَّدهم بالمعارف والمهارات الضرورية التي تتطلَّبها سياسة الناس؛ وعليه فإنَّ الدرس السياسي كان ضمن مناهج التعليم المتَّبعة في ذلك الإعداد الشامل بالضرورة. وهذا يعني أهمِّيَّة الحديث عن الدرس السياسي في حياة الصحابة -رضي الله عنهم- في عهد النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم؛ خصوصًا وأنَّ هناك أحاديث حول الدرس الإيماني والعقدي والأخلاقي والفقهي في حياة الصحابة، فكان ولا بدَّ مِن استكمال هذه السلسلة بهذا الحديث المهمل.

وفي هذه الورقة نتناول بعض المباحث المهمَّة التي يمكن عرضها في هذا الشأن، بغية استيضاح جوانب هذا الدرس التي يمكن استحضارها والعناية بها، بحثًا وتدارسًا، وتأصيلًا وتقعيدًا، وشرحًا وتحليلًا، وتقييمًا ونقدًا، بما يحدم وعي الأمَّة في زمن يراد فيه تسيُّد الجهل وغلبة الاستبداد لصالح حكَّام لا خلاق لهم، ولا نفع فيهم.

السياسة في مجتمع الجزيرة قبل الإسلام:

ابتداءً ينبغي التأكيد على أنَّ المجتمع العربي في جزيرة العرب عاش صورًا مِن التجمُّعات البشرية التي حكمتها صور وأشكال مِختلفة مِن السلطة، إذ تعدَّدت البيئات والمناشط التي تقوم بها تلك المجتمعات بحسب تلك البيئات وما يتوفَّر لها مِن إمكانات وخصائص جغرافية ومناخية. فقد ضمَّت جزيرة العرب بيئات متعدِّدة، جبليَّة وهضبيَّة وسهليَّة وصحراويَّة وساحليَّة، وكان لكلِّ بيئة مِنها خصائصها المناخية ومواهبها النباتيَّة والحيوانيَّة، وتحدِّياتها ومخاطرها. وشهدت معظم هذه البيئات تجمُّعات سكَّانية منذ القدم، بعضها اشتغل بالزراعة، وبعضها بالرعي، وبعضها بالصيد، وبعضها بالتجارة، وكانت هناك مدن جمعت الحرفيِّين والصنَّاع الذين يعيدون صياغة المواد الخام والأوَّلية في منتجات نافعة ومفيدة.

وقد عرفت أجزاء عدَّة مِن جزيرة العرب قيام دول فيها، كاليمن وحضرموت وعُمان والبحرين والعراق والشام، حيث كان النشاط الزراعي والحيواني في ظلِّ وفرة المياه يحافظان على استمرار الحياة ونموِّ المناشط السكَّانية فيها؛ وهذا خلاف المناطق الصحراوية التي كانت تسودها البداوة المحكومة بسلطة القبيلة. ومِن ثمَّ فقد عرف العرب نظام الملك، وإدارة الحكم، مِن وقت مبكِّر. وقد أورد القرآن الكريم قصص عاد وثمود وسبأ باعتبارها كانت دولًا ذات حضور وتأثير وهيمنة. كما عاشوا فترات مِن الصراع والاحتراب، وفترات مِن السلم والأمن، وهذا قادهم للتحالف تارة والتعاون تارة. كما أنَّهم تعاملوا مع دول الجوار، وربَّما خضعوا لها كما هو حال الغساسنة والمناذرة شمال الجزيرة العربية؛ وربَّما غزتهم كما هو حال اليمن مع الحبشة والفرس.

وبالتالي، فإنَّ مخزون العرب مِن المعارف والخبرة السياسية حال نزول الوحي وبعثة الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان كبيرًا ووافرًا، ومتوارثًا جيلًا بعد جيل، في الأمثال والحكم والأشعار والحكايات المحفوظة. فلم يكونوا صفرًا مِن المعرفة والخبرة، وإن كان مستوى المعرفة والخبرة يتفاوت مِن بيئة لأخرى، ومِن شخص لآخر. ومَن لديه معرفة بأشعار العرب، وأمثالهم، وحكمهم، وقصصهم، يدرك تمام الإدراك بأنَّ العرب حفظوا معارفهم وخبراتهم في ميراثهم الثقافي، مختزلينها في عبارات مختصرة وجمل جامعة، وإن لم تدوَّن في قرطاس مسطور وكتاب خاصٍّ.

فمِن الحكم التي نصَّ عليها القرآن الكريم وأيَّدها، قول ملكة سبأ لمستشاريها: ((إِنَّ الـمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَريَةً أَفسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهلِهَا أَذِلَّةً))(2) . وهذه الحكمة نتاج تأمُّل وتفكُّر في أخبار وحوادث الدول، وتعزُّزها الوقائع حينًا بعد حين. ومِن الأمثال التي مضت في العرب زمن الجاهلية قبل الإسلام في السياسة قولهم: جوِّع كلبك يتبعك، وهو قول لأحد ملوك حمير في اليمن، كان يعامل شعبه بالقسوة والشدَّة(3). ومِن أشعارهم في السياسة، ما جاء على لسان عمرو بن كلثوم، في معلَّقته الشهيرة، والتي مطلعها:

كتب عربي قديم الصحابة الكرام والدرس السياسي

أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا

وَلَا تُبقي خُمورَ الأَندَرينَ

إذ يقول فيها:

أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا

وَأَنــــظِــــرنَــــا نُخَــــبِّركَ اليَــقــينَ

بِأَنّا نُــورِدُ الرَّايَـــــــاتِ بيضًا

وَنُصدِرُهُنَّ حُمرًا قَد رَوينَ

 وَأَيَّـــــــــــــامٍ لَنَــــــــا غُــــــرٍّ طِــوالٍ

عَصَينا الـمَلكَ فيها أَن نَدينَ

ويقول فيها:

إِذا ما الـمَلكُ سامَ النَّاسَ خَسفًا

أَبَينا أَن نُقِرَّ الذُلَّ فينا

وكان أن دخل عنترة بن شدَّاد على كسرى فارس في زمانه، فأنشد فيه أبيات مِن الشعر:

يا أَيُّها الـمَلِكُ الَّذي راحاتُهُ

قامَت مَقامَ الغَيثِ في أَزمانِهِ

وقال يمدح عدله وإنصافه:

المـُظهِرُ الإِنصافَ في أَيَّامِهِ

بِخِصالِهِ وَالعَدلَ في بُلدانِهِ

وقد استنجد امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي بقيصر ملك الروم لاسترداد ملك أبيه، وكان أبوه ملكًا على بني أسد وغطفان فثار عليه بنو أسد وقتلوه، وهو القائل:

بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّربَ دُونَهُ

وأَيقَنَ أَنَّا لاحِـــقَـــــــانِ بِقَيصَـــرَ 

فقُـــــلتُ لَــــه: لا تَـبكِ عَــينُــكَ إنَّمــــا

نُحَاولُ مُلكَاً أو نَمُوتَ فَنُعذَرَ

كما استنجد سيف بن ذي يزن الحميري بقيصر ضدَّ الأحباش الذين غزو اليمن، فلم يجبه لما أراد، فتوجَّه إلى كسرى، فأمدَّه كسرى بالرجال والمال، وتمكَّن بهم مِن هزيمة الأحباش واسترداد ملكه، وفي ذلك يقول:

يَظُنُّ النَّاسُ بالملكَينِ أنَّهُمَا قَد التَأَمَا 

ومَن يَسمَع بِلَأمِهمَا فإنَّ الخطبَ قَد فَقُمَ 

قَتَلنَا القِيلَ مَسرُوقًا ورَوَينَا الكَثِيبَ دَمًا 

وإنَّ القِيلَ قِيلُ النَّاسِ وُهرُزٌ مُقسِمٌ قَسَمًا 

يَذُوقُ مُشَعشَعًا حَتَّى نَفِيءَ السَّبيَ والنَّعَمَ

أمَّا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقد هيأه الله تعالى للقيادة وسياسة الأمَّة مِن صغره. فقد ذكر ابن إسحاق أنَّه كان يُوضع لعبدالمطَّلب (جدِّ النبيِّ) فراش في ظلِّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتَّى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحدٌ مِن بنيه إجلالًا له. وكان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يأتي، وهو غلام جفر، حتَّى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخِّروه عنه، فيقول عبدالمطَّلب إذا رأى ذلك مِنهم: دعوا ابني.. فوالله إنَّ له لشأنًا. ثمَّ يجلسه معه على الفراش، ويمسح ظهره بيده، ويسرُّه ما يراه يصنع. وهذا يعني أنَّه كان يستمع لأحاديث الكبار، فقد كان جدُّه سيِّدًا مِن سادات قريش.

وقد شهد رسول الله وهو صغير قبل البعثة “حرب الفجار”، فقد جاء في (السيرة النبوية) لابن هشام أنَّه: “لمـَّا بلغ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أربع عشرة سنة، أو خمس عشرة سنة، هاجت حرب الفجَّار بين قريش ومَن معها مِن كنانة، وبين قيس عيلان”، و”شهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعض أيَّامهم، أخرجه أعمامه معهم. وقال رسول الله: (كنتُ أُنبل على أعمامي)، أي أردُّ عنهم نبل عدوِّهم إذا رموهم بها”(4). كما شهد (حلف الفضول)، حيث قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم: (لقد شهِدت في دار عبدالله بن جدعان حلفًا لو دعيت به في الإسلام لأجبت)، وكانوا تحالفوا أن يردُّوا الفضول على أهلها، وألَّا يَعَزَ ظالم مظلومًا. وكان (حلف الفضول) قبل المبعث بعشرين سنة، وبعد حرب الفجار بأربعة أشهر .(5)

وأسندت إليه بطون قريش أمر وضع الحجر الأسود في موضعه عندما تنازعت الأمر في ذلك. وعمل في رعي الغنم، كما عمل في التجارة لصالح زوجته خديجة، وكان قد سافر إلى الشام مع جدِّه في تجارة له.

هذه المعطيات جميعًا شكَّلت شخصيَّة الرسول وأمدَّته بالخبرة الحياتية في السياسة والقيادة وأحوال المجتمع وتفاعلاته.

الدرس السياسي بعد البعثة والرسالة:

مع نزول القرآن الكريم وانطلاق الرسالة، واستجابة عدد مِن المدعوين لدين الإسلام، أصبح المؤمنون الجدد يتلقَّون جزءًا مِن معارفهم الرئيسة مِن الوحي، كتابًا وسنَّة، إذ باتت قضايا العدل والحقوق والحرِّيات، والاجتماع والعلاقات، والحكم والتحاكم، والسلطة والقيادة، حاضرة في نصوص الوحي بكثافة، في سيرة قصص تاريخية لدول وشعوب وحكَّام ومصلحين، أو في إرشادات قيمية وأخلاقية، أو في صيغة تصوُّرات ومعتقدات، أو نظم وتشريعات.

بات المؤمنون الجدد (الذين سيتميَّزون عن غيرهم مِن المؤمنين عبر التاريخ بوصف الصحابة لصحبتهم للرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم) أمام ثراء معرفي سياسي واسع، يعرض عليهم خبرات السابقين، وإرشادات ربِّ العالمين، ويطلعهم على مستقبل الأمَّة والتحوُّلات التي سيشهدها المجتمع والسلطة؛ ثراء يتناول قضايا السلم والحرب، والسياسة والاقتصاد، والقضاء والأمن، والانتماء والولاء، والتعايش والصراع.

تحدثهم سورة النمل عن ملك سليمان، وسورة الروم عن الصراع الدولي، وسورة الكهف عن إمبراطورية ذي القرنين، والشورى عن مبدأ الشورى. ويجلِّي لهم القرآن طغيان فرعون، ورشد ملكة سبأ، ونجاح طالوت في تحرير وطنه. ويخبرهم الرسول عن تحوُّل السلطة مِن نبوة ورحمة إلى خلافة راشدة ثمَّ ملك عضوض ثمَّ ملك جبري، وعن انقسام المسلمين وصراعاتهم، وعن استهداف الأمم لهم، وعن فتوحاتهم واتِّساع ملكهم. والكثير مِن الأخبار والتوجيهات والقواعد والفتاوى.

لقد رفد القرآن الكريم والسنَّة النبوية عقول الصحابة -رضي الله عنهم- بمعرفة سياسية أصيلة، وعميقة، ودقيقة، وشاملة، ومرتبطة ببقيَّة العلوم، والأخلاق، والعقائد. تهيئة لهم لحمل مهمَّة القيادة التي تركها الرسول لهم بعد وفاته. وبالتالي فالظنُّ بأنَّ الصحابة لم يتلقَّفوا معرفة وعلمًا وتربية وفكرًا سياسيًّا ظنُّ جاهل، سعى لترويجه الجهلة بهذا الدين ومسئوليَّاته ومهام المؤمنين به في الحياة مع شعوبهم وشعوب العالم أجمع.

الشافية في إعجاز القرآن ماذا يقدم لنا التراث 5 الصحابة الكرام والدرس السياسي

الدرس السياسي والسيرة النبوية:

لا يتوقَّف الدرس السياسي زمن الصحابة على المعارف والعلوم التي بثَّها القرآن الكريم والسنَّة النبوية، بل تجاوز ذلك إلى التطبيق العملي الذي مارسه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- وهو بمكَّة، يتعامل مع سلطة قريش في دار الندوة وهي تواجه دعوته بكلِّ عتوٍّ وجبروت، ويبحث عن دار آمنة لأتباعه ليهاجروا إليها فيرسو اختياره على الحبشة لأنَّ بها (ملكًا لا يظلم عنده أحد)، ويتردَّد على منازل الحجيج بمكَّة يعرض عليهم دعوته ويطلب مِنهم نصرته، ويخطِّط للهجرة إلى المدينة. ثمَّ وهو بالمدينة، يوادع اليهود، ويصوغ “وثيقة المدينة” بين مكوِّناتها، ويسعى لنظم المجتمع وحلِّ إشكالاته الاقتصادية والاجتماعية، ويقوِّي مِن قدراته وإمكاناته، ويشكِّل علاقته بمحيطه العربي والإقليمي، ويوجِّه جيشه وينصب ولاته ويدير شئون رعاياه بالعدل والإحسان.

لقد رأى الصحابة في شخص الرسول القائد السياسي المحنَّك، الذي يترجم معارف الوحي إلى واقع عملي، ويشاور أصحابه، ويأخذ بآرائهم، ويراعي ظروفهم، ويسعى في اجتماعهم ووحدتهم وإن بفوات مصالح أدنى، ويحصِّن جبهتهم الداخلية، ويختار الأصلح مِنهم للقيام بالمسئوليَّات والمهام. ومِن ثمَّ رأوا النموذج والمثال الذي يمكن احتذاءه والاقتداء به رأي العين، بل عايشوه ولمسوا مِنه مقاصده وغاياته، وما يراعيه مِن أبعاد وملابسات. وكان الحظُّ الأكبر في ذلك لأبي بكر الصدِّيق وعمر بن الخطَّاب وعثمان بن عفَّان علي بن أبي طالب، نظرًا لملازمتهم إيَّاه كثيرًا، وقربهم مِنه، وانشغالهم بخدمته أو مصاهرته.

الدرس السياسي والخلفاء الراشدين:

مثَّل الصحابة الأوائل (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي) امتدادًا للخطِّ البياني لسنَّة الرسول وسيرته في الحكم والقيادة والإدارة، وفق الاجتهاد البشري الجامع بين هداية الوحي ورشد العقل: (عليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين مِن بعدي، عضوا عليها بالنواجذ). فقد مثَّل هؤلاء الأربعة طليعة القيادة السياسية للأمَّة بعد النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم، وعالجوا أمورًا مستجَّدة لم تكن في زمنه، وراعوا تغيُّر الظروف والملابسات في إنزال الأحكام، وأعملوا القياس وغيره مِن طرق الاستنباط والاستدلال للوصول إلى مقاربة سديدة مع نصوص الشرع وأحكامه، ذلك أنَّ الوحي قد انقطع، فلم يبق للمسلمين إلَّا أن يعملوا عقولهم في استنطاق النصوص وتطبيقها على الواقع.

وفي ظلِّ هؤلاء الخلفاء الراشدين امتدَّت الدولة الإسلامية ودخل فيها العديد مِن الشعوب، ذات الديانات المختلفة، والثقافات المختلفة، والأعراق المختلفة، والعادات المختلفة، وتطوَّرت مؤسَّسات الدولة، وازدادت مسئوليَّاتها ومهامها، واحتاجت لتجارب الشعوب الأخرى وخبراتهم، فجرى الاطِّلاع عليها وأخذ أحسن ما فيها. كلُّ ذلك والصحابة يكسبون اجتهاد الخلفاء الراشدين بإجماعهم حجَّة بالغة دامغة، لتكون الأمَّة بعد ذلك على هدى بسيرة الحكم مع غياب الوحي، فلا تجفوا عن الهدى الربَّاني ولا تكفر الرشد العقلي الذي منحاها الله لها.

ختامًا..

كم نحن بحاجة إلى إحياء هذا الدرس السياسي ونحن نبعث الأمَّة في ظروف غاية في الصعوبة، مع تطلُّع جيل الشباب للتضحية والفداء نصرة لدينهم وإرضاءً لربِّهم. وخير ما يمكنني القيام به تحويل القرآن الكريم والسنَّة النبوية وسنَّة الخلفاء الراشدين إلى درس سياسي، كما هي درس عقدي وفقهي وأخلاقي، فإن أبينا ذلك استمرَّ زمن التيه وارتفعت كلفة النصر وزادت ضريبة الذل.

الهوامش:

  1. في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، يحدِّث عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم: (كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعدِي، وسَيَكونُ خُلَفاءُ فَيَكثُرُونَ..)، الحديث. البخاري (3455) ومسلم (1842). 
  2. سورة النمل: 34. 
  3. انظر: الملك الجاهلي في كتب الأمثال، عبدالستار الحاج حامد، مجلة إسطنبول للدراسات العربية، المجلَّد (3)، العدد (2)، فبراير 2020م: ص193؛ متوفرة على الرابط التالي: https://dergipark.org.tr/en/download/article-file/1292816 
  4. انظر: السيرة النبوية، لابن هشام، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، ط3/1990م: ج1/208- 210. 
  5. انظر: البداية والنهاية، لابن كثير: ج3/456؛ وانظر: هل شهد النبي صلى الله عليه وسلم حلف الفضول أم حلف المطيبين؟، الإسلام سؤال وجواب، في: 3/1/2024م، متوفر على الرابط التالي: https://2u.pw/aepusZED

أنور الخضري

كاتب وباحث يمني مهتم بالقضايا السياسية والشأن اليمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى