يتُوه بعض الطُّلَّاب عن مقاصد علم النَّحو ويصعب عليهم جمع قواعده، بسبب خلطهم بين (الثَّوابت) و(المتحوِّلات) فيه، وذلك أنَّ علم النَّحو يدرس الكلمة بتعيين:
1/ حكمها الثَّابت
2/ وصفها المتحوِّل
3/ حكم الوصف المتحوِّل من حركة أو سكون ونحوهما
والمراد بالحكم الثَّابت: نوع الكلمة الذي لا يزول عنها مهما تغيَّر موقعها في الجملة. حيث تُقسَّم الكلمات: إلى أسماء، كـ(إبراهيم) وأفعال كـ(يقرأ)، وحروف معانٍ كـ(هل).
فـ(إبراهيم) اسم، لا يزول عنه حكم الاسميَّة، مهما كان موقعه في الجملة.
و(يقرأ) فعل، لا يزول عنه حكم الفعليَّة، مهما كان موقعه في الجملة.
و(هل) حرف معنى، لا يزول عنه حكم الحرفيَّة، مهما كان موقعه في الجملة.
وتحت هذه الأقسام الرَّئيسة: الاسم والفعل والحرف، أنواع ثابتةٌ أيضًا، فالفعل مثلًا ينقسم إلى: ماضٍ كـ(قَرَأَ)، ومضارع كـ(يقرأ)، وأمر كـ(اقرأ)، وهي أحكامٌ ثابتةٌ كذلك، لا تزول عمَّا وُصِفَ بها مهما تغيَّر موقعه في الجُملة.
وتعيين نوع الكلمة مُقدِّمةٌ لمعرفة ما يمكن أن تتَّصف به من (الأوصاف المتحوِّلة)، فالاسم يقبل الفاعليَّة والمفعوليَّة والحاليَّة ونحوها، وهي أوصاف لا يقبلها الفعل ولا حرف المعنى.
وبعد أن يُعيِّن الدَّارس نوع الكلمة التي بإزائه، ينتقل إلى تعيين الوصف (المتحوِّل) الذي يطرأ عليها بحسب موقعها في الجملة، فكلمة (إبراهيم) في جملة (جاء إبراهيم) نُعيِّنُ أوَّلًا حكمها الثَّابت، وهو الاسميَّة، ثم نُعيِّن وَصْفَها الذي اكتسبته في الجملة، وهو (الفاعليَّة)، حيث إنَّ (إبراهيم) فاعل للفعل (جاء)، وهذا الوصف (الفاعلية) متحوِّل غير ثابت، قد يزول في جملة أخرى نحو: (رأى محمَّد إبراهيمَ)، حيث أصبحت كلمة (إبراهيم) مفعولًا به أي إنها اكتسبت وصف (المفعوليَّة)، وزال عنها وصف (الفاعليَّة).
ويُبنَى على تعيين الوصف المتحوِّل معرفةُ ما يستحقُّه آخر الكلمة من حركة أو سكون ونحوهما. وهو الذي يُسمَّى بـ(الإعراب).
فكلمة إبراهيم في جملة (جاء إبراهيم) قد اكتسبت (الفاعليَّة)؛ ولذلك يستحِقُّ آخرها الرفع بالضمَّة، فيقال: (جاء إبراهيمُ)، وأمَّا في جملة (رأى محمَّد إبراهيم) فإنَّها قد اكتسبت (المفعوليَّة)؛ ولذلك تستحِقُّ النَّصب بالفتحة، فيقال: (رأى محمَّدٌ إبراهيمَ).
فالحاصل أنَّنا ننظر إلى ثلاثة أمور في الكلمة:
1/نوعها (الحكم الثَّابت).
2/(وصفها المتحوِّل)، ولا بُدَّ قبل معرفته من تعيين (الحكم الثَّابت).
3/(حكمها الإعرابي)، وهو ما يستحِقُّه الوصف المتحوِّل من حركة أو سكون ونحوهما.
ويمكن أن نُشَبِّه الحكم الثَّابت والوصف المتحوِّل بـ(حقيقة الماء) و(هيئته)؛ فحقيقة الماء المركَّبة من عنصرين معروفين=ثابتةٌ لا تتغيَّر بتغير إنائه، لكنَّ هيئته تتغيَّر بتغير الإناء الذي يُوضَع فيه، فتستدير مستعرضةً في إناء، وتمتدُّ مستطيلةً في إناء آخر.
لعلَّ بعض القُرَّاء يتساءلون: كيف نُميِّز الأحكام الثَّابتة؟
والجواب: أنَّ النُّحاة قد استخرجوا من كلام العرب علاماتٍ لتمييز كلِّ قسمٍ من أقسام الكلمة عن غيره، فمن علامات الاسم: قَبول التَّنوين كـ(كتاب)؛ فإنَّه اسم لقَبوله التَّنوين، بخلاف (يقرأ) فإنَّه ليس باسم؛ لعدم قبوله التَّنوين ولا غيره من علامات الاسم، بل هو فعل مضارع؛ لأنَّه يقبل علامات الفعل المضارع كـ(سوف) و(لن)، فيقال: (سوف يقرأ) و(لن يقرأ).
الأصل أن تظهر الحركة على الوصف المتحوِّل، لكنَّ بعض الأسباب قد تحُولُ دون ظهور تلك الحركة كـ(جاء القاضي)؛ فإنَّ كلمة (القاضي) في هذه الجملة اكتسبتْ معنى الفاعليَّة؛ فاستحقَّت الضَّمَّة، لكنَّ ظهور الضَّمِّ على الياء ثقيلٌ على اللِّسان؛ فلذلك تُحذَف وتُقدَّر أي: نفترض في الذِّهن أنَّها موجودة.
خاتمة: عُلِمَ ممَّا تقدم أنَّ الأنواع الثَّابتة قابلةٌ للاتِّصاف بالأوصاف المتحوِّلة، وأنَّها ليست قسيماتٍ لها، بخلاف ما يتوهَّمه بعض الطلبة من أنَّ الاسم قسم من أقسام الكلمة، والفاعل قسم من أقسامها، لا يمكن اجتماعها في محلٍّ واحد كما لا يجتمع السَّواد والبياض على المحل نفسه، وهو تصوُّرٌ غير صحيح، بل الاسم قسم من أقسام الكلمة والفاعل قسم من أقسام الأسماء المرفوعة، فالاسم قابلٌ لأن يكون فاعلًا، وقابلٌ لزوال وصف الفاعليَّة عنه، وذلك كالثَّوب والحُمرة، فالثَّوب قابلٌ لصبغه بالحمرة وقابل لصبغه بلون مغاير، وهذا أساسٌ مُهِمٌّ لتصور هذا العلم تصوُّرًا صحيحًا. والله أعلم.