أشتات

المغالطات المنطقية للإلحاد.. علي البخيتي نموذجا

مناسبة هذه المقالة:

نشر الناشط اليمني علي البخيتي الذي يتبنى أطروحة الإلحاد مقطع فيديو على حسابه في منصة X بتاريخ 15 أغسطس 2024 ينتقد فيه أطروحات الشاب المهندس اليمني فداء الدين يحيى صاحب المقاطع اللطيفة والأطروحات الهادئة والعميقة في تأصيل المبادئ الإسلامية، والمفاهيم القيمية، فاستفزني هذا المقطع لعمل رد على هذا التجني والافتراء الذي يمارسه علي البخيتي باسم دعوى المغالطات المنطقية. في هذه المقالة سوف نستعرض دعواه ضد فداء الدين وأشهر مغالطاته المنطقية، وسيتبين جليا من هو الذي يمارس المغالطات المنطقية فعلا. دعونا نتعرف على ذاك سويا..

قبل ذلك سنأخذ نبذة عن المغالطات المنطقية..

المغالطات المنطقية هي أخطاء في التفكير أو الاستدلال تؤدي إلى نتائج غير صحيحة أو مضللة. هذه الأخطاء قد تكون عن عمد أو بغير قصد، وتحدث عندما يتم استخدام استدلال غير صحيح أو غير منطقي لإقناع الآخرين أو لدعم حجة معينة. يمكن أن تكون المغالطات على شكل تعميمات خاطئة، افتراضات غير مبررة، استنتاجات غير مبررة، أو تحريف للحقائق.

مجالات المغالطات المنطقية فهي تدخل في المنطق والفلسفة والرياضيات والعلوم الإنسانية والعلوم الدينية، فعلى سبيل المثال هناك الأفكار اللاعقلانية لألبرت أليس، وتشوهات التفكير العشرة لآرون بيك، وهما من أبرز علماء النفس في المجال المعرفي السلوكي.

أنواع المغالطات المنطقية

 المغالطات المنطقية عديدة ومتنوعة، بعضهم يوصلها إلى أكثر من 40 مغالطة منطقية ومن أشهرها:

1. مغالطة الشخصنة (Ad Hominem): مهاجمة الشخص بدلاً من مناقشة الحجة.

2. مغالطة الاستدلال الدائري (Circular Reasoning): استخدام الحجة ذاتها كدليل لإثبات صحتها.

3. مغالطة التعميم المتسرع (Hasty Generalization): استنتاج تعميم من عينة صغيرة أو غير ممثلة. يمكن الحصول على مزيد من الأمثلة من “موسوعة ستانفورد للفلسفة”. (The Metaphysics Research Lab، بلا تاريخ)

DALL·E 2024 08 17 21.25.29 A simple and clean image with a gradient texture representing the flow of history and the development of logical fallacies. The background smoothly tr المغالطات المنطقية للإلحاد.. علي البخيتي نموذجا

تاريخ المغالطات المنطقية

تاريخ المغالطات المنطقية طويل ويعود إلى العصور القديمة، حيث بدأ الفلاسفة والمفكرون في مناقشة وتحليل أشكال مختلفة من التفكير والاستدلال.

1. الفترة اليونانية القديمة:

– أرسطو (384-322 قبل الميلاد): يُعتبر أرسطو أول من قدم دراسة منهجية للمغالطات المنطقية. في كتابه “فن الخطابة” (Rhetoric) و “الأورغانون” (Organon)، ناقش أرسطو المغالطات المختلفة كجزء من تحليله للفلسفة والمنطق.

– الفلاسفة السفسطائيون: كانوا يستخدمون المغالطات في الجدالات لتعزيز حججهم، مما أثار انتقادات من فلاسفة مثل سقراط وأفلاطون.

2. الفترة الرومانية والعصور الوسطى:

– شيشرون (106-43 قبل الميلاد): الروماني شيشرون كان له دور في نشر أفكار أرسطو حول المغالطات ونقلها إلى الجمهور الروماني.

– الفلاسفة المسيحيون في العصور الوسطى: قاموا بتحليل المغالطات لتجنب الأخطاء في التفسير اللاهوتي. توماس الأكويني كان من بين هؤلاء الذين اهتموا بالمنطق والمغالطات.

3. العصر الحديث:

– فرنسيس بيكون (1561-1626): ساهم في تطوير مفهوم المغالطات بإدخال فكرة “الأوثان الأربعة” في كتابه “الأورغانون الجديد”. حيث صنف الأخطاء الشائعة في التفكير إلى أربع مجموعات.

– جون لوك (1632-1704): في كتابه “مقالة حول الفهم البشري”, ناقش العديد من المغالطات المنطقية وأهمية التفكير السليم.

4. العصر المعاصر:

– كارل بوبر (1902-1994): تناول بوبر موضوع المغالطات كجزء من تحليله للفكر العلمي والمنطق.

– تشالز هامبلين: في كتابه “المغالطات” (1970)، قدم هامبلين تحليلاً شاملاً ومحدثاً لمفهوم المغالطات، وكان له تأثير كبير في إحياء الدراسة المنهجية لهذا الموضوع في الفلسفة المعاصرة.

نأتي الآن إلى نقاش المغالطات المنطقية التي طرحها علي البخيتي في ذلك المقطع المشار إليه آنفا، متجاوزين البهارات الجانبية التي طرحها ولا علاقة لها بالمنطق، كاتهام المتدينين بأنهم مرضى نفسيين!:

– بدأ الحديث عن الحجة الاحتمالية أو مراهنة باسكال (Pascal’s Wager) وهي حجة فلسفية طورها الفيلسوف الفرنسي وعالم الرياضيات بليز باسكال في القرن السابع عشر. تُعتبر هذه المراهنة محاولة لدفع الناس إلى الإيمان بوجود الله من خلال استخدام المنطق الاحتمالي بدلاً من الاعتماد على الأدلة الميتافيزيقية التقليدية.

هذه الحجة طرحها فداء الدين يحيى (وإن لم يشر إلى المصدر) لكنها مفهومة سلفا، وأشار إلى المصدر علي البخيتي، ولكنه وقع في مغالطة سنبينها لاحقا.. قبل ذلك دعونا نتعرف على مراهنة باسكال:

– باسكال يجادل بأن الإنسان في حياته يواجه خيارين: إما أن يؤمن بوجود الله، أو ألا يؤمن بوجوده. وبالنسبة لباسكال، فإن هذه المراهنة لا تعتمد على كون الله موجودًا أو غير موجود بالفعل، بل تعتمد على عواقب الاعتقاد أو عدمه.

1. إذا آمنت بوجود الله وكان الله موجودًا: ستحصل على مكافأة لا نهائية (الجنة)، مما يعني أن الربح كبير جدًا.

2. إذا آمنت بوجود الله ولم يكن الله موجودًا: لن تخسر شيئًا كبيرًا (لا عقوبة، ولا مكافأة).

3. إذا لم تؤمن بوجود الله وكان الله موجودًا: ستعاني من خسارة لا نهائية (الجحيم)، مما يعني أن الخسارة ستكون كبيرة جدًا.

4. إذا لم تؤمن بوجود الله ولم يكن الله موجودًا: لن تكسب أو تخسر شيئًا.

النتيجة:

– وفقًا لحسابات باسكال، حتى إذا كانت احتمالية وجود الله منخفضة جدًا، فإن العقلانية تقتضي أن يراهن الشخص على وجوده، لأن المكاسب المحتملة من الإيمان لا نهائية، بينما الخسارة المحتملة من عدم الإيمان قد تكون أيضًا لا نهائية.

اعتراض علي البخيتي على مراهنة باسكال:

وضح البخيتي اعتراضه بأمرين: مثال المراهنة بألف دولار، ووجود 4200 دين في العالم وأضعاف هذا العدد من المذاهب داخل الأديان نفسها..

صياغة حجة البخيتي:

يقول علي البخيتي في المثال الأول: بأنه لو افترضنا أن شخصا راهن على استثمار ألف دولار في شركة ما، وقيل له بأن احتمال الربح سيكون واحد على ألف فقط، فهل سيقبل؟

أما في المثال الثاني: فهو يقول بأن عدد الأديان عالميا هو 4200 دين، وهذا عدا عن المذاهب داخل الأديان والتي ترفع هذا العدد، فلماذا يراهن الإنسان بحياته على آلاف الاحتمالات والمعتقدات؟

DALL·E 2024 08 17 21.06.01 A simple and elegant image representing logical fallacies using a gradient texture. The image features a smooth gradient background transitioning from المغالطات المنطقية للإلحاد.. علي البخيتي نموذجا

الرد على حجة البخيتي:

المثال الأول: مثال المراهنة بألف دولار في شركة ونسبة احتمالية الربح واحد على الألف أو أقل أو أكثر، الخطأ المنطقي هنا هو في عدم تساوي عناصر التشبيه في المشبه والمشبه به، فبينما يفترض البخيتي بأن رأس المال (الألف دولار) = رأس مال الإنسان (حياته)، فإن الاحتفاظ بالألف دولار هو خيار متاح لصاحبه، إن شاء ساهم في الشركة أم لا، بينما رأس مال الإنسان (حياته) لا خيار له في الاحتفاظ بها، إذ أنه سيموت حتما ولا احتمال له آخر بأن يموت وألا يموت، وهي ذات المغالطة المنطقية التي غالط بها النمرود إبراهيم الخليل: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِی حَاۤجَّ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ فِی رَبِّهِۦۤ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ رَبِّیَ ٱلَّذِی یُحۡیِۦ وَیُمِیتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡیِۦ وَأُمِیتُۖ قَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَأۡتِی بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِی كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [البقرة ٢٥٨]. (القرآني، بلا تاريخ).

قيل بأن النمرود أتى بشخصين محكوما عليهما بالإعدام فأعدم أحدهما وعفا عن الآخر! وكما ترى فهي مغالطة واضحة، فليس الشأن أن يقتل شخص شخصا آخر، وإنما الشأن أن يمنع الإنسان نفسه عن الموت أصلا! فلا خيار له آخر كشأن صاحب الألف دولار إما أن يساهم (مع وجود الاحتمالات) أو ألا يساهم.

وبهذا يتضح أن المثال الذي احتج به البخيتي لا يتطابق مع مراهنة باسكال.

أما المثال الثاني، وهو احتجاج البخيتي بوجود 4200 دين عالميا، وأضعافه من المذاهب داخل الأديان نفسها؛ فأولا: عدد الأديان والمعتقدات عالميا بحسب موقع Pew يقدر ب 4300 دينا ومعتقدا، وليس 4200 فقط!  ومع ذلك هذا لا يؤثر على الحجة المنطقية، حتى لو بلغوا مليون دين ومعتقد! (Center، 2012).

وذلك أن هذه الأديان كلها ترجع إلى احتمالين اثنين فقط لا ثالث لهما، وهما الصواب والخطأ، وينبغي التفريق هنا بين مقامين:

مقام احتمالية الصواب والخطأ في الأديان (هل كل الأديان صحيحة؟)

ومقام معايرة الدين الصواب والخطأ (كيف نحدد الدين الصواب من الخطأ؟)

وللإجابة على المقام الأول، ينبغي التفريق بين مستويين من الصواب والخطأ:

الكمال المطلق، والكمال النسبي، فالكمال المطلق ينبغي أن يكون لدين واحد فقط، بينما الكمال النسبي يشمل الأديان السماوية الأخرى، وربما بعض المعتقدات الأرضية بحسب قربها وبعدها من الدين ذي الكمال المطلق، وعليه فالاحتمالية في هذا المقام ستنحصر بين الدين ذي الكمال المطلق، كحقيقة مطلقة وبين (اللادين) والإلحاد بشتى أنواعه، كتكذيب مطلق.

النتيجة من هذا المقام: لا يوجد دينان مطلقان-حاليا- يتسمان بحقيقة مطلقة، وإلا كان هذا تناقضا. لا بد من وجود دين مطلق واحد فقط.

المقام الثاني: مقام معايرة الدين الصواب والخطأ (كيف نحدد الدين الصواب من الخطأ؟)

لا يوجد غير طريقين واحتمالين اثنين فقط: هما الاجتهاد والتقليد، وهي أداة مشهورة في أصول الفقه الإسلامي لمعايرة الأحكام الشرعية. وتطبيقها في هذا المقام كالتالي:

– المطلوب من البشر أن يجتهدوا في معرفة الأسئلة الوجودية (من أين أتيت؟ لماذا أعيش؟ أين سأذهب؟)، وهناك طروحات كثيرة في الساحة للإجابة على هذه الأسئلة: دينية وفلسفية وإلحادية ولا أدرية. وحركة الناس تتنوع حيال الاجتهاد والتقليد في البحث عن إجابات الأسئلة الوجودية:

فمنهم من يجتهد ومنهم من لا يجتهد (يقلد)

ومن اجتهد، منهم من يصل إلى الحق، ومن لا يصل

فصار لدينا ثلاث فئات حيال هذا الأمر:

• المجتهد الواصل (فهو الناجي)

• المجتهد غير الواصل (فهو ناجي أيضا) بسبب بعض الموانع كالجهل وعدم بلوغ الحجة الرسالية.

• ومنهم المقلد الذي لم يبذل أي جهد في التعرف على سبب وجوده أصلا، فهذا مؤاخذ.

DALL·E 2024 08 17 21.06.04 A simple image illustrating logical fallacies using a gradient texture style. The background features a gradient from light to dark symbolizing the c المغالطات المنطقية للإلحاد.. علي البخيتي نموذجا

نعيد رسم الخرطة مرة خرى:

من الطبيعي أن يبحث الإنسان عن إجابات أسئلته الوجودية

سوف يجد خيارات كثيرة في الإجابات، عليه أن يجتهد (عن حسن نية) في البحث عن الصواب منها 

تحديد الصواب يكمن في تلك المنظومة التي تقدم لك إجابات متكاملة لكل الأسئلة، ونظرية شاملة تنظم الموت والحياة، وتنظم حاضرك ومستقبلك، بل وتنظم ماضيك قبل مجيئك، بدءا باختيار الزوجة مرورا بوجودك وانتهاء برحيلك.

لم نجد في طروحات الإلحاد أي إجابات منطقية على هذه الأسئلة، كما أن الإجابات في الأديان الأخرى متفاوتة وناقصة، ولا يوجد غير الدين الخاتم الذي جمع كل هذه المحاسن.

إذن يمكن وضع خلاصة للمغالطتين اللتين أتى بهما البخيتي كالتالي:

1. مغالطة المقارنة غير الصحيحة (False Analogy):

في المثال الأول الذي استخدمه البخيتي، حيث قارن بين الرهان بألف دولار على شركة ما واحتمالية الفوز وبين حياة الإنسان واحتمالية وجود الله، وقع في مغالطة المقارنة غير الصحيحة. هذه المغالطة تحدث عندما يتم مقارنة شيئين ليس بينهما تشابه حقيقي بما فيه الكفاية لدعم النتيجة المطلوبة.

 – في هذه الحالة، المال (ألف دولار) يمكن الاحتفاظ به أو استثماره أو التصرف به بطرق مختلفة، بينما الحياة لا يمكن الاحتفاظ بها أو التحكم بها بنفس الطريقة. الإنسان سيموت حتمًا، سواء آمن أو لم يؤمن، مما يجعل المقارنة بين الحياة والمال غير دقيقة.

2. مغالطة التعميم المتسرع (Hasty Generalization):

في المثال الثاني، حيث أشار البخيتي إلى وجود 4200 دين في العالم (أو أكثر وفقًا لبعض المصادر) ، واستخدم هذا العدد للاحتجاج بأن احتمالية صحة أي دين معين ضئيلة للغاية. وقع في مغالطة التعميم المتسرع، حيث يفترض أن كثرة الأديان تعني بالضرورة أن احتمالية صحة أي منها ضئيلة. 

– هذه المغالطة تتجاهل أن هذه الأديان قد تنقسم إلى مجموعات متقاربة في الأفكار والمعتقدات، وقد يكون هناك دين واحد يقدم إجابات متكاملة لكل الأسئلة الوجودية التي يبحث عنها الإنسان. لذا، فإن كثرة الأديان لا تعني بالضرورة صعوبة العثور على الدين الصحيح، إذا ما استخدمت منهجية منطقية ومنظمة في البحث عن الحقيقة.

كلا المغالطتين جزء من مغالطات الاستدلال الاستقرائي (Inductive Fallacies)، حيث يتم استخدام مقارنة غير صحيحة لدعم استنتاج ما.

DALL·E 2024 08 17 21.12.51 A simple and abstract image representing the logical fallacy of relying solely on sensory evidence using a gradient texture style. The background fea المغالطات المنطقية للإلحاد.. علي البخيتي نموذجا

معضلة بعرة قريش!

أشار البخيتي في المقطع آنف الذكر إلى طلب مناظرة فداء الدين ليفتت له (بعرة قريش)! كما يزعم،  وهو يكرر هذا المصطلح الرمزي دائما، ويشير به إلى قول ذلك الأعرابي: البعرة تدل على البعير. والروث على الحمير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج. وبحار ذات أمواج، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟ نقل هذا القول الإمام الرازي  (ت 606 هـ)  في تفسيره مفاتيح الغيب، عند قول الله تعالى:

﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ۝٢١ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَ ٰ⁠شࣰا وَٱلسَّمَاۤءَ بِنَاۤءࣰ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِ رِزۡقࣰا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادࣰا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ۝٢٢﴾ [البقرة ٢١-٢٢]. (القرآني، بلا تاريخ)

ونقل أيضا هذه الأبيات-التي تنسب إلى أبي نواس-:

تأمل في نبات الأرض وانظر

إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين شاخصات

وأزهار كما الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات

بأن الله ليس له شريك. (التفاسير، بلا تاريخ)

والمغالطة التي يطرحها البخيتي-وغيره- ممن يتبون الطرح الإلحادي تشير إلى إشكالية في قانون السببية، فالبخيتي يقر بوجود قانون الأثر والمؤثر، ولكن تحت الرصد الحسي لا غير! فهو يريد أن يرى خالق هذا الكون أمامه حسا وهو يخلق ويرزق، عدا عن ذلك فهو لا يؤمن (ببعرة قريش)!

وللرد على هذه المغالطة سيقال له، بأن هناك ظواهر فيزيائية كثيرة، يصعب رصدها، ومع ذلك فالبخيتي وغيره يؤمن بها، على سبيل المثال:

– ما يقوله علماء الفيزياء عن الطاقة المظلمة والتي تشكل حوالي ٦٨٪ من الكون، وعن المادة المظلمة والتي تشكل حوالي ٢٧٪ من الكون. ومع ذلك لا يسع أي ملحد إنكار ما يقوله علماء الفيزياء، وإلا تم اتهامهم بالعدمية الفكرية.

– قدم آلبرت أنشتاين في نظريته النسبية العامة المبادئ الأولية لاكتشاف الثقوب السوداء، وكذلك فعل كارل شفارتسشيلد الألماني الذي حل معادلات آينشتاين التي تعبر عن الثقوب السوداء في العام التالي عام 1916، ومع ذلك كان الفيزيائيون يؤمنون بوجود هذه الثقوب السوداء، وانتشر هذا المفهوم عالميا، وبناء عليه تم عمل أفلام خيال علمي حول هذه النظرية، مثل الأفلام التالية: The Black Hole (الثقب الأسود) – 1979 و Event Horizon (الحدث الأفق) – 1997 و Contact (اتصال) – 1997 و Interstellar (بين النجوم) – 2014  وكلها كانت قبل أول صورة مباشرة لثقب أسود من قِبل مشروع “Event Horizon Telescope” (EHT). كانت هذه الصورة لثقب أسود يقع في مركز المجرة M87.

سنلاحظ أن (بعرة قريش) أوقعت البخيتي في عدد من المغالطات المنطقية، وليس مغالطة واحدة فقط، فالمغالطة التي وقع فيها البخيتي في هذه الحالة تُعرف بـ “مغالطة الاشتراط الحسي” أو “مغالطة التحقق التجريبي فقط” (Verificationism). هذه المغالطة تحدث عندما يصر الشخص على أنه لا يمكن اعتبار شيء ما صحيحًا أو موجودًا إلا إذا كان قابلًا للرصد أو التحقق الحسي المباشر. بمعنى آخر، الشخص ينكر أي شكل من أشكال الوجود أو الحقيقة التي لا يمكنه رؤيتها أو قياسها مباشرة.

وإليك إعادة الصياغة مع تحليل متسلسل لهذه المغالطات:

1. قانون السببية وتطبيقه بشكل انتقائي:

– البخيتي يقبل قانون السببية (الأثر والمؤثر) ولكنه يقيده فقط على الأمور التي يمكن إدراكها حسياً. هذا يعني أنه يستثني أي وجود أو تأثير لا يمكن رصده بشكل مباشر من نطاق الاعتبار العقلاني. ومع ذلك، هناك العديد من الظواهر والكيانات في العالم، مثل الطاقة المظلمة والمادة المظلمة، التي لا يمكن رؤيتها مباشرة، لكن الأدلة غير المباشرة تدعم وجودها. إذا كان البخيتي يقبل هذه الكيانات على الرغم من عدم قدرته على رؤيتها، فإن رفضه للإيمان بوجود الله فقط لأنه لا يمكن رؤيته يتناقض مع منهجه الخاص.

2. تجاهل الدليل غير المباشر:

– هناك العديد من الأمور في العلم والفلسفة التي تُقبل على أساس الأدلة غير المباشرة. على سبيل المثال، الثقوب السوداء لم تُرصد مباشرة لفترة طويلة، ولكنها قُبلت بناءً على التأثيرات التي تتركها على محيطها. إن الإصرار على وجود خالق مرئي فقط هو تجاهل للأدلة غير المباشرة التي تشير إلى وجود نظام ذكي وراء الكون.

3. مغالطة التحول من الميتافيزيقا إلى الفيزياء:

– الادعاء بأن كل ما يجب أن يكون مرئيًا أو ملموسًا هو في جوهره محاولة لتحويل المسائل الميتافيزيقية (مثل وجود الله) إلى مسائل فيزيائية. ولكن هذه المقاربة لا تأخذ في الاعتبار طبيعة الأسئلة الميتافيزيقية التي تتجاوز المجال الحسي.

الخلاصة أن المغالطة الأساسية التي وقع فيها البخيتي هي تقليص مفهوم الوجود والحقيقة إلى ما يمكن رصده حسياً فقط، وتجاهل الأدلة غير المباشرة التي تدعم وجود أشياء كثيرة في الكون لم تُرصد بالعين المجردة أو بالحواس المباشرة.

أرأيتم كيف أن (بعرة قريش) عصية على التفتيت الذي زعمه البخيتي!

المصادر:

References

  • Center, P. R. (2012, 12 18). The Global Religious Landscape. From https://www.pewresearch.org/religion/2012/12/18/global-religious-landscape-exec
  • The Metaphysics Research Lab, D. o. (n.d.). Stanford Encyclopedia of Philosophy. From https://plato.stanford.edu/
  • التفاسير. (n.d.). تفسير الرازي. From https://www.altafsir.com/Tafasir.asp?tMadhNo=1&tTafsirNo=4&tSoraNo=2&tAyahNo=21&tDisplay=yes&Page=21&Size=1&LanguageId=1
  • القآني, ا. (n.d.). From https://tafsir.app/
  • القرآني, ا. (n.d.). From https://tafsir.app/
  • القرآني, ا. (n.d.). From https://tafsir.app/2/22

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. تاهت الفكرة، وضاع الموضوع في التفريعات، والتشعبات، فأين الرد على القبيح البخيتي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى