أبناء رسول الله: نقد خرافة التفضيل السلالي:
كلما نظر المرء في تاريخ الأديان اكتشف أنَّ كثيرًا من العِلل التي أصابت أتباع تلك الديانات قد تسربت إلى السَّاحة الإسلامية، وعندها يدرك مقاصد السَّرد القرآني لعلل بني إسرائيل، وتحذيرنا من إعادة إنتاجها في مسيرتنا، بله التَّحذير النَّبوي القائل: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِراعًا بذِراعٍ، حتّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ والنَّصارى؟ قالَ: فَمَنْ؟) (1).
لكني لم أكن أتخيل أن يجرؤ مسلمٌ على القول بأنه “ابن الله”؛ لأنَّ صرامة التَّوحيد ووضوحه في أمة الإسلام يحول دون ذلك، إلا أنَّ بعض المتسولين باسمِ الدِّين، قد ابتكروا حيلة يتسترون وراءها، وهي قولهم “نحن أبناء رسول الله” ولنا مزية على البشر، بحكم السُّلالة المصطفاة!
فكانَ لابدَّ من العودةِ إلى القرآن الكريم لاستجلاء حقائق هذا الدِّين قبل أن تلتبسَ الأهواء المطرزة بزخارف التَّأويلات الفاسدة:
أولًا: يقرر القرآن الكريم أنَّ الفضيلة كسببية
، فالله يجازي النَّاس على ما عملوا، قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [ الأحقاف :19]؛ وقال تعالى : {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة: 24]، ولفظة “عمل” ومشتقاتها في القرآن الكريم تكرَّرت قرابة (359) مرة، كي تحفر في ذهن المؤمن أنَّ العمل هو معقد النجاح والفلاح، فمن أين لمسلمٍ أن يزعم أنه أدرك الفضيلة لمجرد انتسابه لنبيٍ أو لعظيم؟!
ثانيًا: يقرر القرآن الكريم أنَّ الأنساب لا تقدم ولا تؤخر في ميزان الله تعالى
فالله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسبًا، نلحظ ذلك ونحن نقرأ قصص أقرباء الأنبياء، فلم ينتفع ابن نوح من قرابته لأبيه قال تعالى: {قالَ يا نوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صالِحٍ فَلا تَسأَلنِ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنّي أَعِظُكَ أَن تَكونَ مِنَ الجاهِلينَ}[ هود : 46], وكذا في قصَّة إبراهيم مع أبيه، وامرأتي نوح ولوط، أمَّا في اليوم الآخر فلا أثر للأنساب في ميزان العدالة الإلهية قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101].
ثالثًا: يقرر القرآن أن الفضيلة لا تنتقل عبر الجينات الوراثية
يقرر القرآن حقيقة تاريخية وطبيعية صارمة, مفادها أنَّ الفضيلة لا تنتقل عبر الجينات الوراثية فيقول تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124], ثمَّ ذكر في موضع آخر أنَّ التفاوت في الصَّلاح والفساد حاصل في ذراري الأنبياء فيقول تعالى: (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ) [ الصافات :
113]؛ وقد حكى لنا قصة أولاد يعقوب ولم يكونوا على خطٍ واحد؛ وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:26].
فكيف يقال أن للنسب العلوي مزية لم ينلها النسب الإبراهيمي؟!
وكيف نعول على الجينات في حمْل الفضيلة من جيلٍ إلى آخر؟!
ثمَّ إنّا إذا تصورنا أنَّ الجينات تنقل الفضيلة، فهي بلا شك ستنقل الرذيلة، وتسير البشرية في خطين جبريين: خطُّ الفضلاء الذين ورثوا الفضيلة من أسلافهم البعيدة. وخط التعساء الذين أجبرتهم جيناتهم الوراثية على المضي في دربِ الشَّقاوة!
وهو بلا شك تصورٌ باطل، وبعيدٌ عن روح الإسلام وحقائقه السَّاطعة، التي تجعل الفضيلة كسبية كما الرذيلة كسبية.
رابعًا: يقرر القرآن الكريم أن سبب غضب الله على بني إسرائيل أنهم اتكأوا على النَّسب الإبراهيمي
سبب غضب الله على بني إسرائيل أنهم اتكأوا على النَّسب الإبراهيمي، ونسوا الرسالة السَّماوية فمسخهم الله، وسلَّطَ عليهم من يسومهم سوء العذاب، واستنكر ادعائهم بقربهم منه فقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّـهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ}[ المائدة :18]؛ ولذلك كان الإنذار النبوي لقرابته مبكرًا فقال صلى الله عليه وسلم: (يا فاطِمَةُ، أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النّارِ، فإنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شيئًا) (2). فكيف تسلَّلَ المرض الإسرائيلي إلى ساحتنا، فأصبحنا نعطي الصَّالحين من العلويين مزية إضافية بحكم النَّسب؟!
خامسًا: يقرر القرآن حقيقة ضخمة مفادها أن ليس للأنبياء أي مصلحة مادية من تبليغ الرسالة
فليسوا ملوكًا يؤسسون إمبراطوريات لتجني أرباحها سلالاتهم من بعدهم، وإنما هم رسل من عندِ الله مبلغون، وحسبهم ثواب الله لهم. وقد وردت هذه التأكيدات في (14) موضعًا في القرآن الكريم, منها قوله تعالى: {قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِن هُوَ إِلّا ذِكرى لِلعالَمينَ} [الأنعام : 90].
إنَّ تقديم محمَّد صلوات ربي وسلامه عليه، باعتباره زعيم سلالة، تجني من بعده هالات التقديس، وعطايا النسب، قدح في تجرده لله ربِّ العالمين، حاشاه ربي، وهو الذي أوصى بميراثه لأمته فقال: (لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ)(3), ليؤكد المعنى القرآني الضخم، أنه اختار, الآخرة، ولقد فطن الصَّحابي الجليل عبدالله بن عمر لهذا المعنى المحوري فقال للحسين رضي الله عنه يوم خرجَ إلى العراق: (إنَّ جبريلَ أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فخيَّره بين الدُّنيا والآخرةِ , فاختار الآخرةَ على الدُّنيا) (4).
سادسًا: يحدد القرآن مهمَّة الرسول الأعظم في البلاغ وربط الناس بالخالق فقط
لا ربطهم بالمخلوقين، قال تعالى : {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} [الجن :21]، وقال تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران : 128]، فكيف يربطهم بذريته من بعده؟ أو يجعلهم قرناء لكتاب الله العلي العظيم، ومن هذا الذي أصبح وصيًا على كلام الله؟ ومن هذا الذي جعل نفسه وسيطًا بين الله وخلقه؟ ومن هذا الذي رأى أمة محمد قاصرة ليكون وصيًا عليها؟
سابعًا: يضع القرآن القاعدة الذهبية في العدالة الإلهية
فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
ويشرح النبي صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة بشكل تفصيلي للتأكيد فيقول : ( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) (5).
هذه القاعدة التي تقرر أنَّ البشر سواسية أمام الله، وأنَّ سلم الارتقاء مفتوحٌ أمام الجميع، وليس حكرًا على سلالةٍ مصطفاه!
ثامنًا: إنَّ الله تولى حفظ كتابه، وأودع الرِّسالة لأمةِ محمَّد فالخيرية والعصمة لمجموع الأمة
والرسالة منوطةٌ بالأمة، وليست منوطة بسلالة معينة، نقول هذه الكلام لنُفْهِمَ المتخرصين الذين يقولون إنَّ القرآن وديعة لسلالة معينة وهي فرية وثنية نقلها إلينا الفرس الذين قالوا إنَّ روح الإله حلت في سلالة الأكاسرة، فهي تتصرف بالوكالةِ عن الإله!
تاسعًا: الآثار الصحيحة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحيد عن القرآن
عندما نتصفح الآثار الصحيحة الواردة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، نجدها لا تحيد عن القرآن قيد أنملة.
9.1. ففي الحديث الصحيح: (يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) (6).
9.2. ولقد وردت أحاديث صحيحة في فضائل الصحابة ومنهم أقرباء للنبي صلى الله عليه وسلم، بلغوا تلك المنازل بعبوديتهم لله، واستجابتهم لرسوله، فأثنى عليهم رسول الله بما يستحقونه، وواجب على كلِّ مؤمن أن يحبَّ تلك الكوكبة المتفردة في سيرتها وعطائها وإيمانها، لا أن نسحب تلك الفضائل المخصوصة بأعيانهم إلى سلالتهم حتى قيام السَّاعة! وإلا لمنحنا سلالة أبي بكر وعمر ومن أثنى عليهم الرسول أفضلية على بقية البشر.
9.3. وإنك لتعجب: لماذا كل أحفاد الصَّحابة الذين أثنى عليهم رسول الله لم يتطلعوا لجني مكاسب سياسية أو مادية؟ لماذا لم يتعلقوا بثناءِ الله على آبائهم وينسجوا حول تلك النصوص مطالب للفضيلة أو السيادة والشرف؟ إلا لأنهم يدركون الحقيقة التي قررها القرآن بقوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134].
وقد ينبري لك أحدهم محتجًا بحديث مسلم: (وأهل بَيتي، أُذكِّركم الله في أهْل بيتي), ولا شيء في ذلك أن يوصي الرَّجل العظيم صحبه بالعناية بأهله القريبين منه زمنًا، أما أن يستمر مسلسل الأهل إلى يوم القيامة، فالبشرية أولاد أنبياء من لدن نوح وإبراهيم، فمن سيرعى من؟
ولقد ورد الحديث بألفاظٍ أخرى من طرق ضعيفة استنكرها المحققون، فقال ابن قدامة المقدسي والآمدي وغيرهما: (لا نسلِّم أنَّ المراد بالثقلين: القرآن، والعِترة، وإنَّما المراد: القرآن والسُّنة، كما في الرِّواية الأخرى) (7).
كما يذهب البعض إلى التمسك بحديث في صحيح مسلم: (إنَّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل. واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة. واصطفى من بنى كنانة قريشًا. واصطفى من قريش بنى هاشم. واصطفاني من بنى هاشم), فيعطي لبني هاشم ميزة على سائر النَّاس، مع أنَّ الحديث يتحدث عن سلسلة الاختيار التي اُصطفي منها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالاصطفاء خاص به لحمْل الرِّسالة، إذ كيف يستقيم الاصطفاء لقريش وهي التي ناوأت دعوته بشراسة، وكيف يستقيم الاصطفاء لبني هاشم ومنهم العتاة والكفرة؟!
هل قدم بعض أهل السنة امتيازات للسلالة الهاشمية؟
وهناك آثار أخرى جُلها لا يصح سندًا، ولا يقوى على نسف حقائق القرآن في جعل الفضيلة للأتقى والخلافة لمن يرتضيه النَّاس، إلا أنَّ بعض أهل السُّنة، أرادوا أن ينفوا عن أنفسهم تهمة “النَّصْب” التي يثيرها الشِّيعة، فوقعوا في تشيع خفي، إذ منحوا للسلالة الهاشمية امتيازات ما أنزل الله به من سلطان.
ولذلك إذا لم تُقرأ الآثار النبوية في إطار المنظور القرآني ومحكَّماته، فسنعيد إنتاج المشاكل التاريخية بمبررات دينية؛ والاختراق الشيعي للفكر الإسلامي جاء من هذه البوابة، فبعض أهل السنة منحوا آل البيت امتيازات دينية ومالية، ثم رفضوا الامتياز السياسي الذي نادى به الشيعة!
ومردُّ ذلك لقراءة الآثار بعيدة عن كليات الدِّين، ففُهِمَت الوصايا المتعلقة بشخوصها وأزمنتها على أنها شرعة سرمدية؛ إذ ما معنى أن يُمنَح للصَّالح من بني هاشم فضيلتيْن, الأولى لصلاحه – وهذه لا جدلَ حولها – والأخرى لانتسابه!
من أين تسربت هذه الأفكار الجاهلية إلى فكرنا الإسلامي؟
– ثمَّ ما معنى أن تُمنح سلالة من البشر امتيازات دينية وهي الأهم ثم نشغب عليهم الامتياز السياسي، وهو في الأخير تحصيل حاصل، فإنَّ النَّاس إذا آمنوا بأنَّ سلالة ما أسمى منهم ديانة، فسينقادون لها على قاعدة: (رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا) (8).
– إنَّ نافذة التشيع تبدأ من منح أفضلية لسلالة من البشر، وبعد تعميد الأفضلية، يأتي الخطاب الشيعي ليكمل ما تبقى، فيطالب بالولاية السياسية.
– إنها شرعة العرب في التباهي بالأنساب والأحساب حولها البعض إلى دين يتعبد به، وحاشا دين الله أن تتعلق به أوحال الجاهلية.
– لقد استخدمت راية “آل البيت” لتحقيق مآرب أودت بالأمة في مهاوي الردى، وقد أحصى الإمام أبو الحسن الأشعري خمسة وعشرين خارجًا كلهم من “آل البيت” لم يكتب لأحدٍ منهم نصيب في الخروج، ثم جاءَ الفاطميون فأقاموا دولة الظلم والفساد تحت راية آل البيت، وجاس الصفويون خلال الديار تحت راية آل البيت، وعانى العدول والظلمة من الهاشميين – على حدٍ سواء – من الدول المختلفة بسبب دعاوى التفضيل السلالي، فكم سالت من دماء غزيرة على مذبحة الحق الإلهي في السِّيادة، دوَّنَ بعضها الرَّاغب الأصفهاني في مقاتل الطالبيين، ولا سبيل لإيقاف هذا العبث إلا بأن يفيئ الجميع إلى ظلال الإخوة الإسلامية، وينبذوا وراءهم ثارات داحس والغبراء وأمية وهاشم، ويدفنوا هذه الأوهام في مقابر التاريخ، فالاستخلاف للمؤمنين، كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور :55]؛ والفضيلة للمتقين، من أيِّ جنسٍ أو لون.
– أمَّا الربانيون من الهاشميين فقد انساحوا في نهْر الأمة مع غيرهم، فكان منهم العلماء والقادة والمصلحون، وعرفتهم الأمة من خلال أعمالهم ، لا أنسابهم.
– وقد لاحظ الشَّهيد الزبيري في كتابه “الإمامة وخطرها” أنَّ كثيرًا من الهاشميين قادوا شعوبهم نحو الخير في شتى بقاع الأرض، إذ كانوا يقدمون أنفسهم كرموز لتلك الشعوب، لا ممثلين عن السُّلالة، إلا في اليمن فقد أبى الإماميون إلا أن يقدموا أنفسهم من منصة الاستعلاء السُّلالي فلفضهم الشَّعب، وقامت ثورات عديدة كان في طليعتها الأحرار والعلماء من الهاشميين أنفسهم، الذين سكبوا دماءهم رخيصة في سبيلِ حرية اليمن واستهجنوا منظومة الإمامة وفكرها السُّلالي البغيض.
– وفريضة الوقت أن يبادر العلماء إلى تطهيرِ الفكْر الإسلامي والسُّني منه على وجه الخصوص، من بقايا الجاهلية العربية والفارسية، التي علِقَت به، ولبست لبوس الدِّين، وتدثَّرت بآثار النُّبوة، فلقد تورَّط فيها بعض العلماء, فمنهم من ألَّفَ صحائف في فضل العرب، وآخرون في فضْل قريش، وكأننا أمام دينٍ قومي، لا دين يكرِّم الإنسان كل الإنسان، ويفتح أمامه طريق الارتقاء والريادة بالإيمان والعمل الصالح، ويهدر كل ضلالات الوثنية القائمة على التعلق بالأنساب والمظاهر وزخارف الدنيا الفانية.
الهوامش:
- صحيح البخاري : ٣٤٥٦.
- صحيح مسلم: ٢٠٤.
- صحيح البخاري: ٦٧٢٥.
- العراقي، تخريج الإحياء ٢/٢٩٢.
- الألباني، السلسلة الصحيحة: ٢٧٠٠.
- صحيح البخاري: ٤٧٧١.
- روضة الناضر:1/470.
- مسند الشافعي بترتيب السندي،362.