في الصورة أمامك أحد أشهر علماء الاقتصاد و الرياضيات في العالم وهو عالم الاقتصاد الشهير يسرائيل روبرت أومان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد وهو يهودي متدين جدًا وأحد العقول المدبرة لهم من النَّاحية العلمية, ولعل من أبرز ما قرأت له هي مفارقة الابتزاز تلك المفارقة التي تعلمك شيئًا مهمًا. كيف يفكر عدوك ؟
من أجل أن تصنع السلام يجب أن تستعد للحرب:
تستحوذ المصلحة اليهودية حيزًا مهمًا في نظرية الألعاب لدى عالم الاقتصاد روبرت أومان فيقول: “من أجل أن تصنع السَّلام يجب أن تستعد للحرب” ويكمل قائلًا: “ليس الرومان وحدهم من قالوا بذلك بل حتى نظرية الألعاب التي حصلت على نوبل بناء على أبحاثي فيها تقول بذلك”, ولا يقف أومان عند ذلك, بل يقول: لطالما أزعجتني كلمة سلام سلام سلام يجب أن نتوقف عن قول تلك الكلمة, هذه الكلمة سوف تقود نحو المزيد من الخسارة بالنسبة لنا وسوف تجلب لنا نتيجة عكسية حيث سينتج بدلًا من ذلك الحرب من ناحية أخرى, فإنَّ العبارة القائلة بأنَّ السلام يصنع مع الأعداء لا مع الأصدقاء هي جملة مبتذلة لذلك أقول وبكل قوة إذا كنا نريد تحقيق السَّلام يجب أن نكون مستعدين للحرب وبالتالي يجب تغيير الحالة الذهنية وأن تكون تلك هي القاعدة لدينا دومًا, أن نكون مستعدين طوال الوقت لتحمل الخسائر وإلحاق الخسائر بالخصوم وليس الصراخ بكلمة نريد السلام فقط إذا كنا مستعدين للقتل والقتال فلن نُقتل, تلك هي مفارقة الحرب.
يطرح أومان مفارقة الابتزاز ويضرب مثال لذلك وهي بسيطة وسهلة الفهم :-
علينا أن نكون على يقين بصواب مواقفنا وبالتَّالي فإنَّ الإيمان الكامل بمطالبنا سينجح في إقناع الخصم المسكين بالنظر إلى هذه المطالب بشكل جدي.
ولنضرب مثال على مفارقة الابتزاز :
لدينا ثلاث أطراف (س) و (ص) و (ع) هذه هي أطراف المفارقة يوضع كل من (س) و (ص) داخل غرفة بها حقيبة تحتوي على مائة ألف دولار يعرض (ع) صاحب الحقيبة العرض التالي على (س) سأعطيك المال الموجود في الحقيبة ولكن بشرط أن تتوصل إلى اتفاق مع (ص) عن طريق التفاوض والتوصل إلى اتفاق حول كيفية توزيعها وفي هذه الحالة يكون لك الحق في المال.
في هذه الحالة يقتنص (س) الفرصة الذهبية التي أتت له ويخاطب (ص) قائلًا: خذ نصف المبلغ وسوف آخذ أنا النصف الآخر وسيحصل كل منا إذًا على خمسين ألف دولار لكن يفاجأ (س) بطلب (ص) إما أن أحصل على تسعين ألف دولار أو نخرج أنا وأنت من الغرفة بدون أي مال. (س) لا يصدق ما يسمع ويسأل ماذا يحدث؟ (ص) لا يفكر إلا في نفسه, لكن (س) قرر التحدث لـ (ص) مرة أخرى نحن نحتاج للمال بشدة دعنا نتقاسم المبلغ بالتساوي ونفوز نحن الاثنين لكن مرة أخرى يصمم (ص) على مطالبة قائلًا: هذا عرضي الأخير. في هذه الحالة يحمر وجه (س) غضبًا إذ كاد ينهال بالضربِ على (ص) لكنه يدرك أنه لا فائدة فيتراجع قابلًا عرض (ص) ويأخذ مبلغ عشرة آلاف دولار ويخرج من الغرفة بنظرة حزينة.
المنطق في هذه العملية المعقدة وهذه النتيجة الغريبة هو أنَّ (ص) فكر بشكل يتسم بالثقة وبهذه الطريقة تمكن من إقناع (س) بالاستسلام للابتزاز من أجل تحقيق أفضل نتيجة ممكنة.
كيف يطبق الخصوم ذلك على الصِّراع بيننا:
في البداية الخصم يحاول إظهار أننا نحاول ابتزازه مع أننا أصحاب الحق, ولكن الطرح هنا لكي نعرف فيما يفكرون. من ناحية ثانية ومن خلال تطبيق أحد أهم النَّظريات على السَّاحة العلمية يعرف الخصم كيف يدير النزاع بالحصول على أكبر قدر من المكاسب أو ربما قد يحصل على التوازن أو النصيب الأكبر إذا ما استمر في اللعب بتلك الاستراتيجية بينما نحن نائمون.
أولًا: الصراع العربي الإسرائيلي من وجهة نظر الخصوم (أو بمعنى أصح تعلم كيف يفكر خصمك حتى تنتصر) :
يذهب الخصوم إلى أنَّ العلاقة بيننا وبينهم تقوم على هذا المبدأ كما يشرحها البروفيسور روبرت أومان بل ويذهب إلى أنه لابدَّ من حل تلك المفارقة بل استخدامها لصالحهم في المستقبل ويضرب مثال على ذلك بمفاوضات الجولان بينهم و بين سوريا, فيقول: “كان السوريون في تلك المفاوضات التي دارت بيننا وبينهم لسنوات مصممين على ألا يتنازلوا عن متر واحد من أرض الجولان لقد فهمنا موقفهم جيدًا ومن ناحية إضافية أصبحت سوريا ترى أن أي مفاوضات في المستقبل يجب أن تنطلق من نقطة الانسحاب من أراضي الجولان لكن تلك الأراضي مهمة لنا ( تذكير المتحدث هو أومان) ونريد أن نحصل على أكبر قدر من المكاسب لذلك يجب إتباع استراتيجية تحقق ذلك من خلال الآتي :
– إذا ما فشل الحل:
وفقًا لنظرية اللعبة يجب علينا أن نمر ببعض التغيرات الإدراكية من أجل تحسين أو كسب المفاوضات بيننا وبين العرب:
أ- الحكمة من وراء ترك الاتفاق:
وجهة النظر لدينا في البداية أننا كنا نرغب في تحقيق الاتفاق مع الدول الإسلامية بأي طريقة لضمان استقرار إسرائيل لكن هذه الاستراتيجية سوف تؤدي إلى مزيدٍ من الخسائر إذا ما عدنا إلى مثال (س) و (ص) فسنجد أنَّ سلوك (س) يرفض مغادرة الغرفة خالي الوفاض وبالتالي فإنَّ ذلك قد قاده في النهاية لقبول أي مبلغ والاستسلام لذلك, وبدل من أن تكون المعادلة س = ص أصبحت نتيجة الاستسلام لمطالب (ص) أن ص > س وبالتالي يربح (ص) ويخسر (س) لأنَّ الخروج بهكذا مكسب إنما هو خسارة كبيرة ولكن يمكننا أن نحصل على أكبر قدر من المكاسب بل أغلب المكاسب إذا ما تركنا المفاوضات وكذلك إذا لجأنا للضغط السياسي؛ لأنَّ قبول تطبيق المثال السابق علينا لهو عار حقيقي لا يمكن قبوله.
ب- النَّظر في الإعادة:
وفقًا لنظرية الألعاب يجب التعامل مع الموقف لمرة واحدة بشكل مختلف تمامًا عن الموقف المتكرر عدة مرات؛ لأنه في اللعبة التي تكرَّر نفسها بمرور الوقت سيخلق ذلك توازن استراتيجي يؤدي بشكل متناقض إلى التعاون بين الأطراف المتعارضة لذلك يجب التفكير جيدًا في تأثير التحركات الحالية على الألعاب المستقبلية مع الخوف من الخسارة كعامل توازن.
وبالعودة إلى مثال (س) (ص) الذي دخل فيه (س) على أنه لعبة لمرة واحدة وبناءً عليه تصرف وفق لذلك لكن إذا كان (س) أخبر (ص) بعدم التخلي عن الجزء الذي يستحقه حتى ولو أدى ذلك لخسارة كاملة لكن قد غير استراتيجية اللعب بمرور الوقت أو خلال المفاوضات على الرغم من أن الاحتمالية تخبرنا أنه من المحتمل أن يغادر (س) الغرفة خالي الوفاض في تلك المفاوضات لكن هناك احتمالية أكبر أنه إذا وجد (ص) أنه في وضع مماثل مع (س) فإنَّ (ص) سيأخذ كلام (س) على محمل الجد وسيتعين عليه حتى لا يخسر هو الآخر التوصل لحل وسط وبنفس الطريقة يتعين علينا النظر بتلك الرؤيا وهو التخلي عن المفاوضات واستمرار الحرب والضغط السياسي من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب بل والنصر الحاسم في المفاوضات.
ج- الإيمان الثابت بموقفك :-
عنصر آخر يولد مفارقة الابتزاز هو الثقة المطلقة لطرف واحد في موقفه الاستراتيجي في حالة (س) و (ص) الثقة الكاملة لدى أحد الطرفين قد تخلق نوعًا من تبرير هذه المواقف وبالتالي الوقوع في براثن الاستسلام غير المنطقي للمطالب لهذا يجب نزع القداسة لدى الغير حول أي قضية في أي مفاوضات وكذلك علينا إقناع أنفسنا بصحة ما نحن عليه من موقف فقط الإيمان الكامل بمطالبنا سينجح في إقناع الغير بما نريد.
مثل كل العلوم لا تدعي نظرية الألعاب أنَّ له دور في القيَم والأخلاق ولكنه تقوم على تحليل استراتيجي لسلوك الأطراف المتعارضة في لعبة مشتركة لذلك قد كتبنا هذا المنشور لنوضح لكم جزء من استراتيجية الخصوم في التعامل والتفكير