Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المدونة

أبوالحسن الندوي .. قبس الهند إلى العالم الإسلامي

رجل ينتسب لشجرة ضاربة في الأصل الشريف، عريقة في العلم، بيته بيت دين وأصل كريم؛ فهم ذرية بعضها من بعض، تقبلهم الله بقبول حسن، وجعل منهم علماء ودعاة حتى أينعت ثمار تلك الشجرة بالشيخ أبي الحسن -رحمه الله-. فهو كريم من كرام، كان والده رجلًا جوادًا يملأ بيته بالعلم والقرآن، واسع المعرفة، عيشه كفافًا، منكبًا على القراءة والتأليف، له مؤلفات بالعربية، والأردية؛ فهو مؤلف كتاب “نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر” في تراجم أعلام المسلمين في الهند، لقب “بابن خلكان الهند”؛ المؤرخ الطبيب السيد عبد الحي الحسني، طبع كتابه باسم “الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام”. أما والدته فكانت من أفاضل النساء، الحافظات للقرآن الكريم.

ولد الإمام أبو الحسن الندوي، في السادس من محرم عام 1333هـــــ، الموافق عام 1914م، بقرية تكية كلان الواقعة قرب مديرية رائي بريلي في الولاية الشمالية أوترابرديش، ولد في بيت تُحكى فيه سير الرجال العظماء، وتتلى فيه سير الصالحين والقدوات. حفظ القرآن الكريم في هذا البيت المبارك على عين أبيه وأمه، ومن بعد التحق بالكتاب، وهنا أسأل سؤالًا: هل نبغ أحد وأصبح من ذوي الشأن إلا وكان من حفظة القرآن الكريم؟ حفظ القرآن فتح للشيخ أبي الحسن منذ صغره من الخير أبوابًا؛ فأتقن العربية وتعلم اللغتين الأوردية والهندية، ولما توفي عنه والده تولت رعايته أمه، وكان القيم عليه أخاه الأكبر الدكتور “عبد العلي الحسني”.

أخوه الأكبر كان له والدًا، وأستاذًا، أحاطه برعايته وصنعه على عينيه، إذ تولى توجيهه وتعليمه، ونشأته نشأة صالحة، فكان يختار له الكتب بنفسه، ويناقشه فيها، فيمد عينيه إلى متعة المطالعة ويرغبه فيها ترغيبًا حسنًا.

وهيأ الله تعالى له مشايخ علماء، جعلوا بينه وبين العربية محبة وشغفًا، بدأ دروس اللغة العربية على الشيخ “خليل بن محمد الأنصاري اليماني” وتخرج عليه في الأدب العربي، ثم على الأستاذ الدكتور “تقي الدين الهلالي المراكشي” عند مقدمه إلى ندوة العلماء، التحق بجامعة لكهنؤ فرع الأدب العربي عام 1927م ولم يتجاوز عمره أربعة عشر عامًا، فكان أصغر طالب في الجامعة، حصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها، كان كثير القراءة، شغوفًا بالمطالعة، جرد كثيرًا من الكتب الرائدة وهذا الذي أهله فيما بعد أن يجمع الفكر والأدب والدعوة، القراءة كانت له خير معين للقيام بواجب الدعوة والإصلاح، كان الرجل صاحب قضية، ويحمل على عاتقه واجب الإصلاح والتغير، يحاول في ظل العقبات الني أحاطت به غير مكسال، باذلًا وسعه لينهض المسلمون من غفلة، وينشطوا بعد سبات ولا سيما في الهند.

التحق بدار العلوم ــــــ ندوة العلماء عام 1929م، وقرأ كتب الحديث الشريف (صحيح البخاري ومسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي)، وتفسير القرآن الكريم خلال إقامته في دار العلوم. عين مدرسًا في دار العلوم ـــــ ندوة العلماء لمادتي التفسير والأدب، ودرس على يد كبار أساتذتها في الشريعة ، واللغة العربية، اطلع على الصحف والمجلات العربية الصادرة في البلاد العربية، وكان لا يألو جهدًا، ولم يغفل عن أحوال المسلمين السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية في شتى بلاد الإسلام. غزير المعرفة، يعي أن المفكر والداعية لا يفصل بين الواقع والعلم، ولا يحدث فجوة بين أحوال عصره باعتزاله الناس، وكأنه يعيش في صومعة جبل، بل عليه أن يكون على وعي بأحوال عصره ومجتمعه.

حمل لواء الإسلام الذي يكرم الإنسانية، وهو الرجل الهندي؛ فكان بحق رائد الأمة في عصره، ومن كبار علمائها وأدبائها ومفكريها، إذ يحيا بقول الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. “وصفه بعض الكتَّاب الإسلاميين بأنه عميد الأدب الإسلامي لكنه كان صاحب مدرسة خاصة في الأدب المعاصر وأدب الطفل، فقد قال له الدكتور تقي الدين الهلالي بعد إحدى محاضراته: “إن لك لأسلوبًا يا أبا الحسن وذلك خير شهادة من أستاذ لتلميذه”(1).

سعى لنهضة المسلمين في الهند، وسد الفراغ العلمي والمعرفي، بتوعية المسلمين، وتنشيط المؤتمرات، والندوات، كان يزور المراكز الدينية في الهند، وأسس مراكز لتحفيظ القرآن الكريم، وحركة رسالة الإنسانية بين الإسلام والهندوس، والمجمع الإسلامي بدار العلوم ــــــ ندوة العلماء في لكهنؤ، شارك في تأسيس هيئة التعليم الديني. عندما قرأت سيرته عرفته رجلًا، دءوبًا، صبورًا، لا ينام ولا تعرف نفسه شيئًا من الراحة.

ومؤلفاته ومحاضراته تشهد له بسعيه وجهوده؛ أول مقال كتبه بالعربية في مجلة المنار للسيد رشيد رضا، وكتبه عن “الإمام السيد أحمد بن عرفان الشهيد”، وكان عمره لا يجاوز أربعة عشر عامًا، نال إعجاب هيئة كبار العلماء، والحق أنه وجد من يشجعه ويمد له بساط الاستمرارية والانتشار؛ فقد أعجب الشيخ رشيد رضا بمقالته في المنار ونشرها له في كتاب مستقل. ثم عمل على سلسلة تأليف للكتب المدرسية بالعربية، وظهر أول كتاب فيها بعنوان “مختارات من أدب العرب” و”قصص النبيين للأطفال”، وقرر جمعها في المقررات الدراسية في بلاد العرب وشبه القارة الهندية، ألف كتابه “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” عام 1945 م الذي عد من أفضل الكتب التي صدرت في قرنه.

دعي أستاذًا زائرًا في كلية الشريعة جامعة دمشق وألقى محاضرات بعنوان “التجديد والمجددون في تاريخ الفكر الإسلامي”، جمعت في كتاب مستقل “رجال الفكر والدعوة في الإسلام” في أربع مجلدات. وكتب “إذا هبت ريح الإيمان”، “دراسة للسيرة النبوية”، وعن المفكر والشاعر الهندي محمد إقبال “روائع إقبال”، “شخصيات وكتب”، و”الصراع بين الإيمان والمادية”، و”الطريق على المادية”، و”العرب والإسلام”، وكتابه “في مسيرة الحياة”، “قصص من التاريخ الإسلامي”، “منهاج الصالحين”، “كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وجزيرة العرب”، وكتابه “الصراع بين الفكرة الإسلامية والغربية في الأقطار الإسلامية”، وكتاب “الأركان الأربعة” و”السيرة النبوية” و”العقيدة والعبادة والسلوك”، “والمرتضى في سيرة الإمام علي”.

شارك في تحرير مجلة “الضياء العربية” الصادرة من دار العلوم ــــ ندوة العلماء، ومجلة “الندوة الأوردية”، وكتب مقالات في الأدب والدعوة والفكر في مجلة “الرسالة” لأحمد حسن الزيات، و”الفتح” لمحب الدين الخطيب والعديد من المجلات الحيوية في الهند، ترجمت معظم مؤلفاته ومقالاته، غير كتاباته باللغة العربية بلغت عناوين مؤلفاته ما بين كتيب أو رسالة ثمانمائة عنوان في التفسير والحديث والفقه والدعوة والتاريخ والنقد والأدب والفكر، وحتى أدب الأطفال.. وترقى في المناصب، ولا زلت الدنيا في يديه لا في قلبه، يتقشف ويزهد، ويجوب الأرض يترك بصمات من الإصلاح وسيرة من فكر النهضة.

وتوفي -رحمه الله- بنوبة قلبية في السادسة والثمانين، صلى عليه العالم الإسلامي صلاة الغائب، وأسف العالم لرحيله.

الهوامش:

  1. أبو الحسن علي الحسيني الندوي الداعية الحكيم والمربي الجليل، محمد اجتباء الندوي، صـ11.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى