
قد يغتر الإنسان بصحته وقوته، وقد يكون المرض آخر ما يساور أفكاره، ثم إذا ابتلاه الله عز وجل بالمرض، واضطره ضعفه إلى لزوم الفراش، فأكثر الظن أن أول ما يفعله هو سخطه على القدر، ورفضه لهذا العارض الذي أعاقه عن مخططاته وملذاته، والمرض من سنن الله وقدره، لا يَسْلم منه بشر، ولا ينجو منه أحد، والحقيقة أن الإنسان العاقل في وسعه أن يستفيد من مرضه وضعفه، فإن لزومه للفراش والراحة المفروضة عليه ستوقظ فكره، وستفتح أمامه آفاقًا جديدة في الحياة، وهي حقًّا فرصة لا تقدر بثمن لتوسيع قواه المعنوية.
إن المرض يبدل الإنسان من جديد، مثله مثل كل حادث مهم من حوادث الحياة -أو هكذا يجب أن يكون- فيدخله في عالم التأمل العميق، وفحص الضمير، ويجعله يعيد النظر في مقاييسه التي يقيس بها القيم، ويعفيه من كل الأفكار والميول التي لا قيمة لها، ويعلمه التواضع، ويلقي النور على مختلف مظاهر ذاتيته العميقة، كما أن الخوف الذي يبعثه المرضُ هو من مزايا المرض وفضائله، فثمة أناس لا يرجعون إلى صوابهم وتقواهم وربهم إلا حين تضيق بهم المسالك وتعسر أمامهم الدروب.
والألم الجسدي -كما علمتنا التجارب- ينمي في صاحبه نوعًا من الإلهام الروحي، والانسجام في الأهداف، والفلسفة في الحياة، والفهم للإنسانية والتسامح، وقد قال بعضهم: “كلما ازداد بنا الألم ازداد لدينا حسن التَّصرف”، وحين يمرض الإنسان يكون خياله أنشط منه في أي وقت مضى، وتزداد قوة التركيز لديه إلى حد كبير، وربما كان السبب في ذلك أن غريزة البقاء لديه قد نشطت، وأزاحت كل شيء لا لزوم له، وتشتد كذلك حاسة البصر والسمع، وتزيد قوة الشعور والحساسية؛ لذلك قد ينزعج المريض أو يبكي أحيانًا دونما سبب.
إن المرض قد يكون منحة ونعمة، وقد يُحدث في حياة الإنسان تطورًا إيجابيًا، لذا يجب على كل عاقل أن يحاول أن يستمد الفائدة منه، وأن يستشعر قبل ذلك كله السعادة والرضى بكل ما كتبه الله وقضاه، وأن ينظر إلى كل مرض أو ألمٍ على أنه نعمة خفية وإرادة ربانية، ومن رَضي بقضاء الله وقدره خَففّ الله مصابه، ومنحه الراحة والطمأنينة، وأذهب عنه الهم والغم، فالرضا باب الإيمان، وجوهر الاطمئنان، ومشكاة الاستقرار.

رائع
أحسن الله إلى كاتب المقال لا أريد أن أذكر شيئاً آخر عن المرض وإنّما سأروي ما كان من تيري براتشيت عندما شخص له الأطباء مرض عصبي تنكسي خطير فأسرع إلى الكتابة حتى يترك لأولاده ما يعيشون منه بعد وفاته فترك إرثاً في الخيال العلمي والفكاهي كبيراً تحت عنوان عالم القرص وأبدع في طرحه ففي الحقيقة عندما يمرض الإنسان يقف على المحك بين عالم الموت وعالم الحياة إمّا أن يعبر إلى هذا العالم أو ذلك لذا يصبح أكثر إنسان مدرك لقيمة الحياة وقيمة الهواء الذي يتنفسه ولقد رأيت أناساً عبث بهم المرض كثيراً فشاهدت ضعفهم وقلة حيلتهم ورغبتهم في العودة إلى طريق الصحة لكن العودة إلى الصحة في بعض الحالات يكون مستحيلاً لربّما تيري براتشيت كان لديه فرصة فتنبه قبل أن يأخذه المرض بعيداً لكن الكثير من المرضى لا يكون لديهم تلك الفرصة لذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما معنى الحديث اغتنم صحتك قبل مرضك فسبحان الله أن جعل ما بين الصحة والمرض أسباب بسيطة ليعلم الإنسان أنّه محفوظ بأمر الله وأنّ الله حافظه ومنجيه حتّى من شر نفسه ففي بعض الحالات قد تُفنى حياة الإنسان بسبب بكتريا صغيرة جداً جداً لا تُرى بالعين المجردة تنتقل إلى الجسم عن طريق ملامسة سطح مثلاً أو استنشاق لهواء ولقد تأملت ذلك وأنا أدرس علم الأحياء الدقيقة وكنت بالصدفة واضعة على أذني سماعة تتلو (( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر )) فأغلقت الكتب حينها وجلست على سرير لساعات أقول والله لو شاء الله أن يهلك قوم نوح لكفاه أن يرسل إليهم فيروساً صغيراً فيبيدهم عن بكرة أبيهم لكن أراد الله أن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ففُتحت يومها كلّ أبواب السماء وتفجر الماء من ضده النار فسبحان الله تنزه الله عن العجز والخطأ والعيب وإنّ المسلم أمره كل خير إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر وحتى الشوكة يشاكها بني آدم يجزى عليه فأي ربّ نعبده سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.