المدونة

الشاب العربي بين العاطفة وخديعة الشعارات

وسط صواريخ تُطلَق وخطاباتٍ تُتبادَل، يظلّ الشاب العربي تائهَ الموقف، بين الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران، وقد عزم بعضهم وحدد موقفاً وسخَّر نفسه جنديًّا لصالح طرفٍ ما. ففي حين تُعدّ إسرائيل عدوًّا للأمة الإسلامية، تمثّل إيران مشروعاً توسّعيًّا شيعيًّا ألحق بالمنطقة العربية السنية ويلات الصراع والدمار، وذاق مراراتها أناس أبرياء، وأطفال، وشباب، ونساء، لا ناقة لهم بهذا الصراع ولا جمل. تُعدّ العاطفة إحدى مشكلات الشاب العربي، التي جعلته رهينةً للصراعات والأزمات التي تمرّ بها الأمة العربية. ورغم كل ما مرّت به الأمة من نكبات، يبقى الجيل العربي جيلاً بلا ذاكرة؛ كأنّ الماضي لم يعلّمه، وكأنّ الحاضر لا يمنحه فرصةً ليتعلّم. تاه بين الحروب والانقسامات، وتقوده عاطفته، وتغيب عنه الحكمة، فتجده فريسةً سهلةً لشعاراتٍ رنّانةٍ تخدعه وتزيّف وعيه.

رفعت إيران شعار المقاومة، فانخدع بها كثيرٌ من الشباب العربي، واستمرّ البعض يهتف باسم إيران ويقدّمها كحاميةٍ لحِمى الإسلام ومقدّساته، ونسِي أنها في الوقت ذاته تنفّذ أجندةً توسّعية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا. وصواريخها ودعمها العسكري أصاب العرب السنّة أكثر بكثير مما أصاب إسرائيل. الدمار والقتل والتشريد الذي خلّفته إيران وأذرعها في المدن والقرى والأرياف العربية لا يُقارَن بما فعلته ضد إسرائيل. فكيف نخدع بشعاراتها؟ وكيف ننحني ونقدّمها كحاميةٍ للمقدّسات الإسلامية، وهي التي قتلت من العرب السنّة عشرات الآلاف ودمّرت بيوتهم فوق رؤوسهم؟ مهما رفعت من شعارات المقاومة، فلا تُغطي هذه الشعارات على الحقيقة، والحقيقة هي أن إيران صنعت مآسي عظيمة لأمّتنا، لم تُصب بها إسرائيل بقدر ما أصابت بها العرب أنفسهم.

إسرائيل هي العدوّ الحقيقي الذي لا يحتاج إلى تصريح، وإيران تتحدث عن المقاومة، لكنها تُغذّي النزاعات والصراعات الطائفية التي مزّقت جسد الأمة العربية والإسلامية. كلا الطرفين يحملان مشروعاً توسّعيًّا في طيّاته الاحتلال والقتل والدمار. وعلى وجه ضرب المثل، لو تمكّنت المقاومة الفلسطينية يوماً من دحر الاحتلال واستعادة حقوقها المسلوبة، لرأينا الوجه الحقيقي لإيران، وعندها لما كان دعمها كما هو اليوم، بل ربما سنشهد سعيها لفتح الحُسينيّات في شوارع وأزقّة غزّة ومدن فلسطين، كما فعلت في العراق ولبنان وسوريا. فلا تدخل مكاناً إلا وتشيّعه وتوسّع أجندتها فيه، وهذا هو وجه إيران الحقيقي الذي لا ينبغي أن نغفل عنه. لقد حاولت بالفعل في وقت سابق أن تفتح حُسينيّة في غزة، لكن المقاومة أفشلت هذه المحاولة في حينها، وبرّرت إيران هذا التصرف بأنه تصرّف فردي لا يمثّل سياستها، لكنّ النوايا كانت واضحة، وكان هدفها اختبار موقف الشارع وردّة فعله.

والأخطر هو تقديم إيران بصورةٍ حسنة على مَسْمَع ومَرْأًى من الجيل العربي الصاعد، جيلٍ سيتأثر بما يُبثّ له اليوم، وستُبنى قناعات في عقولهم يصعب زعزعتها مستقبلاً، وهذه قنبلة موقوتة ستخلف معاناةً للشعوب العربية ومآسي لن تستطيع تخطّيها بسهولة، إن لم يكن الوعي حاضراً في عقل الشاب العربي اليوم. أصبح الكثيرون يُروّجون لفكرة أن إيران هي الحامية للمقدّسات الإسلامية، وهي التي ترفع راية نصرة المظلومين، متأثّرين بخطابٍ إعلامي موجّه، ومدحٍ مستمر يصبّ في تلميع صورة إيران وتقديمها كمنقذ. لكن الحقيقة أن إيران تسعى لإحداث تغيير أيديولوجي عميق في عقل الشاب العربي، لأنه يُسهّل عليها تنفيذ أجنداتها والسيطرة على مزيد من العقول قبل السيطرة على الأرض. لقد باتت إيران اليوم قادرة على التأثير في بعض البلدان العربية، والأخطر من ذلك أنها بدأت تُحكم قبضتها على عقول بعض شباب السنّة في العالم العربي، وهذه المعضلة قد تكون واحدة من أخطر التحديات التي ستواجه العالم العربي في قادم الأيام.

الحكمة تقتضي ألا نُسلّم عقولنا للعاطفة، وألا ننخدع بالشعارات البراقة، وألا نُروّج لأيّ طرف، مهما كان صوته عالياً أو شعاره جذّاباً. تصوير إيران كمنقذ، خاصةً كردّة فعل على مواقف الأنظمة العربية الضعيفة أو المتخاذلة، له تبعات خطيرة، ويُمثّل تهديداً فكرياً للعالم العربي والإسلامي، لأن هذا التأثّر يتوغّل في عقول الأجيال الصاعدة توغّلاً انتقاميًّا، رأى الخذلان والانتكاسة ولا شيء دونهما، عرف المجاعة والخوف والقهر والدماء، وسط خذلانٍ عربيٍّ مخيف، وهذا ما تستغله إيران وأذرعها بتقديم نفسها كحامية للمظلومين. فكم من موالين أصبحوا لإيران ومدافعين عنها بلا علم بحقيقة مشروعها اليوم؟ هذه التأثيرات الظاهرة اليوم ستكون لها عواقب وخيمة في عقول الأجيال القادمة. إيران وأذرعها نجحوا في التلاعب بعقول بعض الشباب العربي، وهذا ما يجعل الأمر أكثر خطورة.

المؤلم: كيف لهذا الجيل أن ينسى أو يتناسى الجحيم الذي ذاقه العالم العربي على يد أسلحة إيران وميليشياتها خلال العقود الماضية؟ فمن لم يأتِ منه خيرٌ في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، كيف يكون الخير على يديه في فلسطين أو في غيرها؟ وهذا لا يعني أن نقف ضد حربها مع إسرائيل، بل يعني ألا ننجرف وراء تزوير الحقائق وتلميع صورة إيران وتضخيمها. كما أن لإسرائيل مشروعاً استيطانيًّا توسّعيًّا، فإن لإيران مشروعاً توسّعيًّا طائفيًّا يتخفّى تحت شعارات المقاومة. لا ينبغي الانجرار وراء الإعلام المُضلِّل لتظن أن معركتك هنا أو هناك؛ معركتك الحقيقية في فلسطين، في بناء أمتك، في محاربة الجهل، في مواجهة الفساد والطغيان. ومن الحكمة أن نفرّق بين الحقيقة والزيف، بين المقاومة الصادقة والمشاريع التوسّعية المُغلّفة بالشعارات. فإسرائيل عدوٌّ واضح، وإيران تحمل مشروعاً خفياً يتسلّل تحت ستار المقاومة. على الشاب العربي أن يعي أن معركة اليوم تتطلب وعياً، ومن يفقد وعيه سيفقد قضيته.

‫3 تعليقات

  1. يسلط المقال الضوء على واقع الشاب العربي الواقع بين العاطفة وخداع الشعارات، محذرًا من الانسياق خلف الخطاب الإعلامي الذي يلمّع صورة إيران تحت شعار المقاومة، رغم دورها التوسّعي والطائفي في المنطقة. ويدعو إلى تعزيز الوعي والتمييز بين الحقيقة والزيف، وعدم تحويل القضايا العادلة إلى أدوات بيد مشاريع خفية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى