المدونة

حقيبة السفر

يُعْنوِن النَّاسُ كتبهم كما يحلو لهم، وتجد فيها من الإغراب والغرابة ما يبهر وما يضحك..
ومرَّت عَنْوَنةُ الكتب بمراحل كثيرة، تطورًا بل وتدهورًا عبر العصور، وحسب الحالة الثقافية والعلمية لكل عصر، وهذا باب يحتاج مَن يكتب فيه، وهو بابٌ شيِّقٌ، وله وقتٌ آخر.
وللعناوين – في الحقيقة – حكايةٌ لا تقلُّ جمالًا عن الكتبِ نفسها؛ فهي أوّل ما يستقبل القارئ، وبوابةُ دخوله، وكم من كتابٍ رُفع بعنوانه، وكم من آخر ظُلِمَ بسوء اختيار صاحبه! وفي تراثنا عناوين تُعدُّ نصوصًا قائمة بذاتها؛ فيها الطرافة، وفيها الجزالة، وفيها ما يدلُّ على علم المؤلف ونُضجه، وفيها ما لا يدلُّ إلا على رغبته في التفرد وإن طال العجب. وهي مرآةٌ خفيّة لذوق العصر، وميزانٌ دقيقٌ لحضور العلم فيه أو غيابه.
حقيبة السَّفر عنوان كتاب لسامي مشوح، وهو يتكلم عن الكتب التي قرأها أثناء السفر، وهي الأغلب عليها، وإن كان بعضها قرأه في الحضر، لكنه خرج – كما يقال – مخرج الغالب.
صديقي الأديب، الحبيب، الموافق هوىً وذوقًا، صالح الفقير أرسل لي رسالةً يسألني عن هذا الكتاب، ولعلمي أنه لا يسأل إلا عن عظيم، ولا يقرأ إلا لمليء، دقائقَ والكتاب في يدي، من مكتبة جرير، وبين عينيه بصورة واتسابية، قلت: ها هو الكتاب، وعليك الرسول وعلينا (الوِدى)، وهو مثلٌ عاميٌّ بيضاني نقوله لمن يسأل عن شيءٍ بعيد.
أسلوب الكاتب يجبرك على المواصلة معه شئت أم أبيت، أسلوب جديد من يوميات قارئ،
وحياة مع الكتب لأكثر من عامين سفرًا وحضرًا، ومذكرات القُراء لها ذوق آخر عند القُراء..
وسبق أن قرأت مذكرات قارئ للأحمري، وهي شيقة، لكنها مسيرة حياة متداخلة بين الكتب، وليست يوميات ككتابنا.
حقيبة السفر التي امتلأت كتبًا، ووثّقت يوميات قارئ، وضع عصارة أيامه الألف من حقيبة سفره، إلى كتاب الحقيبة، فعشنا أيامًا بين حقيبتين.

انطباعاتي عن الكتاب:

1- سرد سلس ورائع.
2- كتب الأدب والروايات لا تكاد تفارق يوميات الحقيبة.
3- أخذ دوستويفسكي الحظ الأكبر من الكتاب، حتى لكأنه قراءة في تراث دوستويفسكي.
4- كتب القراءة والكتابة لها حظ كبير أيضًا.
5- تمنّيت لو أخفى الكاتب تاريخ ميلاده، لأنه صدمني عندما عرفت أنه لم يبلغ الأربعين بعد، مواليد عام 1988م، ولذلك خفَّ عندي التفاعل مع آرائه وانطباعاته، وهو عاملٌ نفسيٌّ لقبول الكبار على عِلاتهم، وهجر الصغار ولو كانوا أكثر منهم معرفة، {قالوا سمعنا فتىً يذكرهم}.
6- ألهمني بطريقته أن أكتب نهاية كل كتابٍ انطباعي عنه، وبه بدأت.
7- الكاتب ذو خلفية دينية متينة، لكن الكتاب خلا من القراءة في كتب الشريعة.
8- يُحفّزك لقراءة بعض الكتب التي قرأها لعرضه لها وتشويقه لقراءتها، بما قيل عنها من عمالقة الأدب العالمي.
9- دوّنتُ بعض الكتب وبعض الفوائد التي ذكرها، وتزيد على 300 فائدة في الكتاب.
10- بعض الأشياء التي أبدى إعجابه بها وانبهاره، هي عادية وأقل من عادية، ولعل السن له دور في الانبهار بما لا يُبهر.
تلك عشرة كاملة،
وهذا بعض ما امتدَّت إليه يدي على عجالة وعيني في حقيبة السفر؛ كتابٌ يمضي بك كما يمضي صاحبه في مطارات العالم، يفتح أمامك صفحات ويغلق أخرى، ويعلّمك أن الكتب رفقاء الدرب مهما امتدَّ الطَّريق أو قصر. ولعلَّ أجمل ما في الحقيبة أنك كلما أغلقت كتابًا، شعرت بيدٍ خفيةٍ تفتح لك آخر، وكأنَّ القراءة سفرٌ لا ينتهي، ومطاراته لا تعرف آخر النداءات.
وإلى حقيبةٍ أخرى، وكتابٍ جديد، وسفرٍ مستجد.

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    دايما يعجبني طرحك لاي موضوع واستمتع باسلوبك في السرد مفرادتك بسيطه سهله وجميله ايضا لديك قدره لايصال الفكره والمغزى من ماتريد الكلام عنه شكرا لك وتقبل مروري
    وفقك الله دايما وابدا
    انا ايضا على عجل من امري فاعذرني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى