نعيش في عصر الأسى والتأسف والندم؛ لا عتاب ولا أسف سينفعنا، ولا دموع أو عويل سيرجعنا. فلا وقت لنصرخ أو نمكث في مستنقعنا، بل فلننهض ونبحث عما ينقذنا.
أيها القارئ، لا بد أنك قد سئمت من تكرار الأحداث والأقوال. لا بد أنك أحيانًا تشعر وكأنك عالق في دوامة لا نهاية لها. قد ينتابك الذُّهول والهذيان من هولِ ما يحدث، لكنك كالغريق في البحر، والتائه في صحراء قاحلة. ألا تتوقف عن البحث عن حلول جاهزة للنجاة؟ ألا تغوص في أعماق نفسك؟
الكلام الذي تقرأه الآن ربما قد قرأته مئات المرات. لو أنكَ فقط تفكِّر، لوجدت ذلك حقًّا. لو كنت قارئًا فطنًا، لوجدت أنَّ الأفكار ذاتها تتكرر بأساليب مختلفة. ولا ضير في ذلك، فقلم الكاتب كبصمته؛ هل رأيت بصمةً لشخصين تتطابق؟
إنني بكل ود أُسطّر لك هذا المقال، وأعلم جيدًا أنك قد لا تجني منه شيئًا سوى ضياع الوقت، مثلي عندما أكتبه. قبل القراءة، أنصحك: إن كان لديك عملٌ مهم، فمن الأفضل أن تذهب وألا تكمل قراءة هذه الأسطر المهترئة، كأوراق تُركت على رفوف منزل شارف على الانهيار في قرية مهجورة. كلمات واهنة كخيوط العنكبوت، فلن تستفيد منها سوى الخيبة. اذهب، ويكفيك الوقت القليل الذي أضعته الآن. إنك تقرأ بسرعة، لا تفكر، إذن أنت لا تصبر! كيف أنسب الدقائق لمن لا يكرّس ذهنه لتأمّل دقيقة؟! أنت لست قادرًا على فهم شيء طالما أنك لا تتمعّن وتفكر!
إن الوقت أثمن من الذهب؛ إن فات لا يعود ولا يُعوَّض. وطبيعتنا نحن البشر دائمًا ما نُخطئ في التعامل مع الفرص التي يتيحها الوقت لتصحيح أخطائنا. وبما أنك واصلت القراءة إلى هنا، فهيا معًا لإضاعة المزيد من الوقت!
ما رأيك أن آخذك في نزهة نكتشف فيها خوارزمية النمل الأحمر؟ بدلاً من المكوث داخل المنزل أمام التلفاز، لنذهب بعيدًا عن صخب النشرات الإخبارية والجوية والعائلية. في نزهتنا، سنحتاج إلى صندوق صغير فارغ، وقطعتين من السكر، وقبعتين من الخيزران فقط، ثم عقلاً خاليًا. قد تتساءل عن غرابة ما أقول، وربما تظنني غريب الأطوار وتقول: ألا تُريد متابعة الأخبار لتعلم ماذا حدث وماذا يحدث وما المتوقع حدوثه؟ ألا تود أن تفهم ماذا يجول في هذا العالم، وإلى أين وصلنا ومن نحن فيه؟
لا أود معرفة ذلك البتة. فإلى متى سنظل في ضلالنا القديم، مخدوعين بتمتمات مزخرفة وأقوال مزيفة؟! لا تفهم حقيقة الشريعة، تنكر في القرآن ما يخالفها، وتأخذ ما يناسبها. لن أكون كالمتفرج في قاعة المسرح؛ الجميع يلعب دوره وأنا هناك فقط لأصفق. عوضًا عن ذلك، اخترت أن أذهب بك في نزهة نكتشف فيها معًا كيف تعمل خوارزمية النمل الأحمر.
هل تظن أن النشرات الإخبارية حقًا تخبرنا عما يحدث في العالم؟ إنها تُغطّي الخبر الحقيقي، تزيفه، تبدله، تزركشه، ثم تنشره باسم الخبر، وما هي إلا تستر الخبر.
نحن نعرف الحروب الظاهرة، لكن القلة تدركها. تُلهينا النشرات عن معرفة الحقائق وعن البحث عن أسبابها وحلولها. نمكث قابعين نعد الأيام المأساوية: كم صاروخًا أُطلق؟ كم طائرة حلقت؟ كم امرأة لقيت حتفها؟ كم طفلاً وكم شيخًا تلاشت أجسادهم؟ حتى أننا أصبحنا نرى ما يحدث بعين ناعسة وقلب متحجر.
أفلام الرعب ومسلسلات الجاسوسية وحلقات الدولة العثمانية المزيفة أحرزت نجاحًا باهرًا، ونحن ما زلنا نصفق لفشلنا وتأخرنا ودماء إخوتنا!
هناك دائمًا فتحة في أي مكان مغلق، نرى منها الضوء إذا حاولنا التفكير في مكان وجودها وحلًا للوصول إليها، على أن نكتشفها بمفردنا، دون اللجوء إلى وسائل الكذب والدجل.
تخيل أنك في العصر القديم، حين لم يكن للتلفاز أو الهاتف وجود. المدهش أن الجميع آنذاك كان على دراية تامة بمعنى الحروب. كان العدو شيئًا خفيًا لكنه معلوم. أما الآن، فقد تطور الجهل، وتحدثت وسائل سفك الدماء وإزهاق الأرواح، لكن الوقت لم ينتهِ بعد. ما زالت الفرص أمامنا لنفكر. ما الذي يجعل المرء يشعر بأنه مقيد رغم عدم وجود قيود؟ ما الذي يجعله واقفًا في ذهول بينما كل شيء حوله يتحرك؟ تُری ما نوع السُم الذي دُسَّ في العسل ولَعِقهُ العرب؟ ذاك السُّم الذي لا يُميت الأجساد، بل يفني الأفئدة ويوقف العقول عن التفكير، ويُحطم السُّلطة، ويُحاول طمس التاريخ، ونُكران الفتوحات، وانتشار الإسلام ومجد العرب.
أظنُّ أنَّ العلاج لهذا السُّم هو القُرآن الكريم، فيه شفاء لما في الصدور. التجئ إلى القُرآن بدلًا من النشرات الإخبارية، تلك التي تُكرر مشاهدها لتوهمنا أن الأمور ستُصبح على ما يُرام طالما نقترب من الاعتياد.
ونحنُ في نُزهتنا، هل سألت نفسك عن تلك الخوارزمية التي تُساعد النمل الأحمر على التكاثر والانتشار الواسع؟ سنعتمد هنا على قدرتنا العقلية والتفكير، بلا ذكاء اصطناعي ولا إنترنت معنا الآن، لا شيء يصدر صوتًا سوى الذهن. ثمَّ، بالتجرِبة العملية، سنحصل على الجواب في وقتٍ أقصر. ضع الصندوق وضع بداخله حبيبات السُّكر، أغلق الصندوق وتعالَ نشرب القهوة. بعد مضي ساعة، تعالَ لننظر ماذا يوجد داخل الصندوق. لا تسأل عن هذه الأعداد الهائلة من النمل المُتجمّع على حبيبات السُكر. إنك إن كشفت الغطاء، لن يبقى النمل وحده من يتكاثر ويستوطن هذا الصندوق؛ سيأتي الذباب أيضًا ليحاول أن يسلبه خوارزميته الثمينة.
النفيس من الوقت مضى وأنتَ لا تفهم شيئًا. تُحاول التحليل، لكنك عاجز. إن هذا نتيجة تبلّد ذهنك المُعتاد على السؤال والحصول على المعلومات. لكن لا تقلق، كما ألفتَ مشاهدة الأحداث البشعة بالتَّكرار، وألفتَ اللجوء إلى السؤال، بالتَّكرار أيضًا ستعود إلى طبيعتك وتعتاد التفكير. فكّر، ثم فكّر، ثم أعد التفكير فيما يحدث في الصندوق، ففي أعماقك تكمن إجابات لكثير من الأسئلة، فقط امنح نفسك الفرصة لاستكشافها.
كُفَّ أيها القارئ عن كونك كالمحقِّق. ما زلتَ تقرأ بسرعة! هل تظن أنَّ المُحقِّق يحصل على المعلومات الدقيقة وهو على عجلة؟ أم تظن أنه سيفهم اللعبة في يومٍ واحد؟
تُريد أن تفهم، ولكنك لا تُساعد نفسك. لو أنك تتمهل قليلًا، تأخذ نفسًا عميقًا، ثم تُقرّر أن تترك التلفاز، بل وكل المُلهيات، وأي شيء عدا القُرآن… عش ولو يومًا واحدًا مع القُرآن فقط، تاركًا خلفك كلَّ شيء. ابحث فيه عن حلول، وتمعَّن النظر في الآيات. ابدأ بسورة السبع المثاني، واسأل الله الهداية، ثم رتِّل الزهراوين. تبدأ القصة من هنا، حيث ستجد توضيحًا لمُعضلات خلفت كلَّ هذه الصراعات، ووسائل لا نهاية لها تقود إلى إيجاد علاج السُّم، وفهم الواقع ونفسيات البشر.
ستجد الله يُخبرنا عن الأصناف الثلاثة من البشر في بداية سورة البقرة. ثم اسأل نفسك: ضمن أي صنف أنت؟ هل أنت مع الذين قالوا: سمعنا وأطعنا؟ أم من الذين قالوا: سمعنا وعصينا؟ أم أنك بينهما؟ وما أقبح أن تكون لستَ بهذا ولا ذاك! ما أقبح النفاق!
أيها القارئ المثقف،
على الأقل، كن أنتَ من بين الكثيرين مِمَّن يبحثون عن الحلول، ويتخذون القُرآن رفيقًا يُنجيهم من هذا الظلام. لا تكن كالسائر في طريقٍ معتم، أو مِمَّن يسلك نهج من سبقوه دون تفكير. كن قائدًا لنفسك، واجعل نور الله في قلبك. اجعل آياته سبحانه مصابيحك، وابحث عن الحقيقة بنفسك.
تذكر أنَّ القوة الحقيقية تكمن في العقل، وأنَّ المعرفة هي مفتاح التغيير. فاستغلَّ كل لحظة في حياتك قبل فوات الأوان!