كلما جاء موسم من مواسم الطاعة التي ينبغي الاجتهاد فيها، والتعرض لنفحات الرحمة الإلهية في أيامها المعدودة، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي رسائل تتنوع في أساليبها وتتفق في المضمون والغاية..
جاءتني قبل قليل رسالة على الواتس من أحدهم، وهذا نصها:
((لا تبحثوا عن ليلة القدر .. بين أعمدة المساجد فحسب .. إبحثوا عنها في رضا أب وأم وأخ وأخت .. في صلة رحم وإطعام مسكين وكسوة عاري وتأمين خائف ورفع مظلوميه وكفالة يتيم ومساعدة مريض وتفريج كربة .. إبحثوا عنها في ضمائركم قبل مساجدكم)).
ويستغرب المرء من هذه الرسالة وأشباهها وما تحمله من إيحاءات متكررة لا هدف لها سوى تقرير حالة مفتعلة من الفصام بين أداء العبادات المسنونة في الأوقات الفاضلة وبين فعل الخير الاجتماعي!
ويبدو أننا أمام فكر مخاتل لا هدف له سوى تزهيد الناس فيما يقربهم إلى الله عبر مسلك ماكر يختلق تناقضا لا وجود له بين العبادات المشروعة وأعمال الخير المرغب فيها. ويكفي في بيان زيف هذا المسلك أنه يناقض مسلك القرآن الذي يربط بين الأمرين كما في قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ {المدثر : 43- 44}.
إن العبادات حين تؤدى على وجهها المشروع تزيد في إيمان العبد، والإيمان إذا خالطت بشاسته القلوب أثمر ذلك برا وإحسانا ورحمة بالمخلوقين، وإذا جفت معاني الإيمان في النفس جف منها الخير وربما انقطع، قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ {الماعون: 1-7}
فالحذر الحذر من هذا الجهل المنمق، والهوى المستتر بعبارات ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب. والله المستعان.