المدونة

صبغة الله في التمدُّد الإسلامي

يحِقُّ لِمنْ لم يعرفِ الإسلامَ قلبُه أن يتململَ ويقلقَ من امتداده في أرجاء الأرض .. حكوماتٍ وأفرادًا تطالهم معاناةُ ذلك الرُّهابِ بوصفهم علمانيين، أو ملحدين، أو مختبئين بغطاء الدين وأرواحهم معلَّقة بمنافع الدنيا، تدور معها أنَّى دارت.

أتحدّث هنا عن مشهدٍ محيِّرٍ للمراقب البعيد، والعدوّ المتربّص، وابن الجِلدة ذي التطلعات الخائنة.

كيف لا يرهبون ذلك المحرّك الجبار الذي يقود القلوب من ظاهر الحياة إلى الحياة، ويُرى أثرُهُ لكلّ ذي بصيرة في كلّ دقائق التفصيلات مُوحِّدًا وجامعًا ومحرِّكًا وقائدًا..

(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً)

أردتُ أن أكتبَ (ومَن أقوى)، أو (ومَن أعلى) منَ الله صبغة؛ لكنّي تأملتُ الحُسن، فوجدتُه متبوعًا أبدًا  بقلوب المحبين وأبصار الحاقدين على السواء.

إنّ في الحسن قوةً تعذّبُ وترحَم .. وتَقضُّ مضجعَ العدوِّ قبل الحبيب..

فكيف السبيل إلى محاربة الحُسن، وقد طُبعت القلوب على معرفته وحبه والتعلق به؟!

أفهم جيدّا تلك التصريحات التي يبثها مسؤول هنا أو متطرف هناك عن ظهور “التمدُّد الإسلامي” في الحياة العامة، وأرى ذلك التخوّفَ مبرَّرًا، فهو مدٌّ يزحفُ عبر مسام الجلد إلى ثقوب النفس السوداء؛ فيبتلعها وقد ابتلعت هي كلَّ شيء قبل ذلك .. يحدث ذلك بلطفٍ شديدٍ قد لايَعيهِ صاحبُه لشدّة بُطئه، أو لسرعته التي تخطف الأبصار.

تلك “صِبْغَةُ اللَّهِ” التي تُلوّن الدنيا، وتُنير الدنيا، وتُعدّل ميزان الدنيا.

فما الذي يمكن أن يحصل إن تحققتْ تلك التوجُّسات يومًا؟ وعمَّت “صِبْغَةُ اللَّهِ” قلوبًا اغتربت عنها لزمن بعيد؟

لا يسعني تخيُّلُ ذلك الآن، ولا جزء منه على المدى القريب .. فتلك (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا).

فمُتْ كَمَدًا أيُّها الواقف في وجه  بذرة الإيمان، وتَفقَّد الأرض مِن تحتك؛ فقد تصدَّعتْ وأوشكت تبتلعُك، ضِيقًا بك ومقتًا لك ولأمثالك .. وجِدْ لك شعاراتٍ أخرى تُبرِّر بها أحقادك، وتُجمّل ما شاه من وجهك.

لقد اتَّضحتْ بجلاءٍ ملامحُ الحُريَّة التي تدَّعيها وتنعق بها في كل نادٍ؛ تلك الحرية التي لا تعارِض لك مصلحةً دنيويَّةً ماديَّةً، ولا تحرِّكُ مياهًا راكدةً من حولك، بل تنشغل بنفسها عن مستقبل نفسها، وتحترق بنارها الذاتية، ولا تمتدُّ إلى وعي فتوقظه، ولا تتراكم صعودًا نحو سماء الحق.

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

يعيش المرء بين المربعات الأربعة في الحياة وما بعد الحياة؛ فخاسر خاسر، أو خاسر فائز، أو فائز خاسر، أو فائز فائز.

ويبقى وجود “صِبْغَةِ اللَّهِ” أكبر مُؤرِّقٍ لنُفوس أصحاب الخسارة في الآخرة، يعيشون خسارتَه في الدنيا، ولو تنعَّمُوا وسادُوا وتمادَوا.

(أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى