المدونة

على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!

ذكريات ومواقف

رحم الله شيخنا المربِّي الناصح والداعية الصَّالح سارية بن عبد الكريم الرفاعي.

حين نعاه الناعي تمثَّل لي قولُ الحقِّ سبحانه في وصف رسولنا محمَّد صلى الله عليه وسلم وحواريِّيه من الصَّحابة الربَّانيين المؤمنين: {أشدَّاءُ على الكفَّار رُحَماءُ بينَهُم}. وقولُه سبحانه في وصف قومٍ يحبُّهم ويحبُّونه: {أذلَّةٍ على المؤمنينَ أعزَّةٍ على الكافرين، يُجاهِدونَ في سبيل الله ولا يخافون لومةَ لائم}.

وهكذا كان شيخُنا أبو ياسر حقًّا، أحسَبُه كذلك ولا أزكِّيه.

كان هيِّنًا ليِّنًا كريمًا سَمحًا مع أبنائه وطلَّابه وأحبابه، والعامَّة من أهل بلده، وعموم المسلمين. على حين كان أسدًا هَصورًا في وجه الاستبداد والطُّغيان، جَبَهَ أهلَ الباطل بكلمة الحقِّ، وتصدَّى لإجرام المجرمين منهم بجَسارة وصلابة، غيرَ مبالٍ ببطشهم ولا هيَّاب لتهديدهم!

بل كان أبًا رحيمًا شفيقًا لجميع الأحرار على اختلاف انتماءاتهم وأعراقهم وطوائفهم. وما موقفُه في ثورتنا السورية عنكم ببعيد، حين سعى حثيثًا في تحرير المعتقَلين والمعتقَلات من الفنَّانين والممثِّلين، المسلمين منهم وغير المسلمين، كما سعى جادًّا في إطلاق سَراح الشباب من أبناء المساجد ومن الدُّعاة وطلَّاب العلم. لأنه حمل على عاتقه رفعَ الظلم عن كاهل كلِّ مظلوم من أبناء بلدنا دون تمييز ولا تفريق، وهذا الصَّنيع لا يصدُر إلا عن رجُل أُمَّة، ورجل مواقف.

وأحسَب الشيخَ من الرجال الذين صَدَقوا ما عاهَدوا الله عليه؛ استقامةً وصدقًا وإخلاصًا. وقد ملكَ قلوبَ عارفيه بحِلمه وحِكمته وسلامة صدره، ولطف مَعشَره، ورقَّة طبعه. وشهدتُّ له مواقفَ تُنبئ عن شجاعة وجُرأة، ورجاحة عقل، وإيثار للمصلحة العامَّة على مصلحته الخاصَّة.

1 على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!
الشيخ سارية الرفاعي في داره بإستانبول ومعه كاتب المقالة أيمن ذو الغنى بتاريخ 10/ 10/ 2019

مواقف مع شيخنا سارية

● من خلائق شيخنا الجليلة الجليَّة حرصُه على سلامة طلَّابه ورحمتُه بهم، ولو كان ثمنَ ذلك تضحيتُه بنفسه وأسرته وأولاده.

في أحد احتفالات تخريج الحُفَّاظ وتكريم المتفوِّقين في جامعاتهم من الطلَّاب بجامع زيد، عام 1999، اختِيرَ أخي الحبيب الأريب زميل الجامعة ورفيق المسجد عبد الرحمن الحرش ليكون عَريفًا للحفل، وهو الشابُّ الحافظ النابه الألمعي، والخطيب المُبِين المبشِّر بمستقبل واعد (وهو اليومَ باحث وأستاذ جامعي). وقد أعدَّ العُدَّة للأمر، وهيَّأ كلمة مُحكمَة لتقديم الحُفَّاظ، وقضَيتُ معه سُويعةً في مراجعة بعض فِقراتها، وما ضمَّنها من أشعار.

ثم فوجئنا قُبَيل الحفل بنصف ساعة فقط بشيخنا سارية يدخل علينا، ويقرِّر أن يتولَّى ابنُه الأخ الحبيب عمَّار الرفاعي عِرافةَ الحفل بدلَ عبد الرحمن! وكان وَقْعُ القرار علينا كطَودٍ هوى فوق رؤوسنا! واستأتُ حقًّا وكثيرٌ من إخواني لهذا القرار، وشعَرنا أن الشيخ جامل ولدَه عمَّارًا ولم يُبالِ بمشاعر أخينا عبد الرحمن! وكثُرت الهَمهَمة والغَمغَمة بين الإخوة والطلَّاب، في استنكار ما كان، دون أن نعرفَ سببًا وجيهًا له!

وبعد أسبوع كنَّا جلوسًا مع الشيخ في غُرفته التي كانت مهوًى لأفئدتنا، وحين خرج أكثرُ مَن فيها سوى شيخنا أسامة العاشق عليه رحمات الله، وقليلٍ من الإخوة الكرام، اهتَبَلتُ الفرصةَ وتجاسَرتُ مستنكرًا (بأدب جمٍّ) على الشيخ فعلَه في حفل المسجد!

فأطرق الشيخ هُنَيهة، وكأني به كان متردِّدًا في الجواب، ثم قال: يا شيخ أيمن (وهكذا كان ينادي طلَّابه جميعًا)، لو تعلم سببَ فعلي! لقد دخل عليَّ قُبيل الحفل عناصرُ من الأمن وطلبوا مني أسماء المدرِّسين في حلَقات المسجد والمشرفين على العمل الدعوي فيه. فقلت لهم: القائمون على الدعوة والتدريس والنشاط في المسجد هم أنا وأولادي في قسم الذكور، وزوجتي في قسم الإناث، ولا يشرفُ على المسجد سِوانا.

ثم رأيت أن من الأفضل جعلَ ولدي عمَّارًا عَريفًا للحفل تلك الليلة، حرصًا على سلامة ابننا عبد الرحمن. وكم شعَرتُ بتأنيب الضَّمير حين بيَّن الشيخ السبب! لقد كان حريصًا علينا وعلى سلامتنا أكثرَ من حِرصه على أبنائه وأفراد أسرته، وهم قِطَعٌ من روحه. فتأمَّل!

2 على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!
3 على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!

الشيخ سارية الرفاعي في شبابه وشيخوخته

أوسعَ ربي له من رحمته، وجلَّله بعفوه ومغفرته.

● ومن المواقف الدالَّة على حِكمته في التعامل مع أجهزة الأمن: في ليلة السابع والعشرين من رمضان عام 1420هـ (مطلع عام 2000م)، أحيَينا الليلة في جامع زيد، من بعد صلاة التراويح إلى صلاة الفجر، وكانت ليلةً مباركة مشهودة، امتلأت جنَباتُ المسجد بالمصلِّين والمتبتِّلين والذَّاكرين، ولم يبقَ فيه موضعُ قدمٍ لإنسان. واستُضيفَ شيخُنا عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله في أوائل تلك الليلة فألقى كلمةً طيبة مباركة، شنَّف بها الآذانَ بسرد أحاديثَ نبويةٍ إيمانية شريفة حلَّقَت بنا عاليًا.

ثم بعد صلاة الفجر وقد مضى جُلُّ الناس، دخل شيخنا سارية غُرفتَه ليرتاح قليلًا، ودخل معه بعضُ الأساتذة والمحبِّين، ودخلتُ فيمن دخل. وإذا بعنصرين من الأمن يحضُران ويُقبلان على الشيخ بالسؤال عن أخبار الإحياء والحضور (لأجل كتابة التقرير).

فأجابهم الشيخ بأسلوبه الهادئ اللطيف، وبابتسامةٍ عذبة كصَفاء النسيم: أبشِّركم كان الإحياء موفَّقًا، غَشِيَنا فيه الخشوع، وامتلأ المسجد بالمصلِّين المُقبلين على الله، وأسأله سبحانه للجميع القَبول… والله اشتهيناكم معنا، والله اشتهيناكم معنا. وأنتم أين أحييتم الليلة؟

ارتبكَ العنصران من سؤاله غيرِ المتوقَّع! وأجاب أحدُهما مُتلعثمًا: أحيينا الليلةَ في مسجد آخرَ.

فقال الشيخ: ربي يتقبَّل منَّا ومنكم، ربي يتقبَّل منَّا ومنكم.

ثم سلَّم الرجلان ومضَيا، وقد خرجا بوجهٍ غير الوجه الذي دخَلا به، وكأني بهما كانا يطمَعان بأمر، رجَعا دون أن ينالا منه شيئًا!

● وفي مرَّة أُخرى أتى إلى الشيخ عنصرُ أمن، ودنا منه يهمِسُ في أذنه بأمر، وإذا بالشيخ ينتفض غضبًا ويصرخ في وجهه: أنت مجنون؟! أنت مجنون؟! ماذا تريد الناس أن يقولوا عنَّا وعنكم؟! المخابرات شغَّلت المشايخ مُخبِرين على المصلِّين؟! كيف تطلب هذا الطلب؟! أكيد معلِّمك لا درايةَ له بهذا، فلا يطلبُ هذا رجلٌ عاقل!

وانقلب حالُ الرجل واضطرب، وتمنَّى لو أن الأرض بلعَته، وقام يعتذر، ومضى في سبيله على عجَل.

وأخبرنا الشيخُ بعد خروجه، أنه طلب إليه أسماءَ المصلِّين الملتزمين بالصلوات في المسجد! فردَّ عليه بما رأينا وسمعنا من عُنف وحدَّة، اقتضاهما المقام.

جعل ربي دفعَه عن المسلمين، وذبَّه عن المصلِّين في صحيفته يوم الجزاء.

● ومَن عرَف الشيخ واتصل به بسبب، علم أنه كان يمشي في حوائج الناس من يعرِفُ منهم ومن لا يعرِف، ولا يكاد يردُّ طلبَ طالب، ولا يقول (لا) لأحد، حتى ليَصِحُّ فيه قولُ الفرزدق في زين العابدين عليِّ بن الحسين:

ما قالَ لا قطُّ إلا في تشَهُّدِه

لولا التشَهُّدُ كانت لاؤه نعَمُ

في أوائل عام 2001 جاءني عَقدٌ للعمل في الرياض، وحين أردتُّ إنجاز الأوراق أبَتْ شُعبة التجنيد منحي وثيقةَ الموافقة على السفر، وطلبَتْني للالتحاق بالخدمة العسكرية. وأصابني من ذلك همٌّ وغمٌّ!

فدخلت على شيخنا سارية غُرفتَه في جامع زيد صُحبةَ أخي الحبيب عبد الرحمن الحرش، وأخبرته بحالي، فأبدى اهتمامًا كبيرًا، واستفسر عن التفاصيل، ثم هدَّأ من رَوْعي، وأعطاني رَقْمَ شخص له صلةٌ بمديرية التجنيد، وطلب إليَّ الاتصالَ به وإخبارَه أنني من طرف الشيخ، وأكَّد لي أنه سيُساعدني. وقد سررت كثيرًا بحَدَبِه وصدق لهجته.

وحين عدتُّ إلى البيت وجدتُّ سيدي الوالد عليه رحمات الله قد مضى إلى مديرية التجنيد، وأصرَّ على مقابلة اللواء مدير التجنيد، ولم يَمضِ من عنده إلا والموافقةُ بيده، لم يقبل حتى أن يُرسلوها إلى الشُّعبة بالبريد النظامي، جزاه الله عني خيرَ الجزاء.

وفي اليوم التالي أخبَرتُ أخي عبدَ الرحمن بما كان. فقال لي: ليتك إذن لم تكلِّم شيخَنا سارية بالأمر.

فقلت له: لا على العكس! صحيح لم يُنجَز الأمر على يدِه، ولكن حسبي ما رأيتُ من لهفته ومحبَّته، وبِرِّه بأبنائه وطلَّابه، وصدق رغبته في كشف الغُمَّة عني، وإنجاح مَقصِدي وتحقيق مطلَبي. وقد فاز بثواب نيَّته، وقيَّدَ نفسي في ذَراه محبَّةً (ومن وجَدَ الإحسانَ قيدًا تقَيَّدا).

وحين أخبرت شيخنا بحصولي على الموافقة بسعي والدي الفاضل، أشرق وجهه رضًا وبهجة.

نفَّس الله عنه كُرَبَ يوم الحساب، بما نوى من تنفيس كُربَتي.

● وشرَّفني الشيخ رحمه الله بتكليفي مراجعةَ تفسيره الذي كان يُعدُّه ويلقيه في دروس يوم الثلاثاء، وقد جمَّع مادَّته من العُكوف على أُمَّات كتب التفسير، ثم صاغها وِفاقَ منهج جديد اختطَّه. ورغب إليَّ في مراجعته وتصحيحه، وأطلقَ يدي في إبداء ما لديَّ من ملحوظات، على أن يكون عملًا مأجورًا. بيدَ أن ظروف التحضير للسفر لم تُسعِفني في المُضِيِّ قدُمًا في مراجعة التفسير، فلم أتجاوز الملزمةَ الأولى منه فيما أذكر. واعتذَرتُ إلى الشيخ وطلبت إعفائي من المراجعة فوافقَ مشكورًا بأريحيَّة تامَّة.

وحين زُرته في بيته مع شباب حَلْقَتي، وآخرين من حَلْقة الأستاذ أبي النور عدنان مغربي، وحَلْقة الشيخ هيثم إدلبي، لوداعه قُبَيل سفري إلى الرياض= استمهلَني قليلًا بعد خروج الإخوة، وقدَّم لي مبلغًا من المال قائلًا: هذه مكافأة يسيرة عن عملك في التفسير. رفَضتُ المبلغ، وقلت له: لم أُنجِز من العمل ما أستحقُّ عليه أيَّ مكافأة. ولكنَّه أصرَّ بحزم على أخذي المبلغ، وإذا به مبلغٌ كبير يبلغ أضعافَ ما ينبغي أن أناله فيما لو أتمَمتُ العمل في مراجعة التفسير كلِّه!

شكر الله له فضله وجزاه عني خير الجزاء.

لامُوهُ في بَذلهِ الأموالَ قلتُ لَهُم

هل تَقدِرُ السُّحْبُ ألَّا تُرسِلَ المَطَرا

● وإن أنْسَ لا أنْسَ ليلةً من ليالي صيف عام 2000، كنت أتجاذَبُ فيها الحديثَ مع أخي الحبيب عبد الرحمن الحرش عند الباب الجنوبيِّ لجامع زيد. فإذا بالشيخ يخرُج عقب درسٍ له امتدَّ زمنًا بعد العِشاء، وأَماراتُ الإعياء باديةٌ على مُحَيَّاه. ولمَّا رآنا لقِيَنا كالعهد به مع طلَّابه وأحبابه، بالبِشْر والتَّرحاب.

فاجترَأنا على المُضِيِّ معه في الحديث؛ نسأله ونحاوره في موضوعاتٍ شتَّى، وهو يجيب عن أسئلتنا ويُشبِع نَهْمتَنا بلا كَلال. حتى لاحظنا أننا أطَلنا وأكثَرنا، وأنصَبنا وأتعَبنا!

فقلت له: معذرةً شيخنا، لعلَّنا أتعبناك!

فأجاب: لا أبدًا، ولولا أن لديَّ درسًا بعد الفجر لبقيت معكم إلى السَّحَر.

قلت له: سبحان الله، ولديكم درسٌ بعد الفجر وقد تأخَّر الوقت جدًّا؟!

فقال لي كلمةً لا أنساها: يا شيخ أيمن، لا تعَب مع الحبِّ!

وكان الشيخ في سلوكه ودأَبه وعلوِّ همَّته خيرَ مصدِّقٍ لهذه العبارة.

ومن كلماته المأثورة التي طالما سمعناها منه:

لا ينبغي لطالب العلم التغيُّبُ عن درسه، وليس له من عُذرٍ يُقبَل إلا أحد عُذرَين: السفر أو الموت. حتى المرضُ ليس بعُذر، وهل غيرُ مجالس العلم مَصَحٌّ للاستشفاء؟!

اللهم اجز عنَّا شيخنا الحبيب سارية خيرَ ما جزَيتَ معلِّمًا عن طلَّابه، ومربِّيًا عن أبنائه. وكلَّ من علَّمنا حرفًا أو نصحَنا بكلمة أو أرشدَنا إلى خير.

● وأرى ألا أختُمَ دون التعريج على موقفه الشُّجاع مع اندلاع الثورة السورية على نظام الاستبداد الأسدي، وقد حدَّثني حديثًا طويلًا عمَّا جرى له من أحداث، في زيارتي له في داره بإستانبول صيف عام 2013. وإخاله دوَّن تلك الأخبار وأسهبَ بها، في كتابه (مذكِّرات في زمن الثورة) ولمَّا تُتَح لي مطالعتُه.

بذلَ النظام الغاشِم وُكدَه في محاولة استمالته، ولكنَّه أبى إلا الصَّدعَ بكلمة الحقِّ، والجهر بنُصرة الأحرار الشُّرفاء في مُظاهراتهم السِّلمية. وكلَّمه رجلُ الاستخبارات اللواء آصف شوكت صهر بشار الأسد مرَّات، محاولًا ثَنْيَه عن موقفه، فما لانَ له، ولا قبِلَ منه!

قال له آصف: جاء دوركم معشرَ المشايخ لإيقاف القتل.

فأجابه بجُرأة: بل أنتم وحدَكم من ينبغي أن يوقفَ القتل، لأن أجهزتكم ورجالكم هم من يقتلون الأبرياء من المدنيين الشرفاء.

قال آصف مُستنكرًا: أُراكَ تتابع قناة الجزيرة وتستقي منها معلوماتك!

فأجابه: لا أتابع قناةَ الجزيرة ولا التلفزيون السوري، ولكنِّي أستقي معلوماتي من أنين أبناء بلدي، ومن صرَخات جيراني وأهلي، ومن دماء إخوتي وأولادي.. من الشارع والسُّوق والمسجد..

ولمَّا أخفق آصف وغيرُه من المسؤولين، أرسلوا إليه عديلَه الشيخ حسام الدين فرفور يحاول معه!

قال له فرفور: يا شيخ سارية، ما لَكَ وللخوض في معارضة النظام؟ ليس مطلوبًا منك سوى الصَّمت، وأنا كفيلٌ ألا يقتربَ أحدٌ بسوء من أسرتك ومسجدك وطلَّابك!

فأجابه الشيخ مُعترضًا: وأيُّ خيرٌ لي أن أكونَ في سلامة، وأهلُ بلدي يُقتَلون ويُعتقَلون ويُقهَرون ظلمًا وعدوانًا؟!

ورفض رفضًا تامًّا أن يبيعَ دينه ومروءته بعَرَض من الدنيا قليل.

وحينئذٍ بدأت تصلُ إليه رسائلُ من أرقام مجهولة، فيها تهديداتٌ صريحة له بالقتل، وتهديداتٌ لزوجته وبنتيه وأولاده! ممَّا اضطَرَّه إلى مغادرة البلد مُكرهًا، مهاجرًا في سبيل الله والحقِّ. تقبَّل الله جهادَه وهِجرتَه، وجميعَ عمله.

رحم الله شيخنا الحبيب سارية الرفاعي، وغفر لنا وله.

وأسأله سبحانه أن يكونَ ما أصابه من نصَبٍ ووصَبٍ في مرضه الأخير كفَّارةً له ورفعة.

وأحسنَ عزاء أسرته وطلَّابه وأحبابه فيه.

وأخصُّ بالتعزية، شقيقَه الفاضل شيخنا الجليل أسامة الرفاعي.

وأبناءه الكرام البرَرة الإخوة الأحبَّة ياسرًا، وعمَّارًا، وبشَّارًا، ومحمَّدًا.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

۞۞۞۞

4 على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!
من اليمين: الشيخ د. محمد فايز عوض، كاتب المقالة أيمن ذو الغنى، الشيخ سارية الرفاعي، الشيخ د. صفوان داودي، في المدينة المنوَّرة، بتاريخ 31/ 3/ 2014

سيرة موجزة:

وُلد الشيخ سارية الرفاعي بدمشقَ عام 1367هـ/ 1948م، ونشأ في كنف أبيه العالم المربِّي المُصلِح عبد الكريم الرفاعي، رائد النهضة الدَّعوية المسجدية بمدينة دمشق. وتخرَّج في علوم الشريعة والعربية بأبيه وعددٍ من كبار علماء الشام، في معهد الجمعية الغَرَّاء التي نال منها الشهادةَ الثانوية الشرعية عام 1966. ثم رحل إلى مصرَ وأكمل دراسته بالأزهر الشريف، وتخرَّج في كلِّية أصول الدين عام 1971، ثم حصل على شهادة (ماجستير) في التفسير عام 1977.

بعد عودته إلى دمشق نشِطَ في الدعوة والتعليم، وتولَّى الإمامةَ والخطابة في مسجد زيد بن ثابت، والتدريسَ في دائرة الإفتاء العامِّ منذ عام 1973، وعُرِضَ عليه مرَّات أن يكون مُفتِيًا لدمشق ووزيرًا للأوقاف فاعتذَر.

في عام 1981 اضطُرَّ إلى الهجرة إلى المدينة المنوَّرة إثر تعرُّضه مع مجموعة من العلماء لضغوط أمنية من النظام السوري في عهد الرئيس حافظ الأسد، ثم رجع إلى دمشق عام 1993، وتسلَّم مرَّةً أُخرى إمامةَ مسجد زيد بن ثابت وخطابته، ونشِطَ في الأعمال العلمية والدعوية، وسعى في توسيع المسجد، وأنشأ فيه معهد الفرقان لفرع الإناث.

وأسَّس عددًا من المؤسسات والجمعيات الخيرية والإصلاحية، وأطلق “قناة الدعوة الفضائية” عام 2008 التي لم تلبث أن أغلقها النظامُ السوري في عهد الرئيس بشار الأسد.

وفي عام 2012 أُكرهَ على الهجرة إلى مصر، بعد ما تعرَّض له من تهديد من أجهزة الأمن، لموقفه المناصر للثورة السورية، وتصدِّيه للنظام السوري المستبد. فأقام في القاهرة أكثرَ من عام، وأنشأ فيها مدارسَ للسوريين، ونشط في إرسال المَعُونات إلى مخيَّمات اللاجئين. ثم في عام 2013 انتقل إلى إستانبول واستقرَّ فيها مُشارِكًا في تأسيس عددٍ من المجالس والرَّوابط الإسلامية والدعوية، وإقامة الدروس العلمية والتربوية.

في حَزِيران عام 2014 أُصِيبَ بجُلْطةٍ دِماغيَّةٍ أدَّت إلى شلل الطَّرَف الأيسر منه، وإقعاده عن الحركة عشر سنين، ولكنَّ قلمه نهض فدوَّن مذكِّراته العلمية والدعوية والسياسية في جزأين، صدر أولهما بعنوان “مذكِّرات في زمن الثورة”، وألَّف رسالةً لطيفة سمَّاها: “الأربعون السَّنِيَّة في ثلاثيَّات الأحاديث النبوية” وغيرها.

وفي يوم الاثنين السادس من رجب سنة 1446هـ، الموافق 6/1/2025م توفَّاه الله تعالى عن ثمانين سنةً هجرية، بعد شهرين قضاهما في غيبوبة. وقد صُلِّي عليه في اليوم التالي في مسجد الفاتح بإستانبول، ثم نُقل جُثمانه إلى دمشقَ وصُلِّي عليه عقب صلاة الظهر يوم الأربعاء 8/ 1/ 2025م في الجامع الأموي بدمشق، ثم دُفن في مقبرة الباب الصغير قرب قبر أبيه الشيخ عبد الكريم الرفاعي، رحمهما الله تعالى.

[أفدتُّ في كتابة هذه السيرة من الترجمة النافعة للشيخ التي كتبها الأخُ الفاضل الأستاذ سارية بن فايز عَجْلُوني وفقه الله وجزاه خيرًا]

كتبه
 أبو أحمد المَيداني
 أيمن بن أحمد ذو الغنى
 الرياض فجر الأربعاء ثامن رجب 1446ه
ـ الموافق 8/ 1/ 2025م.

5 على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!
الشيخ سارية الرفاعي يصافح الدكتور عبد العزيز المصري الخبير في التشريعات المائية وبينهما كاتب المقالة أيمن ذو الغنى، في جامع زيد بدمشق، عام 1999
7 على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!
6 على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!

الشيخ سارية الرفاعي في مرضه

9 على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!
8 على مثل الشيخ سارية الرفاعي فلتبكِ البواكي!

من آثار الشيخ سارية الرفاعي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جزاكم الله خيرا اخي ايمن ورحم الله الشيخ سارية وجمعنا جميعا في جنة الفردوس الأعلى بغير حساب رحمة الله على الشيخ عبد الكريم والشيخ محمد عوض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى