روي عن الصحابي ربعي بن عامر في حواره مع رستم قائد الفرس أنه قال له: “لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”.
مضى على طبع هذا الكتاب ونشره قرابة قرن، وميزته أنه لا يتناول أخبارًا وأحداثًا ومشكلات فقط، بل يقدم حلولًا واقعية للخروج من سيطرة أوروبا على العالم، وتحول المسلمين عن التقليد الأعمى.
حين تقرأ الكتاب يملأ مشاعرك ووجدانك بالشجن؛ فلا تملك إلا أن تأسف على تأخر المسلمين وتتمنى لو سادوا العالم، الكتاب ينتهج نظرة جديدة إلى التاريخ الإسلامي؛ فهو ليس كتابًا وجدانيًا عاطفيًا كما يتوقع إذ كاتبه رجل دين وداعية، ولكن الكتاب عقلي، واقعي، تاريخي، ذو منهج يتسم بالنظرة الشاملة العالمية، نظرة مستقبلية إلى تطور الحياة؛ فمنهج الأبواب الخمسة يعد مقارنة منصفة بين التاريخ الإسلامي والتاريخ الغربي.
وماذا بقي للإنسان إذا خسر إيمانه، وهويته ونفسه وقيمه وحتى معايره في الصواب والخطأ؟ خروج عن الفطرة بكل صورة ووجه، تزيين الفساد وتلميعه، انقلاب المصطلحات والمفاهيم حتى مُحي الخط الفاصل بين الحق والباطل، وغدا كل شيء وجهة نظر! فمن ينقذ العالم ويخرجه من هذه الأوحال؟ الكتاب لا تتوقف أهميته فقط عند المسلمين ودفعهم لمسؤولية النهضة، بل يميط الغشاوة عن الشعب الأوروبي الغارق في المادية، الذي بدل النصرانية وصبغها بالوثنية، ومن ثم فصلها عن حياته وعاش ملحدًا متبعًا أهواء تفسد ولا تصلح. الكتاب دعوة لإيقاف المؤامرات التي تحول بين المسلمين والتقدم، دعوة لأوربا لكي تؤمن أن السعادة للإنسانية في قيادة الإسلام النيرة، وهي التي تنفق الغالي والنفيس كي يتخلف المسلمون، يقول الشيخ الندوي بعد بيان عوار تهميش الإسلام “أنه قد آن الأوان لتقدم المسلمين وترك الزمام لعدل الإسلام وفطرة الإنسانية”.
❃ الباب الأول: موضوعه العصر الجاهلي. ويشتمل على فصلين
الفصل الأول: الإنسانية في الاحتضار، عرض للأديان التي وجدت في القرنين السادس والسابع الميلاديين. يأخذنا الندوي في رحلة إلى الأديان والأمم، المسيحية في القرن السادس المسيحي، الحرب الأهلية في الدول الرومية سفسطة من الجدل وسنوات من القتل والتعذيب والتنكيل بسب طبيعة السيد المسيح وفشل دعاوى الوحدة بين النصارى، الانحلال الاجتماعي والقلق الاقتصادي، الإسراف والرشوة ويحكي لنا الكاتب كيف كانت مصر مكرهة على مذهب من النصرانية، وكيف كانت مكانًا للاختلافات الدينية، الفتنة بين أهل مصر يتقاتلون ويتلاعنون، وذلك أعطى الفرصة للرومان بأن يسرقوا خيراتها ومواردها حتى لم يبق لأهلها إلا الرمق.
ويتحدث عن أوضاع الحبشة جارة مصر، أما اليهود في آسيا وأفريقيا وأوروبا فقد كانوا أذلاء عبيدًا يتحكم فيهم غيرهم، ورثوا شهوة المال، وأحلوا الربا. النفاق والمداهنة والمخاتلة طباع لا تتغير عندهم، رغم أنهم أغنى الأمم مادة في الدين وأقربهم فهمًا لمصطلحاته. وقد تحدث الشيخ الندوي عن اليهود وأحوالهم مع المسيحين، وقد أوسع وأفاض عن سعادة اليهود بسفك دماء النصارى وحرق كنائسهم، كره النصارى لليهود.
تحدث عن إيران والحركات الهدمة فيها؛ فارس التي كانت تحكم نصف العالم لم تشعل النار في معابدها إلا بقدر ما أشعلت في نفوس الناس، وظهور ماني في القرن الثالث المسيحي، وزيادة الشهوات، تقديس الأكاسرة، آلهة يعبدون من دون الله، البيت الملكي بيت مقدس من عرق الآلهة لا يحق لأحد -مهما بلغ من الكفاءة وحسن الإدارة- أن يتولى، يفضلون طفلًا من البيت الملكي عن قائد خبير بشؤون البلاد، ولا يحق لأحد أن يتخذ حرفة غير الحرفة التي خلق لها، يقول “المجوس لا فرق بينهم وبين اللادينيين والإباحيين في الأخلاق والأعمال”( )
تطرق إلى الصين، وما بها من ديانات وضعية يعبدون ما يشاؤون شجرًا وحجرًا ونهرًا، الكونفوشيوسية والبوذية، وتحدث عن أمم آسيا الوسطى لمحة عن المغول واليابان والترك، وما ركب فيهم من همجية، والهند طاف حولها ديانة، واجتماعًا، وأخلاقًا، القرن السادس، وكيف أنها أخذت قسطًا من الظلام، بأشكال من كثرة المعبودات والشهوات والتمييز الطبقي، الوثنية، وتحدث إلى حال المرأة في المجتمع الهندي، ما لحق بها من إهانة وابتذال فقد يخسر الرجل امرأته في القمار، وأحوالها التي تجزع لها النفس لا تتزوج بعد وفاة زوجها وتلاحقها الإهانات، وقد تحرق نفسها على إثر زوجها تفاديًا من شقاء الدنيا، وتحدث الكاتب عن العرب ومواهبهم وكريم أخلاقهم، ووثنية الجاهلية، وعن أصنام العرب، والآلهة عن العرب، واليهودية والنصرانية في بلاد العرب، وتصورهم في أنهم يموتون ولا يبعثون وأن الرسل كأنها ملائكة، وتحدث عن الأدواء الخلقية والاجتماعية كشيوع الخمر.
الفصل الثاني: النظام السياسي والمالي في العصر الجاهلي. والعصر الجاهلي لا يقتصر على العرب. وكان من أهم سمات النظام: الملكية المطلقة العصر الجاهلي عصر الحكم الجائر المستبد في كل أمم الأرض، الإمبراطور إله، كسرى إله، الصينيون يسمون ملكهم ابن السماء، والحكم الروماني في مصر والشام، نظام الجباية والخراج في إيران وكنوز الملوك ومدخراتهم، الفصل الشاسع بين طبقات المجتمع، ويحكي حال الفلاحين في إيران، الاضطهاد والاستبداد، المدنية المصطنعة والحياة المترفة وكيف استحوذ على الناس في فارس والروم الترف، وكيف أن طبقة الفلاحين والصناع والعمال في جهد من العيش ليسددوا الضرائب والإتاوات، وغيرهم يرفل في الدمقس وفي الحرير، هم بين غنى فاحش وفقر منس حيث ضياع رسالة الأنبياء، وخواء الأرواح، وختم بتصوير لحال الجاهلية.
❃ الباب الثاني موضوعه من الجاهلية للإسلام. ويشتمل على أربع فصول:
الفصل الأول: منهج الأنبياء في الإصلاح والتغيير، يبدأ الشيخ الندوي بالعالم الذي واجه محمد -صلى الله عليه وسلم-. يقول” نظر محمد إلى العالم بعين الأنبياء فرأى إنسانًا قد هانت عليه إنسانيته، رآه يسجد للحجر والشجر والنهر، وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضرر، رأى إنسانًا معكوسًا قد فسدت عقليته، فلم تعد تسيغ البديهيات، وتعقل الجليات، وفسد نظام فكره”(2)؛ فقام الرسول في القوم ينادي “يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ودعاهم إلى الإيمان برسالته، والإيمان بالآخرة”(3).
الفصل الثاني: رحلة المسلم من الجاهلية للإسلام، بدأ الفصل بالجاهلية، وكيف استبسلت في الدفاع عن الباطل وأثارت على دعوة الحق خيلها ورجالها. ثم تناول الكاتب عناء الرسول ومن آمن معه وما قدموا من بذل وتضحيات في سبيل نشر الحق، وإعلاء كلمة الله. التربية الدينية كيف أعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفوسًا تتغذى بالإيمان، خمس مرات في اليوم طهارة بدن وروح. في مدينة الرسول، انحلت العقدة الكبرى من حب الدنيا وطاعة الشيطان.
ثم طاف الندوي بأغرب انقلاب وقع في تاريخ البشر، تأثير الإيمان الصحيح في الأخلاق والميول، ثم تحدث عن وخز الضمير، وقفل الطبيعة البشرية ومفتاحها، الثبات أمام المطامع والشهوات. يقول “هذا الإيمان حارسًا لأمانة الإنسان وعفافه وكرامته، يملك نفسه النزع أمام المطامع والشهوات الجارفة وفي الخلوة والوحدة حيث لا يراها أحد، وفي سلطانه ونفوذه حيث لا يخاف أحد، وقد وقع في تاريخ الفتح الإسلامي من قضايا العفاف عند المغنم، وأداء الأمانات إلى أهلها والإخلاص لله، ما يعجز التاريخ البشري عن نظائره، وما ذاك إلا نتيجة رسوخ الإيمان ومراقبة الله واستحضار علمه في كل مكان وزمان”(4)
ثم تحدث عن الأنفة وكبر النفس بموقف يبن عزة الإسلام، وعزة المسلم، حين قال عمرو بن العاص وعمارة للنجاشي إنهم لا يسجدون لك، فقال جعفر لا نسجد إلا لله، المسلم أبعد ما يكون عن الخنوع والخضوع، وعن التقليد، ويسوق الندوي الحديث عن الاستهانة بالزخارف والمظاهر الجوفاء، والشجاعة النادرة والاستهانة؛ فالإيمان يملأ قلبه ويعلم أنما الحياة الدنيا فانية وخير ما يؤمل أن يموت على شهادة، فإنها منزلة الأبرار لا نعدل بها أي منزلة.
الفصل الثالث: المجتمع الإسلامي. يتناول حال البشرية مع الإسلام تراها طاقة زهر لا شوك فيها ولا يفضل أحد أحدًا إلا بالتقوى والعمل الصالح، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا فضل لأبيض على أسمر، كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس منا من دعا إلى عصبية، يقول الندوي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- “اقتلع جذور الجاهلية وجراثيمها، وجسم مادتها، وسد كل نوافذها، بنبذ العصبيات”(5)، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وبهذا المعنى أصبحت الأموال والخزائن التي كانت طعمة للملوك والأمراء ودولة بين الأغنياء، مال الله الذي لا ينفق إلا في وجهه ولا يخرج إلا في حقه، وأصبح المسلمون مستخلفين فيه، والخليفة كولي اليتيم إن استغن استعف وإن افتقر أكل بالمعروف”(6).
وتناول محل الروح والنفس من المجتمع فكان رسول الله مطاعًا محبوبًا جميل المحيا، كل مخلوق من مخلوقات الله إذا رآه ينجذب إليه، وإذا خالطه أحبه، حتى ليكون فداه وأغلى عنده من ولده ونفسه، فترى محبة المسلمين لرسول الله في مواقف من السيرة تبين عن قدر رسول الله في نفوس أهله وأصحابه والمسلمين أجمعين، فيذكر عجائب الانقياد والطاعة، ويبين عن ذلك بقصة الثلاثة الذين خلفوا وكيف ضاقت عليهم الأرض بما رحبت إذا أمتنع الناس عن الحديث معهم كما أمر رسول الله “فأصبحت المدينة لهؤلاء وكأنها مدينة الأموات ليس بها داع ولا مجيب(7)” ومن غرائب الطاعة والانقياد لما نزلت آية تحريم الخمر، وغير ذلك..
الفصل الرابع: كيف حول الرسول خامات الجاهلية إلى عجائب الإنسانية. أبان فيه الندوي عن عظماء الرجال والقدوات منهم، خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وبلال الحبشي وسالم مولى أبي حذيفة وأبو عبيدة. وتحدث عن كتلة بشرية متزنة هداة لا جباة، دعاة لا طغاة …
❃ الباب الثالث العصر الإسلامي. ويتضمن ثلاثة فصول:
الفصل الأول عهد القيادة الإسلامية يتناول فيه الأئمة المسلمين وخصائصهم. فأولًا: هم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية، فلا يتخبطون جهلًا ولا يحكمون من عند أنفسهم، ثانيًا: التربية الأخلاقية إنهم لم يتولوا الحكم بغير تربية خلقية وتزكية للنفس، ثالثًا: إنهم لا يفرقون بين الأعراق والأجناس والشعوب فكلهم رعيته، رابعًا: الإنسان جسم وروح يجب أن ينمي عقله وجوارحه وعواطفه تنمية مناسبة وما ميز أصحاب النبي أنهم جمعوا بين الدين والخلق والقوة والسياسة، باعتدال فلا تفريط ولا إفراط ودور الخلافة الراشدة مثل المدنية الصالحة يقول” لم نعرف دورًا من أدوار التاريخ أكمل وأجمل وأزهر من الخلافة الراشدة فقد تعاونت فيه القوة من الروح والأخلاق والدين والعلم والأدوات، ثم طاف بنا حول تأثير الإمامة الإسلامي في الحياة العامة، ويدور حول توازن عقيدة وإيمان الإسلام فلا بإسراف النصرانية ولا اليهودية، وتناول المدنية وتأثيرها في الاتجاه البشري. وختم الفصل بدعوى ترك زمام القيادة للمسلمين فهم أحق بها وأهلها.
الفصل الثاني الانحطاط في الحياة الإسلامية: يبدأ الفصل ببيان الخط الفاصل بين العصرين عصر الازدهار وعصر الانحطاط، وهو حد يفصل بين الكمال والزوال ثم يلقي نظرة في أسباب نهضة الإسلام، حيث كانت تجمعهم روح واحدة تنعكس على أعدائهم رهبة وخوفًا، ويتناول شروط الزعامة الإسلامية ويقدم أولًا: الجهاد؛ فما من أمة تترك الجهاد وتعد العدة له، إلا وألبسهم الله ثوب الذل وعلى عليهم عدوهم وتسلط وتجبر، ثانيًا: الاجتهاد الذي ينمي شريعة الإسلام فلا جمود فيها ولا رجعية، ثالثًا: انتقال الإمامة من الأكفاء إلى غير الأكفاء أورث المسلمين خبالًا وتحبطًا، رابعًا: تحريف الحياة الإسلامية، خامسًا: فصل الدين عن السياسة وهذا بلاء عظيم ابتليت به الأمة، سادسًا: النزعات الجاهلية في رجال الحكومة، سابعًا: سوء تمثيلهم للإسلام، ثامنًا: قلة الاحتفاء بالعلوم العلمية المفيدة، تاسعًا: الضلالات والبدع، عاشرًا: إنكار الدين على المسلمين وإهابته بهم.
ثم تحدث عن القرن السادس الهجري وحسن بلاء المسلمين فيه، ناوشتهم الأخطار من كل سبيل: صليبيون وأوروبيون وغارات وهجمات، احتلال بيت المقدس، وتهددت الجزيرة العربية مع ضعف السلاجقة وتفرق ملوك المسلمين، قيد الله للأمة رجالًا وحدوا الصف السلطان عماد الدين زنكي -رحمه الله- فاتح الرها، وأحيا الأمل بعد اليأس وزرع الأمل بعد الضعف وبارك الله في ذريته إذا أكمل الطريق ولده الملك العادل نور الدين محمود الزاهد العابد، الذي سهل الطريق لفتح بيت المقدس فكان من المسلمين قاب قوسين. وقيد الله لهذا الفتح صلاح الدين الأيوبي وهؤلاء رجال بارك الله طريقهم لأن همهم الأكبر إعلاء كلمة الله، توحيد قلوب الأمة حتى تكون على قلب رجل واحد، تكون كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وبين الشيخ الندوي فقر القيادة في العالم الإسلامي بعد صلاح الدين، ونتائج القرون المنحلة. وختم الفصل بانهيار صرح القوة الإسلامية.
الفصل الثالث دور القيادة العثمانية: العثمانيون على مسرح التاريخ حين ظهر الترك وفتح السلطان محمد الثاني الفاتح ابن مراد القسطنطينية العظمى عاصمة الدول البيزنطية المنيعة جدد أملًا وأرهب قلوبًا وأعلى كلمة الله. وذكر مكانة القسطنطينية وكيف استعصت على المسلمين ثمانية قرون، وتفوق محمد الفاتح في فن الحرب ومزايا الشعب التركي عددها في أولًا: كان شعبًا ناهضًا متحمسًا طموحًا تسري فيه روح الجهاد في سبيل الله الفطرة والبساطة. ثانيًا: القوة الحربية إذ صاروا مثلًا تعلمت منه أوروبا وبهذه القوة الحربية كانوا سادة البحر المتوسط بلا نزاع حكموا القارات الثلاثة. وبهذه القوة نشروا الإسلام في بقاع الأرض، ففي عهد سليمان القانوني كانوا إمبراطورية تطأطئ لها رؤوس الأعداء رعبًا. ثالثًا: توسط جزيرة البلقان أحسن مواقع القيادة إذ تشرف على آسيا وأروبا وكانت أوروبا مستودع الأعداء، ويتأسف الندوي على تدني الأتراك بعد عظمتهم وأنهم دب في قلوبهم العداء ووهنوا. وهذا من سوء حظ المسلمين وانحطاط الاتراك في الاخلاق وجمودهم في العلم وصناعة الحرب، والجمود العلمي ثم الانحطاط الفكري والعلمي العام.
يقول “وليس الجمود العلمي والكلال الفكري مقتصرين على تركيا أوساطها العلمية والدينية فحسب، بل كان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه مصابًا بالجدب العلمي وشبه شلل فكري قد أخذه الإعياء والفتور، واستولى عليه النعاس ولعل القرن التاسع إذا لم نقل الثامن آخر قرون النشاط والتوليد والابتكار في الدين والعلم والأدب والحكمة”(8). وتحدث عن نهضة أوروبا وسيرها الحثيث في علوم الطبيعة والصناعات، وكيف كان القرن السادس عشر والسابع عشر المسيحيين من أهم أدوار التاريخ الإنساني؛ إذ استيقظت أوروبا من نهضتها، وتخلف المسلمين في مرافق الحياة، تخلفهم في صناعة الحرب.
❃ الباب الرابع: موضوعه العصر الأوربي. ويتضمن أربعة فصول:
الفصل الأول: أوروبا المادية طبيعة الحضارة تحول الحضارة الغربية وتاريخها. ألقى نظرة على أثر تحول القيادة من الأمم الإسلامية إلى الأمم الأوربية، وخصائص الحضارة الإغريقية، وطبيعة الحضارة التي أنشأوها بنظرة تحليل وانتقاد، وحصرها في كلمة مفردة وهي المادية يقول “وسلم العلماء الأوربيون بغلبة المادية في الحياة اليونانية(9)“، وخصائص الحضارة الرومية التي خلفت اليونان وقامت على أنقاضها وإن فاقتهم في القوة والتنظيم فلم يبلغوا شأوا في العلم والحضارة؛ فأخذوا عن اليونان حذو النعل بالنعل، الانحطاط الخلقي في الجمهورية الرومية.
ومن ثم يتناول تنصر الروم وخسارة النصرانية في دولتها حيث إن الوثنية مسخت دين المسيح، وأكثر من أفسد فيها هو قسطنطين الكبير حامي ذمار النصرانية ورافع لوائها. ومن ثم يذكر الندوي الرهبانية العاتية ويقص علينا عجائبها، وتأثيرها في أخلاق الأوروبيين، وعجزها عن تعديل المادية الجامحة، بين الرهبانية العاتية، والمادية الجامحة.
ثم الفساد في المراكز الدينية، وتنافس البابوية والإمبراطورية والمنافسة بين السلطان والكنيسة وانتصار الكنيسة وهيمنتها على كل الأمور، وشقاء أوروبا برجال الدين، جناية الدين على الكتب الدينية، جناية رجال الدين على الكتب الدينية، اضطهاد الكنيسة للعلم، ثورة رجال التجديد وتقصير الثائرين وعدم تثبتهم، ويتحدث عن اتجاه الغرب إلى المادية، وافتضاح المادية في الدور الأخير، جمود المادية ودعاتها، نسخة صادقة من الحضارة اليونانية، ديانة أوروبا المادية لا النصرانية، حيث انسلخوا عن النصرانية الحقة واتبعوا أهواء الكنيسة والباباوات، وتفرقوا أناجيل وشيعًا يعبدون المادة من دون الله، وتناول مظاهر الطبيعة المادية في أوروبا، والغايات المادية للحركات الروحية العلمية، التصوف المادي الغربي ووحدة الوجود الاقتصادية، نظرية دارون وتأثيرها في الأفكار والحضارة. وبين الشيخ الندوي كيف احتفى الإنسان الأوروبي بهذه النظرة التي تدني الإنسان وكيف منحت الكنيسة داروين الشرف بعد مماته، ويصف إقبال الجمهور على نظرية الارتقاء، وختم بنتائج هذه المادية الجارفة التي سيطرت على العصر الأوروبي من جنايات المادية.
الفصل الثاني: الجنسية والوطنية في أوروبا. انكسار الكنيسة اللاتينية سبب قوة العصبية والقومية والوطنية، طوائف العصبية الجنسية في أوروبا ووصلت بهم أن طوائف في ألمانيا كانت تتبرأ من المسيح -عليه السلام- لكونه من بني إسرائيل، ومن منهم يحبه ويتبعه يحاول إثبات أنه من سلالة آرية، وانكسار الكنيسة اللاتينية، نزعة العصبيات وقوة العصبية والقومية والوطنية وطوائف العصبية الجنسية في أوروبا، وعدوى الجنسية في الأقطار الإسلامية، الديانة القومية الأوربية وأركانها، الحل الإسلامي لمعضلة الحروب والمنافسات الشعوبية، دعاية القوميين وإضرارهم بالشعوب الصغيرة، مطامع الدول الكبيرة وذكر أهمها وهو الاستعمار والاستيلاء وأن الدول قد تنفق أموالًا وتبعث جيوشًا بلا فائدة حقيقية تعود عليها إلا منافسة الشعوب في المستعمرات والأسواق. وختم الفصل بمقارنة جميلة رائقة بين الجباة الطغاة والدعاة الهداة وبين الفرق بين حكم الجباية وحكم الهداية.
الفصل الثالث أوروبا إلى الانتحار تناول فيه حال أوروبا على شفا الهاوية تخطو إلى الانتحار، عصر الاكتشافات والاختراع، الغاية من الصناعات والمخترعات وموقف الإسلام منها ذكر في هذه الفقرة أن الإنسان ينتفع بكل ما خلق الله، ويستعين بكل المنافع التي تعينه على أعمال يومه وليلته عبادة لله، وكل ما يسر الله لخلقه في سبيل إظهار الحق وإعلاء كلمة الله، تجارة مشروعة، كسب حلال، ومباحات.
وتحدث عن التخليط بين الوسائل والغايات، وعدم تعادل القوة والأخلاق في أوروبا، ومن ثم أفاض الحديث عن القنبلة الذرية وفظائعها وختم الفصل بعنوان الذي خبث لا يخرج إلا نكدًا.
الفصل الرابع: رزايا الإنسانية المعنوية في عهد الاستعمار الأوروبي: بطلان الحاسة الدينية وهذه الفقرة رائقة لأن الحاسة الدينية هي أعز مفقود فماذا بقي للإنسان إن حوته الدنيا وعاش أعمى؟ فزوال العاطفة الدينية أصعب ما واجه الأنبياء وعجزوا عن إحيائه، طغيان المادة وتمكنها من القلوب والعقول، صور لنا الشيخ الندوي سبل الإسراف والركون إلى الدنيا عند الإنسان الغربي، وكيف كان العربي يفخر بأنه خاوي البطن يجود بما ملكت يده، ثم أصبحنا في تدهور في الاخلاق والمجتمع.
❃ الباب الخامس: قيادة الإسلام للعالم. ويتضمن فصلين:
الفصل الأول: نهضة العالم الإسلامي، ناقش فيه اتجاه العالم بأسره إلى الجاهلية، استيلاء الفلسفة الأوروبية على العالم، الشعوب والدول الآسيوية، الحل الوحيد للأزمة العالمية، العالم الإسلامي على أثر أوروبا، ويقدم رسالة للعالم الإسلامي. ووجَّه إلى الاستعداد الروحي، والاستعداد الصناعي والحربي، وتبوء الزعامة في العلم والتحقيق، والتنظيم العلمي الجديد.
الفصل الثاني زعامة العالم العربي، أهمية العالم العربي كبيرة في خريطة العالم السياسية، وأنه يحتضن منابع الثروة والقوة. يقول “ولأن فيه مصر ذات النيل السعيد بنتاجها ومحصولها وخصبها وثروتها ورقيها ومدينتها، وفيه سورية وفلسطين وجاراتها، باعتدال مناخها وجمال إقليمها وأهميتها الاستراتيجية، وبلاد الرافدين بشكيمة أهلها ومنابع البترول فيها، والجزيرة العربية بمركزها الروحي وسلطانها الديني(10)“.
وذلك لأنه وطن أمم لعبت أكبر دور في التاريخ الإنساني، ويبين أن المسلم ينظر إلى العالم العربي بغير العين التي ينظر بها الأوروبي، وبغير العين التي ينظر بها الوطني العربي، الإيمان هو في قوة العالم العربي، وتضحية شباب العرب هي قنطرة إلى سعادة البشرية، وتناول العناية بالفروسية والحياة العسكرية وأن هذه العناية واجبة على المسلمين لتثبيت سلطانهم في الأرض وقد يزع الله بالسلطان مالا يزع بالقرآن. مع دعوة لمحاربة التبذير بوصف أحوال المبذرين المسرفين، ويصف الفرق الهائل بين الغنى والصعلوك، ويدعو العرب للتخلص من أنواع الأثرة والوعي في الأمة. يقول “إن أخوف ما يخاف على أمة ويعرضها لكل خطر ويجعلها فريسة للمنافقين ولعبة للعابثين هو فقدان الوعي في هذه الأمة وافتتانها بكل دعوة واندفاعها إلى كل موجة وخضوعها لكل متسلط وسكونها عن كل فظيعة وتحملها لكل ضيم، وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها ولا تميز بين الصديق والعدو وبين الناصح والغاش”. ويقدم للعرب دعوة استقلال البلاد العربية في تجارتها وماليتها، ومن ثم تحدث عن تقدم مصر في ميدان الصناعة والتجارة والعلم ثم رجاء العالم الإسلامي من العالم العربي، وختم الكتاب بعنوان فقرة إلى قمة العالمية.
الهوامش:
- السابق ص46
- السابق ص77
- السابق ص81
- السابق ص88
- السابق ص94
- السابق ص69
- السابق ص99
- السابق ص137
- السابق ص142
- السابق ص240