Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المدونة

مواقع التواصل في الميزان

عقب خطوتها الجنونية بحذف منشورٍ لرئيس وزراء ماليزيا الذي نعى خلاله الشهيد الصابر إسماعيل هنية، خطر في ذهني أنه ماذا لو فعلتها فيس بوك أو تويتر وأنهت خدماتها وحذفت حسابات المستخدمين؟

دراسة علمية طالعتها قبل مدة تشير إلى أن التداوي النفسيّ بتنظيم الورش الإبداعية والحرفية؛ قد بات سبيلا أمّنته التجرية، ونوّهت به نتائج البحث العلمي وأُجمع على تسميته بـ(العلاج بالفن).

وبشيء من التعالق مع الفكرة، على الإنسان أن يتقن من المهارات والخبرات اليدوية ما وسعه وقته ونزوعه وقدرته، لمدافعة نمط الحياة المعاصرة، وهنا أقصد بالمهارات؛ تلك التي يقضي فيها أحدنا ساعات من الانضباط والجد والشغف “كالنجارة والميكانيكا والنحت والرسم والقراءة والكتابة والأعمال التطوعية”، وإن لم تأت له بعائد ماديّ، ولكنها ستحقق له دفاعات نفسية وإنجازات يملكها حقيقة لا وهما، مفارقة لتلك الظواهر الخادعة التي تنضح بها عوالم التواصل الافتراضيّ التي يزدلف إليها أحدنا تائها في متوالية لا تُدرك نهايتها، ليعود خالي الوفاض من شعور الإنجاز الذي يمدّ النفس بالجَلَد والاستمرار والقوة.. وتأكيدا لهذا الطرح يأتي السؤال: أستطيع أن أذكر متى رسم دافنشي لوحة العشاء الأخير ودلالات بعض الرموز التي ضمنها تلك اللوحة، فهل بإمكان أحد أن يطلعنا على أهم منشور في فيس بوك سنة 2022؟

بشيء من النظر؛ هذا النوع من الأعمال “الحقيقية” يحقق الإنسان “ذاتا وموضوعا” بلغة الفلسفة، وهي لحظة الوصل والتكامل بين الذهني والحسّيّ، ولم يبتعد عن الصواب من سمّاها بـ”لحظة النصر”، إذ تدخل مكتبك أو حجرتك فتجد تلك اللوحة أو ذلك الكتاب أو التصميم الجماليّ الذي أنجزتَ أو الغرض الذي أصلحتَ، أو أن تدرك أن عملك التطوعيّ كان سببًا لإنقاذ إنسان، أو أنَّ القصيدة، القطعة الأدبية، الفكرة التي أنتجتَ؛ كانت ضوءًا في حياة آخر؛ حينئذ تمّحق الغربة وتكون أقرب إليك من أي وقت.. “إن الإنسان يولد مفطورا على الميل لتحقيق الذات” كما قال كارل روجرز.

عقب وفاة أم والدي برد الله مضجعها وأنزلها منازل أمهات المؤمنين؛ مررت بحال هي أقرب إلى الزهد في وسائل التواصل من أي وصف آخر، شعرت حينها بأن العالم قد تجلبب بمعاني الفقد والحزن وما يقصر عن بيانه أي بيان، ولم أقدر بل لم تسمح لي تلك الحال من الحزن الصادق أن أزدحم على المورد، فما هو إلا التراجع خطوة بغية التعافي وطلب النُّجعة الروحية والكلأ المعنويّ والتطواف بين الأشعار والقصص ولا سيّما ما حوته السيرة النبوية بما يحاكي ما أشعر به، وتأكدت عندي تفاهة هذه الوسائل وفقرها، بل إننا نزداد فقرا وضعفًا وهشاشة و”تفاهة” كلما تمركزنا حولها وشاركناها ذواتنا الحقيقية التي هي نحن، لا تلك التي تتوسل البروق العابرة لتشعر بكينونتها ووجودها وتأثيرها.

قناعتان تمثّلتا حينها حقيقة أسندت إليها نفسي؛ أن الاتصال بالله تعالى هو ملاذ الإنسان أولا وآخرا، وأن اللغة على خطرها وعظم شأنها؛ قاصرة عن بيان ما يعتلج في النفس، وما هي إلا محاولة “صادقة” منها للاقتراب شيئا ما من عوالم النفس.

على المرء أن يُحسن تأثيث نفسه وعزلته، وأن يعيد ترتيبها والتخلص من (كراكيبها) الزائدة عن الحاجة، وهي لفظة عبّر بها أحد الأصدقاء حين سألته: متى ستنتقل لمنزلك الجديد؟ فقال قريبا إن شاء الله.. وأضاف: “الآن أتخلص من بعض (الكراكيب) التي لا تلزمني.. ويبدو لي يا رياض أنه على أحدنا التخلص من (الكراكيب) الذهنية من عقله بين فترة وأخرى، وأن يخفف قدر الإمكان من الاعتماد على ما لا يملك”.. وبعبارة أخرى ما ليس هو حقيقةً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى