يدرس العقلاء والأحرار في كلِّ الأمم أخلاق النَّصر والعزَّة والكرامة لأبنائهم، لكن بني صهيون _ في دولتهم النَّاتجة عن زواج سفاح بين المشروع الصهيوني والمشروع الاستعماري الغربي بقيادة بريطانيا وتوابعها _ يدرسون هذه الأيَّام في “غزة فلسطين” وبكل وقاحة أخلاق الهزيمة والسُّقوط بكل مجالاته الأخلاقية والسِّياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل ويعملون على جرِّ العرب المرتبطين بهم من خلال العملاء المدجنين المتصهينين لكي ينقلوها إلى بلدانهم مثل مرض نقصان المناعة “الإيدز” الذي ينتقل في أغلب حالاته نتيجة العلاقات الجنسية غير المشروعة.
من يتابع أداء مجلس الحرب الصُّهيوني الذي تشكَّلَ بعد “عملية طوفان الأقصى” في السَّابع من أكتوبر 2023 م إلى هذه الأيَّام التي قاربت 100 يوم من أيَّام الحرب على “غزَّة الإباء” وبعد دخول قوات الاحتلال إلى مناطق واسعة من القطاع من جميع الجهات برًّا وجوًّا وبحرًا، وفي المقابل استمرار الكمائن والقنص وإطلاق الصواريخ وتدمير المركبات والدبابات من قبل المقاومة؛ يتأكد له العديد من الحقائق التي تتطابق مع الحقائق القرآنية التي أوضح بها الله – عزَّ وجلَّ – أخلاق اليهود وطبائعهم بكلِّ جلاء.
ويتأكد للمتأمل من خلال النَّص القرآني المحكم أنَّ أغلب سلوكياتهم قائمة على التَّعنُّت والكذب والافتراء والغش والتزوير والتَّدليس، والبهتان، والمكر، والخديعة.
ولا أدلَّ على ذلك من تعاملهم بتلكَ الأخلاق الرديئة مع نبي الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وهو الذي يزعمون الإيمان به وتعظيمه! مما جعل القرآن يستعرض مشاهد من تلكَ المعاملة _ كما يقول أحد الباحثين _ في أكثر من 110 آية من سورة البقرة التي عدد آياتها 286 آية، فضلًا عن المواضع الأخرى التي جاء ذكرهم فيها. كل ذلك ليكونوا عظة وعبرة وحتى يحذر النَّاس من الاتصاف بتلك الصِّفات السِّيئة وتلكَ السُّلوكيات الفاسدة التي لم يُجْدِ معها إرسال الأنبياء والرُّسل إليهم – إلا في حالاتٍ محدودة – .
ويسجِّلُ القرآن الكريم منهجهم الخبيث في التَّعامل مع النَّبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته وأدائهم العسكري في عهد النُّبوة وأثناء قيام دولة الاسلام في المدينة في مواضع متعددة: فتجد أوصافهم في تلكَ المرحلة من الصراع تتشابه مع أوصاف مجرميهم في عصرنا وفي كل زمان.
ودونكم جملة من تلكَ الحقائق الثَّابتة مع شواهدها من التَّصوير القرآني الرَّفيع للمواقف والأحداث:
الحقيقة الأولى:
أنهم عنصريون مقيتون يسيرون على منهج أسلافهم القائم على العنصرية والتَّميز المدعى زورًا وبهتانًا. والذي أصبح قدوة للعنصريين من كل الأجناس والقوميات والمناطق.
وقطعًا لمفاسد ذلكَ في الحال والمآل كذبهم الله تعالى بقرآن يتلى إلى يوم الدِّين حتى يكون ردًّا عليهم وعلى من على شاكلتهم من العنصريين والسلاليين والمنطقيين والمتعصبين الجاهليين.
قال تعالى: {وقالت اليهود والنَّصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم، بل أنتم بشرٌ ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير} “المائدة : 18 “.
بل إنَّ العنصرية تغلغلت فيهم حتى النُّخاع حتى وصلت بني جنسهم القومي فالمجتمع الصهيوني قائم على الطبقية الموغلة في الاحتقار لبعضها فهناك طبقة اليهود الغربيين (الاشكناز) وهناك طبقة اليهود الشرقيين (السفارديم) وهناك طبقة اليهود الأفارقة (الفلاشا) .
ويعزو بعض الباحثين بقاء الجيش الإسرائيلي “الهش” طوال هذه المدة لكونهم يضحون بالطبقتين الثالثة والثانية من خلال التَّجنيد الاختياري والقصري لتبقى الطبقة اليهودية الغربية في أمان ورفاه. ونحن نعتقد _ بإذن الله _ أنَّ هذه الحقيقة ستكون أحد أسباب زوال هذا الكيان قريبًا بإذن الله تعالى.
الحقيقة الثانية :
مدرسة في الكذب والبهتان والافتراء ونقض العهود والمواثيق والمكر والخداع ولا يمكن الوثوق بهم بحال لكونهم يمارسونَ هذه المخالفات تجاه المخالفين عن عقيدة وَفْقَ تصوراتهم المنحرفة. قال تعالى: {ذلكَ بأنهم قالوا ليسَ علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذبَ وهم يعلمون} “آل عمران : 75”. والأميُّون، قال أهل التَّفسير المقصود بها عندهم: العرب.
وما زالت المعاملة مع العرب هي المعاملة ذاتها، بل أنكى وأشنع _ حتى بعد تطبيع البعض _ لأنهم يظهرون مد اليد والسَّعي للسَّلام والأمن في المنطقة وهم في الوقت ذاته يعملون على السَّيطرة والهدم والتدمير باليدِ الأخرى.
ويدعون المبادرة للشَّراكة الاقتصادية بوجه وهم يعلنون عن مخططاتهم وأحلامهم في التَّوسع لكيانهم المحتل والغاصب بالوجه الثَّاني وتركيع الدول المحيطة بهم أكثر مما هي فاعلة. ويكفي تلك الخرائط التي ينشرونها بين فترةٍ وأخرى لدولة إسرائيل الكبرى _ حسب زعمهم _ من النِّيل إلى الفرات ومن جبل لبنان إلى خيبر في المدينة النبوية، بل يدخل البعض مكة المكرمة ضمن تلك الحدود.
إنَّ كل ذلك يدلُّ أنَّ ما قدموه من وعود من مفاوضات أوسلوا وما قبلها وما بعدها وإسطوانة حل الدولتين اليوم وقبل وبعد وإمكانية القبول بها إنما هو سياسية خبيثة لكسب الوقت وقضم الأراضي قطعة قطعة وصولا لهدفهم المشار إليه.
قال تعالى: {أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم، بل أكثرهم لا يؤمنون} “البقرة : 100”.
الحقيقة الثالثة:
إنهم لا ينكرون على بعضهم البعض إلا بهدف الحصول على مصالحهم، أما هدف إقامة العدل والإنصاف مع المخالفين لهم من الأجناس والأديان الأخرى فهذا ليس من أخلاقهم ولا من محل اهتمامهم، قال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} “المائدة : 78 _ 79”. وهذا ما رأيناه بالصوت والصورة فالأبرياء في غزة يقصفون بالطائرات يوميًّا ولا تجد من يقول لهؤلاء المتغطرسين توقفوا، وإذا وجد فهو فقط لما يخدم الرهائن أو الأسرى أو يخفف الضغط على الجيش الصهيوني.
أمَّا الشعب الفلسطيني أو الغزاوي فليبد عن بكرة أبيه _ ولو بقنبلة نووية كما طالب أحد الوزراء اليهود وزعم نتنياهو أنه زجره تمثيلًا _ ولا كرامة ولا إنسانية ولا تجد أحدًا يعارض الحرب لذاتها ولضحاياها وإنما بسبب اصطدامها مع مصالحه السياسية أو خسائره التجارية والمالية أو بسبب كون أقاربه ضمن الرهائن أو الأسرى.
الحقيقة الرابعة :
{ولتجدنهم أحرص النَّاس على حياة ومن الذين أشركوا يودُّ أحدهم لو يعمَّر ألف سنة وما هو بمزحزحهِ من العذابِ أن يُعَمَّر والله بصير بما يعملون} “البقرة : 96”.
وما أصدق هذا الوصف الذي يدلُّ عليه طريقتهم في التَّعامل مع الحرب كلها. فمع أنهم يزعمون أنهم جاءوا إلى فلسطين لأنها أرض الميعاد وأن هيكلهم المزعوم كان على أرضها إلا أن الخوف يظهر كل يوم في مظاهراتهم وفي قتلى جنودهم وفي الأخطاء العسكرية القاتلة وفي عدد المصابين بالأمراض النفسية من الجنود وفي عدد الهاربين من الجيش أو من التجنيد، ويكفيك دلالة أن يكون عدد الذين غادروا الأراضي المحتلة منهم قد تجاوز نصف مليون مستوطن قرروا المغادرة وربما لن يعود أكثرهم بعد الذي حدث.
الحقيقة الخامسة:
شؤم الإجرام والمعصية يلاحق أصحابه وأكبر نموذج لذلك هؤلاء الصهاينة المعتدين المحتلين ومجلس حربهم في أدنى الدركات في التَّلبس بهذا الخذلان ولعل أداءه الرديء يجعله يحتل أسوأ مراتب الفشل الحكومي في العالم، وقارن بين أداء مجلس الحرب الصهيوني وجيشه وما حكاه الله -عزَّ وجل- عن قتال اليهود القدامى في المدينة من بني النظير وبني قريظة، قال تعالى:
1- {لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرىً محصَّنة أو من وراء جُدُر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} “الحشر : 13 _ 14” .
2 – {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} “الحشر : 2 “.
فهل بعد هذا كله يفكر عاقل أن يربط مصيره بمصير هذا الكيان “الدبور المدبر” فيصدق عليه بعد ذلك المثل الشَّعبي اليمني السَائر: “من ربط نفسه لقى من يسحبه” أو المثل العربي: “يداك أوكتا وفوك نفخ”.
الحقيقة السادسة :
أنهم مهزومون خاسرون خائبون ذليلون كما قال الله تعالى عنهم:
{لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبلٍ من الله وحبلٍ من النَّاس وباءوا بغضبٍ من الله وضُرِبت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}. “آل عمران : 111 _ 11” .
أمَّا حبل الله فالمقصود به كما يقول أهل التفسير: “العهد والأمان”. وهم قد قطعوه ولم يبق لهم عهد ولا ذمة في أراضي فلسطين المحتلة. وأمَّا حبل من النَّاس فما زال موصولًا ببعض أمثالهم أو داعميهم من أهل الكفر، لكنهم قد انكشفوا سياسيًّا وأخلاقيًّا على مستوى العالم كله وهذه من بشائر النَّصر العاجل لأهل غزة وللمقاومة فيها.
يقول العلامة ابن كثير -رحمه الله- معلقًا على هذه الآيات في تفسيره: “ثمَّ قال تعالى مخبرًا عباده المؤمنين ومبشرًا لهم أنَّ النَّصر والظفر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين، فقال:
{لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثمَّ لا ينصرون}، وهكذا وقع، فإنهم يوم خيبر أذلهم الله وأرغم آنافهم وكذلك من قبلهم من يهود المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، كلهم أذلهم الله، وكذلك النصارى بالشَّام كسرهم الصحابة في غير ما موطن، وسلبوهم ملك الشَّام أبد الآبدين ودهر الداهرين، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشَّام حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم كذلك، ويحكم – عليه السَّلام – بشرع محمِّدٍ عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام”. انتهى كلامه رحمه الله.
الحقيقة السابعة:
جميع الحقائق القرآنية السَّابقة كانت من كلام الله جلَّ وعلا في القرآن المسطور، وأما هذه الأخيرة فهي من القرآن المنظور والمشاهد في هذا الكون الدال على الخالق جلَّ وعلا بآيات مشهودة تثبت مشيئته في خلقه ونصره لأوليائه، وحتى لا يأتي بعض أمراض القلوب فيقول أنتم تتحدثون عن تاريخ ونحن نتحدث عن واقع، فنقول له:
قد سبقت الحقائق الست وشواهدها وإليك في الختام هذه الحقيقة السَّابعة المشهودة تلخيصًا لهزيمة بني صهيون خلال 100 يوم منذ السابع من أكتوبر / 2023 قدمها القائد السياسي المجاهد إسماعيل هنيئة في كلمته أمام مؤتمر ” غزة – طوفان الأقصى ودور الأمة ” المنعقد في الدوحة بتاريخ 9 / 1 / 2024 م حيث قال ما ملخصه:
1- كان القرار لدى المقاومةَ الفلسطينية : “ادخلوا عليهم الباب، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون”. فكان طوفان الأقصى تحولًا فارقًا ليس بتاريخ شعبنا فحسب، بل بتاريخ الأمَّة والإنسانية جمعاء.
2- حدَّدَ العدو ثلاثة أهداف للحرب، هي:
– القضاء على المقاومة.
– استرداد الأسرى .
– خطة تهجير قطاع غزة باتجاه مصر.
هذه الأهداف الثلاثة معلنة تبنتها الحكومة الإسرائيلية المحتلة، ومجلس الحرب المصغَّر، والإدارة الأمريكية والتحالف الغربي.
3- هذه الحرب عدوان أمريكي إسرائيلي، حيث جاءت بقضها وقضيضها وكل مكوناتها إلى المنطقة لترسم خطة الحرب وتصفية المقاومة.
4- استخدموا كل أشكال الوحشية والنازية أكثر من 70 ألف طن من المتفجرات ألقيت على غزة ومساحتها 365 كم٢! توازي عدة قنابل ذرية كقنبلة هيروشيما وناجازاكي.
5- دخلنا اليوم المائة من هذا القتل والتدمير الوحشي.
رسم العدو أربعة مراحل للحرب:
1- قصف جوي شامل.
2- دخول بري.
3- عمليات جراحية مركزة ضد المقاومة وقياداتها.
4- المرحلة السياسية: غزة بعد حماس، واليوم التالي للحرب بلا مقاومة!.
أبشركم بفضل من الله ومنة -والكلام لهنية – بأنَّ العدو فشل في تحقيق أي من أهدافه المعلنة. {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويُخزهِم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين} “التوبة: 14″. انتهى ملخصًا.
وأنا أبشركم بانتهاء هذه الحلقة فكونوا على العهد يكن الله معكم وأما بني صهيون فهم من هزيمة إلى أخرى بإذن الله تعالى .
ولله الحمد أولا وآخرا .