آلان دو بوتون
ترجمة: محمد محمَّد خوامل
بطبيعتنا لا نتقبَّل النَّقد, لأنه يخدشُ شيئًا في ذواتنا أو هكذا نشعر, ويعتبر يومنا سيئًا إذا فقدنا الإطراء الذي يُكتَبُ عنَّا في وسائلِ التَّواصل الاجتماعي، أو في حال تمَّ التعقيب على بعضِ أعمالنا بطريقةٍ فظَّة, أو وصل إلى مسامعنا أنَّ هناك من تحدَّث عنا بطريقةٍ لا نحبها. لكن في حقيقة الأمر إنَّ مدى تعرضنا للأذى ليس سببه نقد الآخرين لنا, بل سببه يعتمدُ على مدى حبّنا لأنفسنا.
تعكس درجة التَّأثر التي نمرُّ بها في أعقابِ التَّعليقات السّلبية مدى شعورنا الحقيقي تجاه أنفسنا، فعندما نحمل في داخلنا طاقة كبيرةً من الحب؛ فإنَّ النَّقد لا يعدو أن يكونَ مجرد إزعاجٍ فقط، يمكننا تجاوزه باستيعاب وجهة نظر النَّاقد إن كان محقًّا, والاستفادة مما ذُكر, أو بحلول وجبة عشاء تذيبُ جبل الجليد, أو على الأقل بحلولِ نهاية الأسبوع إذ تتخلص الروح من ضغط النقد الذي نشعر بثقله على أنفسنا.
ثمة فكرة جوهرية, لكنها تغيب عن أذهاننا, إذ يمكننا أن نتعاملَ مع النَّقد بروحِ الدُّعابة من خلالِ التَّأكيد على أنه ليس بالضرورة أن يحبّنا الجميع، وأنَّ كل ما نقوم به ليس مثاليًا, وأنه قد يكون لنا أعداء بشكلٍ صريح يتمنّون موتنا, حتى في حال كانَ معظم النَّاس يعاملوننا بلطفٍ بما فيه الكفاية، فلا يجب أن يكون هناك ما يثير الدهشة أو الرعب في أن يشكِّك بنا, أو بقدراتنا قلة من الآخرين.
لكن بالنسبةِ لأولئك الذين يتأثرون بالنَّقد بشكلٍ كبير، فهم يرون النَّقد وكأنه اعتداء على حقهم في الوجود، فبمجرد سماع أنهم تعرضوا للتوبيخ بأسلوبٍ مهذب على جزئية من جزئياتٍ عملهم وأفكارهم, فإنهم يشعرونَ في الحال أنه قد تمَّ إخبارهم بأنَّ عليهم أن يتواروا، ثمَّ يبدو لهم أو يعتقدونَ بأنَّ العالمَ كله يسخرُ منهم, ليس فقط مجرد شخص أو شخصين. كما يعتقدون أنه لن يكون بوسعهم تجاوز هذه اللحظة من التَّقدير السلبي، وأنََّ الكراهية ستبقى ملازمة لهم، وهذه كارثة.
وفي حال ظهر أنَّ نقد الآخرين لنا له تأثيرٌ سلبي، فذلك لأنه اتحد بسهولةٍ مع شكلٍ من أشكالِ النَّقد الأكثر حِدَّة وعدوانية وهو ذلك الذي استوطن دواخلنا منذ زمنٍ طويل.
نحنُ في الواقعِ نكافحُ بشدة للحفاظِ على قوة أنفسنا ضدَّ الأصوات الداخلية التي تؤكد لنا من غير تردد كيف أننا غير أكفاء وقبيحين ومراوغين، وأنه لم يتبقَ لنا مجال لتذكيرنا بمزيدٍ من الفظاعة. لقد وضعَ أسلوب النَّقد الحالي نفسه في خندقٍ من الكراهية التَّاريخية, وأطلق العنان لموجة لا يمكن السيطرة عليها من كراهيةِ الذَّات.
عندما نعاني يجب أن نتذكر أننا لسنا أضعف من الآخرين؛ لكن قد يكون من المؤكد أننا عشنا طفولة أسوأ بكثيرٍ من الأشخاص العاديين.
ربما تعرَّضنا ذات مرة للإذلال, وتمَّ الاستهانة بنا دون أن يتم تهدئتنا أو احتوائنا أو طمأنتنا، وهذا هو السبب في أننا الآن نأخذ النَّقد الحالي على محمْلِ الجد، فلا نعرفُ كيف ندافعُ عن أنفسنا ضدَّ أعدائنا لأننا لم نكن موضع تقدير بما فيه الكفاية.
إننا في الواقع نكره أنفسنا أكثر بكثير مما يكرهنا ألدّ أعدائنا، ففي الوقت الذي يستجيب جزء منا لتحديات البالغين يبقى هناك جزء منَّا يمثل ذلك الطفل الضعيف الذي واجه الازدراء على نطاق لا يستطيع السيطرة عليه. يبدو النقد الحالي وكأنه كارثة؛ والسبب هو أننا مررنا بالكارثةِ في يومٍ من الأيام.
قد لا نتمكَّن بسهولةٍ من التَّوقف عن الشعور بعدمِ الرِّضا تجاه النَّقد، ولكن على الأقل يمكننا تغيير ما نشعر تجاهه بعدم الرضا، فلا يجب أن يكون ضعفنا – كما نعتقد – علامة على أننا سيئين، إنه دليلٌ على أننا منذ زمنٍ طويل حُرمْنا من نوع الحب الذي كنا بحاجةٍ إليه في لحظاتِ المعاناة, والألم التي مررنا بها من أجلِ أن نبقى أقويا, ولدينا قدرة على العطاء دون توقف بسبب نقد عابر.