أحمد زكريا علي
“هذه السِّلسلة إهداء لعالم التَّشريح ووظائف الأعضاء بروفيسور (غاري ويلسون) والذي قدَّمَ لنا أهم كتاب علمي عن مخاطر “إدمان الإباحية”, لقد وهبَ هذا العالم فترة كبيرة من حياته لمحاربة الإدمان؛ فكان أيقونة علمية ستبقى خالدة في مكافحةِ هذا الدَّاء البصْري”.
رَحَل هذا العالم الكبير عن عالمنا 20 مايو 2021م.
مقدمة :-
يُطلق عليها العلماء بالمخدِّر البصري, ويطلقُ عليها البعض الآخر بآفة العصر الحديث, إنها لا تقل خطرًا عن إدمان الكحول أو ألعاب القمار, إنها أحد أسباب جرائم التَّحرش والاغتصاب, وكذلك أحد أهم أسباب الكسل عن العمل, نعم, هي المواد غير الأخلاقية عبر الإنترنت التي دمَّرت ولا تزال تدمِّر الكثير من العقول, وفي هذا المقال سوف نوضح إلى أيِّ حدٍ يمكن أن تصل هذه المواد الإباحية بالمدمن.
أولًا: شهوات تدمِّر عقلك:-
أضرار الإباحية خطيرة ومتنوعة وتؤثر على الجسد, ولكن كيف يحدثُ هذا؟ وما هي العوامل التي تجعل مشاهدة الإباحية تصنَّف على أنها إدمان:-
أ- عامل كوليدج :
هل سبق لك وأن سمعت عن عامل كوليدج؟ عامل كوليدج يوضِّح الكيفية التي يؤثر بها التجديد في العلاقات الجنسية على السُّلوك الجنسي, ويمكن ملاحظة آثار هذا العامل بوضوح ليس في الإنسان فقط, بل على مدى واسع في الثديات نذكر على سبيل المثال الجرذان و الكباش, ولعلَّ من التجارب الشهيرة التي توضح لنا ما هو عامل كوليدج وفهمه بسهولة؛ تلك التجارب التي أجريت على الجرذان وسوف نوضحها لكم على النحو الآتي:
“قام العلماء بإطلاق ذكر من الجرذان في قفص يحتوي على أنثى قابلة للتزاوج, في البدايةِ سوفَ نلحظُ أمرًا هامًا, وهو حدوث موجه من التزاوج النشط جدًا بين الذَّكر والأنثى, ولكن مع مرور الوقت سوف يشعر الذكر بالملل, وحتى لو كانت الأنثى لديها رغبة في التزاوج؛ سنجد الذكر قد حدث له عملية تشبع نحو تلك الأنثى, ولكن ما إذا استبدلنا الأنثى القديمة بأخرى جديدة, فسوف يعود نشاط الذَّكر كما كان من قبل, وهكذا”.
من المؤكد أنَّ التَّزاوج لدى الإنسان أكثر تعقيدًا إذ يصنف الإنسان علميًا من ضمن ثلاثة إلى خمسة بالمائة من الثديات القادرة على تكوين رابطة زوجية طويلة الأمد ولكن يمكن أن تكون لعملية التجديد هذه أثر على الإنسان وهذا التجديد هو نقطة انطلاق الإباحية.
وبناء على ذلك فإن هذا الأثر أو ذاك العامل هو الذي يدفع تلك الصناعة القذرة, إذ يوجد في دماغ الإنسان دوائر عصبية تتحكمُ بالعواطف والانفعالات والحوافز والدَّوافع واتخاذ القرارات على مستوى الإدراك اللاواعي هذه الدوائر العصبية تؤدي وظيفتها بكفاءة عالية جدًا ولم يتغير تركيبها أبدًا منذ بدء الخليقة ومن ناحية أخرى فإن هرمون الدوبامين هو النَّاقل العصبي الذي يؤجج الرَّغبة ويعطينا الحافز لإقامة علاقة جنسية سوية حيث يعمل الدوبامين على تنشيط تراكيب عصبية تقع في وسط الدماغ تعرف طبيًا باسم (الدائرة العصبية للمكافأة) ووظيفة هذه الدَّائرة العصبية العمل على إعطائنا الحافز والرَّغبة في السَّعي لأمر ما والشعور بالتلذذ ناحية شيء ما وكذلك الإدمان على سلوكٍ بعينه.
إن هذه الدائرة لها هدف رئيسي وهي أن تدفعك لما يضمن بقائك ككائن حي, ويتربع على عرش أولويات المكافأة لدى الإنسان (الغذاء، الجنس، الحب، التَّجديد، الصَّداقة) وتسمى هذه الأنشطة بالمحفِّزات الطبيعية, ولذلك؛ فإنَّ إدمان المخدرات يخطف تلك الدائرة بشكل كامل ويسيطر عليها وهو نفس ما تفعله الإباحية إذ تخطف الإباحية تلك الدائرة بحيث يتحول الشخص مع الوقت حبيس بئر الإباحية ولكنه بئر بلا ماء نهايته مظلمة.
ولكن كيف يتحول الأمر إلى إدمان؟!
إنَّ هرمون الدوبامين كما قلنا مهمته هو أن يحفزك للسَّعي لما يخدمُ بقاءك, ويضمن استمرار نسلك, وكلما ازداد إفراز الدوبامين, ازداد سعيك لهذا الأمر والرغبة في الحصول عليه, ولكن إذا لم يفرز الدوبامين قد تتغاضى عن الأمر تمامًا, ومن هنا يأتي الإدمان لتلكَ الأفلام الغير أخلاقية حيثُ أنَّ التهيج الجنسي والوصول إلى الذروة في أثناء المشاهدة يجتمعان معًا ليشكلا العامل الأشد خطورة وتأثيرًا على الدائرة العصبية للمكافأة في دماغك حيث يتسبَّب في إطلاق أكبر موجه من الدوبامين على الإطلاق مقارنة بأي نشاط آخر تقوم به, ومع الوقت يصبح الشخص مدمنًا غارقًا في ظلمات تلك الأفلام.
إنَّ التغيرات في معدلات إفراز الدوبامين هو المعيار الذي يساعدك في تفنيد أي تجربة قد تمر بها, وفوق كل هذا فالدوبامين هو الذي يخبرك ما يتوجب عليك أن تتذكره لاحقًا؛ لأنه يساعد على توثيق الرَّوابط بين العصبونات في الدِّماغ.
ورغم أنَّ البعض يشير إلى الدوبامين أنه جزء المتعة, إلا أنَّ هذا الأمر ليسَ دقيقًا, حيث أنَّ مهمة الدوبامين هو تحفيزك بحثًا عن المتعة ولا يسبِّب المتعة ذاتها, ولهذا فإنَّ إفراز الدوبامين يزداد في حال توقع الحدث أي أنه حافزك وسائقك في السعي وراء ما ترغب, أما المتعة التي تشعر بها عند بلوغ الإثارة فتأتي مما يعرف بالمركبات الأفيونية بالدِّماغ, وبهذا, يمكننا القول: إنَّ الإدمان سعي في طلب الشهوات قد ضل وعاث فسادًا.
ب- التجديد والتجديد ومستنقع الإباحية :-
يزيد إفراز الدوبامين عندما يجد مسارًا جديدًا فكلنا رهن الزيادة في إفراز الدوبامين, وبناءً عليه يتلاشى التشويق تلقائيًا مع هبوط مستوى الدوبامين في الدماغ, إذا ما عدنا للمثال السابق فيمكن القول: إنَّ الدائرة العصبية للمكافأة في دماغ الفأر تفرز تدريجيًا كميات أقل فأقل من الدوبامين استجابة لإغراء الأنثى الموجودة معه في القفص بينما ترتفع نسبة إفراز الدوبامين عند دخول أنثى جديدة للقفص.
في إحدى التَّجارب, عرض باحثون أستراليون فيلمًا ذا محتوى جنسي على المشاركين في التَّجربة عدة مرات ووجدوا أنَّ مع تكرار عرض الفيلم حدث تناقص في مستوى التَّشويق لديهم, ومن خلال تصريحاتهم الشخصية التي أدلوا بها لاحقًا تبينَ أنَّ مشاهدة الفيلم نفسه عدة مرات لم يعد يجذبهم نهائيًا, لكن مع عرض فيلمين جديدين حدثت المفاجأة؛ حيث نهض المشاركون في التجربة وانتبهوا وتفاعلوا مع العرض, وهذه إحدى أعمدة صناعة هذه المواد غير الأخلاقية؛ لأنَّ إغراء المرئيات الجنسية ينبعُ من زيادةِ نشاط الجهاز العصبي للمكافأة لدى مشاهديها, وذلك بسبب سرعة الإنترنت الذي يتيح وبنقرة واحدة التجديد المستمر في المشاهدة مما يؤدي إلى الدخول في مستنقع الإدمان بل يمتد الأمر إلى أكثر من ذلك وهو الدخول في مرحلة الانطواء وإضاعة الوقت.
ثانيًا: محفز خارق للطبيعة:-
كما قرأت محفزٌ خارقٌ للطبيعة، ولكن ما الذي يجعل المرئيات الجنسية المتوفرة على الإنترنت شديدة الإغراء لهذا الحد وبهذا الشَّكل القهري؟ لا يرجع هذا إلى وجود عامل التَّجديد فحسب, ولكن لأنَّ إفراز الدوبامين يزداد استجابة لمشاعر ومحفزات أخرى بالإضافة لهذا التجديد وجميع هذه المحفزات موجودة في هذه الأفلام الغير أخلاقية وهي:
أ- المفاجأة والصَّدمة
ب- الحصر النَّفسي
ج- السعي والبحث وما يصاحب ذلك من تشويق وترقب تحت سيطرة الشهوة
ولهذا ينطبقُ على المرئيات الجنسية المتوافرة على الإنترنت ما يسميه العلماء اليوم بـ(محفِّزات خارقة للطبيعة), قبل سنواتٍ طويلة قام عالم سلوك الحيوان الحائز على جائزة نوبل في الطِّب أو علم وظائف الأعضاء “بروفيسور نيكولاس تينبرغن” بتجربةٍ عظيمة مفادها: أنَّه بالإمكان خداع الطيور والفراشات وحيوانات أخرى وجعلها تفضِّل البيوض والأزواج الزائفة على بيوضها وأزواجها الحقيقة, وذلك عندما لاحظ البروفيسور تينبرغن سعيهم لكي يرقدن على البيوض الزَّائفة التي صنعها من الجص لتبدو كبيرة ومرقطة بألوان زاهية, بينما تركن بيوضهنَّ الحقيقية المرقطة بألوانٍ باهتة مهملة لتتعفن, ومن ناحيةٍ أخرى فقد أهملَ ذكور الخنفساء المرصَّعة التزاوج مع الإناث من نوعهم بينما بذلوا جهدًا كبيرًا للتَّزاوج مع القعر الغائر لزجاجةِ الشراب ذات اللون البني وهذا يرجع بالنسبةِ إلى أنها تبدو أكبر حجمًا وأكثر جاذبية مما يجعلها أكثر جاذبية لذكر الخنفساء, الأجدر أن يظل اهتمام الحيوان محصورًا في نطاقِ التزاوج الطبيعي ولكن في هذه الحالات بدلًا من أن تتوقف استجابة الحيوان الغريزية للمحفزات عند هذا الحد فإنَّ البرمجة العقلية له تحثه على الاستجابة النشطة للمحفزات الزائفة.
ويستنتج من ذلك: أنَّ تلك المحفزات تستدرج الإنسان خارج مهمة التزاوج بالكلية, سمى البروفيسور (تنبرغن) هذه المحفزات الخادعة (بالمحفزات فوق الطبيعة), تلك المحفزات الخارقة للطبيعة هي نسخ مبالغ فيه من المحفزات الطبيعية ننخدع بها ونعتقد تحت ستار الوهْم أنها ذات قيمة, فقد لا تتوقع أن يفضل القرد صور الأنثى على الأنثى الحقيقية ليس هذا بحسب, بل إنكَ سوف تصاب بالدهشة متى علمت أنَّ القرود مستعدة أن تدفع غرامة التنازل عن تناول العصير المعروض عليها مقابل أن تشاهد صورًا لعورات إناث القرود, فليس مستغربًا معرفة أن تلك المرئيات الإباحية على الإنترنت يمكنها أن تخطف الدائرة العصبية للمكافأة في دماغ الإنسان وتحرفها عن الفطرة السَّليمة.
ثالثًا: ماذا تقول الأرقام؟
أصبح الإنترنت ساحة متشبعة بالكثير من الأفلام والصور غير الأخلاقية, بل إنَّ هنالك من هذه المواد الغير أخلاقية ما يفوق العقل ويتمثل في انتهاك صارخ للفطرة الإنسانية, وإذا ما نظرنا في الزيادة السريعة في انتشار المواقع الإباحية؛ سنجد زيادة مرعبة, ففي العام (1997) بعد ستِّ سنوات فقط من انطلاق شبكة “الويب العالمية” كان هناك ما يقرب من (900) موقع لنشر الأفلام والصور غير الأخلاقية, ولكن في عام (2005) صدر ما يقرب من ( 13.500) فيلمًا إباحيًا متاحًا بشكلٍ كامل, إنَّ هذه الزيادة الكبيرة سيقابلها بالفعل زيادة في عدد مدمني الإباحية واستغراق في الإدمان بشكل كبير.
من ناحية أخرى, تقوم اليوم ملايين الشركات والمنافذ بعمل مقاطع إباحية على الإنترنت بشكلٍ مفرط يصعب معه حساب الأمر بدقة, ففي عام ( 2013) وحده حصل أحد المواقع الإباحية على ما يقارب (15) مليار مشاهدة أي: (1.68) مليون زيارة كل ساعة على مدار العام, بمجرد كتابة شخص لشيء يحتوي على إباحية سوف يحصل على ملايين النَّتائج, هذه الشواهد كلها تنذر بخطر كبير يتعرض له الشباب وهو السقوط في مستنقع إدمان الإباحية, ولهذا ينبغي اتخاذ الإجراءات من خلال حكومات الدول لغلق هذه المواقع قدر الإمكان واتخاذ كافة التَّدابير ضد محاولة إعادة تفعيلها مرة أخرى.
في استطلاع رأي, تمَّ إثبات أنَّ واحدًا من كلِّ ثلاثة أولاد يُصنَّف بأنه مستخدِم كثيف للإباحية, حيث يشاهد عدد مرات أسبوعيًا, ففي المملكة المتَّحدة كان أحد المواقع الإباحية قد صُنِّفَ أنه من أكثر “خمسين” موقع زيارة على مستوى المملكة المتحدة, الجدير بالذكر أنك سوف تُصدَم إذا ما علمتَ أنَّ كثيرًا من مرتادي هذا الموقع, هم أطفال بين (6 و 14) عامًا, كما أثبت استطلاع رأي, أنَّ الولد العادي هناك يقضي ساعتين أسبوعيًا لمشاهدة هذه الآفة الغير أخلاقية, بينما واحد من كل ثلاثة من الشَّباب المصنف أنه مستخدِم خفيف يقضي حوالي “ساعة واحدة”, بينما صنف بعض مشاهدي الإباحية بشكل كثيف أنهم يقضون حوالي عشر ساعات أسبوعيًا أمام الإباحية.
في الولايات المتحدة الأمريكية أظهر استطلاع رأي نتائج مماثلة لتلك التي في المملكة المتحدة, خذ في اعتبارك أنَّ أغلبية مشاهدي الإباحية هم من جيل الألفية الجديدة, وأنَّ متوسط جلستهم يستغرق حوالي (9 دقائق).
لذلك يمكننا القول: إنَّ ساعة واحدة في الأسبوع يمكن أن تترجم إلى جلسة واحدة في اليوم, ومن ناحية أخرى وعلى الرغم من أنَّ الوقت الشائع لاستخدام الإباحية يكون ما بين (11) مساءًا ومنتصف الليل, فإن ثلث مستخدمي الإباحية ممن يصنفوا استخدام خفيف قد أعربوا أنهم فاتهم موعدًا مهمًا أو إهمالًا في الوظيفة؛ بسبب عدم القدرة على ترك مشاهدة الإباحية وانغماسهم في مغامرةٍ وهمية.
أضف إلى هذا المزيج الرجال من كبار السِّن (وللإشارة هم نسبة قليلة جدًا من مشاهدي الإباحية إذ يكثر الأمر لدى الشَّباب بشكل أكبر مقارنة بكبار السن) بالإضافة للرجال المتزوجين, ورجال الأعمال, الجدير بالملاحظة: أنَّ هنالك فنادق تقدِّم خدمة مشاهدة الإباحية مدفوعة على مدار السَّاعة من خلال ما يعرف (بالتلفزيون للبالغين) وبالتالي يمكنك تخيل التأثير المدمر لتلك الأفلام على المجتمعات من الناحية الأخلاقية والعملية.
لكن السؤال الذي يفرضُ نفسه هل يمكن لهؤلاء الرجال أو السيدات تعويض الوقت الضَّائع؟!
في الحقيقة حتى نتمكن من الإجابة على هذا السؤال؛ ينبغي معرفة مدى تعرض الفرد لتأثيرات الوسائط ومدى مقدار مشاهدة الإباحية, حيث وجدت دراسة بلجيكية حديثة أنَّ الاستخدام المتكرر للإباحية على الإنترنت قلَّل وبشكلٍ ملحوظ من الأداء الأكاديمي لدى المراهقين, ومن ناحية أخرى عملت الإباحية على امتصاص كامل الفضول الإدراكي والحسي والخيالي لدى المراهقين والصبيان لدرجة فقد مسار الوقت وأصبح الاهتمام بباقي الأنشطة شبه متوقف.
ولمعرفة أضرار الإباحية أكثر, فقد استخدَمَ اثنانِ من علماء النَّفس, وهما: البروفيسور (دولف زيلمان) و البروفيسور ( دون بيرن) ما يُعرف بنموذج (نقل الإثارة وتسلسل السلوك الجنسي) حيث توصل العالمان إلى أنَّ الإثارة العالية التي تسببها الأفلام الإباحية؛ تحفِّز السُّلوك الاندفاعي والمضطرب, الذي يؤثر على الأعمال التي تطلب فترات طويلة من التركيز المستمر, وبناءً على هذا, يجب الاستفاضة في المزيد والمزيد من الأبحاث لاستكشاف هذه النظرية المثيرة للاهتمام.
قد يظنُّ البعض أنَّ مستنقع الإباحية يقتصر على تلك المشاهدة فقط, لكنَّ الأمر ليس كذلك, فبالإضافة لأضرار الإباحية العقلية والجسدية, هناك ضرر سنذكره الأن لا يقل خطورة؛ وهو السقوط في علاقات غير أخلاقية من خلال تطبيقات نافذة على المواقع الإباحية تمكن السَّاقط في براثن هذا الدَّاء من تحويل المشاهدة لواقع, ويصبح المراهق والشَّاب منغمسًا فيها مشاهدةً وفعلًا, ليتحول إلى أسير الإدمان بالكامل, كما أنه قد يكون عرضه لاختراق إلكتروني من خلال هذه النَّوافذ غير الأخلاقية الأمر الذي قد يؤدي لسرقة صورة وصور عائلته من جهازه الإلكتروني, مما قد يترتب عليه ابتزاز مالي وقد يصل لنشر صور عائلته كنوع من الدعاية على تلك المواقع.
من ناحية أخرى وفي دارسةٍ أجراها معهد أبحاث السِّياسة العامة ( IPPR) على حوالي (500) شاب وفتاة, قال اثنان من كل ثلاث ذكور وثلاث من كل أربع فتيات: أنهم يعتقدون أنَّ الإباحية تسبِّب مواقف غير واقعية عن الجنس بينما يظنُّ ثلثا الفتيان والفتيات أنَّ الإباحية يمكنُ أن تصبح إدمانًا ويعتقد 62% من الذكور و 78% من الفتيات أنَّ الإباحية يكون لها تأثير سلبي على آراء الشَّباب حول الجنس السَّوي, وهذا ما أثبته عددٌ من العلماء, حيث أنَّ الإباحية تشوه الصورة لدى المشاهد, بل وتحول المرأة في عينه لمجرد سلعة, وهنا تقع كارثة كبرى من حيث انتشار جرائم التحرش والاغتصاب وهتك العرض.
يعتقد عالم النَّفس البروفيسور ( فيليب زيمباردو) أنَّ الآثار السلبية لمشاهدة الإباحية تكون أشد خطورة على الأشخاص غير المتزوجين منها على المتزوجين, وهذا بالتأكيد لا ينفي شدتها على المتزوجين, حيث يجعلهم يرون الجنس على أنه أداه جسدية و ميكانيكية فقط, دون رومانسية أو عاطفة أو تواصل أو ألفة, وبالتَّالي فهو أصبح في ذهنهم مجرد سلعة يقضيها وينتهي منها؛ ليبحثَ عن غيرها.
إنَّ قضاء ساعتين من الإباحية أسبوعيًا وهو المستخدم الخفيف؛ يًعدُّ كارثة كبرى, إذ يقول بروفيسور (زيمباردو) إذا كان الشَّخص العادي قد شاهَدَ ساعتين فقط من الإباحية أسبوعيًا منذ أن كان عمره (15) عامًا فإنه مع البلوغ سيكون قد حقَّقَ حوالي (1400) جلسة تقريبًا مما سيحول فكرة الجنس الشرعي عنده لضرب مشوه من الخيال, وكما يذكر أحد المراهقين ممن تم شفاؤهم من إدمان الإباحية, إذ يقول: (الفكرة في الإباحية هي تحويل الوهْم لواقع), ذلك الواقع المسموم الذي قد تخسر به أقرب الأشخاص لديك.
رابعًا: السِّينما غير الواعية :-
يمكن أن تكون السِّينما ضارة إلى درجة كبيرة بقدر ما تكون نافعة في بعضِ الأحيان حيث يمكن أن تكون الباب الأول لتعلق أصحاب القلوب الضعيفة والمراهقين بالإباحية والانحراف الأخلاقي وذلك من خلال عرض مشاهد تحتوي على علاقات خارج إطار الزواج وحرية التَّعري, وخيانة الأزواج, وكشف العورات, بل إن الكارثة الأكبر تكمن في ترويج ذلك في بعض أفلام الإنمي والكارتون وكما يقول بروفيسور ( غاري ويلسون) تعد المشاهد والصور الخارجة مدخل مهم لمشاهدة الإباحية.
ولعل أبرز تدليل يمكن أن ندلل به على ذلك هو مسلسلات الكارتون الأمريكية ولعل أبرزها مسلسل (American Dad) حيث ظهر في المسلسل الكرتوني شخصية (روجر سميث) الكائن الفضائي.
ومسلسل (Family Guy) حيث ظهر في المسلسل شخصية الكلب (بريان جريفين), وأما الشخصية الثالثة وهي من نفس هذا المسلسل فهي شخصية ( كواجماير) تلك الشخصيات قد ظهرت مهووسة بالجنس, وإدمان الخمور, والعربدة, والنِّكات الجنسية, كل هذه الأمور تعتبر أحد المداخل المهمة لاتجاه الأطفال ناحية الإباحية مما يجعلهم عرضة لخطرٍ كبير وهو تشوية المسار الطبيعي في العقل منذ الصغر.
كما يعتبر من أشهر المسلسلات التي تروج للانحراف الجنسي والأخلاقي والتي يتأثر بها الشباب والمراهقون مسلسل ( The Office) وعلى وجه الخصوص شخصية (أوسكار مارتينيز), وكذلك شخصية (كورت هاميل) في مسلسل ( Glee)حيث تظهر هذه الشخصيات بصورة منحدرة أخلاقيًا مع إضفاء طابع المرح عليهم في محاولة غير أخلاقية لتلميع تلك الشخصيات في أعين الأطفال والشَّباب المراهق.
وأخيرًا:
عزيزي القارئ: لا تنخدع بعلامة (18+) أو كلمة (للكبار فقط) فقط وغيرها فقد تكون هي مدخل الإباحية بالنسبةِ لك.
ملحوظة: (هذه السلسلة مكونة من أربع أجزاء سوف نتناول فيها هذا الموضوع بالتفصيل).
المراجع في هذه السلسلة من المقالات:
1- كتاب دماغك تحت تأثير الإباحية: عالم التشريح ووظائف الأعضاء: بروفيسور: غاري ويلسون
2- كتاب تعثر الرجال:
أ- عالم النفس: بروفيسور: فيليب زيمباردو
ب- الكاتبة والباحثة: نيكيتا دي كولومبي
3- كتاب أسطورة الإباحية: الكاتب الأستاذ : مات فراد
4- كتاب السينما و اللاوعي: الباحث المتميز المهندس: أحمد حسن
5- كتاب فخ الإباحية:
أ- الاخصائية النفسية والاجتماعية: دكتورة: ويندي مالتز
ب- الاخصائي النفسي والاجتماعي: دكتور: لاري مالتز
6- كتاب الكوكايين البصري: الطبيب: محمد عبد الجواد: مؤسس فريق واعي المتميز في علاج إدمان المواد الإباحية