على رغم لهجة الخطاب المغرورة لدعاة الإصلاحات المشبوهة، وتظاهرهم بامتلاك الحقيقة المطلقة(!) والمنطق الأخلاقي(!) والصواب الفكري(!)؛ إلا أن التأمل في أجندتهم المعلنة وتفحصها يزيل سريعا البهارج الإنشائية من عليها، ويكشف تهافت كثير من حيثياتها، وافتقادها للصواب، وتناقضها مع حقائق الثوابت الإسلامية والوقائع التاريخية في آن واحد، ومن ثم عدم مصداقية من يتبنون تلك الأجندة ويرددنها دون تمحيص أو نقد تاريخي لها.
ودون تعمد ذكر أسماء أشخاص وجهات؛ لأن الهدف هو مناقشة الأفكار/ الاتهامات وليس التأريخ لها فهي ما زالت مطروحة بقوة إعلاميا وسياسيا.. وكذلك لتفويت الفرصة على الباحثين عن الشهرة وأضواء الإعلام، وجوائز حقوق الإنسان الغربية.. فسوف نبسط هنا وجهة نظرنا وقناعتنا في تلك الحيثيات/ الاتهامات التي ينشرها أصحابها في كل مكان بوصفها الأسس اللازمة لإجراء إصلاح ديني حقيقي في الإسلام. وقد اتخذنا من حيثيات يتم تداولها في وسائل الاتصال الاجتماعي أنموذجا لتلك الحيثيات، ومع أن بعض تلك الحيثيات ليست اتهامات مباشرة؛ إلا أنها وضعت في سياق واحد مع تلك الاتهامات لتخدم الغرض الأصل وهو التشكيك في الإسلام: دينا وتاريخا، وسننبه على ذلك في المكان المناسب.
وستكون طريقة النقاش هي إيراد النص/ التهمة أولا ثم التعليق عليه، وإن كنا نعلم أنها طريقة يتحفظ كثيرون عليها لأنها تورد الشبهات فتعطيها أهمية ولو تم تفنيدها بعد ذلك؛ لكن هذا هو اجتهادنا الذي نرجو أن نسهم فيه في دحض الزيف في هذه الشبهات وتفكيك شبكتها العنكبوتية:
الاتهام الأول:
[ على المستوى الإسلامي فلا زال سؤال الإصلاح الديني مؤجلا أو محرما بحجة أن الإسلام ليس بحاجة إلى إصلاح لأنه لا كنيسة في الإسلام.. لكن الإصلاح كان مرحلة ضرورية في حياة كل دين حتى لا ينغلق ويصل إلى مرحلة التوحش كما في الإسلام اليوم!].
تتمترس دعوات الإصلاح المشبوه وراء ادعاء متعنت: أن تاريخ الإسلام وحاضره لم يعرفا دعوات إصلاح، وهو ادعاء لا يكشف جهل أصحابه بقدر ما يكشف حقيقة السوء الذي يختفي وراء تلك الدعوات وأهدافها المريبة.
1- من نافلة القول إن هناك حقائق تاريخية ثابتة (انظر مقالات الحقيقة والوهم في الإصلاحي الديني المسيحي واليهودي) عن ظهور حركات الإصلاح والتجديد في الإسلام في مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي وإلى التاريخ الحديث وعلى مساحة العالم الإسلامي كله تقريبا؛ بل وسبقت عصر الاستعمار الحديث؛ فقد ظهرت منتصف القرن الثامن عشر أولى دعوات الإصلاح الديني في الجزيرة العربية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب قبل حملة نابليون لاحتلال لمصر (1798) التي يؤرخ لها بأنها بداية العصر الحديث عربيا.. كما ظهرت في تونس حركة إصلاح شاملة على يد خير الدين التونسي قبل الاحتلال الفرنسي (1881)، وفيما بينهما ظهرت دعوات إصلاح عديدة في أرجاء من العالم الإسلامي.
وفي هذا الصدد يقول د. برهان غليون (وهو ممن لا يمكن وصفه بالإسلامي أو الأصولي):
[ ليس الحديث في تجديد الفكر الإسلامي من الموضوعات الحديثة أو الراهنة في العالم العربي أو الإسلامي فقد كان تاريخ المسلمين حافلا بمحاولات الإصلاح والتجديد والإحياء..].[1]
والسبب الأبرز في ذلك أنه لم يكن هناك (كنيسة في الإسلام) يؤمن المسلمون أنها وحدها التي يجب أن تتكلم باسم الله وتعبر عن مشيئته، وتعتبر نفسها وريثة الله والرسل، وتفرض رؤيتها للدين، وتدير كل شؤون أتباعها الفردية والعامة وفق قوانينها وطقوسها، ومن يعارضها يتعرض للحرمان والطرد من الكنيسة ومن ممارسة طقوس دينه التي لا تتم إلا بوجود رجال الكنيسة!
لكن يبدو أن أسئلة الإصلاح الديني المؤجلة أو المحرمة، وإنكار ظهور حركات الإصلاح (بما فيها حركات الإصلاح الديني المشبوهة التي تجاوزت في انحرافاتها كل محرم، وسعت لتجاوز أصول الإسلام بل أصل وجوده من الأساس على طريقة الإصلاح اليهودي).. تلك الأسئلة ستظل قائمة في عقول البعض – أو تنتظر التفعيل كل حين وآخر- طالما أنها لم تنجح في تحقيق أهدافها نجاحا نهائيا، أو ما تزال تلاقي مقاومة فكرية ومجتمعية قوية حجمتها كثيرا وقصرتها على النخب المتغربة، والأوساط الجاهلة بروح الإسلام وحقائقه، وجعلتها مرتبطة بكهنوت السلطان وسيفه وطغيانه وليس نتيجة قناعات عامة.
2- من سوء حظ مدمني هذه التهمة التي يتشبثون بها تشبث الغريق بالقشة؛ أنه بالفعل لا توجد كنيسة في الإسلام بشهادة غير المسلمين، ولحسم الأمر بيننا وبين أبناء جلدتنا فهذه شهادات مفكرين ومستشرقين يهود ونصارى حول مسألة وجود أو عدم وجود كنيسة إسلامية:
يقول برنارد لويس المستشرق المعروف:[2]
– [.. عندما اعترفت الدولة بالكنيسة وصارت المسيحية دينها الأوحد ظلت المؤسستان منفصلتين وكانتا تتحالفان أو تتصارعان ولكن من موقع منفصل وليس من موقع الاندماج. حتى عندما حاول الإمبراطور أن يستولي على الكنيسة أو أن تستولي الكنيسة على الإمبراطور حيث فشل الأمر لهذه الناحية ولتلك الناحية وازداد الشق وازداد ما يسمى فصل الدين عن الدولة، ونتيجة تلك المحاولات قامت مؤسستان منفصلتان نتيجة الفكرة المسيحية الأولى (ما لقيصر لقيصر وما لله لله). وهذا المشهد التاريخي الطويل من العلاقات الانفصالية بين المؤسستين في العالم المسيحي لا نجد له مثيلا في العالم الإسلامي وهو غريب عليه.. صحيح أن هناك مسجدا وهناك كنيسة، والكنيسة تمارس فيها العبادة كما تمارس العبادة في المسجد إلا أن الشبه ينتهي عند هذا الحد لأن الكنيسة مؤسسة لاهوتية خاصة ذات علاقة خاصة بالله وبأسرار الديانة المسيحية وهو مالا يملكه المسجد فالكنيسة مؤسسة في المسيحية بينما العبادة ليست مؤسسة في الاسلام إلى أن ظهر ما يشبه المؤسسة في المسائل العبادية والسياسية في إيران مؤخرا من خلال ولاية الفقيه..]
ويقول المستشرق المعروف/ جوزيف شاخت:[3]
– [ في الإسلام لم يكن قط ما يشبه كنيسة؛ فالشريعة الإسلامية لم تستند مطلقا إلى تأييد قوة منظمة، وعلى ذلك لم ينشأ قط في الإسلام اختبار حقيقي للقوى بين الدين والدولة، وظل المبدأ القائل بأن الإسلام – من حيث هو دين ينبغي أن ينظم الناحية القانونية في حياة المسلمين- قائما لا يتحداه أحد.].
3- وأما أنه (لا كنيسة في الإسلام) فهي حقيقة تاريخية مثل الشمس لا ينكرها إلا أعمى البصيرة باحث عن الشهرة والجوائز الغربية.. وأين هي (الكنيسة الإسلامية) طوال 1400 عام والمذاهب والفرق والجماعات الدينية الإسلامية تنشأ دون رقيب ولا حسيب، ولا استئذان من أحد؟ وأين هي (الكنيسة الإسلامية) والاجتهادات والآراء والفتاوى تتعدد وتختلف بلا حدود ولا رقابة ولا انتظار أوامر البابا أو شيخ الإسلام؟
وأين هي (الكنيسة الإسلامية) ولم يحدث أن تولى حاكم السلطة بأمر شيخ، أو باركه ووضع التاج على رأسه في طقوس دينية رسمية لا تصح الولاية له إلا بها؟ والحقيقة الثابتة أن الحكام هم الذين كانوا – وما يزالون- يتحكمون في رقاب الرعية ومنهم الشيوخ والعلماء كما يشاءون؟
وأين هي (الكنيسة الإسلامية) ولم يحدث أن منح مسلم صك غفران بأنه مكانه محجوز في الجنة مقابل منحة مالية للكنيسة، أو للشيخ، أو جهاد في سبيل الله لا يعلم أحد يقينا هل يتقبله الله أو لا يتقبله.. أو مقابل إيمانه وأعماله الصالحة؛ فحتى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه يقول – في حديث حسنه وصححه أكثر من محدث- إن رحمة الله فقط هي التي ستدخله الجنة وليس عمله!
وأين هي (الكنيسة الإسلامية)، وأين هم كهانها المهيمنون على الحياة الدينية للفرد، والأسرة، والمجتمع، والدولة، يحصون أنفاس العامة والخاصة، وحضورهم ومباركتهم شرط لصحة إسلام طفل، أو زواج مسلم ومسلمة، أو لإتمام مراسيم غسل ميت ودفنه، أو قبول توبة فرد من الذنوب والمعاصي؟
4- من البديهي أن رفض انحرافات البعض عن أصول الإسلام، ورفض الاستهزاء بالمقدسات الإسلامية، ورفض المجاهرة بالكفر والتشكيك برسالة الإسلام وصلاحيتها؛ هو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو حرية التعبير عن الرأي.. ولا يعني أن هناك كنيسة إسلامية على نمط الفاتيكان أو البابوية المرقسية في مصر؟ ومثل ذلك رفض فرض قوانين غير إسلامية بدل قوانين الشريعة الإسلامية بحجة تفوق الأولى وتخلف الأخرى.. وكما رفضت مثلا في القرن العشرين قرارات حكومية بمنع الصيام في رمضان لتعارضه المزعوم مع العمل! وكما رفضت قرارات جائرة بنزع الحجاب عن رؤوس المسلمات وإلزامهن بالسفور!
وأخيرا.. فإن كان تعويل هذه التهمة على ممارسات التكفير بين الفرق الإسلامية، أو حبس وتعذيب المخالفين فكريا، أو إقامة حد الردة على بعض الأفراد (على ندرتها وهي ذات دوافع سياسية تلبست أو ألبست حجة دينية)؛ فإن الأمر أيضا – مع رفضنا لتلك الإجراءات ذات الملابسات الغامضة- ليس فيه كنيسة إسلامية تحاكم ولديها قضاء كنسي يصدر الأحكام وينفذها.. فقد طال التكفير حتى شيوخ الإسلام وكبار علمائه أنفسهم، والمهم هنا هل منع متهم أو مغضوب عليه بسبب آرائه من أداء واجباته الدينية؛ لأن الكنيسة المزعومة حرمته من ذلك فلم يعد قادرا على الصلاة، أو دخول مسجد، أو أداء فريضة من الفرائض؟ وهو بالمناسبة ما يحدث بكثرة في الأنظمة العلمانية الديكتاتورية مع عدم وجود دين أصلا؟
يجدر التنبيه هنا أننا نتحدث عن التكفير في إطار الفرق الإسلامية ذاته، وليس مواجهة بعض الخلفاء العباسيين للملاحدة والزنادقة المتأثرين بعقائد المجوس والمانوية، وجاهروا بتسفيه وتحقير وتكذيب والتشكيك في عقائد الإسلام، والقرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم؛ في زمن انتعاش الظاهرة الشعوبية ذات الجذور المجوسية والمانوية وأمثالها التي وجدت دعما خفيا من كبار رجال الدولة العباسية من الفرس الذين طغى نفوذهم أحيانا على الخلفاء أنفسهم. ولا شك أن أولئك النفر لو كانوا احتفظوا بآرائهم لأنفسهم ولم يجاهروا بها، وتجنبوا تحقير العقائد الإسلامية، والتشكيك في القرآن الكريم، وإهانة الرسول الكريم لما تعرضوا لما تعرضوا إليه. وعلى العموم فحتى تاريخ العلمانية في كل دوله حدثت مثل تلك المواجهات الدموية للمعارضين (السياسيين وليس العقائديين) كما حدث في الدول العلمانية الشيوعية والفاشية والنازية، ومعروف تاريخ البطش والقتل الذي مارسته الدول العلمانية الليبرالية ضد الثوار المطالبين بالحرية في المستعمرات في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
5- من المهم لفت الانتباه إلى أن وصف الإسلام (بالتوحش)، وتحميله مسؤولية ممارسات منتمين إليه، دليل على طبيعة هذه النوعية من مقلدي الغرب المسيحي الرأسمالي، ومستوياتهم الفكرية الهشة، وهم يخوضون نيابة عن الغرب المسيحي واليهودي معركتهم الأزلية ضد الإسلام؛ فيحاكمون الإسلام ليس وفق قواعده وأصوله ولكن وفق تصرفات بشرية لو اعتمدناها معيارا لكانوا هم سببا في وصف الإسلام والحداثة والعلمانية معا بأشنع الأوصاف!
وسبحان الله.. فهؤلاء يرون ببجاحة أن الإسلام وصل مرحلة (التوحش) اليوم بسبب زعمهم عدم وجود حركة إصلاح ديني! وينسون – في الحقيقة هم يجهلون- أن تاريخ أوربا والغرب المسيحي ما يزال هو الأكثر توحشا رغم دعاوى الإصلاح الديني، ومن المعلوم بالضرورة في تاريخ الإصلاح المسيحي كيف عانت أوربا من جرائم الإصلاح الديني في حق المسيحيين المخالفين الرافضين له بل وحتى المسيحيين المختلفين معه في بعض التفاصيل. وكانت أسوأ فترات المآسي الدينية، والتوحش المسيحي، والحروب الدينية المتوحشة هي التي تسبب بها الإصلاح المسيحي البروتستانتي، والتي نشبت لضمان النقاء الديني في البلدان البروتستانتية والكاثوليكية، ومثلها التوحش المضاد لمحاكم التفتيش الإسبانية وكنيسة روما التي كان من إحدى مهامها تطهير إسبانيا من المسيحيين المخالفين للعقيدة الكاثوليكية ومن بقايا المسلمين واليهود المشكوك في اعتناقهم المسيحية الذي كان شرطا لبقائهم في إسبانيا.
ولعل مقلدي الغرب هؤلاء المستوحشين من (توحش الإسلام) قد نسوا فظائع الإصلاحات المسيحية في أوربا، وفي زمن الاستعمار ومرحلة الاكتشافات الجغرافية، وماذا فعل المسيحيون بالشعوب أو السكان الأصليين في الأمريكيتين وإفريقيا وآسيا وإستراليا؟[4]
ونسوا ماذا فعل المسيحيون (الذين أصلحوا دينهم!) في القرن العشرين بالعالم وبأنفسهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي أنتجت قرابة سبعين مليون قتيلا ناهيكم عن الجرحى والمعوقين.. وهل هناك توحش أسوأ من قصف مدينتي هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية المسيحية؟ ومن قبلها تسوية بلدان أوربا وروسيا واليابان بالأرض بفعل غارات الحلفاء والمحور ضد بعضهم بعضا؟[5]
وها هم اليهود الصهاينة في فلسطين – أو أهل الدين اليهودي الذي يقولون أنه أنجز إصلاحه الديني، وتصالح مع نفسه وعصره- ينجزون في أرض فلسطين العربية إصلاحا دينيا متوحشا عنصريا تحت دعاوى وأساطير دينية متخلفة، وامتدت آثاره إلى لبنان ومصر وسوريا والأردن، وبتأييد الغرب المسيحي بإصلاحاته غير المتوحشة؛ بل كانت البروتستانتية ثمرة الإصلاح المسيحي بالذات هي الحامل الديني والسياسي لفكرة مشروع الدولة اليهودية في فلسطين تمهيدا لعودة المسيح الثاني منذ مارتن لوثر إلى الأصولية المسيحية الإنجيلية المهيمنة في أمريكا المسيحية![6]
ولمزيد اطلاع عن علاقة المسيحية الإنجيلية البروتستانتية بالمشروع الصهيوني المدمر؛ فهذا تقرير حديث ترجمه ونشره موقع عربي بوست عن تلك العلاقة في20/05/2018 :
لماذا خفتَ بريق اليمين المسيحي في عاصمة الإنجيليين في أميركا؟
معركة هرمجدون لم تعد تستهويهم رغم نقل السفارة الأميركية إلى القدس
قبل 40 عاماً من الآن، كانت أفكار نهاية العالم ومعركة هرمجدون العظيمة تسيطر على عقول وقلوب عدد كبير من داعمي وأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة هؤلاء الإنجيليين، ولكن الآن أصبحت هذه المقولات من الماضي، وخفت صوت أصحابها.
عدد كبير في اليمين المسيحي، يعد قيام إسرائيل مفتاحاً لتحقق النبوءة. لكن للجيل الجديد رأي آخر، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
في حفل نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، كان من ضمن المتحدثين الأميركيين اثنان من أبرز الإنجيليين في أميركا، هما القس روبرت جيفريس، مؤلف العديد من كتب القيامة حول إسرائيل، وجون هاجي، الذي فسر خسوف القمر الأخير على أنه دليل على اقتراب نهاية الزمن. بينما أعلنت الشخصية دائمة الظهور على قناة “فوكس نيوز”، جانين بييرو، أن ترمب “حقق نبوءة توراتية”.
وتزامن الاحتفال مع الاحتجاجات الضخمة، التي قُتل فيها 60 فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية.
على بعد آلاف الأميال، في منزلها خارج كولورادو سبرينغز، جلست كيمبرلي تروب في مكتبها بالطابق السفلي. إنها مسيحية إنجيلية تؤمن بشدة بمقولة الرب في الكتاب المقدس عن الأمة اليهودية: “سأبارك من يبارككم، وألعن من يلعنكم”، كما تقول الصحيفة البريطانية.
وفقاً لذلك، كرست 22 سنة من عمرها لإسرائيل. وهي الآن المديرة الأميركية لجمعية الأصدقاء المسيحيين للمجتمعات الإسرائيلية، وهي مجموعة مناصرة لإسرائيل ذات أيديولوجية صهيونية. ويعمل معها موظفان آخران في المنظمة، وكان ثلاثتهم مشغولين للغاية، هذا الأسبوع.
ومنذ أن كانت طفلة، في ولاية كنتاكي، انغمست تروب في الشأن الإسرائيلي. رأى والدها أن إنشاء الدولة اليهودية في عام 1948 وحرب الأيام الستة في عام 1967 دليل على نبوءة توراتية تنبئ بنهاية العالم. تؤمن تروب بنبوءات كهذه، على الرغم من أنها لا تتظاهر بمعرفة وقت حدوثها، إلا أنها ترى أن من واجبها كمسيحية دعم إسرائيل، والدفاع عنها ضد “العرب” الذين “ليسوا مهتمين بالسلام”، بحسب الصحيفة البريطانية.
حين كانت توضح موقفها تحدَّث مرافق لها كان صامتاً، مقتبساً عن سفر إشعيا: “أنت الذي تدعو الرب، لا تسترح، ولا تمنحه الراحة حتى يقيم أورشليم ويجعلها جنة الله في الأرض”.
لطالما كان للمسيحيين حول العالم اهتمام شديد بالأرض المقدسة. وكانوا يعتقدون على نطاق واسع أن عودة اليهود إلى فلسطين مرة أخرى ستؤدي إلى حرب مقدسة بين الخير والشر (كما ورد في النبوءة في سفر الرؤيا)، وبعد ذلك سيقيم الله مملكة مقدسة على الأرض، بحسب The Guardian.
في السبعينيات، كان والد تروب واحداً من الملايين الذين اشتروا كتاباً بعنوان “الأرض العظمى القديمة”، وهو ما فسَّر الأحداث في إسرائيل كدليل على أن حرب هرمجدون العظيمة ستحدث في أواخر الثمانينات. وكان أكثر الكتب مبيعاً في تلك الحقبة الزمنية، تبعها مجلد عن مؤامرة نهاية الزمن بعنوان “النظام العالمي الجديد”، من قبل المصوِّر التلفزيوني بات روبرتسون، ثم سلسلة روايات وأفلام Left Behind التي تحكي عن الاشتباكات العنيفة في إسرائيل، التي من شأنها أن تحقق النبوءة التوراتية.
بالنسبة لغير المؤمنين، تبدو هذه الأعمال الشعبية حول القيامة وكأنها درب من الخيال. لكن بالنسبة لملايين المسيحيين، هي خريطة طريق نحو نهاية العالم، بحسب الصحيفة البريطانية.
“لقد مررنا بكل هذا من قبل”
لقد أدَّى نقل السفارة الأميركية إلى ترسيخ فكرة -لا يشاطرها الشعب الفلسطيني- بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وهي جزء أساسي من لغز نهاية الزمن. في استطلاع حديث للإنجيليين من LifeWay، قال أكثر من نصف المشاركين إن نبوءة نهاية الزمان هي السبب الرئيسي لدعمهم لإسرائيل.
ومع ذلك، فإن كولورادو سبرينغز، التي كانت في أوج إدارة جورج دبليو بوش معروفة بشكل غير رسمي باسم “فاتيكان الإنجيليين”، فإن مثل هذا التأويل لخطوة نقل السفارة ليس عامّاً، بحسب الصحيفة البريطانية.
قال بروس ماككلاج، وهو إنجيلي سابق يُعرف نفسه الآن بأنه “تابع المسيح”، “لقد مررنا بكل هذا من قبل”. خلال فترة شبابه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كان ماككلاج منضماً إلى الحركة المسيحية، التي فسَّرت علامات إسرائيل كدليل على اقتراب نهاية الزمان. لكن بالنسبة إلى ماككلاج تلاشت هذه القناعات ببطء، بعد أن خالفت الأشياء السير على النحو الذي كان المفترض أن تسير وفقه.
ويضيف “لقد كانت تلك الأمور أداة كلاسيكية تُستخدم في التعالي على الناس ومراقبتهم”. “نسأل: إذا عاد يسوع اليوم، هل ستذهب إلى الجنة؟ لقد كان نوعاً من التهديد… وآمنَّا أنه إذا دعمنا إسرائيل، يمكننا التعجيل بعودة المسيح”.
بشعره الأشقر الطويل ولحيته الصغيرة المدببة، بيدو ماككلاج وكأنه ما زال عضواً في جماعة يسوع المسيح في كاليفورنيا، وهي حركة من المسيحيين في مرحلة ما بعد الهيبيين الذين كانوا مهووسين بنبوءة نهاية الزمان. (ومصطلح “المتروك left behind” تم اقتباسه من أغنية شعبية في ذلك العصر، وهي “أتمنى أن نكون جاهزين”، للاري نورمان، الأب الروحي لموسيقى الروك المسيحية). لا يزال ماككلاج يذهب للكنيسة، يصلي ويقرأ الكتاب المقدس، ولكنه انسحب ببطء من اليمين المسيحي، بحسب الصحيفة البريطانية.
واليوم، يجلس في مقر وايلد غوس في وسط مدينة كولورادو سبرينغز، وهو مكان معروف بكونه مكاناً لتجمع الـ”ما بعد الإنجيليين” أو “الإنجيليين التقدميين”. يبدو مثل أي مقهى عصري آخر أنيق، يقدم القهوة المحمصة والبيرة ومقطوعات من موسيقى الروك. وكتب تحمل عناوين مثل “المسيحية بعد الدين Christianity After Religion” و”إعادة ميلاد الرب The Rebirthing of God” على الرفوف. وهناك أيضاً تُنظم باعتيادٍ فعاليات مثل “ما الخمر الذي يشربه المسيح؟”، وهي دراسة عن الكتاب المقدس تركز على البيرة.
كيف تعرف أصحاب اليمين المسيحي؟
وبحسب الصحيفة البريطانية، إن السمات المميزة لثقافة اليمين المسيحي القديم لا تزال موجودة: فهم طبقة من البيض، من الطبقة الوسطى، ويتخلّلهم جنود بملابسهم العسكرية. في المدينة خمسة منشآت عسكرية، لكن هذا المتجر يمثل تغيراً في الموقف تجاه المسيحية في وسط مدينة كولورادو سبرينغز، وهو موقف غير مهتم بخطاب نهاية الزمن المحيط بإسرائيل.
قال روس وير، الشريك في ملكية Wild Goose، الذي نشأ إنجيلياً لكنه لم يعد يعترف بآرائهم “هناك الكثير من الشباب في وسط المدينة يسمون أنفسهم إنجيليين، بل وحتى محافظين، لكنهم جيل مختلف تماماً عن آبائهم”.
“هم في الغالب ليسوا من أنصار ترمب. لديهم مجموعة متنوعة من وجهات النظر حول قضايا المثليين، كما أنهم غير متوافقين حول موضوع نهاية العالم… هناك بالتأكيد نوع من الملل الذي انتاب هذا الجيل حول موضوع نهاية الزمن”.
وقد نشأ هذا الجيل من “الإنجيليين التقدميين” على نوعية من الأفلام الرخيصة ذات الميزانيات المنخفضة والروايات الشعبية التي حقنتهم بخوف تجاه النشوة اللحظية القادمة، وهي ديناميكية وصفها ببلاغة الراحل بيلي جراهام. إذ قال “أنا أمسك الكتاب المقدس في يد وأمسك الصحيفة في اليد الأخرى. وما قرأته في الصحيفة هو تقريباً ما قرأته في الكتاب المقدس. تتحقق نبوءات الكتاب كل يوم حولنا”، بحسب الصحيفة البريطانية.
في التسعينات، كان كريستوفر ستروب أحد هؤلاء الإنجيليين. وقد تخلّى الآن عن إيمانه، ويقود حملة إعلامية اجتماعية تسعى إلى حشد “التبشيريين السابقين” بهاشتاغات مثل #emptythepews و#raptureanxiety. وقال “رأينا بالتأكيد الكثير من الإنجيليين السابقين الذين أثارتهم أخبار القدس”.
لا يقتصر التشكيك في سيناريو نهاية الزمن على الإنجيليين الجدد وحدهم. تعتقد كيمبرلي تروب أن إسرائيل ستكون مركز هرمجدون، لكنها لا تعتقد أن ذلك سيحدث الآن. وأصدر مؤلف كتاب والدها المفضل أجزاء أخرى تكهنت بتواريخ لاحقة لدمار الأرض. وهي تشك في صدق كل من يدعي أنه يعرف متى سينتهي العالم.
وقالت: “كان الخوف الكبير هو أن نقل السفارة إلى القدس سيكون بداية الحرب العالمية الثالثة هرمجدون”. “هناك القليل من الاضطرابات لكن لا شيء جديد. لقد عشنا في هذه الاضطرابات لمدة 600 سنة. ستسير الأمور كالمعتاد… يبدو الأمر أسوأ مما هو عليه لأنك تسمع عن الأشياء السيئة فقط في وسائل الإعلام”.]
وأخيرا.. فمقلدو الغرب هؤلاء (منكرو حدوث إصلاح ديني إسلامي) لا يعلمون أنهم بمطالبهم هذه أنهم يتجاهلون أن الإصلاحات المشبوهة التي تعجبهم – وتتجاوز الأصول والفروع على حد سواء- قد ظهرت فعلا في عالمنا الإسلامي؛ سواء في عصور الإسلام الأولى بظهور الفرق الباطنية والفلسفية، أو في عصرنا هذا الذي ظهرت فيه إصلاحات تنكر أصول الإسلام، واتسمت ببعض مظاهر الإصلاح اليهودي ذات الصبغة الإلحادية والنيل من الأصول الدينية وإنكارها، وإلغاء بعض التشريعات الإسلامية الثابتة كما حدث من قبل الأنظمة (التي يفترض أنها أنجزت إصلاحها الديني) في تركيا الأتاتوركية، وتونس بورقيبة، والنظامين الشيوعيين في اليمن الجنوبية والصومال، وفي غيرها من البلدان الإسلامية التي حكمتها أنظمة علمانية لا دينية!
ولعل هذه المفارقة في إنكار حدوث إصلاحات حقيقية – أو حتى منحرفة- تدل على أن المطلوب من معنى الإصلاح الديني في الإسلام هو اجتثاث هذا الدين نهائيا، أو مسخ كل مبادئه وكل مظاهر الحياة الإسلامية الناتجة عنه.. فإذا فشل (الإصلاح المزعوم) في تحقيق أهدافه هذه فهو ليس إصلاحا من الأصل، ومن ثم فالإسلام تعالت الأصوات بأنه لم يعرف إصلاحا كالمسيحية واليهودية!
الهوامش:
- انظر: فلسفة التجديد الإسلامي، د. برهان غليون، ص69، من كتاب: الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي،ط1، 1991، منشورات مركز دراسات العالم الإسلامي.
- الإسلام والدولة، برنارد لويس، مجلة التسامح العمانية، ص187، العدد8، خريف2004، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان.
- الإسلام في عيون غربية بين افتراء الجهلاء وإنصاف العلماء، د. محمد عمارة، ص 180، ط1، 2005، دار الشروق.
- انظر: العلمانية من منظور مختلف، د. عزيز العظمة، ص24، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1992. والدين والعلمانية في سياق تاريخي، د. عزمي بشارة، جزء2، المجلد الأول، فصل الإصلاح، المركز العربي للأبحاث والدرسات، ط1، 2015 3 مجلدات. وانظر: كتاب/ المسيحية والسيف: وثائق إبادة هنود القارة الأمريكية على أيدي المسيحيين الإسبان رواية شاهد عيان، برتو لومي دي لاس، ترجمة سميرة عزمي، منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية، نسخة إلكترونية. ورواية الجذور الشهيرة التي جسدت مأساة الاسترقاق المسيحي في أمريكا في العصر الحديث، تأليف أليكس هيلي.
- الولايات المتحدة طليعة الانحطاط، روجيه جارودي، ط1، 1998، ترجمة مروان حموي، دار الكتاب للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، دمشق، نسخة إلكترونية. وبضغطة صغيرة بحثا في موسوعة ويكيبديا سوف يكتشف المتوحشون من توحش الإسلام صفحات من توحش جيوش بلدان الإصلاح الديني في القرن العشرين فقط ولاسيما ما فعلوه بحق النساء أثناء تحرير ألمانيا وأوروبا من الحكم النازي.
- انظر/ البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني دراسة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية، د. يوسف الحسن، ط1، 1990، مركز دراسات الوحدة العربية.