في الجزء الثاني من هذه الحلقات التي تتحدث عن الحركة الإسلامية السودانية وتجربة الحكم إضاءة على طريق الاستفهام والاستلهام، نواصل فيها عرض ما تم طرحه من أوراق من المختصين والمهتمين والمنتمين لهذه الحركة؛ وهي خلاصات تتيح للمتابعين المنشغلين الاطلاع على ما قدمته هذه التجربة إيجابا وما وقعت فيه سلبا، بحكم كينونتها الحركية الاجتماعية القابلة للخطأ والصواب والاقدام والتقهقر؛ بفعل السنن البشرية وإمكاناتها والطبيعة الواقعية ومستلزماتها. فما الذي قدمته هذه التجربة في الاقتصاد والتنمية؟ وما الذي قدمته في المجال الأمني والعسكري؟ وما الذي قدمته في مجال السلام والانفصال؟ فهذا كشف حساب يرصد العطاء في جانبه الإيجابي ليأتي في الجزء الثالث جوانب الثَّلْب والسلب، والانعكاسات الضَّارة سواء كان مصدرها الانحراف والنخر الداخلي أم الضغط والاستعلاء الخارجي، فهذه محطات من خلال الاطلاع عليها تُزال الغشاوة عن الأبصار، والغمامة عن الأنظار والأفكار عند ذوي السوية والإنصاف.
(1)
الاقتصاد والتنمية (1)
ورث الإسلاميون بلدا منهكا انعدمت فيه السلع الأساسية وتصدعت البنى التحتية وتراجع الإنتاج والصادر وتوسعت الحرب وتضاءلت مساحة الأمن وارتفع التضخم وتراجعت مستويات الصحة والتعليم وتسلم الإسلاميون البلد عند ناتج قومي يساوي 12,2 مليار دولار وتركوه في 2017 م عند ناتج 123 مليار.
في عام 88م نزلت أمطار في السودان أدت إلى توقف الحياة تماما ، انقطاع الكهرباء وتوقف المخابز والمطاعم والاتصالات ، وكانت تأتي طائرات من اليمن والمملكة السعودية بالخبز، فالإنقاذ بمبررات وجودها على نحو خاص كما سبق الكلام حوله ، أما على النحو العام فقد ورثت نظاما منهارا ؛ لذلك سعت إلى تقسيم سياساتها الإنقاذية الإصلاحية إلى مراحل :
المرحلة الأولى من عام 89-92م وكانت خطتها فيها استعادة التوازن في الاقتصاد السوداني وحلحلة الأزمات الأساسية ، وتأمين السلطة نفسها .
المرحلة الثانية من عام 92-99م، وكانت خطتها إعلان سياسة التحرير الاقتصادي ، حيث الاقتصاد السوداني يقوم على الدعم وكروت التموين ، فكان السعي للتخلص من السلع التي كانت تدخل مرحلة الدعم والتموين .
المرحلة الثالثة من عام 2000-2007م وهي مرحلة إنتاج البترول .
المرحلة الرابعة من عام 2008 – 2011م وما بعدها مواجهة ارتدادات الأزمة المالية العالمية .
الفترة الخامسة ما بعد الانفصال والبرنامج الثلاثي من 2012م إلى 2014م.
الفترة السادسة : وهي الفترة التي سميت ببرنامج الخماسي وهو البرنامج الذي كان سيستمر من 2012- 2020م، لكن توقف التنفيذ في 2018م .
المرحلة الأولى شابها عدم اليقين وانصراف الجهود إلى استقرار الحكم وتم التركيز على ترتيب الأوضاع الاقتصادية السائدة حيث وضعت بعض السياسات الاقتصادية للتحكم فقط وأدوات السياسة المالية والتنفيذية والانفاق الحكومي والسياسات الضريبية، والهدف من وراء هذه السياسة خفض معدلات التضخم واستقرار سعر الصرف.
المرحلة الثانية شهدت اوضاعا متغيرة في الساحة الدولية ..كحرب الخليج التي أثرت على الأوضاع الاقتصادية السائدة وكان موقف السودان منها صحيحا ولكنه صُنف على أنه من دول الضد وضُيق عليه كثيرا في المعونات والإمكانات وتماشيا مع هذه الأوضاع الاقتصادية الدولية التي شملت تحديات تخفيض نسبة الفقر وتطبيع العلاقة مع صندوق البنك الدولي ومع بقية مؤسسات التحويل الإقليمية والدولية وإعادة تشكيل النظام المالي والنقدي ، وتشجيع حدوث الاستثمار.
فقد أملت الحكومة التحرير الاقتصادي سنة 92م حيث تم تحرير معطم السلع عدا سلعة الخبز والكهرباء والبترول ، ثم التحرير تدريجيا حتى عام 97، وقد شهدت هذه الفترة معدلات تضخم المالية في المتوسط العام للسودان من العام 93م ، حيث بلغ أعلى تضخم 18% وليس هناك فروقات كثيرة في ارتفاع معدلات التضخم السنوي في هذه الفترة ويعود ذلك لتشابه النمط الاستهلاكي للسلع التي ارتفع أسعارها جرّاء التحرير الاقتصادي سنة 96م شهدت انخفاضا في معدلات التضخم وذلك لثبات السياسات الاقتصادية التي اتخذت بهذا الشأن، ومنها : تخفيض الانفاق الحكومي وعدم الاستدانة من الجهاز المصرفي ،واستقرار سعر الصرف. فانخفض التضخم من 181،5 %إلى 18،5 % في عام 99م ، وكان هذا من المعالجات الحازمة على المستوى الوطني دون مساعدات من المؤسسات الدولية.
ارتفع معدل النمو في الناتج القومي الاجمالي تدريجيا من مستوى5،4% عام 93م إلى مستوى 8،2% عام 98م ، وذلك بفضل الإدارة المحكمة والمتناسقة للاقتصاد، وهذا قبل دخول النفط في مصب الاقتصاد السوداني.
الفترة الثالثة من عام 99- 2007م فترة إنتاج البترول شهد الاقتصاد معدلات نمو عالية بفضل إنتاج وتصدير البترول ، وزاد الانتاج الزراعي وحركة الصادر واستقرار الصرف والخدمات التي أدت إلى انخفاض التضخم ، حيث سجل العام 2001م معدل4،4% وكانت أقل تضخم في الفترة .
الفترة الرابعة : من عام 2008 – 2011م فترة الأزمة المالية ، كثير من الدول ترتبط بعلاقات تجارية واقتصادية مع الدول المتقدمة للحصول على السلع والخدمات التي تحتاج إليها ، والسودان واحد منها ، فلما حدثت هذه الأزمة حصل ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات المقدمة من هذه الدول ، وتأثرت الدول الفقيرة جدا من هذا الوضع ، هذه الأزمة انعكست على اقتصاد السودان ولكن اتُخذت بعض السياسات لتجاوز الآثار السالبة لهذه الأزمة ونتج عن هذه الأزمة ارتفاع معدلات التضخم من جديد إلى 18%.
الفترة الخامسة ما بعد الانفصال والبرنامج الثلاثي من 2012م إلى 2014م ، فإن نسبة كبيرة من انتاج البترول هو في الجنوب، ففقد السودان بالانفصال نسبة عالية من العملة الأجنبية فأثر هذا على السلع والخدمات بشكل كبير جدا ، ارتفع المستوى العام لأسعار السلع والخدمات من196،6 % عام 2011م إلى 230% عام 2012م ، مسجلة نسبة تضخم 35،6% سنويا إثر تطبيق حزمة اقتصادية في نفس العام شملت اسعار الوقود .بينما سجل التضخم نسبة بلغت 36،5% في العام 2013م .
تعرض لضغوط اقتصادية دولية كحظر أهم السلع كمدخلات الانتاج والاستيراد وهو ما تسبب في نقص كمية السلع المعروضة وزيادة أسعارها.
وقد وضعت الحكومة برنامجا اقتصاديا لمواجهة هذه الأزمة من عام 2012- 2014م للتقليل من آثار جزء كبير من البترول من الاقتصاد السوداني، ومن الإجراءات التي تم تطبيقها في عام2012م تمثلت في زيادة أسعار المحروقات وزيادة ضريبة التنمية على الواردات من 10% إلى 13% وزيادة فئة الضريبة على القيمة المضافة من 15% إلى 17% وزيادة الدولار الجمركي من 7،2% جنيه للدولار إلى4،4% جنيه للدولار، وارتفع سعر الصرف في السوق إضافة لتعرض السودان إلى ضغوط في أهم السلع .
الفترة السادسة : وهي الفترة التي سميت ببرنامج الخماسي وهو البرنامج الذي كان سيستمر من 2012- 2020م، لكن توقف التنفيذ في 2018م .
على الرغم من خروج النفط من الاقتصاد السوداني والصدمة الاقتصادية الهائلة التي تلقتها البلاد من جراء ذلك ، ولكن معالجات الاقتصاد تمكنت إلى حد مقبول من محاصرة التضخم الذي ارتفع من5،16 % من العام 2015م إلى32،5 عام 2017م .
سعر الصرف يناير 2018م ابتدأ من11،5% جنيه للدولار وانتهى في ديسمبر إلى47،5% جنيه للدولار الواحد .
بلغ معدل النمو للناتج المحلي الاجمالي 2017م 5،2% مقارنة بمعدل نمو 3،3% عام 2016م مقارنة بمعدل نمو3،7% عام 2015م، معدل النمو الأولى 15-16-17م 4،4%.
ولتحقيق التنمية الشاملة المتوازنة فإن أبرز المؤشرات الاقتصادية كالتالي :
شهدت البلاد خلال فترة 89 – 2018م نموا كبيرا في حجم الاقتصاد الكلي للبلاد ، إذ ارتفع الناتج المحلي الاجمالي من82،5% مليون جنيه في العام 89م إلى 181مليون جنيه في عام 2011م ، وهو ما يعادل86.
صاحب ذلك ارتفاع كبير في متوسط دخل الفرد من 3700 في العام 89م إلى حوالي ضعفه في العام 2012م ، ظل معدل النمو الاقتصادي في تصاعد قبل وأثناء وعقب خروج النفط ، معدل النمو لم يتحول إلى سالب .
سجل معدل التضخم في العام 89م إلى 750،3% ثم انخفض إلى 404% عام 2007م ، وبدأ في تصاعد بفعل صدمات وضغوط دولية إلى 32% عام 2017م ، والآن وصل إلى 400% .، صاحب النمو الاقتصادي زيادة كبيرة في الاستثمار الاجنبي الذي تضاعف اكثر من مأتي ضعف ، ارتفع من 188مليون جنيه عام 89م إلى 40مليار في العام 2011م ، ثم ارتفعت ستمأة ضعف.
الاستثمارات الأجنبية بلغت 171مليار في العام 2018م .
كان عدد المصارف 89م 5 مصارف فقط ، وشهدت الفترة التالية نموا في القطاع المصرفي ليصبح عددها في البلاد 38 مصرفا عام 2018م ، وتضاعفت فروع المصارف في الولايات أكثر من 13 ضعفا ، من 60 فرعا في عام 89م، إلى 562 مصرفا عام 2011م ثم إلى 770 مصرفا. وزادت فروع البنك المركزي من 7 فروع عام 89م ، إلى 18 فرع بمعدل فرع لكل ولاية .
لم تكن شركات الصرافات والتحاويل المالية موجودة قبل عام 98م ، أما الآن 53 شركة صرافة مالية بحدود العام 2018م .
انخفضت تكلفة التحويل إلى الثلث ؛ إذ كانت في عام 89م 30% إلى 11% عام 2011م إلى 10% عام 2018م .
تضاعفت إجمالي الودائع في الجهاز المصرفي إلى أكثر 60 ضعفا ؛ إذ ارتفعت من 14 مليار جنيه في العام 89م إلى 148 مليار جنيه في العام 2011م إلى 447 مليار جنيه عام 2018م .
وارتفعت حصيلة الصادرات من 3032 عام 89م إلى عدة أضعاف.
إجمالي الواردات لمعايشة الحياة العصرية للسودان من المعدات والآلات ارتفع من 5261 إلى 25 مليون و182 و511 عام 2012م أي تضاعفت 13 ضعف مقارنة بالعام 89م .
دخلت صادرات الذهب 1992م وبلغت 6 مليون و540 ألف ، وفي عام 2012م ارتفعت 10 مليون .
تم إنتاج الكهرباء في كل انواع التوليد ، في التوليد الحراري والمائي ) سد مروي -والرصيريص – وعطبرة وغيرها ، وعُمل في الطاقة الشمسية مثل الفاشر فيها محطة تنتج 51 ميجاوات وهي في توسع .
لما جاءت الانقاذ كان الكهرباء 425 ميجاوات، ارتفعت إلى ما يقارب 5000 ميجاوات بوسائل مختلفة ، تم ربط السودان بأثيوبيا ومصر بشبكات .وتم تغطية اغلبية مناطق السودان بالكهرباء إلى أماكن كثيرة .
وأُنشئت منشآت للنفط ضخمة جدا وصل من الأنابيب طوله 1610 كليو متر وخطوط فرعية أخرى .
فالبنية الأساسية للنفط أصبحت تُستأجر لحكومة الجنوب بعائد لحكومة السودان.
ارتفع استهلاك المحروقات ارتفاعا كبيرا ، والأزمات التي حدثت في دول الجوار لها نصيب من هذه المحروقات ، فما كانت السودان تستهلك وقودها لوحدها بل معها عدد من دول الجوار.
انخفض معدل الفقر من 46،5% إلى 36،1% في عام 2015م .
المستشفيات كان عددها 209 مستشفى ، تضاعف العدد إلى 623 مستشفى عام 2018م .
وعدد الأسِرّة من 1944 سريرا إلى 30212 سريرا .
تضاعف عدد المدارس بمئات المرات والجامعات الحكومية 34 جامعة غير الأهلية، ومن ثم تضاعف عدد الطلاب والمعلمين .
أبرز المشروعات الاقتصادية بعد الإنقاذ هي :
قفز التضخم بعد 2019م من 63% إلى 450% في عام 2021م وتراجع سعر الصرف من 60 إلى 450 للجنيه أمام الواحد الدولار عام 2021م .
تراجع الناتج الإجمالي القومي من 123 مليار دولار عام 2017م إلى 23 مليار عام 2021م
تراجع قطاع الأمن والصحة والتعليم ، لم يتخرج أي طالب من من جامعة حكومية طيلة السنوات الماضية من عام 2019م .
(2)
مؤسسة الأمن (2)
بداية لم تكن هناك رؤية استراتيجية أو موقف مبدئي لدى الحركة من العمل العسكري كأداة للانتقال السياسي والسيطرة كما يقول الدكتور عادل حسين ، ولكن البراجماتية والمواقف التكتيكية جعلت الحركة في بعض الأحيان تتبنى العمل العسكري من أجل التغيير والوصول إلى الحكم ، وقد تم ذلك بقرارات فردية كالمحاولة الانقلابية التي قام بها الرشيد الطاهر عام 1952م المراقب العام آنذاك ، أو بتوافق جماعي كانقلاب 89م .
تأثرت الحركة الإسلامية السودانية في تبنيها منهج العمل العسكري بتطور الحركة السياسية السودانية ودور الأحزاب السياسية السودانية في الانقلابات العسكرية في مرحلة الكبت والتضييق التي واجهتها الحركة عقب انقلاب النميري عام 69م ، وقد أعدم من الحزب الشيوعي والقوميين العرب.
تبنت الحركة العمل الجهادي والعسكري ضد نظام مايو وتجلى ذلك بالآتي :
أحداث الجزيرة بداية سبعينات القرن الماضي حيث شاركت عناصر الحركة مع قوات حزب الأمة بقيادة الإمام الهادي في تنفيذ عمل عسكري ضد نظام نميري والذي واجه هذه الحركة بعنف شديد وبمشاركة ثلاث دول هي مصر وليبيا والاتحاد السوفيتي واستشهد فيها الإمام الهادي من الأنصار ومحمد صالح من الإخوان .
بعد الإعلان عن تأسيس الجبهة الوطنية بعد انقلاب مايو واجهت الحركة مع حزب الأمة وحزب الاتحاد الديمقراطي التضييق من نظام مايو واتخذت من ليبيا مقرا لنشاطها وبدأ الإعداد لحركة المقاومة المسلحة في ليبيا وبعض عناصر القوات المسلحة السودانية وكانت المحاولة الانقلابية على نظام نميري في 75م التي قادها المقدم حسن حسين وحُكم عليهم بالإعدام.
المرحلة الثانية في 2 يوليو بقيادة محمد نور سعد وتعامل النظام مع هذه المحاولة بوحشية وعنف غير مسبوق وأعدم فيها قائد الانقلاب وتحولت الخرطوم مدة يومين إلى ساحة معارك مع الانقلابيين، استشهد فيها عدد من عناصر الحركة الفاعلة .
بعد هذه المحاولة طرح النميري مشروع المصالحة عام 77م مع المعارضة وأدى ذلك إلى إطلاق سراح الترابي رحمه الله وعودة أعضاء الحركة من الخارج برصيد نضالي وجهادي أسهم في استقطاب كثير من السودانيين لهذه الحركة ، فأسهموا في مسيرة الحركة ، والذي تعزز في إعلان النميري قوانين الشريعة في عام 83م .
بعد التجارب السالبة التي مرت بها الحركة إبان فترة الجبهة الوطنية المعارضة لحكومة نميري ، تأكد لها استحالة إجراء تغيير سياسي داخل السودان من خلال عمل مليشيات مسلحة ؛ لذلك استثمرت فترة المصالحة من 77-85، ولذلك إضافة إلى وجود إسلاميين فعليين داخل الجيش ، وعدّت الحركة إلى تأطير بعض الكوادر في داخل القوات المسلحة ساعدها في ذلك التوجيهات الجديدة للنظام التي أعلنها نميري ، والتي بلورها من خلال طرح مقاربتين : النهج الإسلامي لماذا ؟ والنهج الإسلامي كيف ؟
وبدأ يبعث القوات المسلحة للمشاركة في كُرْسات الدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية بالمركز الإسلامي الأفريقي ، ثم جاء بعد ذلك الاهتمام بمنسوبي الشرطة وبدرجة أقل قوات جهاز الأمن .
ونتيجة للأزمات الطاحنة قبل الانقاذ وتغول قوات المتمرد قونقرن ورفع الدعم عن السلع وتضخم عالمي كبير ، قامت القوات المسلحة بوضع حالة القوات المسلحة وذلك في فبراير 89م قام وزير الدفاع عبد الماجد حامد خليل بزيارة بعض الدول العربية مصر والسعودية والاردن لاستقطاب دعم عسكري ولوجستي ولكنه عاد بخيبة أمل لعدم الاستجابة له في هذا الدعم فقدم استقالته .
طرحت القوات المسلحة مذكرة لرئيس الوزراء عكست فيه الوضع المأساوي للجيش وتحديات حرب الجنوب ثم خيرت الحكومة إما أن تبحث عن مصادر دعم خارجي أو تصل لتسوية مع حركة التمرد في الجنوب، ترافق مع هذه المذكرة طرح رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي احمد عثمان الميرغني مبادرة سلام مع قونقرن ثم التوقيع عليها في نوفمبر 88م وقد قضى الاتفاق بين الطرفين أن يوقف القتال بينهما مقابل تجميد العمل بالقوانين الإسلامية وإلغاء اتفاق الدفاع المشترك مع مصر وليبيا ، رفضتها الحكومة الائتلافية المكونة من الأمة والاتحادي والجبهة ، انسحب منها الاتحادي ، جاءت حركة الاحتجاجات ضد الأوضاع المعيشية والأداء الضعيف للحكومة ، كان موقف القوى اليسارية والليبرالية مؤيدا لمذكرة الجيش ومبادرة الميرغني في الوقت الذي رفضها الإسلاميون .
بعد هذا قام رئيس الوزراء الصادق المهدي بحل الحكومة وتشكيل حكومة من الأمة والاتحادي وابعد منها الحركة الإسلامية وعلى الفور صادقت الحكومة على اتفاقية ميرغني وعد الإسلاميون هذا الأمر بمثابة انقلاب .
بعد هذه التطورات التي شكلت تهديدا وجوديا للحركة ومشروعها الإسلامي كان الخيار والمتاح حسب تقديراتهم هو تنفيذ انقلاب عسكري ، شارك في هذا الانقلاب كوادر الحركة في القوات المسلحة والأمن والشرطة ، إضافة لبعض الوطنيين في الأجهزة النظامية ، وكان تنفيذ الانقلاب عبر خطة محكمة استطاع المنفذون السيطرة على كل القطاعات والوحدات العسكرية في وقت وجيز ويحمد لهذا الانقلاب عدم مواجهته بالمقاومة وعدم حصول دماء وأشلاء وعلى إثره تشكلت حكومة الانقاذ الوطني برئاسة عمر البشير والتي تمت في سنينها الأولى بتأمين الثورة بعد تشكيل حكومة الانقاذ في 89م دعت الحكومة إلى مؤتمر جامع لبحث قضايا السلام والتنمية
واهتمت بتأهيل القوات المسلحة ورفع قدراتها القتالية من أجل تعزيز السلام العادل .وأبدت اهتمامها بقوات الشرطة والأمن . وبعد المؤتمر كان التأكيد والالتزام على تنفيذ مخرجاته .
قادت حكومة الانقاذ حوارا جادا مع الحركة الشعبية بقيادة قونقرن التي كانت تسيطر على أجزاء واسعة من جنوب السودان وشرقه وغربه لتحقيق الاستقرار والتنمية لكل السودان وكانت استراتيجية الحوار الحل الجذري للمشكلة وتجاوز سلبيات الاتفاقات السابقة التي انتهت بالفشل في مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا ، واتفاقية الميرغني ، مستهدفا كذلك مخرجات الحوار الوطني حول قضايا السلام .
بعد ان كشفت حكومة الانقاذ عن توجهها الإسلامي واجهت حصارا دبلوماسيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا ، وحظيت حركة التمرد في الجنوب بدعم دولي كبير .
وجدت حكومة الإنقاذ نفسها بأنها لا تقاتل حركة تمرد في الجنوب بل تخوض خربا بالوكالة ، وواجهت المجتمع الدولي الذي يقوده الغرب بهدف تأسيس دولة جنوبية مسيحية تشكل إضافة لمحور الغرب المسيحي الصهيوني .
وجدت القوات المسلحة نفسها أمام تحد كبير أمام هذا الواقع فأخذت تبحث عن نقاط القوة في جبهة السودان الداخلية بتحسين عناصرها واستثمار الفرص المتاحة في الخارجية فكانت الاستراتيجية القوات الشعبية المساندة وهي ما اعتمدتها الحركة الإسلامية وبجانب الجيش الدفاع الشعبي وبجانب الشرطة، الشرطة الشعبية وبجانب الأمن، الأمن الشعبي وكذلك كانت هناك الخدمة المدنية .
فقامت الحركة بهذه المحاولة بعدها بكل الشعب المختلفة وجعلهم أفرادا مدربين في عدة مجالات ذات صلة بالنشاط الحربي والعسكري ، وقد سعت الحكومة إلى رفع عدد قوات الدفاع الشعبي في عام 95م إلى مليون مقاتل واهتمت بإعادة تأهيل القوات المسلحة والشرطة ورفع قدراتها القتالية وبنيتها التحتية، وجعلها قوة عسكرية ضاربة لذلك عملت على تحديث وتطوير منظومتها الصناعية المتمثلة بصناعة المدرعات والذخائر والمضادات للطيران وأصبح السودان من الدول المتقدمة في مجال تصنيع الأسلحة الخفيفة والمدرعات إضافة لصناعة الطائرات الخفيفة والقنابل الجوية الموجهة وتم تطوير الكلية الحربية إلى جامعة للثقافة العسكرية لتدريب السودانيين وتدريب بعض الضباط من الدول العربية والأفريقية .
تمت إعادة تطوير المعاهد العسكرية القائمة لدى القوات المسلحة .
ذهبت الحركة إلى تقديم كافة أشكال الدعم الاجتماعي لمنسوبي القوات المسلحة وأنشأت المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية ولم تقتصر مشروعاتها على خدمة المؤسسة العسكرية فقط ولكنها أسهمت بشكل بشكل مباشر في تحقيق التنمية وزيادة الناتج الإجمالي المحلي وتطوير القطاع الزراعي من خلال مشروعات شركة زاد الزراعية .
استفادت القوات المسلحة من بعض الدول كالصين وروسيا وبيلاروسيا وإيران في تطوير صناعاتها الحربية وتوفير الأسلحة والمعدات الحربية والاحتياجات اللوجستية الأخرى ، إضافة للحصول على الأسلحة الاستراتيجية الأخرى التي كان مصدرها بعض الدول المعادية للسودان عن طريق طرف ثالث ، كما قامت كل من العراق وسوريا بتقديم دعمها العسكري واللوجستي للجيش السوداني .
بعد المحاولات للوصول لسلام مع الحركة الشعبية وتعنتها وفشل كل المحاولات لتحقيق سلام في الجنوب ، قررت الحكومة المواجهة العسكرية ، وقبل أن تبدأ القوات المسلحة عملياتها في الجنوب ، نسقت مع حركات المقاومة الأثيوبية ، كما لعبت بعض القبائل الجنوبية المتحالفة مع الجيش دورا مهما في الانتصارات على قوات قونقرن.
قام الجيش بتنفيذ خططه العسكرية بتعيين قوات متحركة شملت الاستوائية وبحر الغزال وأعالي النيل وجنوب كردفان ، وعززت القوات المسلحة بقوات الدفاع الشعبي ، وطلبة الجامعات ، والمجاهدين والعلماء ، وقدموا في تلك المعارك تضحيات وغطى الإعلام الحربي ساحات الفداء وأعلن عدد كبير من السودانيين مشاركتهم في الجهاد جنوب السودان طوعا، بمقابل تزايد الدعم الدولي لحركة التمرد وصار أصدقاء الأمس أعداء اليوم في ستينات القرن الماضي كأرتريا وأثيوبيا والدعم العسكري ، وقامت كل من أوغندا وأرتريا وأثيوبيا بشن عمليات مسلحة مع الحركة الشعبية من أجل احتلال مدينة جوبا وإعلان دولة جنوب السودان.
استطاع الجيش السوداني أن يواجه كل ذلك ويحول أرض الجنوب من سيطرة الحركة المتمردة بعد أن فقدت عناصر مؤثرة من الحركة الإسلامية ، وخاض الجيش حروبه ضد حركات التمرد في جبال النوبة ودار فور وشرق السودان وتأمين الحدود الشمالية في ظل حصار دولي .
استثمار الصين في القطاع النفطي عدل ميزان القوى لصالح الحكومة السودانية ، مما أجبر القوى الدولية لدعم مباحثات السلام في كل من كينيا والتي وصلت إلى اتفاق 2015م .
دخلت حرب دارفور ، واجه الجيش السوداني تحديات كبيرة مما اضطره إلى التحالف مع بعض القبائل وتشكيل ما عرف بقوات الحديو وتطورت بعدها إلى الدعم السريع .
تحت إشراف جهاز الأمن والمخابرات الوطني قبل أن تخضع لرئاسة الجمهورية نجحت تلك القوات في إلحاق الهزيمة بحركات التمرد جنوب كردفان ودارفور ، وذلك للتكتيك الخاص في مواجهة المليشيات المسلحة .
منذو حكومة الإنقاذ واجه الجيش محاولات انقلابية متعددة وأحبطها ، كان وراء بعضها حزب البعث في عام 90م ، وعام 92م، وعام 2004م وكان وراءها حسب رواية الحكومة بعض أفراد يميلون لحزب المؤتمر الشعبي، و2013م محاولة كان وراءها عناصر من الجيش والأمن.
أثّر الخلاف بين أمانة الحركة ورئاسة الجمهورية على أداء القوات المسلحة بعد أن فقدت عناصر مؤثرة من الحركة يتميزوا باحترافية وولاء ، وأعلن النظام عن توجه قومي لاستيعاب عناصر جديدة في الجيش والشرطة والأمن .
لم يكن للحركة اهتمام كبير مع أركان الجيش ولا الشرطة بدرجة أقل ؛ وذلك لأنها كانت تمثل أحد الأجهزة التي ناصبت الحركة الإسلامية العداء إبان فترة ما يو وذلك لسوء سمعتها وسط السودانيين خاصة بعد ان تورطت في ترحيل الفلاشا إلى إسرائيل .
بالنسبة لضرورة أمن حكومة الانقاذ تعهدت الحركة بدعم الجهاز بخبرة عناصرها مما أهّله لإسناد أدوار إضافية إلى مهمته الخاصة بتحقيق الأمن السوداني الداخلي والخارجي ، وفي الأنشطة الشرطية ومجالات التكنولوجيا والاتصالات والتنمية وقدموا مجالات خاصة بدعم الصناعات الحربية وتطوير قطاع الاتصالات ، كما قام الجهاز بتنفيذ عمليات نوعية كالقبض على كارلوس التي عجزت شرطة العالم عن القبض عليه .
نجح الجهاز في القضاء على أنشطة المعارضة السياسية والعسكرية وبعد أن أصبح للجهاز دور محوري في تنفيذ سياسات الدولة وبرامجها جاء الاهتمام بالعمل الخارجي الذي شكل تحديا للحكومة .
لذلك تم تقسيم الجهاز إلى جهاز داخلي وجهاز خارجي ، وبعد أن تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل عام 2005م تم دمج الجهازين في جهاز واحد وذلك في إطار المحور المتعلق بقسمة الشرطة فتم إدخال عناصر من أعضاء الحركة الشعبية فيه .
كان للجهاز أداء محوري في أداء اللجنة الأمنية التابعة لمجلس الأمن الوطني في مجال تبادل المعلومات واقتراح السياسات والإجراءات والمشروعات الخاصة لسيادة الأمن الوطني ، كما نشط الجهاز في تفعيل دبلوماسية الأمن وفي تحسين علاقات السودان الخارجية من خلال التعاون مع معظم أجهزة مخابرات العالم في تبادل المعلومات الاستخباراتية وفي مجال مكافحة الإرهاب خاصة مع دول الجوار الأفريقي والعربي والأمريكي ، الأمر الذي أدى إلى دعوة علاقات السودان مع كثير من دول العالم ، وتلطيف العلاقات مع أمريكا ، وكان من نتيجة ذلك أنه لم يتعرض السودان لضربة عسكرية مع بعد أحداث 11 سبتمبر كما تعرض العراق وأفغانستان كان للجهاز دور فاعل في ترسيخ أمن وسلام القارة الأفريقية من خلال المشاركة المميزة في لجنة الأمن والمخابرات الأفريقية السيده التابعة للاتحاد الأفريقي، ومشاركته في أنشطة تجمع أجهزة الأمن والمخابرات لرابطة الدول الإسلامية .
أنشأ الجهاز قوات نخبة عسكرية ذات مهام خاصة قاتلت في مسارح العمليات مع القوات المسلحة وقد أسند إلى هذه القوات تأمين مشاريع النفط والمناطق الاستراتيجية الأخرى وتأمين العاصمة القومية .
وبعد ان تم حل هذه القوات حدث فراغ أمني كبير وحدثت اختلالات كبيرة في العاصمة بعد رحيل حكومة البشير.
سعى الجهاز لتنفيذ تحسين الصورة الجميلة للمجتمع السوداني ، وذلك بدعم الأنشطة الرياضية والثقافية والمجتمعية وعمل نافذة لتلقي الشكاوى والمعلومات والملاحظات الخاصة بالأمن الوطني السوداني ، وصار لديه أكاديمية عليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية بهدف تأصيل العمل الأمني والاستخباراتي والاستراتيجي وطرح رؤى استراتيجية وتأهيل كوادر الدولة في المجالات المختلفة .
الضغوطات الخارجية والداخلية التي واجهت الحكومة أدى ذلك لضعف الأداء السياسي والاقتصادي ووقع العبئ الأكبر على مواجهة الاحتياجات الشعبية وساهمت بشكل كبير في رحيل الحكومة في يناير 2019م .
العامل الأمني كما يقول أحد المعقبين في الندوة الدكتور إدريس هو عامل أساسي للفشل والنجاح لأي سلطة أو عمل سياسي أو تغيير.
هذا النجاح الذي حققه جهاز الأمن و العمل الأمني السوداني عبر الحركة الإسلامية ؛ لأنه خرج عن نطاق المألوف وبدأ عملية التأصيل لجهاز الأمن والعمليات الأمنية والاستخباراتية وأكاديميات وعاملين غير منتمين للأمن من دبلوماسيين ربما ألقى بأعباء كثيرة جدا على جهاز الأمن وتمددت المساحات التي كان يشغلها هذا الجهاز. فهل هذا الامتداد هو خروج أو تجاوز من هذا الجهاز لدوره؟
(3)
السلام والإنفصال .
مراحل السلام (3)
بداية تؤكد الدكتورة هويدئ صلاح الدين العتباني أن التركيبة السياسية والاثنية المعقدة في السودان أدت إلى حروب ونزاعات قبلية نتج عنه نزوح وتشرد وقتل . وقد استمرت الحرب بين الشمال والجنوب زهاء 50 سنة .
الجنوبيون مارسوا دعوتهم للانفصال عبر مقترح الفيدرالية أحيانا والتصعيد السياسي والمطالبة بالاستقلال حينا آخر ، وهذا كله كان يسير عبر الحوارات والاتفاقيات مع الحكومات المركزية في الشمال .
جرت مبادرات لحل النزاع وعقدت اتفاقيات مع كل الأنظمة التي حكمت السودان سواء الأنظمة الشمولية الدكتاتورية طويلة الأمد أو الأنظمة الديمقراطية ضعيفة التي تشكلت خمس مرات في خمس سنوات نتيجة الخلافات بين الحزبين الكبيرين الأمة والاتحادي .
عهد الديمقراطية الثانية بين64-69م بعد ثورة اكتوبر التي خطب فيها النرابي رحمه الله وتطرق لخل مشكلة الجنوب التي هي مفتاح لحل مشاكل الشمال ولذلك كان محور الجنوب من أهم اهداف هذه الحكومة وقامت بعقد مؤتمر المائدة المستديرة في 65م وكان من مخرجاته رفع الوعي الجماهيري بهذه المشكلة والبحث عن الوضع الدستوري والاداري لمصالح الجنوب.
وعُينت لجنة من 12 شخصا مناصفة بين الشمال والجنوب لمواصلة الحوار ، ولكن اختلفت اللجنة بعد تولي محمد احمد محجوب رئاسة الوزراء وانتقاده لها. وبعد عام 66م تغيرت الأمور بعد تولي الصادق المهدي رئاسة الوزراء وأعلن تأييده لها.
في فبراير 72م بعد التفاوض في اديس ابابا والاتفاقية فيها انهت القتال وتم استيعاب قوات الأناميا – التي كانت تقاتل 17عاما ضد حكومة الشمال – داخل القوات المسلحة .
وتم بعد هذه الاتفاقية انشاء مجلس تنفيذي وحكومة اقليمية وجامعة جوبا ، وهذا أدى إلى استقرار السودان وبناء الثقة، ولكن النميري قام بحل المجلس وحكومة الجنوب خوفا من هيمنة الاقليم على المركز . وانهارت الاتفاقيات بعد تقسيم النميري الجنوب إلى ثلاثة أقاليم في 15يونيو 83م قبل تطبيقه قوانين الشريعة في سبتمبر 83م . فاتفاقية اديس أبابا أوقفت الحرب 11 عاما .
الحل السلمي عبر الحوار والمواطنة أساس الحقوق والواجبات بين إثنيات وقبائل مختلفة وعبر الحكم الذاتي تحققت وحدة السودان .
انتفاضة ابريل 85م يعبر عن تطلع الشعب في الحرية والعيش السليم ومع استمرار الحركة الشعبية في القتال برز دور قونقرن. لكن عادت لغة الحوار وحصلت مبادة بين حزب الأمة والحركة الشعبية وبين الحزب الاتحادي والحركة الشعبية ، وهذا يوضح حجم الاختلاف الذي جعل كل حزب يعمل اتفاقية .
وكانت مبادة الاتحادي إلغاء الشريعة والعودة لقوانين 74م باعثاً لانقلاب في 89م الذي قطع الطريق على التجربة الديمقراطية الثالثة. نتيجة تدهور الأوضاع العسكرية والسياسية والتصعيد العسكري ووقف التعليم ونقل جامعة جوبا من الجنوب إلى الشمال وازداد عدد النازحين والتشرد والتفكك الأسري ، إضافة لمشروع الحركة الحضاري وقضية التمكين والذي تتطلع فيه الحركة الإسلامية بنهضة شاملة قيادة ومشروعا.
اهتمت منظمة الايجاد الأفريقية بإنهاء الحرب وحلول السلام وكان له اثره على دول المنظمة من حيث القضاء على التصحر وحلول التنمية ،غير أن هذه المنظمة تحيزت للحركة الشعبية في قضيتين :
قضية تقرير المصير ، وقضية علمانية الدولة؛ وذلك لتخوف تلك الحكومات من تصدير الثورة من السودان .
انفتحت صفحة جديدة من الحوارات بين الحركة الشعبية وحكومة الانقاذ للتوقيع على السلام الشامل استمرت الاجتماعات عامين ونصف العام قبل التوقيع على الاتفاقية النهائية في 9 يناير / 2005م ، تضمنت الاتفاقية إطارا عاما للحكم الذاتي 6 أعوام بعدها يكون تقرير المصير.
أهم قرارات الاتفاقية قيام دولة واحدة بكيانين شمالي وجنوبي او اتحادي .
أهم المتغيرات التي جعلت الاتفاقية تختلف عن الاتفاقات السابقة هو البترول كمورد أحدث توازنا في القوى ومثّل عاملا اقتصاديا مهماً.
في قضية الدين والدولة برز سؤال مهم وهو : هل اشترت حكومة الانقاذ في مفاوضاتها قضية فصل الدين عن الدولة الذي برز في إعلان المبادئ واستبدلته بتقرير المصير ؟ فيكون موافقة تقرير المصير مقابل عدم فصل الدين عن الدولة أم أن تطور الأوضاع عالميا كان مدعاة إلى مراجعة الحسابات وصياغة المواقف عسكريا وسياسيا .
بدأ تقرير المصير منذ العام 1991م بالفيدرالية التي كانت ترفضها الحكومات منذ الاستقلال ومن باب أولى تقرير المصير خوفا من تداعيات جهات أخرى لنفس المصير وأهمها دارفور.
مراحل الانفصال (4)
الانفصال أوكسيجين الحياة السياسية في الجنوب كما يقول الدكتور حسن مكي ، بل هو شريان لحياتهم بحيث لا حياة بدونه. وفي رصده التاريخي لقضية الانفصال في الذهنية والنفسية الجنوبية يقول مكي أن في عام 1874م كأن الجنوب أُلحق بالسودان إلحاقا كإحدى الملحقات الإدارية للدولة المصرية فالفرضية لمداخلة الدكتور مكي أن الجنوب لم يكن جزءا من الكيان السوداني وأنه لم يسهم في تكوين الهوية الوطنية السودانية والجنوب في داخله لم يكن له رؤية سياسية واحدة ولا يتمتع بهوية واحدة .
الدولة عن الجنوبيين هي الضرائب والقسوة ، والتعامل الغليظ مع الجنوبي .القبيلة في الجنوب إذا تضخمت انقسمت لحدوث نزاع . المركزية ليست مستقرة في العقل السياسي الجنوبي .
الدكتور علي المزروع تكلم عن نوعين من الحداثة التي تعرض لها السودان :
الحداثة الصلبة القائمة على التعليم والصناعة ودرجة معقولة من البنية والتنمية وهي في الشمال .
والحداثة الهشة السائلة القائمة على الخمول واللغة الانجليزية، والدين المسيحي وتخلف التنمية وهي في الجنوب .
ثقافة مسيحية في الجنوب وثقافة إسلامية عربية في الشمال .
وهذا التناقض ولّد عدة إشكالات .
نمت البذرة الأولى للانفصال منذ التحالف بين الحركات المتمردة في الجنوب وبين الجمعية المسيحية الأفريقية ، هذا التحالف بين اللاهوت والسياسة ذهب إلى دفع الحياة العامة في الجنوب إلى التمرد على الدولة والمطالبة بالانفصال وهذا الخطاب والعقيدة الانفصالية ظلت كامنة في الوعي السياسي الجنوبي حتى وهو يحاور ويوقع على الاتفاقيات .
الاتجاهات الوحدوية التي تبنتها الحركة الشعبية في نسختها الأخيرة كانت في إطار التحالف مع مطلوبات الحليف الأثيوبي بقيادة منجستو هيلا مريم الشيوعي ، حيث كان له نزاع مع أريتريا التي كانت تريد الانفصال عن أثيوبيا ، فكان يحصل تحالف بين الحركة الشعبية ومطالبها والتوجهات السياسية الأثيوبية وتم التحول في الخطاب بهذا الخيار . أيضا كان خطاب المهمشين في السودان أنهم يستطيعون حكم السودان وبناءه.
ولتحليل العقلية الجنوبية من حيث عقدة وعقيدة الانفصال يختار الدكتور مكي مجموعة من الكتابات ومنتجات فكرية اربعة منهم جنوبيون وهم أبلالير وكتابه المشهور التمادي في نقض العهود ، وكذا مذكرات جوزو فلادو ، وكتاب النضال من أجل الحرية لآلي جملوك ، وكتاب من داخل ثورة أفريقية للامكول ، وكتاب لكاتب كيني صديق للجنوب هو وتاكا وهينا عن الوسيط الكيني الجنرال سمبويا الذي شارك في صناعة عملية السلام بين الشمال والجنوب وكتاب نورك ساوس ريليشن من السودان وأديس أبابا أدريمنت، وكتاب وزير التعليم العالي السابق بتر الدولة التي نتمنى لأفريقيا ، ومجموعة من الروايات من اشهرها طائر الشؤون لفرانسيس دين وهو مسؤول أممي رفيع ، ورواية تتكلم عن الأولاد الضائعين الذين فروا من جحيم الحرب الأهلية إلى كينيا ثم هاجروا إلى أمريكا وفتحت أمريكا لهم ذراعيها وترقوا في درجاتها وأصبحوا أعلاما في مجالات مختلفة على حسب الرواية ، ورواية لصحفي أمريكي مشهور هو فلييب كابوتا وعنوانها أدس أف فيذ ، وهي تتكلم عن المعاناة التي عاناها الجنوبيون على أيدي العرب من قبائل الحمر في كردفان الذين يمثلون الشيطان ، ثم كتاب منصور خالد وهو شمالي عن جنوب السودان في المخيلة العربية كقراءة لمثقف شمالي انتمى للحركة الشعبية وانحاز لخطابها الفكري والسياسي .
هذه الأطروحات توضح المزاج والعقلية السياسية الجنوبية ، وكما يقال : السياسيون يكتبون القصة السياسية تنتقل الأ يديولوجيا السياسية إلى رواياتيتلقاها من هم في خارج السودان ليكتبوا عنها قصة موازية .
أبلالير في كتابه التمادي في نقض العهود تكلم أن الجنوبيين قاوموا الاستعمار من منطلق أنهم يرفضون الدولة وعرض لمؤتمر المائدة المستديرة عام 65م وذكر ان الانفصال خير للشمال والجنوب .
والخطاب السياسي الجنوبي مسكون بالانفصال بين الجنوب والعرب .
هناك فكرة مركزية في الصراع بين الشمال والجنوب تقول أن الجنوب يعمل على علمنة الشمال والشمال يعمل على اسلمة الجنوب وأن السياسي الجنوبي في حالة شك من العرب .
الكنيسة هي التي دعمت الجنوبيين في الثورة على الشمال وجذرها المسيحي الداعم وهي جمعية المسيحيين الثقافية .
قال صاحب كتاب درب السودان نضال من أجل الحرية وهو كتاب يوضح العقل السياسي الجنوبي يقول : كل مآسي الجنوب من العرب والجنوبيون ملائكة والشماليون شياطين ، ويعتبرون أن الرضى باتفاقيات السلام إنما هي عملية تكتيك حتى تتسنى فرصة الانفصال وقونقرن يؤمن بهذا التكتيك.
لامكول يقول : لم يكن هناك حديث صريح عن الوحدة داخل الحركة الشعبية وحتى أن الوعي الشعبي داخل الجيش الشعبي للحركة لم يكن وحدويا إطلاقا ، وكان لجيشهم أغنيات تزدري الشمال وتعمق روح الانفصال .
وقد أُجري استطلاع على الجنوبيين فوجدوا 95% مع الانفصال ، وسلفاكير انفصالي ، ودول المحيط يدعمون هذا الانفصال أوغندا ، أثيوبيا وأرتريا ، وكتاب جنوب السودان في المخيلة العربية لخالد منصور عمل على تمريس نفس النظرة الحنوبية في مظلوميتهم .
واختتم الدكتور حسن مكي بحثه بالقول ينبغي أن يتحرر الناس من عقدة المسؤولية عن هذا الانفصال ، فالانفصال ثقافة وفكرة متجذرة في الوعي الجنوبي ، فهو مطلب جنوبي عارم وهناك الواقعة حدثت وينبغي بناء تحالفات اقاصادية واسعة وننظر بإعجاب إلى التحول الجنوبي نحو الإسلام وانتشاره .
في العام الماضي كان في العاصمة الجنوبية حوبا عشرون موقعا لصلاة العيد ، والإسلام لم يعد يجد عائقا في الانتشار في الجنوب .وهذا مدخل مناسب للعلاقة بين الشمال والجنوب .
يتبع الجزء الثالث
المصالح ودعوات الإصلاح
العلاقات الخارجية
المثالب والمواقف
عبر لمستقبل المشروع الحضاري الإسلامي ورافعته الربيع الديمقراطي العربي.
الهوامش:
- ورقة قدمها الاقتصادي الدكتور معتز موسى، رئيس وزراء الحكومة السودانية في أواخر أيام الإنقاذ 2018م ، قرأها نيابة عنه الدكتور خليل عبدالله
- ورقة قدمها الدكتور عادل حسين بعنوان الإسلاميون ومؤسسة الحكم، وهو باحث في الأكاديمية العليا – جامعة الرباط.
- ورقة قدمتها بعنوان انفصال السودان قراءة في اتفاقية السلا م السوداني، الدكتورة هويدى صلاح الدين العتباني، وهي أستاذة في جامعة النيلين – الخرطوم
- ورقة بعنوان: الانفصال أوكسيجين الحياة السياسية في الجنوب، مقدمة من البروفيسور حسن مكي مفكر وباحث ومدير جامعة أفريقيا السابق، ألقاها نيابة عنه الصحفي حسن الطيب.
السلام عليكم، الحقيقه ان الانقاذ كانت ضمن الثورات التي اطاحت بالنظام السابق لها لتاتي باتجربه الاسلاميه الا ان العالم لما احس بهذا التوجه بدأ يضع المتاريس في طريق التجربه الا ان انهارت