يبالغ العلمانيون في تصوير العلمانية على أنها الحلم المفقود واليوتوبيا الضائعة، ولا يفصل بيننا وبين جنة الدنيا من رخاء وقوة واستقرار وأمان وسلام ومساواة وحريات إلا اتخاذ قرار بالقفز إلى هذه العلمانية.
ولكن دعونا ننظر في “هذه العلمانية” التي لا نعرف أي علمانية يريدون منا أن نتبعها؟ علمانية فرنسا أم تركيا أم أمريكا؟ علمانية تونس أم علمانية النرويج؟! علمانية الشاملة أم الجزئية أم الثالثة أم الهجين؟
هناك مئات النسخ من العلمانية، وكل يدعي أن علمانيته هي النسخة الأفضل والأنسب…إلخ.
سنحاول التعرف على تجربة أم الدول العلمانية، ولن تتعرفوا عليها من لساني، بل من لسان شركاء لتلك الدولة نفسها.
• حرية وتنمية أم استرقاق وإفقار؟!
في يناير 2019 ثارت معركة سياسية كبيرة، بعد خلاف بين أكلة القَصْعة، فخرجت إيطاليا رسميا لتعلن نائبة رئيس الوزراء أن فرنسا هي المسؤولة عن إفقار أفريقيا، وأن مسؤوليتها لا زالت إلى اليوم، ولذلك تأتي الهجرات من الشرق الأوسط إلى أوروبا. بعد ذلك خرج وزير الداخلية الإيطالي ليقول إن فرنسا انتزعت ثروات أفريقيا، وإنها مستفيدة من النزاعات الحادثة في ليبيا.
كما خرج وزير التنمية الاقتصادي ليعلن: (هناك عشرات الدول الأفريقية التي تطبع فيها فرنسا عملة محلية وتمول بذلك الدين العام الفرنسي).. وأضاف: (لو لم يكن لفرنسا مستعمرات أفريقية لأن هذه هي التسمية الصحيحة لكانت الدولة الاقتصادية الـ 15 في العالم في حين أنها بين الأوائل بفضل ما تفعله في إفريقيا). ودعا الاتحاد الأوروبي إلى (فرض عقوبات على فرنسا وجميع الدول التي تحاكيها في إفقار أفريقيا وحمل الأفارقة على مغادرتها؛ لأن الأفارقة ينبغي أن يكونوا في أفريقيا، لا في قاع البحر المتوسط).
واعترف نائب رئيس الوزراء الإيطالي أن الاستعمار الأوروبي لا زال قائما، وقال: (إذا أرادت أوروبا أن تتحلى بالشجاعة، فلابد أن تواجه قضية إنهاء الاستعمار في أفريقيا). هم يدركون تماما أن الاستعمار الأوروبي لا زال قائما، وإن تغير شكله. ويأتي علماني عربي يقول: ذلك في زمن الاستعمار، وقد انتهى الاستعمار!! وها هو المسؤول الإيطالي يخبره بالحقيقة.
يقول نائب رئيس الوزراء الإيطالي: (فرنسا هي واحدة من تلك الدول التي تطبع أموالا لصالح 14 دولة أفريقية، ما يحول دون التنمية الاقتصادية في هذه الدول، وتسهم في تكريس الحقيقة التي تتضمن مغادرة اللاجئين لبلادهم ليلقوا مصيرا إما إلى الموت أو الوصول إلى الساحل المقابل).
فرنسا أيضا تستعمر تلك الدول من خلال هيمنتها على اقتصاديات القطاعات الحيوية، وامتلاك معظم الأسهم فيها. ولذلك لا أريد أن أتحدث عن الماضي؛ حتى لا يقال: أنت تتحدث عن الماضي وقد تغير. بل نتحدث عن مسائل راهنة قائمة حتى هذه اللحظة.
السياسية الإيطالية جورجيا ميلوني وهي تفضح دور فرنسا في نهب ثروات أفريقيا حيث قالت(1):
(فرنسا تواصل استغلال أفريقيا عبر طباعة العملات لنحو 14 بلدًا وتضع عليها ختمها، وعبر استغلال وتشغيل الأطفال في المناجم، وعبر الاستحواذ على المواد الأولية مثلما يحدث في النيجر. أين تستخرج فرنسا 30% من مخزون اليورانيوم الذي تستعمله في تسجيل مفاعلاتها النووية؟! و%90 من سكان النيجر يعيشون بدون كهرباء. لا تقدم لنا الدروس يا ماكرون. لأن الأفارقة يهجرون قارتهم بسببكم وبسبب سياساتكم والحل ليس تهجير الأفارقة إلى أوروبا بل تحرير أفريقيا من بعض الأوروبيين).
فرنسا إذن تسرق اليورانيوم من دولة النيجر على مدى 4 قرون الماضية لأجل تلبية نحو 75% من احتياجاتها من الكهرباء في مجال الطاقة النووية… في حين تبقى النيجر دولة فقيرة و90% من سكانها يعيشون بدون كهرباء وثرواتها تحت رحمة الاحتلال الفرنسي الذي استغل ثروات النيجر والدول الأفريقية الأخرى لأجل تطوير قدرته الاقتصادية(2).
❃❃❃
ثم من يمكنه أن يزعم أن الحاضر ليس له صلة بالماضي؟ الحاضر الذي لا زلنا نعاني من آثاره إلى اليوم، وما نحن فيه هذا من أكبر أسبابه في إقدام أوروبا العلمانية على سحق كل مقومات النهضة من الشعوب الإسلامية؛ ثم يقولون لنا: الإسلام سبب تخلفكم. وهم الذين أدوا بنا على ما نحن فيه.
ومع ذلك، فلو كان من الماضي – فهل اعتذرت أوروبا قولا وفعلا عن ممارساتها، وكفرت عن جرائمها؟.. أنتم ترون مطالبة الأوربيين لتركيا تجاه أحداث الأرمن.. فهل فعلت أوربا ذلك تجاه أفريقيا؟!
الرئيس الفرنسي السابق “جاك شيراك” أن فرنسا تنهب ثروات أفريقيا حيث قال: “لكننا نسينا شيئًا واحدًا فقط؛ وهو جزء كبير من الأموال الموجودة في خزانتنا تأتي على وجه التحديد من الاستغلال لقرون لقارة أفريقيا.
فأي رق وأي استعباد أكثر من هذا؟! ثم يأتي أحدهم المنبهر بفرنسا يتحدث بلا خجل عن الرق في الإسلام!!
هذا الاسترقاق شرعته نصوص قانونية أوروبية خصصتها للقارة المستعبدة، واختفت وراء هذه النصوص القانونية وحشية العلمانية وقسوتها، واختفت وراءها عنصريتها البغيضة، واختفت مصادرتها للحريات المدنية والاجتماعية والشخصية، واختفت دعاوى حقوق الإنسان.
هذه القوانين الاسترقاقية في المناطق الأفريقية لا زالت سارية في بعض البلدان، يتمسك بها الأوروبيون، ففي عام 1962 كلف الرئيس الفرنسي شارل ديغول مستشاره جاك فوكار بصياغة علاقة جديدة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في إفريقيا. أطلق البعض على فوكار لقب “مهندس الاستعمار الفرنسي” الحديث لإفريقيا. وقد أبرم فوكار عقوداً مع حكام نلك البلدان لا تزال سارية حتى اليوم: مقابل الحماية العسكرية والحماية من الانقلابات وفي مقابل ملايين من الدولارات كعمولات ضمنت الدول الإفريقية للشركات الفرنسية استغلال الموارد الاستراتيجية كالماس واليورانيوم والغاز والنفط. الوجود الفرنسي ملحوظ اليوم في القارة: 1100 شركة كبرى، و2100 شركة صغرى وثالث أكبر محفظة استثمارية بعد بريطانيا والولايات المتحدة. هذه العلاقة بين القادة الفرنسيين والنخب في البلدان المستقلة حديثاً كانت “غير شفافة وأبوية وفيها تحكم”(3). ومن يحاول التمرد على هذا الاستعمار العلماني فالنتيجة معروفة: (فرنسا تدخلت عسكريًا في أفريقيا أكثر من 50 مرة منذ 1960 واغتالت وأطاحت بما يقارب من 22 رئيسًا في أفريقيا) (4).
ومن تلك القوانين الاسترقاقية(5):
– منحت فرنسا الدول الأفريقية التي احتلتها الاستقلال مقابل شروط واتضح حتى الآن أن بعض الشروط خطيرة جدًا ومن أهمها وضع نسبة 85% من مدخولات هذه الدول تحت مراقبة البنك المركزي الفرنسي، ووصف الرئيس الفرنسي السابق ديغول أنها نوع من المقابل للبنية التحتية التي يزعم احتلال الفرنسي تشييدها، وتشير التقارير أن فرنسا تجلب بموجب هذا الاتفاق قرابة 500 مليار دولار كل عام بينما يعيش الأفارقة تحت وطأة الفقر والجوع والأمراض والتخلف.
– يقول الخبير سيلا بأن فرنسا تستفيد إلى يومنا هذا من النظام النقدي للفرنك الإفريقي. وهذا النظام يعتمد على اتفاقيات تجارة تم التوقيع عليها مقابل استقلالية البلدان الإفريقية. وفرنسا تضمن لنفسها من خلال هذه الاتفاقيات القديمة منفذا تفضيليا لموارد المستعمرات السابقة. “منطقتنا النقدية تابعة لمنطقة اليورو. وهذا يعني أن بلدانا مثل النيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى ـ من بين أفقر بلدان العالم ـ تملك نظاما ماليا يعكس ما يحصل في منطقة اليورو الغنية. إنه جنون تام”(6).
ونشر موقع ساسة بوست ما ذكر إنه مكونات اتفاقية استمرار الاستعمار، فسرد 11 بندا، هي(7):
ديون استعمارية لمصلحة الاستعمار الفرنسي، ومصادرة تلقائية للاحتياطات القومية، لفرنسا الأولوية (حق الشُفعة) في الحصول على أي مواد خام أو موارد طبيعية تم اكتشافها في إحدى هذه الدول، الأولوية لفرنسا والشركات الفرنسية في الحصول على العطاءات والمناقصات العامة، ولهم الحقوق الحصرية لتزويد جيوش هذه الدول بالمعدات العسكرية وتدريب ضباطها، ولها الحق في نشر قواتها والتدخل العسكري في أحد هذه الدول للحفاظ على مصالحها، والالتزام بجعل اللغة الرسمية للبلاد هي اللغة الفرنسية وأيضًا لغة التعليم، والالتزام بالعملة الفرنسية للمستعمرات “الفرنك الأفريقي”، والالتزام بإرسال تقرير عن الميزانية السنوية والاحتياطي، والتنازل عن حقهم في الانضمام لأي تحالف عسكري مع أي دولة إلا بعد الحصول على إذن من فرنسا، والالتزام بالتحالف مع فرنسا في حالة وجود حرب أو كارثة عالمية.
ولو لخصنا بعض الأرقام الواردة في التقرير:
– فرنسا تحتفظ باحتياطات النقد القومية لـ 14 دولة أفريقية منذ عام 1961.
– يلتزم البنك المركزي لكل من هذه الدول بإيداع على الأقل 65% من احتياطاتها النقدية الأجنبية فيما يعرف بـ “حسابات الاستثمار” في خزانة الحكومة الفرنسية، بالإضافة إلى 20% لتغطية الخصومات المالية.
– أكثر من 80% من الاحتياطات الأجنبية لهذه الدول الأفريقية مودعة في “حسابات الاستثمار” تحت قبضة الخزانة المالية الفرنسية. – فرنسا تحت قبضتها حوالي 500 مليار دولار من الأموال الأفريقية في خزانتها.
– فرنسا تسمح لهم بالوصول فقط لـ 15% فقط من الأموال خلال السنة. وإذا كانوا باحتياج للمزيد من الأموال عليهم باقتراضها من الـ65% من الخزانة الفرنسية مقابل فوائد.
– الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك صرح: (يجب أن نكون صرحاء، ونعترف بأن جزءًا كبيرًا من الأموال في بنوكنا قادم تحديدًا من استغلال القارة الأفريقية).
– للمقارنة التاريخية، فرنسا جعلت هاييتي تدفع ما يساوي اليوم 21 مليار دولار منذ عام 1804 وحتى 1947 (تقريبًا قرن ونصف من الزمان) مقابل الخسائر التي تكبدها تجار العبيد الفرنسيين مقابل إلغاء العبودية في هاييتي وتحرير العبيد فيها. المستعمرات الأفريقية تدفع الضرائب فقط منذ 50 عامًا.
إنها الحقيقة المرة التي تكشف عنها ناتالي يامب، المستشارة لحزب “الحرية والديمقراطية لجمهورية ساحل العاج”، قائلة: “بعد ستين عاماً لم تنل الدول الإفريقية الفرنكوفونية استقلالاً حقيقياً ولا حرية”.. “والأمر يبدأ من المدارس التي تقرر مناهجها في فرنسا”.
ولذلك يقول الأستاذ الأكاديمي الحقوقي عبد السلام الترمانيني (الرق ألغي كمؤسسة قانونية، ولكنه قائم كمؤسسة واقعية؛ ففي النطاق الدولي نجده متخفيا تحت اسم الاستعمار والتمييز العنصري والتفريق العنصري. وفي غير هذا نجده متخفيا تحت ستار البغاء وتجارته المعروفة باسم الرق الجنسي. وتدل تقارير اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، وتقارير جمعيات مكافحة الرق والبوليس الدولي على أن الرق ما زال موجودا، ويمارس في صوره المتعددة في كثير من أنحاء العالم)(8).
❃❃❃
ونظرا لصلة الماضي بالحاضر، فهل أدانت أوروبا اليوم ماضيها الاستعماري في آسيا وافريقيا؟ وهل عوضت تلك الشعوب عن نهبها لثرواتهم، وتعطيلها لأسباب التنمية عندهم، بل وإخضاعها إلى اليوم لسياسة الاستعمار؟! لقد (ارتكبت أوروبا أبشع الجرائم ضد سكان القارة الأفريقية الأصليين، استعباد، وتجارة رقيق، فضلاً عن توريط الدول المستعمرة فى حروب دول أوروبا” الاستعمارية” كما حدث خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، ومصر أبلغ نموذج فلازلنا ندفع ثمن ألغام العلمين) (9).
الأوروبيون بعد إلغاء الرق في بلادهم، أخذوا يتطلعون إلى أفريقيا لاستغلال ثرواتها وتزويد مصانعهم بمواردها وموادها الأولية…فالأوروبيون استحدثوا صورا جديدة للرق، وقاموا بحمل الزنوج إلى أوروبا للعمل في المزارع والمصانع.. وفي أمريكا عملوا ذلك مع الهنود لاحمر، وحملوا الأفارقة إليها أيضا.. ولا تسأل عن وحشية ملك أوروبي علماني اسمه ليوبولد، الذي قال عنه الكاتب الأمريكي (مارك توين): لو قدر للهياكل العظمية للملايين العشرة الذين قتلوا أو ماتوا جوعا أن تنهض وتمشي في خط واحد، لاستغرق مرورها من نقطة واحدة سبعة أشهر وأربعة أيام(10).
وحين سئل أحد النواب الفرنسيين: لماذا أنتم المهيمنون؟ أجاب: (دمرنا الجميع، قبل 200 سنة أو 300 سنة، العرب الصينيين…، قتلنا لديهم المعرفة، دمرنا لديهم كل شيء) (11).
(فرنسا قد استهدفت كل أسباب النهضة والتحرر للأفارقة، من ذلك استهداف الفرنسيين -كغيرهم من قوى الاحتلال الغربي- العلماء والقادة في المجتمع؛ حيث قامت قواتهم على سبيل المثال بقتل نحو 400 عالم مسلم بمجزرة كبكب خلال مؤتمر في تشاد عام 1917).
(جرائم تجارة الرقيق، أكثر من 4 قرون فحدث ولا حرج، لدرجة أن المؤرخين قالوا نسبياً أن عدد من خرج قسراً من القارة الأفريقية 80 مليونا، ووصل منهم إلى العالم الجديد 40 مليون إفريقى مما يعنى أن كل يوم كان يشهد موت أفريقى مقابل وصول آخر).
حكومات الدول العلمانية الأوروبية (لم تعترف بجرائمها السابقة التى لم تحاسب عليها، أو تعتذر عنها، أو حتى تنفذ تقديرات الأمم المتحدة التى أقرت بالجرائم الأوروبية بحق الدول الأفريقية المستعمرة، وخاصة جرائم تجارة الرقيق التى قدرت الأمم المتحدة تعويضاتها للأفارقة بما يقرب 777 تريليون دولار وتكاسلت أوروبا عن دفعها تعويضاً للشعوب التى تضررت بسبب الممارسات الإجرامية لأوروبا طوال قرون)(12).
• دول علمانية وتنمية متدنية:
في دراسة مقارنة قدمها أحمد كورو في كتابه “العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين”، بناء على تقرير التنمية البشرية لعام 2007-2008، فبين معدلات التنمية في الدول، وصنفها بحسب الدين الرسمي، كما في دساتيرها.
توصل إلى أن البلدان ذات التنمية المرتفعة لديها نسبة أعلى بكثير (43%) من حيث وجود الديانات الرسمية، عنها في الدول ذات معدلات التنمية المتوسطة (41%) أو المتدنية (5%)… تأتي هذه النتيجة على النقيض مما قد تتنبأ به نظرية العصرنة.
وأكد هذه النتيجة بإشارة إلى دراسة أخرى توصلت إلى نتيجة مماثلة (الدول المتقدمة اقتصاديا تحظى بمعدلات أقل من حيث الفصل بين الدين والدولة).
❃❃❃
وبالنظر في التقرير المذكور، فقد جاءت مجموعة من الدول الإسلامية التي أعلنت أن نظامها علماني – في ذيل القائمة (تنمية متدنية)، مثل: السنغال، غينيا، تشاد، مالي، النيجر، بوركينا فاسو.
في حين جاءت دول متبنية النظام الإسلامي في قائمة التنمية المرتفعة، مثل: بروناي ودول الخليج.
فإذن لم تكن العلمانية لأولئك هي الحل السحري، كما لم يكن الإسلام لهؤلاء معيقا عن التنمية المرتفعة.
• الدول العلمانية والجريمة:
هل حدت القوانين العلمانية من انتشار الجريمة؟
حين يدعي الجابري (العلماني المسلم) أن قطع يد السارق لم يعد يناسب عصرنا، كان يناسب البيئة الصحراوية. واليوم لدينا سجون!، ولذلك فالمصلحة تقتضي ترك الحد!
يرد عليه [لو أنه قرأ] فارس الخوري (السياسي المسيحي)، رئيس وزراء سوريا في الثلاثينيات، قائلا:
(تذكرون ولا شك عندما تضعون الموازنة العامة للدولة، المبالغ الطائلة التي تخصص للأمن العام، والشرطة والدرك والمحاكم كرواتب ونفقات.
فلو طبق الشرع الإسلامي وقطعت يد في حلب مثلا، وجلد آخر في دير الزور، ورجم ثالث في دمشق، وكذلك في بقية المحافظات، لانقطع دابر هذه الجرائم ولتوفر على الدولة ثلاثة أرباع هذه الموازنة”.
وأضاف: “في العهد العثماني كان في دمشق ثلاث محاكم شرعية وصلحية تنظر في الدعاوى الجزائية والبدائية، وكان قضاة هذه المحاكم يقضون أغلب أوقاتهم في مراكز عملهم بدون عمل، فإذا قسنا ذلك الظرف وقارناه بظرفنا الحالي وجدنا أن السبب في كثرة المحاكم اليوم يعود إلى تدني الأخلاق، وانتشار الفساد، وعدم الاكتراث بما تفرضه الدولة من عقوبات غير رادعة ولا زاجرة؛ لعدم تطبيق التشريع الإسلامي في الحكم”.
وبلغة المصلحة يقول د أحمد شلبي، عن الذين ينتقدون حد قطع يد السارق(13): (ندعو هؤلاء أن يعودوا إلى الإحصاءات الرسمية، ليعرفوا كم شخصا قُتل وهو يسرِق، وكم شخصا قُتل وهو يُسرَق منه. وليعرفوا كذلك الشروط التي ينفذ بمقتضاها حد القطع ليتأكدوا ألا قطع مع الحاجة، وألا قطع مع الشبهات، وليعرفوا أخيرا مئات الحوادث التي تقطع فيها الايدي والأرجل بل والأعناق بسبب وسائل المواصلات،… ولم يقل أحد بإيقاف وسائل المواصلات حتى لا يموت بها الناس).
وبلغة الإحصائيات، بقراءة في مؤشر الجريمة في العالم، 2023م. نجد أن دول الخليج تأتي في أقل دول العالم نسبة معدل الجريمة فيها. كما نجد أن أفغانستان تعد رابع دولة من حيث ارتفاع معدل الجريمة، وهذه إحدى نتائج العلمانية التي جعلت أمريكا تحتلها وتفسد نظامها ثم ترحل. ونجد العراق تحتل المرتبة 52.. وهي مرتبة مرتفعة جدا؛ وذلك بسبب الاحتلال الأمريكي الذي أفسد النظام فيها.
أمريكا نفسها تحتل المرتبة 55 على مستوى العالم في ارتفاع معدل الجريمة. وبذلك جعلت العراق مثلها – ليس في الصناعة – بل في الجريمة!!
وإذا نظرنا في معدلات جريمة السرقة (Theft rate by country, around the world)، وذلك لعام 2016، آخر سنة في المؤشر، فسنجد أعلى دولة فيه: الدنمارك (بمعدل 4 ألف سرقة لكل 100 ألف مواطن)، وبعدها السويد، وتأتي ضمن الدول العشر الأعلى في معدل جريمة السرقة في العالم: بريطانيا وفرنسا وأستراليا. وتليهم في المرتبات العشرين: أمريكا (12)، سويسرا (13)، والنمسا (14)، وألمانيا (15)، وكندا (16).
وإذا نظرنا للدول الإسلامية فيه فسنجد السنغال أقل الدول نسبة على مستوى العالم (بمعدل سرقة لكل 100 ألف)، ومن الدول العشر الأقل في العالم تأتي: أندونيسيا وباكستان وأذربيجان. والدولة العربية الوحيدة في المؤشر كانت الإمارات، وهي من أقل عشر دول.
مع العلم أن أمريكا تحافظ على مرتبتها في أعلى 10 إلى 20 دولة ترتفع بها معدلات جريمة السرقة، لمدة طويلة.
• العلمانية والديمقراطية
يقول العلمانيون بالديمقراطية. حسنا:
– 1991م: لماذا خرجوا بعد فوز الجبهة الإسلامية في الجزائر في أول التسعينيات، خرجوا يطالبون الدبابات بوأد الديمقراطية. وكما قال الغنوشي (شاهدين على أن العلمانية قدمت إلى بلادنا على ظهر دبابة ولا تزال غير قادرة على الحياة إلا في حمايتها). وبذلك تسببوا في دخول الجزائر في نفق مظلم.
– 2006م: لماذا انقلب العلمانيون العرب والغربيون أيضا على نتائج الانتخابات في فلسطين؟! وهي الانتخابات التي أشرف عليها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
– ولماذا انقلب العلمانيون في بعض دول ما سمي بالربيع العربي على نتائج الانتخابات الشعبية؟ وأيدوا الانقلاب العسكري؟! وأيدوا حل المحكمة الدستورية لمجلس الشعب.
– ولماذا أيدت الأحزاب العلمانية في اليمن الحوثي؛ رغبة في تصفية الخصوم من الإسلاميين؟!
– ولماذا انقلب العلمانيون في تركيا على ديمقراطية أصعدت أربكان إلى الحكم؟ وأيدوا الانقلاب العسكري مرارا!! عام 1971م، 1979م، 1986م، 1995م… وأخيرا الانقلاب الفاشل 2016م(14).
– ولماذا ينادي العلمانيون بعودة الدكتاتورية؟
طبعا حديثي لا يشمل كل العلمانيين؛ وإلا فمنهم من وقف موقفا مضادا. ولكن نحن نساءل: علمانيين يحملون شعار العلمانية ويرفعون لواء الدعوة إليها والتبشير بها، بل نتحدث عن الأحزاب العلمانية الرسمية في الدول العربية(15)؛ ممن وقفوا هذه المواقف ضد الديمقراطية، وأيدوا الاستبداد العسكري!
ولذلك حين نتساءل: هل تستند العلمانية إلى مرجعية ثابتة وإجراءات محترمة؟
فيكفي أن نذكر مثالا واحد يبين إلى أي مدى تخضع العلمانية للمصلحة المجردة عن الثبات، مما يجعلها نظاما ازدواجيا لا أكثر، تدور مع مصلحة صاحب القوة، أو الأوصياء على العلمانية..
– الانتخابات مثلا، حين تأتي برئيس غير مرغوب فيه، يخرج لنا دعاة العلمانية ليلقوا لنا محاضرات: الديمقراطية لا تعني الانتخابات فقط!! كما صرحت بذلك كاثرين آشتون (الممثل الأعلى للسياسة العليا الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي) تعليقا على ما فعله الجيش المصري مع مرسي.
– وفي اليمن، لا يجد العالم الغربي راعي العلمانية بدا من التعامل مع الأمر الواقع، بل ومباركته، ومباركة الانقلاب.. ولست بحاجة للتدليل على ذلك.
فتصبح العلمانية مجرد ستار ترفع فقط حين يحتاجون إليها.
• العلمانية والدين
هل من الصحيح أن العلمانية محايدة تجاه الدين؟ لنقرأ في تجارب الدول العلمانية.
لقد وظفت هذه الدول العلمانية الدين في هيمنتها وسلطتها واستعمارها للعالم، وكانت تتقدم الإرساليات التبشيرية أفواج العلمانيين الذين يخبرون المسلمين أن يفصلوا دينهم عن دولتهم!!
وأما قضية تسامح العلمانية تجاه الدين، فهي من الأساطير.
أحمد كورو في كتابه “العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين”، حلل التجربة العلمانية في تركيا وفرنسا، وقد درس مظاهر تسامح الدولة أو عدم تسامحها تجاه ستة مظاهر، منها: لباس الرموز الدينية في المدارس (كالحجاب)، والموقف من التعليم الديني الخاص، …
ومن النتائج التي ذكرها:
أن العلمانية تحارب الدين ولا تتسامح بظهوره في المجال العام (بخلاف أمريكا مثلا) التي تتبنى العلمانية السلبية، فلا تهتم أظهر أم لم يظهر(16).
بالنظر في سياسات الدول العلمانية… هناك دول علمانية كفرنسا وتركيا لم تتسامح، وتم استهداف الحجاب الإسلامي، وإقصاء الطالبات المتحجبات عن المدارس والجامعات!!
الملفت للنظر أن 72% في فرنسا أيدوا حظر الحجاب. وهذا يعني شيوع ثقافة أن العلمانية لها سلطة في تحديد ما هو ديني وما هو غير ديني لدى المسلمين.
ثم إن تركيا أتاتورك العلمانية ظلت لعقود تطهر الجيش من الضباط الإسلاميين، بل أي ضابط متدين… فهو تطهير عنصري مارسته العلمانية(17).
في 2003، أسست الحكومة الفرنسية: المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. وتشرف عليه الدولة، والهدف من ذلك ترسيخ سلطة الدولة على الإسلام في تركيا. مثله مثل منظمة “ديانت” التركية (رئاسة الشؤون الدينية التركية)(18). [ملحوظة: حلت فرنسا “ماكرون” المجلس مؤخرا عام 2023].
ثم إن أمريكا الدولة العلمانية، حين يؤدي رئيسها اليمين الدستورية يصرح بالدين (ليكن الله في عوني)، مع وضع يده اليسرى على الكتاب المقدس. وفي عملتها تظهر عبارة (نثق بالله). وتفتتح جلسات الكونجرس بتلاوة أحد القساوسة للصلاة. فهذا السلوك يعني أنه في أمريكا يعلو الله فوق المجتمع(19).
وبالمناسبة فالدستور الأمريكي لا ينص على أنها دولة علمانية(20). خلاف فرنسا وتركيا التي ينص دستورها على أنها “دولة علمانية”، ومن ثم يوجه أيديولوجيتها تجاه الدين.
(وتكرر التلاحم ذاته بين الدين والحرية في الثورة الأميركية (1776-1783)، وقد لاحظ ذلك أحد أهمّ الدارسين للتاريخ الديني الأميركي، وهو توماس كيد. ففي كتابه “رب الحرية: تاريخ ديني للثورة الأميركية”، أوضح هذا البحاثة الأميركي كيف كان الثوار الأميركيون يرون “التمرد على الطغاة طاعة لله”، وكيف أن “الدين -قبل الثورة وبعدها- وفر المبادئ الأخلاقية والسياسية للثوار، وصاغ الأمة الأميركية الجديدة”. فلا عجب أن ينص إعلان الاستقلال الأميركي -في صدره- على أن الحقوق الإنسانية الطبيعية “منحة إلهية”، بدلا من وصفها بأنها “حقوق طبيعية” على ما هو شائع في الفلسفة السياسية الأوروبية) (21).
❃❃❃
ثم دعوى أن الدول العلمانية لا تنص في دساتيرها على الدين – هذه دعوى لا صلة لها بالواقع؛ ففي دراسة “العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين”، ل197 دولة، قسمها إلى 4 فئات، من حيث علاقتها بالدين:
– الدول الدينية (12)، والدول العلمانية ذات الدين الرسمي (60)، والدول العلمانية (120)، والدول المناهضة للدين “ملحدة” (5).
وهناك دول علمانية تشترط في رئيسها ديانة معينة، كالسويد (على أن “الملك يجب أن يؤمن دائما بالعقيدة الإنجيلية النقيَّة، وأيُّ عضو في الأسرة المالكة لا يؤمن بهذه العقيدة فهو محروم من جميع الحقوق في توارث العرش” ) [مادة 4]، وينص على حق الدولة في تقييد حرية الأجانب الدينية (المادة 25). بل هناك دول تبنت الديانة البوذية في دساتيرها، مثل: كمبوديا وسريلانكا وتايلند.
وكما قال د الشنقيطي، فإن دولا علمانية كالنرويج وآيسلندا تنص على الديانة المسيحية، بالرغم من أنها لا علاقة لها بالسياسة في نشأتها. ولكن العلمانيين حين يتعلق الأمر بالإسلام يدعون إلى ضرورة تحييده.
ثم إن الديمقراطية تعني حكم الأغلبية، فلماذا استبعاد الأغلبية الدينية، ولماذا تقييد حرية هذه الأغلبية ومنعها من اختيار ما تريد؟! يقول الشنقيطي: (والطريف أن من يسعون لتجاهل الأغلبية الدينية يرفعون شعار الدفاع عن الأغلبية القومية واللغوية، وذلك يعني أن مشكلتهم ليست مع حكم الأغلبية غير السياسية في ذاته، وإنما مع الأغلبية المسلمة بما تحمله من عقائد وقيم وانتماء)(22).
ويقول الشنقيطي: (لا بديل للعالم العربي والإسلامي عن المواطَنة المتساوية، التي لا منَّة فيها من حاكم على محكوم، أو من أغلبية على أقلية، بعيدا عن نوازع العزلة الطائفية الجديدة المتلبِّسة بلبوس حقوق الإنسان، وحياد الدولة تجاه الأديان؛ فالمواطَنة المتساوية تتأسس على احترام الخيار الشعبي الذي تعبر عنه غالبية المجتمع، فتترجم من خلاله عقائدها وقيَمها إلى مؤسسات وإجراءات، وهذا هو مصدر الشرعية السياسية في كل الديمقراطيات الحقَّة. أما استعلاء الأقليات على الأكثريات، وفرضها شروطا سابقة على الخيار الديمقراطي، واستقواؤها بقوى دينية ولادينية خارجية، فهو يقود إلى مزيد من التشظي المجتمعي، والتفتُّت السياسي، وتمكين الاستبداد من رقاب الشعوب، وتقطيع الأرحام الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد والحضارة الواحدة.. فإلى متى ترضى الشعوب المسلمة بالتطفيف وازدواجية المعايير؟!).
وحين تضع العلمانية من شروطها: إقصاء الدين من الحكم؛ فهي تتناقض مع نفسها؛ في حديثها عن السيادة للأمة والسلطة للشعب. إذا كان الشعب يريد الدين.. ماذا ستقول العلمانية؟
فإن قالت: لا، فقد هدمت مرجعيتها بسيادة الأمة.
وإن قالت: نعم، فقد هدمت كيانها بقبول الدين.
فتصبح فكرة هلامية.
• ما دور المؤسسة الدينية في تأسيس أوروبا الحديثة؟
يذهب توبي هف في كتابه (فجر العلم الحديث: الإسلام، الصين، الغرب) إلى أن مولد الدولة الغربية الحديثة كان نتاجا للثورة البابوية في عهد غريغري السابع، حوالي (1072-1121)، سحبت الكنيسة من الأباطرة والملوك سلطة تعيين رجال الدين، فقيدت سلطاتهم الدنيوية، ومارست كل الوظائف القانونية، وخلقت بذلك أول قانون غربي حديث. ويعقب على ذلك أن هذه النتيجة تتصف بالمفارقة؛ لأننا معتادون على التفكير بأن الدولة الحديثة دولة علمانية(23). وتم إعلان استقلال الكنيسة القانوني؛ مما أوجد فكرة الولاية القانونية المستقلة المنفصلة ذاتها. فقد أكدت حقها في أن تكون لها ولاية قانونية، وأن تحكم في كل القضايا داخل سلطتها، وفي سن التشريعات، وبهذا تكون اتخذت خطوات هائلة تجاه الدولة الدستورية. وبذلك تركت الكنيسة تراثا من المؤسسات القانونية والحكومية، لحل المنازعات، وأقامت مثال تحتذيه الحكومات الدنيوية لتنظيم أمورها وتأسيس محاكمها، واختيار موظفيها، وتنفيذ قوانينها.
ثم ذهب يشرح تطورات القانون بناء على قرارات وأنظمة الكنيسة، وكيف أن غريشين (1095م) – الذي قام بصياغتها صياغة قانونية، وجد أنه من الضروري التوفيق بين الشريعة الربانية والقانون الطبيعي والعرف والقانون الذي سنته الدولة، وبذلك أسس تدرجا هرميا للمصادر القانونية، جعل بموجبه القانون الرباني فوق قانون الملوك، والقانون الطبيعي فوق القانون الرباني. ويقصد بالقانون الطبيعي (العقل)، فيخضع له كل شيء.
وعلى أي حال، فهذه الخطوة – كما يرى توبي هف جعلت المشتغلين بالقانون الكنسي ينتجون نظاما قانونيا جديدا، ويؤسسون لعلم القانون، كما أرسى ذلك مبدأ سلطة العقل وشرعيته ومرجعيته العليا على كل المرجعيات، وجعلت البشر يشعرون بقدرتهم على تحكيم العقل والضمير فيما هو مقدس، فمن باب أولى في غير ذلك(24).
ويبين أن فقهاء القانون الروماني كانوا شديدي المحافظة في مقابل فقهاء القانون الكنسي، واتصف عملهم بالجمود، وأصروا على تطبيق قواعد محددة على حالات محددة(25). والخلاصة أن فقهاء القانون صاغوا نظاما قانونيا جديدا يعتمد العقل والقانون الطبعي، ولا يعني ذلك أنه أهمل النصوص المقدسة أو غيرها من مكونات القانون الكنسي، بل أخضعها لاختبار الصدق والقبول العقلي.
العلمانية والقوانين القديمة!
ينعى العلمانيون علينا الرجوع إلى تراثنا الفقهي لاستمداد القوانين منه؛ بحجج كثيرة منها: أنها أفكار لمجتهدين قد ماتوا، وكانت تناسب عصورهم وبيئتهم، وعلينا مواكبة عصرنا. وبالرغم من تهافت هذه الحجة فنقول لهم: أليست القوانين الأوروبية الحديثة التي تحكمهم في القرن العشرين والواحد والعشرين مستمدة أيضا من قوانين لاتينية وجرمانية قديمة، ومن مصادر أخرى. وليست كما يحلو للعلمانيين تصويرها أنها كلها حديثة!! فإذا استفادوا من قوانينهم القديمة فلماذا لا نستفيد نحن من شريعتنا؟! أحلال لهم وحرام علينا؟!
وهذه شهادة يسجلها عميد القانونيين العرب، د. عبد الرزاق السنهوري، فيقول(26): (الفقه الإسلامي لا يقل عراقة عن القانون الروماني، وكما أثبت القانون الروماني بعد أن حييت دراسته في العصور الوسطى القوانين اللاتينية والقوانين الجرمانية الحديثة، وهي القوانين التي تعيش أوروبا في ظلها اليوم. كذلك الفقه الإسلامي إذا حييت دراسته وانفتح فيه باب الاجتهاد قمين أن ينبت قانونا حديثا لا يقل في الجدة وفي مسايرة العصر عن القوانين اللاتينية والجرمانية، ويكون هذا القانون مشتقا من الفقه الإسلامي اشتقاق هذه القوانين الحديثة من القانون الروماني العتيق).
ولو عاش السنهوري إلى اليوم لغير وجهة نظره في قوله إن الفقه الإسلامي يحتاج على إحياء؛ فقد قامت جهود مؤسسية ودولية وفردية كبيرة لإحياء هذا الفقه، واستمداد القوانين منه.
وحين يقول أحدهم: لم تعد الشريعة مناسبة لنا في الزمن المعاصر!
نقول له: القانون الفرنسي وضع عام 1804، وخلال 200 سنة لم يمسه سوى عشرة تعديلات(27). ومرد ذلك إلى تميزه بالعمومية والتجريد، دون الخوض في تفصيلات وجزئيات.
والعجيب أن بعضهم يقول: نحن لا نترك الأموات يتحكمون في حياتنا!!
وحين نفحص مقولته تجده يعني بالأموات فقط: أهل السنة والجماعة، في حين أن المعتزلة عنده يخرجون من هذه المقولة، وأما أموات غير المسلمين كسقراط وافلاطون وأرسطو.. ومن بعدهم من فلاسفة أوروبا.. فهؤلاء أحياء!!
هو يريد القول: إن فكر من يحترم الشريعة الإسلامية فكر ميت، وفكر غيرهم فكر حي. فلا ضير عنده أن يتحكموا به ولو رمت عظامهم. وحين يعلي من شان المعتزلة فلا يرى فيهم إلا أنهم قالوا بحجية العقل فقط، ولا يرى شيئا آخر.
فهؤلاء يحاولون أن يتحججوا بأي حجة لإسقاط الفقه الإسلامي، بل لإسقاط الدين كله من حياة الناس، وعزله في المسجد، كطقوس لا تخرج من باب المسجد.
الهوامش:
- الحكم الخفي والاحتلال غير المباشر: كيف تنهب فرنسا خيرات أفريقيا؟، عبد الحفيظ تهليل، 21 أغسطس 2021. https://tipyan.com/how-is-france-plundering-africa
- الحكم الخفي والاحتلال غير المباشر: كيف تنهب فرنسا خيرات أفريقيا؟، عبد الحفيظ تهليل، 21 أغسطس 2021. https://tipyan.com/how-is-france-plundering-africa
- مقال بعنوان: فرنسا ومستعمراتها السابقة.. لماذا بقي الاستقلال منقوصا؟ https://www.dw.com/ar/%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%88%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A8%D9%82%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%84
- الحكم الخفي والاحتلال غير المباشر: كيف تنهب فرنسا خيرات أفريقيا؟، عبد الحفيظ تهليل، 21 أغسطس 2021. https://tipyan.com/how-is-france-plundering-africa
- الحكم الخفي والاحتلال غير المباشر: كيف تنهب فرنسا خيرات أفريقيا؟، عبد الحفيظ تهليل، 21 أغسطس 2021. https://tipyan.com/how-is-france-plundering-africa
- اتهامات إيطالية.. هل فرنسا وراء “إفقار” أفريقيا فعلا؟ https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%87%D9%84-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A5%D9%81%D9%82%D8%A7%D8%B1-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D9%
- نقلا عن تبيان: https://tipyan.com/continued-french-occupation-to-african-countries-14-countries-under-french-slavery
- الرق في الماضي والحاضر، 1979م، ص 178 – وما بعدها.
- مقال نشرته صحيفة اليوم السابع، في 26 نوفمبر 2022: https://m.youm7.com/story/2022/11/26/دينا-الحسيني-تكتب-رسالة-للبرلمان-الأوروبى-لا-تحدثونا-عن-قيم/5990597
- الرق في الماضي والحاضر، 1979م، ص 178 – وما بعدها.
- الحكم الخفي والاحتلال غير المباشر: كيف تنهب فرنسا خيرات أفريقيا؟، عبد الحفيظ تهليل، 21 أغسطس 2021. https://tipyan.com/how-is-france-plundering-africa
- مقال نشرته صحيفة اليوم السابع، في 26 نوفمبر 2022: https://m.youm7.com/story/2022/11/26/دينا-الحسيني-تكتب-رسالة-للبرلمان-الأوروبى-لا-تحدثونا-عن-قيم/5990597
- التشريع والقضاء في الفكر الإسلامي، 238.
- (حزب الشعب التركي الذي ما أن يعرف حجمه الضعيف إلا وحرّك أنصاره من العسكر فانقلب على المنتخبين سنة 1971 واستولى على السلطة وما إن خلت الساحة السياسية له حتى أعلن سنة 1973 عن الانتخابات ليحتل المرتبة الأولى فيها ثمّ عاد ليهزم سنة 1979 فانقلب على الشرعية وقدّم دستورا حظر الأحزاب الدينية والفاشية والاشتراكية، وبذلك تم حظر الأحزاب المناوئة له وللعلمانية، وهذا القانون استخدم سنة 1986 للانقلاب على الإسلاميين بقيادة أربكان فاتّهم حزبه الرفاه بأنّه يسعى لتطبيق الشريعة وطرد نوّابه ثمّ عاد العلمانيون سنة 1995 لتحريك الأذرع العسكرية ضد الحكومة المنتخبة التي تزعّمها أربكان بعد أن حاز حزب الرفاه مع الطريق القويم الأغلبية بقوّة الصندوق). https://www.echoroukonline.com/العلمانيون-في-العالم-العربي-نحن-أو-ال
- في مصر مثلا، (اختارت الأحزاب العلمانية الرئيسية مثل حزب الوفد، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب المصريين الأحرار، التنسيق مع الجيش). و(مجموعة أخرى من الأحزاب العلمانية عارضت هيمنة الجيش على السياسة، من ضمنها أحزاب «الدستور» و«الكرامة» و«مصر القوية» و«العيش والحرية» و«التحالف الشعبي»). انظر مقال: التخلي عن الديمقراطية: مأساة العلمانيين المصريين، عمرو حمزاوي، مركز كارنيجي للشرق الأوسط، https://carnegie-mec.org/2017/04/11/ar-pub-68627 وتقول مارينا أوتاواي: (لم تخرج أي إدانة للانقلاب والاعتقالات الواسعة للإسلاميين ولا للفض العنيف في أغسطس للاعتصامات التي أقيمت في القاهرة للاحتجاج على الانقلاب العسكري من قبل الأحزاب العلمانية في مصر (أعلنت هيومن رايتس ووتش عن مقتل ما لا يقل عن 900 شخص فيما يمكن اعتباره جرائم ضد الإنسانية على حد قولهم). بل اختار بعض القادة والأحزاب من بين الأحزاب العلمانية والمؤيدة للديمقراطية!! التي تم تشكيلها بعد عام 2011، الانضمام إلى الحكومة الانتقالية التي نظمها الجيش، وأيدوا الانقلاب والزعيم العسكري الجديد عبد الفتاح السيسي). انظر: https://capitalforum.net/?p=33097
- العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين، 33.
- العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين، 369.
- العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين، 369.
- العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين، 30، 36.
- العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين، 33.
- ديمقراطية لا علمانية، محمد المختار الشنقيطي: https://aja.me/xaktfp
- المسيحة ديانة رسمية. https://aja.me/r35s42
- فجر العلم الحديث، ص144.
- فجر العلم الحديث، 146-148.
- فجر العلم الحديث، ص 150.
- أبحاث حقوقية ” القانون المدني العربي”، مجلة القانون، عبد الرزاق السنهوري، 1967.
- انظر: مدى تأثر القانون المدني الفرنسي بالفقه المالكي في مجال التعبير عن الإرادة، 204. ملحوظة: تم تعديل القانون المدني الفرنسي في 2016، وشمل التعديل 350 مادة، تضمنت تعديلات جذرية.. وبغض النظر عن التعديلات فالعبرة بمدى التأثر