ولد الدكتور علي مفلح محافظة عام 1938م في قرية كفر جايز بالأردن، وقد نال دكتوراه دولة في الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة السوربون عام 1980م، كما تقلد مناصب عديدة منها: رئيس جامعة اليرموك 1989-1993م، ورئيس جامعة مؤتة 1984-1989م، وعمل في وزارة الخارجية الأردنية ما بين أعوام 1962-1971م، وقد رفد المكتبة العربية بالعديد من الكتب منها: العلاقات الأردنية – البريطانية (1921-1957م) الصادر عام 1973م، وكتاب الحركة الفكرية في فلسطين وشرقي الأردن (1775-1925)الصادر عام 1987م، ومن آخر إصداراته الكتب التالية: “حركات الإصلاح والتحديث في الوطن العربي والتحديات التي تواجهه في مطلع القرن الحادي والعشرين” الصادر عام 2011م، وكتاب “انتفاضة الثورة العربية.. دراسات عن العلمانية والليبرالية والتاريخ المعاصر” الصادر عام 2017م، وكتاب “الحركات الإسلامية المتطرفة في الوطن العربي” الصادر عام 2018م. ونجد أنَّ محافظة قد ركز على الجانب الفكري في كتبه، واستطاع إنجاز العديد من الدراسات في هذا المجال. وهو ما يجعل كتابه الاتجاهات الفكرية عن العرب في عصر النهضة محل دراستنا.
1. كتاب الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة:
حاول محافظة أن يقدم تأريخًا شاملًا لما أسماه عصر النَّهضة للفترةِ الواقعة من الحملة الفرنسية عام 1798م إلى بداية الحرب العالمية الأولى 1914م، وبخلاف ألبرت حوراني الذي اتخذ من روَّاد النهضة وكتاباتهم أساسًا لتأريخ لفكر النهضة، فإن محافظة قد حدد مجالات أسماها الاتجاهات الفكرية وهي: دينية وسياسية واجتماعية وعلمية، حيث حاول أن يحصر في كل مجال أبرز الحركات والرواد والمفكرين لكي يؤرخ بصورة بانورامية لفكر النهضة العربي.
اهتم محافظة بالسَّرد التاريخي ولم يهتم بالتحليل والتفكيك لفكر النهضة العربي، وقد بوب كتابه في أربعة فصول ابتداءً بالاتجاه الديني ثمَّ السياسي ثم الاجتماعي ثم اختتم بالاتجاه العلمي، وهذا الترتيب حسب محافظة هو تنازليًا، حيث بدأ بالأهم ثم المهم، وسوف نستعرض أهم المحاور وأبرز الأفكار التي تناولها محافظة في كتابه.
أولًا:الاتجاه الديني:
يعتبر محافظة أنَّ الردود الدينية هي أولى الردود التي اهتمَّ بها العرب للنهوض، ويسلّم بأنَّ باب الاجتهاد أقفل من القرن الرابع ثم يذكر ابن تيمية (1262-1327م) الذي كان مجددًا في الفقه وتلميذه ابن القيم الجوزية (1290-1350م) الذي نشر فكر شيخه، ثم يتطرق إلى الدعوات الإصلاحية السلفية بحيث ابتدأ بالدعوة الوهابية ومؤسسها محمد بن الوهاب (1703-1791م) في نجد، والمذهب الشوكاني لصاحبه محمَّد بن علي الشوكاني (1760-1839م) في اليمن، والحركة السنوسية في المغرب العربي، والمهدية في السودان، ونستخلص أهم المبادئ التي اشتركت بها هذه الحركات، وهي:
1. الاعتماد على كتاب الله والسُّنة كمصدر أساسي.
2. تنقية الدين الإسلامي من البدع والخزعبلات والعودة إلى نقائه الأول.
3. الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد.
4. رفض التقليد والدعوة إلى التجديد.
وقد ذكر محافظة الألوسيَّان في العراق شهاب الدِّين الألوسي (1802-1893م) ومحمود شكري الألوسي (1856-1924م) حيث اعتبرهم من التيارات الإصلاحية، ونرى بأنهما لم يقدما تجديدًا كون كتاباتهم لم تتجاوز ما تمَّ كتابته في تلك الفترة وإنما نقاشًا للمواضيع والقضايا، ولا ندري ما هو المقياس الذي اتخذه محافظة لاعتبارهما من الحركة الإصلاحية.
ثم يتطرق محافظة إلى تيار آخر أسماه “تيار التجديد” يمثله جمال الدين الأفغاني (1839-1897م) وتلميذه محمَّد عبده (1849-1905م) ورشيد رضا (1865-1935م) وقد تميز هذا التيار باعتبار الغرب مثالًا يحتذى به وبدأ يطرح أفكار توفيقيه ما بين الدين الإسلامي والحداثة الغربية، بينما نجد أنَّ الحركات السلفية اصطدمت بالغرب كمستعمر. كما امتاز جمهور التيار التجديدين بأنهم نخبة المجتمع بينما تفاعلت الحركات الإصلاحية السلفية مع جميع أفراد المجتمع بمختلف طبقاته.
ثانيًا:الاتجاهات السياسية:
إن تقدم الغرب في النظم السياسية وما أفرز عن ذلك من تطور صناعي وقوة عسكرية، كل ذلك جعل المثقفين الأتراك والعرب يطالبون بالإصلاحات السياسية من حيث وجود دستور وبرلمان، وقد برزت في كتابات خير الدين التونسي وغيره، وقد استطاع على محافظة توزيع أبرز الاتجاهات السياسية في أربع تيارات، وهي:
1. تيار الجامعة الإسلامية:
هي فكرة جمال الدين الأفغاني (1839-1897م) ليجمع بها الأمة الإسلامية في مواجهة الاستعمار الأوروبي وقد تبناها السلطان عبد الحميد الثاني (1848-1918م) لينقذ ما أمكن إنقاذه من سقوط الدولة العثمانية.
2. تيار الرابطة العثمانية:
يذكر محافظة المفكرين الذين رأوا أن الدولة العثمانية هي الوثاق الأمين والجامعة ويستدل محافظة بكتابات هؤلاء المفكرين ومنهم: أحمد عرابي(1841-1911م)، ومصطفى كامل (1874-1908م)، وسليم تقلا (1849-1892)، وأحمد فارس الشدياق (1804-1887م)، كما أنه يذكر محمد عبده مستدلًا بمقال له، غير إننا نجد محمد عبده في كتابه الإسلام بين العلم والمدنية ينافي ما ذهبَ إليه محافظة.
3. تيار الوطنية الإقليمية:
يذهب محافظة بأنَّ مفهوم الوطنية بدأ بالتشكل في كتابات رفاعة الطهطاوي (1801-1873م)، ويوافق بذلك ما ذهب إليه حوراني، وقد برز المفهوم أكثر في كتابات أحمد لطفي السيد (1872م-1963م)، وقد عبرت بعض الصحف مثل المقطم والجريدة عن الوطنية، التي أضحت أكثر ظهورًا مع قدوم بوارج الاستعمار.
4. تيار القومية العربية:
يطرح علي محافظة بأنَّ مفهوم القومية العربية برز لدى الكتّاب المسيحين العرب ويعود ذلك إلى ظهور القومية الأوربية وكذلك رد فعل على التتريك، وكذلك إيجاد وعاء يجمع المسلمين والمسيحين العرب على حدٍّ سواء، فلم تكن سوى القومية العربية، وقد برز مفهوم القومية العربية في كتابات سليم البستاني (1848-1884م) وإبراهيم اليازجي (1847-1906م) ويعقوب صروف (1852-1927م) وفارس نمر (1856-1951م).
ثالثًا:الاتجاهات الاجتماعية:
حاول محافظة تأطير الاتجاهات الاجتماعية في عصر النهضة، لكن نعتقد بأنَّ محافظة لم يوفق كثيرًا في التأريخ لهذا الاتجاه، وقد يعود ذلك إلى قلة المصادر وكذلك عدم انفتاح الكتابات التاريخية على علمِ الاجتماع في العالم العربي في ذلك الوقت، لذلك نجد محافظة يؤرخ لأبرز القضايا التي شغلت المفكرين والرواد في تلك الفترة، وهي:
1. أسباب تخلف المجتمع العربي.
2. الدعوة إلى الحرية والمساوة.
3. الدعوة إلى العدالة الاجتماعية.
4. تحرير المرأة.
ثم يذكر أبرز الكتَّاب والصحف التي تناولت هذه القضايا.
رابعًا: الاتجاهات العلمية:
كان للاكتشافات العلمية دور كبير في تقدم وتمدن أوروبا من الناحية الاقتصادية والسياسية وغيرها، وهو ما لاحظه رواد النهضة وبدأوا يدعون به عبر الصحف والمجلات، ويتطرق محافظة إلى ذلك موضحًا في البداية المدارس والكليات العلمية في مصر وبلاد الشام، ودور محمد علي باشا (1769-1849م) في إنشاء المدارس المتخصصة وابتعاث الطلبة إلى أوروبا ثم يعرج إلى دور الصحف والمجلات في ترجمة العديد من الأعمال العلمية إلى العربية وكذلك في تناول الأخبار العلمية، وقد سرد محافظة أسماء الأعمال والمؤلفات العربية العلمية لتلك المرحلة وهو ما نراه جهد توثيقي كبير، لم يحظ بتسليط الضوء عليه مثلما تمَّ على الجانب الفكري ومؤلفاته من قبل الباحثين.
وفي المقال القادم سنتناول أطروحة زكي ميلاد التي تناول فيها بالتحليل والنقاش أبرز الدراسات التي أرخت أو تناولت عصر النهضة العربية.