Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فكر

في وجه التزييف العلماني (الجزء الخامس)

إنسانية الإسلام وبلادة الإصلاحات الدينية الجديدة

الاتهام السادس:

[ عبر 1400 سنة تجمعت روافد الموروث وإسلام الفتوحات لإنتاج إسلام معاد للإنسان، وأعني بمعاداة الإنسان النظر بريبة وعداء إلى كل الطاقات الحيوية للإنسان واعتبارها ضد الدين، فعقل الإنسان ضد قدسية النص، ويجب تعطيله، وحرية الإنسان ضد الالتزام بالتعاليم فيجب تقييدها، وجسد الإنسان ضد الروح وضد الفضيلة لذا يجب إخضاعه لرياضات دينية قاتلة تدمر جسده.. أما الروح فيتم تقييدها بالأوامر والنواهي وتغذيتها بالكراهية والخوف.].

هذه الفقرة تحمل عددا من التقريرات الشائعة لدى المعادين للإسلام دينيا وحضاريا، وغير معروف بالدقة هل المقصود بها الماضي أو الحاضر، والانطباع الأول عنها الذي يتبادر لذهن القاريء – الذي لا يعلم سياقها المتطاول على الإسلام- أنها تنتقد الهندوكية، أو المسيحية الكهنوتية، ونظام الرهبنة فيها!

وهذه محاولة لتفنيدها، وتوضيح التلاعب بالألفاظ الموجود فيها وتوجيهها لغرض سلبي، وسنعززها بشهادات مفكرين ومستشرقين غربيين في هذا الشأن تؤكد الجوانب الحضارية العظيمة للإسلام عندما حكم العالم، وعندما كانت حضارته ثمرة الفتوحات الإسلامية هي الأنموذج القدوة للبشرية:

1-  الزعم بأن موروثات وإسلام الفتوحات أنتج (إسلاما معاديا) إن كان يقصد به الماضي فهو يتناقض مع حقيقة ثابتة تاريخا وهي انتشار الإسلام واعتناق شعوب كثيرة له، والالتزام بشرائعه وتشريعاته، وتقبلهم للثقافة العربية الإسلامية في معظم أنحاء العالم المعمور يومها في خلال عقود قليلة، وبصورة إعجازية أذهلت المؤرخين الأوربيين (وصل الفتح الإسلامي إلى حدود الصين وأواسط آسيا وحدود فرنسا وكل البلدان التي بينها وشمالا وجنوبا في زمن الخلفاء الراشدين والملوك الأمويين الذي لا يتجاوز مائة عام بعد موت النبي الكريم). وما زالت معظم هذه الشعوب – وبعضها في قلب أوربا ذاتها- تعتنق الإسلام، وتتمسك به رغم كل ظروف القهر والطغيان، وحملات التجهيل والتشويه الفكري والإعلامي الذي تعرض له المسلمون في معظم بلدان العالم الإسلامي؛ سواء من قبل سلطات الاستعمار الأوربي والروسي والصيني التي احتلتها أو من قبل أنظمة حكم وطنية معادية للإسلام. 

وإن كان مقصود التهمة عصرنا هذا؛ فما يزال الإسلام هو أكثر الأديان انتشارا في العالم الغربي المتقدم خاصة؛ رغم الحالة البائسة للعالم الإسلامي، ورغم كل حملات التشكيك في الإسلام، والتشويه، والتزييف، وتصويره بأنه دين متوحش مسكون بالكراهية والرعب، ومعاد للإنسان وللعلم والتطور الإنساني، يعطل العقل لمصلحة النص المقدس، وضد حرية الإنسان وانطلاق روحه.. 

والأكثر من ذلك دلالة أن معظم هؤلاء الغربيين الذين يسلمون لا يعتنقون الإسلام إلا بعد دراسة وتفهم واقتناع بأن هديه هو الحق، وهم من نخبة المجتمعات الغربية: علما، وفكرا وثقافة، وتعليما، وليسوا من البسطاء والأميين الذين تصطادهم بعثات المنصرين في البلدان الفقيرة بمنحة دراسية أو وجبة طعام! 

فكيف يمكن أن يكون الإسلام الدين الأسرع انتشارا في العالم اليوم.. وكيف كان يمكن أن يحدث ذلك الاندماج والامتزاج الحضاري والديني والثقافي بين العرب وغيرهم من الشعوب التي نعمت بحضارة الإسلام وإنجازاته الحضارية؛ وأفضل بكثير مما حدث لمناطق الجزيرة العربية التي هي مهد الإسلام؛ كيف يمكن أن يحدث ذلك إن كان إسلام الفتوحات (معاديا للإنسان)، وينظر بريبة إلى كل – وليس حتى بعضها- الطاقات الحيوية الإنسانية؟ 

2 – الزعم بأن إسلام الفتوحات كان (معاديا للطاقات الحيوية للإنسان) هو مجرد حكم ظالم جاهل وتعميم غير عادل وغير علمي على مسافة زمنية تبلغ 1400سنة، وعلى مساحة شاسعة من العالم تبدأ من حدود الصين ومنغوليا وإندونيسيا والفلبين شرقا وحتى إسبانيا وجنوب فرنسا وإيطاليا وشرق المحيط الأطلسي، ومن أواسط آسيا روسيا والأناضول شمالا وحتى جنوب جزيرة العرب ووسط أفريقيا والقارة الهندية جنوبا.. فمن غير المعقول أن هذه الحالة السلبية – في حالة صحتها جدلا- المتهم بها إسلام الفتوحات قد حدثت دون تمييز ولا استثناءات: زمنا ومكانيا!

 وفي كل الأحوال فلو جاز تمرير هذه الفرية على السذج؛ فكيف نفسر ظهور تلك الحضارة الإسلامية العالمية الرائعة، والتقدم الكبير الذي حدث – بنسب متفاوتة- في المجتمعات الإسلامية، وما قدمته الحضارة الإسلامية للبشرية من الخير وأسباب الحياة الهانئة؟ 

من الواضح أن مروجي هذه الفرية لم يقرأوا كتبا مثل الأغاني وألف ليلة وليلة على علاتهما، ولم يقرأوا ماذا كان يحدث في بغداد وعواصم الإسلام، وفي الأندلس خاصة، في زمن التنعم بنتائج الفتوحات الإسلامية من ترف وإقبال مبالغ فيه على ملذات الحياة من قبل الملوك والأغنياء، وتجاوز حتى بعض المحرمات الدينية. ومن نافلة القول فإن من أبرز أسباب ضعف الحضارة الإسلامية كان انغماس الملوك والأغنياء في ملذات الدنيا ونسيانهم نصيب الآخرة؛ بسبب الثراء الخرافي الذي جاءت به الفتوحات الإسلامية، وجاء معها الرقيق وعادات وتقاليد الأمم والحضارات الأخرى في كل مباهج الحياة، والتي استوعبتها الحضارة الإسلامية وأضافت إليها وأبدعت.

خليل البحر يترجم رائعة الشَّاعر ألفرد لورد تينيسون 4 في وجه التزييف العلماني (الجزء الخامس)

ولعل أبسط مقارنة بين الآثار الحضارية لحركة الفتوحات الإسلامية في البلدان التي وصلت إليها من جهة، وبين الآثار المماثلة للبلدان التي وقعت تحت طائلة حركة الاستعمار الأوربي سوف تكشف حقيقة إنسانية الفتح الإسلامي الذي عمت خيراته كل منطقة وصل إليها؛ بينما ظلت البلدان المستعمَرة أوربيا عدا العواصم وحتى الآن تعاني كثيرا من مظاهر الفقر والتخلف والجهل، واستنزاف ثرواتها الطبيعية بأرخص الأثمان، وتحويلها إلى أسواق لتصريف منتجات المستعمرين، وسببا في ازدهار البلدان الأوربية، وتوج كل ذلك بأنظمة محلية استبدادية قمعية تحظى برعاية ودعم الأنظمة الأوربية!

وهذه شهادة غربية تدحض أكذوبة ان إسلام الفتوحات الإسلامية كان معاديا للطاقات الحيوية للإنسان:

فنقلا عن تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003، وكما جاء في كتاب ( العلامة التي لا تخطيء)؛ يقول بول ألفاروز (وهو شخصية لامعة عاش في قرطبة منتصف القرن التاسع الميلادي):

[ إن المسيحيين يحبون قراءة قصائد وروايات العرب، ويدرسون علماء الدين والفلاسفة العرب لا بقصد مجادلتهم وإنما لاكتساب لغة عربية فصيحة ورشيقة. وأين هو الشخص العادي الذي يقرأ دراسات الكتاب المقدس باللاتينية أو يدرس سير الأنبياء والقديسين؟ يا للخسارة! إن جميع الشباب المسيحيين الموهوبين يقرأون الكتب العربية، ويدرسونها بحماس، ويجمعون مكتبات هائلة بتكلفة ضخمة، ويحتقرون الآداب المسيحية باعتبارها غير جديرة بالاهتمام.. لقد نسوا لغتهم هم حتى إنه مقابل كل من يستطيع كتابة خطاب باللاتينية لصديق يوجد ألف يستطيعون التعبير عن أنفسهم بلغة عربية أنيقة..].

وربما كان مناسبا على سبيل فضح أكذوبة إسلام الفتوحات الإسلامية المعادي للطاقات الحيوية للإنسان؛ أن نستعرض نماذج مختارة للآثار الحضارية المذهلة التي أحدثتها الفتوحات الإسلامية لعديد بلدان كانت قبلها غارقة في التخلف والمظالم.. وستكون الاستدلالات من تقريرات مؤرخين أجانب لا يمكن اتهامهم بأنهم يحتاجون إلى إصلاح ديني حتى تستقيم أحوالهم:

أ- يقول المؤرخ مونتجمري وات:)20)

– لن أنظر إلى المسلمين باعتبارهم دخلاء من بين العديد من الدخلاء على القارة الأوربية وإنما باعتبارهم ممثلين لحضارة ذات إنجازات عظيمة تدين لها بالفضل رقعة كبيرة من سطح الأرض ثم فاضت ثمار هذه الإنجازات على رقعة أرض مجاورة. 

– إننا معشر الأوربيين نأبى في عناد أن نقر بفضل الإسلام الحضاري علينا، ونميل إلى التهوين من قدر وأهمية التأثير الإسلامي في تراثنا بل نتجاهل هذا التأثير أحيانا تجاهلا تاما. 

–  استقرت الأمور في إسبانيا في ظل حكم العرب وسادها السلام معظم الوقت، وإن كان القتال ينشب من حين إلى آخر بين جماعات مختلفة من العرب…. قدر من الرخاء استمر رغم القلاقل السياسية، وانتعشت الفنون والآداب. 

–  إسبانيا في عصرها الإسلامي بلغت أوج قوتها ورخائها خلال حكم عبد الرحمن الثالث. 

–  ثمة ما يغري المؤرخ لأوروبا بعد الكتابة عن غزوات الألمان والسلافيين والمجريين والإسكندنافيين بأن ينظر إلى الفتح العربي لإسبانيا باعتباره غزوا همجيا مماثلا.. ورغم أن الكافة تدرك الآن أن النظم السياسية والاجتماعية لدى الغزاة المسمين بالهمج كان لها الفضل في بناء أوربا؛ فمن الواجب ان نقمع بشدة أي ميل إلى تشبيه العرب بأولئك الآخرين.. العرب كانوا يمثلون أعظم حضارة وثقافة ما بين الأطلسي وأفغانستان. 

–  الثقافة الإسلامية ظلت على مستواها الرفيع حتى القرن السابع عشر، ولم تكن هذه الثقافة قاصرة على منطقة معينة من الدولة الإسلاميةـ وإنما كانت منتشرة انتشارا أينما كان الإسلام قويا. 

– ساهم العرب في تطوير خبرات الأوربيين الفنية في الملاحة البحرية…. العرب كانوا أصحاب الفضل في اتساع معارف الأوربيين الجغرافية، وفي اتسام هذه المعارف بقدر أكبر من الدقة… تمكن العرب من أن يرفعوا مستوى الزراعة في قطر مثل إسبانيا.. من المؤكد أن العرب حسنوا نظم الري وتوسعوا فيه على أساس خبراتهم في المشرق خاصة بوسائل خزن المياه وتوزيعها… هناك وفرة في الكلمات الإسبانية المتعلقة بوسائل الري والمشتقة من العربية مثل: الساقية، البركة، الخزان، ناعورة، القادوس، القنطرة، الطنبور… صاحب النهوض بالري في إسبانيا إدخال زراعة نباتات جديدة تستلزم ريا وافرا، ومن ذلك: قصب السكر، الأرز، البرتقال، الباذنجان، الخرشوف، المشمش، القطن. 

–  كذلك زادت العناية باستغلال الثروة المعدنية في إسبانيا… شهدت إسبانيا الإسلامية نشأة صناعات عديدة لإنتاج السلع الكمالية.. ومن إسبانيا وصقلية انتشرت عادة استخدام الورق في أوربا الغربية.. لم تتخلف إسبانيا الإسلامية عن الشرق في مجال الدراسات الطبية. 

–  تمكن عهد الولاة العرب المعينين من قبل الفاطميين عام948 من أن يحرز لنفسه قدرا عظيما من الاستقلال، وقد كانت صقلية في عهده وعهد خلفائه الكلبيين تنعم بحكم رشيد ورخاء عظيم، وتغلغلت جور الحضارة الإسلامية في الجزيرة.

ب- المستشرق الإيطالي/ جابرييلي فرانشسك،(1904-1996)

كبير أساتذة اللغة العربية وآدابها في جامعة روما:(21)

–  فيما يتعلق بخصائص الحكم العربي- الإسلامي في صقلية والآثار التي خلفها لنا فيمكن أن نلاحظ من وجهة النظر الغربية والإيطالية – ونحن نتبع هنا رأي أعظم مؤرخ لهذه الفترة وهو م. أماري 1806-1899- فإن هذا الحكم يبدو إيجابيا ومفيدا لأنه بعث بدم جديد تغلغل في الكيان البائس لصقلية البيزنطية، والأهم من ذلك بسبب التغييرات التي أدخلها الحكم العربي- الإسلامي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجزيرة، وأحيا الزراعة وأغناها بأساليب ومحاصيل جديدة.

ج- المستشرق الألماني/ مايرهوف ماكس (1874-1945):(22)

– لو التفتنا إلى الوراء قليلا صح لنا القول بأن الطب والعلم العربي قبل أن تدول دولته كان يعكس أشعة الشمس اليونانية الهلينية، وكانت العلوم الإسلامية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر فتبدد غياهب الظلام الذي كان يلف أوربا في القرون الوسطى.. علينا أن نقر مذعنين بأن التراث العربي الإسلامي ما زال يعيش في علومنا حتى الآن.

د- المستشرقة الألمانية المعاصرة / زيغريد هونكه:

تحدثت عن حياة الرخاء والرغد والاستماع بالحياة الدنيا التي أنتجتها الحضارة الإسلامية ثمرة الفتوحات الإسلامية، وكيف اتسع تأثيرها على أوربا ذاتها بعد شرح تأثير العرب على حياة الأوربيين الناعمة: (23)

– فالقهوة التي تنعشون بها حياتكم اليومية وحب البن وكذلك الطاسة التي تتناولون بها القهوة المغلية والسكر الذي لا تكاد تخلو منه أي لائحة طعام في المطعم وعصير الليمون (ليموناضة)، والغرافة، والقباء، والسترة، والقلنسوة، والمرتبة كل هذه الأشياء إنما أخذناها من العرب وأخذنا معها حاجات أخرى لا تزال تحتفظ بأسمائها العربية الأصلية في كل أنحاء العالم المتحضر…. إن في لغتنا كلمات عربية عديدة وإننا لندين والتاريخ شاهد على ذلك- في كثير من أسباب الحياة الحاضرة للعرب، وكم أخذنا عنهم من حاجات وأشياء زينت حياتنا بزخرفة محببة إلى النفوس، وألقت أضواء باهرة جميلة على عالمنا الرتيب الذي كان يوما ما قاتما رتيبا باهتا، وزركشته بالتوابل الطيبة النكهة وطيبته بالعبير العابق وأحيانا باللون الساحر وزادته جمالا واناقة وروعة.]. 

–  وبينما جريدة كولونيا الألمانية تصف إضاءة الشوارع بمصابيح الغاز في عددها الصادر يوم 28مارس 1819م بأنه شر مستطير من البشر يهدد الظلام الإلهي؛ كانت شوارع قرطبة حوالي عام 950م تزدان بثمانين ألف متجر، وتضاء بمصابيح ثبتت على حيطان المنازل وتباشر فيها أعمال النظافة عن طريق عربات القمامة التي تجرها الثيران..]. 

– إن الحلي التي يقدمها الأوربي لحبيبته أو لزوجة صديقه أو رئيسه سواء أكانت ماسا أصليا أو زجاجا مصقولا هي عادة استوردت من الشرق ويمارسها الناس كل يوم، ولا يعرفون مصدرها.]. 

– ولو كتبت أنت للسيدة الفاضلة خطابا وأنهيته: بالمخلص الفان أو بخادمك المطيع فأنت تعترف بسيادة العرب لأنك أخذت عنهم هذه الكلمات، ولم يكن أجدادك في الغرب يعرفون شيئا منها.]. 

– وبفن البناء العربي تأثر الغرب في تزيينه للسقوف، والأقبية، والأركان، والعمد المستديرة، ولم تعد العين ترى البناء نفسه من كثرة ما فيه من عقود وزينات وحتى الحيطان لم تعد جرداء … إن الطراز القوطي الذي عم أوربا كلها عربي الأصل تماما.. واتخذت أبراج كنائس عصر النهضة في إيطاليا شكلها عن المآذن الإسلامية، كما استطاع مهندس المباني الإنجليزي أن يقتبس عنها أشكال الأبراج والقباب الشهيرة التي بناها كما اتخذ عصر النهضة أشكال القواقع للزخرفة كما كان شائعا في المساجد والمآذن..].

****

3- وبالإضافة لصيغة التعميم فإن الفقرة الاتهام لا تحدد بالضبط ما المقصود بالمصطلحات التي توردها (أو بالأحرى تسرقها) وتتبناها دون فهم مثل الإشارة إلى:

وجه التزييف العلماني 2 2 في وجه التزييف العلماني (الجزء الخامس)

(رياضات دينية قاتلة تدمر جسد الإنسان)!

– فأولا/ المسلم لا يسمي العبادات المفروضة عليه (رياضة) فضلا عن أن يقول إنه يجدها ( قاتلة ومدمرة!) فهذه من قاموس المسيحية القديم، وكيف تكون العبادات المفروضة مدمرة وقاتلة والذي فرضها هو الخالق العالم بقدرة خلقه على تحمل ما يكلفون به؟ كما أن الشريعة السمحاء رخصت بأدائها على أي وجه يستطيعه المسلم ولو بإشارة العين، وتسقط عنه فرضيتها إن عجز عن أدائها تماما كغياب الوعي، ويراعى فيها صحته وقدراته العمرية والذهنية والمادية(بالنسبة للزكاة والحج).

حتى اعتناق الإسلام تخلو طقوسه المفروضة من العنت، ويكفي النطق بالشهادتين لثوان قليلة ليصير الإنسان مسلما فلا يحتاج إلى تعميد سواء عند ولادته أو عند بلوغه أو عند إسلامه في أي سن (على اختلاف طقوس التعميد بين المذاهب/ الأديان المسيحية).. والمعمودية أو التعميد المسيحي هو الرياضة القاتلة بالفعل إذ يفرض غطس رأس الإنسان رضيعا أو كبيرا في الماء حتى تكاد روحه تختنق!

وأما العبادات الإسلامية المفروضة فهي لا تقتل الإنسان بأي حال طالما التزم فيها بالسنة النبوية الصحيحة.. وهل أداء الصلوات الخمسة المفروضة اليومية يقتل أو يدمر وكلها لا تستغرق إلا زمنا أقل من مدة حلقة من مسلسل تلفزيوني أو مباراة كرة قدم؟ وهل الصيام يقتل أو يدمر ونحن وهم نرى حتى الصبيان في سن أقل من العاشرة قادرين على الصوم وأداء الصلوات دون تدمير لأنفسهم؟ ألم يسمع ناقلو التهمة عن العلم الحديث الذي يوصي بالصيام – ومثله الرجيم- لمعالجة بعض الأمراض مثل أمراض المعدة.. أو للفوز بقوام رشيق.. أو للتخلص من الوزن الزائد المضر بصحة الإنسان؟

وألم يسمعوا أن الصيام عرفته كل الامم والديانات القديمة وليس مقصورا على الإسلام؟ وألم يسمعوا ويقرأوا عن الحيوانات والطيور والحشرات التي تصوم أسابيع؛ وأشهرها الدببة في مرحلة البيات الشتوي؟

ومن محاسن الموافقات أن موقع عربي بوست نشر في (05/10/2018 ) أثناء كتابة  هذه الصفحات هذا التقرير العلمي عن الصيام وفوائده الصحية (الذي نظن أنه هو المقصود برياضة تدمر الجسد) مما يجعل إعادة إيراده هنا مناسبا:

الصيام ينبوع الشباب.. أجانب جرّبوا الصيام المتقطع ففاجأتهم النتائج

اعتمد كيث تايلور وزوجته أسلوبَ حياةٍ يتضمَّن الصيام على أساس منتظم خلال السنة والنصف الماضية، وهو ما فاجأهم بنتائج وفوائد غير متوقعة.

وقال تايلور في رسالة بالبريد الإلكتروني لشبكة CNN الأميركية: «نحن لا نأكل حتى حوالي الساعة الخامسة مساءً على مدار 6 أيام في الأسبوع، لكنَّنا نأكل بقدر ما نريد وكما نشاء من الساعة الخامسة مساءً حتى موعد النوم. إنَّها ليست حميةً غذائية بالمعنى التقليدي، إذ لا نُقيِّد أنفسنا بنوعية أو كمية مُحدَّدة من الطعام، لكن في المقابل نتقيَّد فقط بالوقت الذي نأكل فيه».

منذ بدأ تايلور وزوجته يصومان بشكلٍ مُتقطِّع، وهو ما يُسمَّى في أحيانٍ كثيرة بالصيام المُتقطِّع، تمكَّنوا من الحفاظ على وزنٍ صحي وأصبحوا أنشط وأكثر يقظة، وانخفض لديهما شعور الإرهاق والضغط العصبي وأصبحا أقل عرضةً للإصابة بالمرض.

وبينما يُقرُّ تايلور ما إذا كان سيعيش لفترةٍ أطول نتيجة للنمط الغذائي الذي يتَّبعه هو «سؤال جيد»، لكنَّه يشعر بالتفاؤل.

قال تايلور: «أشعر بالفعل وكأنني أصغر سناً». وأضاف: «إذا كنت أبدي مؤشرات موضوعية على كوني أكثر شباباً -أقوى وأكثر إيجابية- عندها أعتقد أنَّ من المنطقي الافتراض بأنني قمت بالفعل بإطالة أمد حياتي عن طريق الانتقال إلى نظام الصيام المُتقطِّع».فوائد الصيام.. صحة أفضل وحياة أطول

كشف بحثٌ أُجرِيَ على الحيوانات أنَّ الصيام المُتقطِّع يمكن أن يُقلِّل من خطر الإصابة بالسمنة والأمراض المرتبطة بها، بما في ذلك مرض الكبد الدهني غير الكحولي والسكري والسرطان.

ووفقاً لمارك ماتسون، رئيس مختبر العلوم العصبية في المعهد الوطني للشيخوخة، كشف البحث الذي أُجرِيَ في الثمانينيات أنَّ عمر الفئران يزداد بشكلٍ كبير عندما يصومون مرةً كل يومين، مقارنةً بالفئران المتوافر لديها طعام في جميع الأوقات.

ووجدت دراسةٌ حديثة نُشِرَت هذا الشهر أكتوبر/تشرين الأول أنَّ الفئران الصائمة، سواء بسبب إطعامها كل احتياجاتها من السعرات الحرارية مرة واحدة فقط في اليوم أو بسبب تقييد سعراتها الحرارية، الأمر الذي جعلها بطبيعة الحال تأكل كلَّ طعامها المُحدَّد في آنٍ واحد، كانت أكثر صحة وعاشت فترةٍ أطول مقارنةً بالفئران التي توافرت لديها إمكانية الحصول المستمر على الطعام.

ووفقاً للخبراء، فإنَّ محاولة اكتشاف ما إذا كان الصيام ببساطة هو أحد أشكال تقييد السعرات الحرارية تُعد مسألةً مُعقَّدة للغاية. قال رافائيل ديكابو، العالِم في المعهد الوطني للشيخوخة والمؤلف الرئيسي للدراسة: «في غياب نظام تقييد السعرات الحرارية، وبعيداً عن اتباع حمية غذائية، أظهرت الفئران الصائمة نتائج أفضل من غير الصائمة».

لكن هل الفوائد الصحية للصيام، بما في ذلك إمكانية العيش حياة أطول، تنطبق على البشر؟

وجه التزييف العلماني 3 1 في وجه التزييف العلماني (الجزء الخامس)

حمية محاكاة الصيام عند البشر:

كشفت الأبحاث حتى الآن عن نتائج واعدة. قسَّمت إحدى الدراسات، التي نُشِرَت في العام الماضي، 100 شخص، جميعهم خالين من الأمراض، إلى مجموعتين. وكان المشاركون أمام اتباع أحد خيارين على مدار ثلاثة أشهر، فإما تناول ما يشاؤون من طعام وإما استهلاك ما بين 800 و1100 سعر حراري لمدة 5 أيام فقط من كل شهر، وهو نمطٌ يشير إليه الباحثون باسم «حمية محاكاة الصيام».

في نهاية مدة الدراسة، رأى المشاركون المُتَّبعون لحمية محاكاة الصيام الذين كانوا مُعرَّضين لخطر الإصابة بأمراض أنَّ مستوى سكر الدم (الجلوكوز) خلال الصيام، وهو المؤشر الذي يقيس خطر الإصابة بالسكري، يعود إلى معدلاته الطبيعية.

انخفضت كذلك مؤشراتٌ على احتمالية الإصابة بأمراض القلب، جنباً إلى جنب مع مستوياتٍ عالية من الكولسترول والدهون الثلاثية، علاوة على انخفاض مستويات هرمون عامل النمو الشبيه بهرمون الأنسولين (1GF1) لمختلف أنواع السرطانات.

بالإضافة إلى ذلك، خسر المشاركون دهون البطن، بينما حافظوا على كتلة عضلات نحيلة وتمثيل غذائي جيد، تلك الدهون التي غالباً ما يُضحَّى بها عند اتباع حمية غذائية منخفضة السعرات الحرارية.

الحياة الأطول أمر طبيعي مع قلة الأمراض:

ويوضح فالتر لونغو، الذي شارك في تأليف تلك الدراسة السريرية، أنَّ من المستحيل تقريباً تصميم تجربة بشرية على إطالة العمر، إذ ستتكلَّف 100 مليون دولار أو أكثر. وقال لونغو: «لكن إذا نظرت إلى البيانات الواردة من تجربتنا.. سيكون من الصعب إدراك كيف لن يعيشوا فترة حياة أطول».

قال ماتسون: «أنت تفكر في الأمراض عندما تفكر في مدى العمر -أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري- كأسباب رئيسية للوفاة». وأوضح ماتسون أنَّه إذا كانت لديك تحسينات في عوامل خطر الإصابة بالمرض، فإن هذا الأمر «في المتوسط» يعزَّز مدى العمر.

ويقول فالتر لونغو، الذي يدير أيضاً معهد إطالة العمر في كلية ليونارد ديفيس لعلم الشيخوخة بجامعة جنوب كاليفورنيا، إنَّ الصيام الدوري يُوفِّر «بديلاً مُحتَمَلاً لتناول كثير من العقاقير».

أنت تحتاج إلى 5 أيام في الأسبوع فقط:

وأضاف أنَّه «ليس من الضروري إدخال تغييرات رئيسية على حميتك الغذائية، يمكنك القيام بذلك لمدة 5 أيام فقط ثم تعود إلى ما كنت ستفعله بشكل طبيعي».

وكشف البحث وراء الحمية الغذائية الشهيرة بـ 5:2 -وهي نوعٌ من الصيام المُتقطِّع يأكل فيه الشخص ما يريد لمدة 5 أيام في الأسبوع، ثم يُقيِّد نظامه الغذائي إلى 500 سعر حراري لمدة يومين متتاليين- عن فوائد صحية أيضاً.

وقال ماتسون: «نشرنا دراستين مع الدكتورة ميشيل هارفي بجامعة مانشستر، إذ تضمَّنَت كلَّ دراسةٍ منهما 100 امرأة تعاني من زيادة في الوزن، وكان تصميم الدراستين واحداً».

وأضاف: «قمنا بتقسيمهم إلى مجموعتين؛ اتبعت المجموعة الأولى الحمية الغذائية 5:2، بينما تناولت المجموعة الأخرى ثلاث وجبات في اليوم، لكنَّنا قلَّلنا كمية السعرات الحرارية بنسبة 20% إلى 25% أقل مما يأكلون عادةً بحيث تتساوى كمية السعرات الحرارية الأسبوعية لكلتا المجموعتين».

فقدت المجموعتان نفس كمية وزن الجسم على مدى فترة 6 أشهر، لكن هذه هي النقطة التي انتهت عندها أوجه التشابه. قال ماتسون: «شهدنا آثاراً صحية مفيدة على مجموعة النساء اللاتي اتَّبعن الحمية الغذائية 5:2، إذ كانت أفضل كثيراً من حيث تنظيم مستوى سكر الدم (عامل خطر الاصابة بمرض السكري) وفقدان دهون البطن (أحد عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية) مقارنةً بالنساء اللاتي تناولن وجبات منتظمة مع تقييد السعرات الحرارية».

الصيام المحدد بزمن مفيد:

وأظهر شكلٌ آخر من أشكال الصيام، المعروف بالتغذية المُقيَّدة بزمنٍ مُحدَّد، حيث يجري استهلاك الوجبات خلال عددٍ محدودٍ من الساعات كل يوم – مثلما يفعل تايلور وزوجته- آثاراً مفيدة على الوزن والصحة في الحيوانات، لكن خلصت مقالة مراجعة نُشِرَت عام 2015 إلى أنَّ البيانات من الدراسات التي أُجرِيَت على البشر على هذا النوع من نمط التغذية محدودة.

كشفت دراسة أُجرِيَت في شهر يونيو/حزيران عن فوائد صحية لنمط التغذية المُقيَّدة بزمنٍ مُحدَّد في حالة عدم وجود فقدان للوزن بين الرجال في مرحلة ما قبل السكري. ومع ذلك، شملت الدراسة 8 مشاركين فقط.

ويعترف الباحثون القائمون على الدراسة بأنَّ «تلك النتائج يجب أن تتكرَّر في تجربةٍ أكبر تضم النساء أيضاً».

وجه التزييف العلماني 4 1 في وجه التزييف العلماني (الجزء الخامس)

الصيام لعلاج الأمراض:

تجري حالياً تجارب سريرية لنظام الصيام المُتقطِّع على مرضى يعانون من أمراض مختلفة مثل التصلُّب المُتعدِّد أو السرطان لتحديد ما إذا كان الصيام يمكن أن يوقف تقدُّم مثل هذه الأمراض.

أوضح ماتسون أنَّه «إذا أصبت الخلايا السرطانية بالعلاج الكيميائي أو الإشعاعي عندما يكون الفرد في حالة صيام، قد تكون الخلايا السرطانية أكثر عرضةً للقتل لأنَّها تتغذَّى على سكر الدم ولا تستطيع استخدام أحماض الكيتونات (وهي مصدر الوقود بالنسبة لجسم الانسان أثناء الصيام)».

ويدرس الباحثون في الوقت الحالي مدى تأثير الصيام على الأداء المعرفي ومخاطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى النساء البدينات.

كيف يمكن أن يساعدك الصيام على العيش لفترة أطول:

وفقاً للخبراء، فإن أحد الجوانب الحاسمة للصيام -الذي يختلف عن مجرد تقييد السعرات الحرارية- هو أنَّ الجسم يخضع لتحوُّل أيضي من استخدام سكر الدم إلى استخدام الكيتونات كوقودٍ للجسم نتيجة لخفض مخزون طاقة الكبد وحرق الدهون (هذا التحوُّل يحدث أيضاً خلال ممارسة التمرينات الرياضية).

وقال ماتسون: «إذا لم تكن نسبة الكيتونات مرتفعة، فإنك لا ترى التأثيرات المفيدة». الأكثر من ذلك يتمثَّل في أنَّ هذه التغييرات الأيضية التي تحدث أثناء «دورة» مُتكرِّرة من الصيام وتناول الطعام قد تساعد على تحسين وظائف المخ وتعزيز مقاومته للإجهاد والمرض، وكلاهما له تداعيات إيجابية بالنسبة للشيخوخة.

ووفقاً للونغو، يشير وجود الكيتونات في الدم إلى أنَّ الجسم، على المستوى الخلوي، يعيد تجديد نفسه، ما يحمي من الشيخوخة والمرض.

تجديد الخلايا أبرز فوائد الصيام:

يقول لونغو: «نشرنا العديد من الأوراق البحثية والشيء الرئيسي الذي نتحدَّث عنه هو تجديدٌ مُتعدِّد الأنظمة». على سبيل المثال، يبدو أنَّ الصيام يخفض مستوى خلايا الدم البيضاء التالفة لكن عند إعادة إمداد الجسم بالطعام، تعمل الخلايا الجذعية ويقوم الجسم بإعادة بناء وتجديد خلايا جديدة سليمة. لذلك، كما يوضح لونغو: «يمكنك التخلُّص من الخلايا الفاسدة غير المرغوب فيها أثناء فترة تجويع جسدك وبمجرد حصولك على الطعام، تستطيع إعادة البناء مُجدَّداً».

وأضاف لونغو: «تحلُّ خلايا جديدة وفعَّالة محلَّ الخلايا التالفة، والآن يبدأ نظام الجسم في العمل بشكل صحيح. ويؤثر هذا الأمر في نهاية المطاف بشكل إيجابي على تقليل خطر الإصابة بالأمراض، إذ تنخفض عوامل خطر الإصابة بالمرض عندما تكون الأنسجة صحية وتعمل بشكلٍ جيد».

عوامل ينبغي مراعاتها في الصيام

إحدى النقاط التي يجب أخذها في الاعتبار هي أنَّ البحث في آثار الصيام قد ركَّز في الغالب على الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو أولئك الذين لديهم عوامل خطر الإصابة بأمراض. لكن إذا كنت تكبر في السن بوزنٍ صحي وجسدٍ خالٍ من الأمراض وتتبع نظاماً غذائياً صحياً وتمارس الرياضة بانتظام، فقد لا يُوفِّر لك الصيام الدوري بالضرورة فائدةً إضافية في ما يتعلَّق بإطالة عمرك.

وفي هذا الصدد، قال ماتسون: «إذا أنت تقوم بالفعل بكلِّ شيءٍ بشكلٍ صحيح، عندئذٍ لا أوصي بضرورة الانتقال إلى نظام الصيام المُتقطِّع».

لكن الصيام غير مناسب للكل:

الصيام هو أيضاً نمطٌ غذائي غير مناسب للنساء الحوامل وذوي الحالات الطبية مثل مرضى السكري أو الذين يعانون من اضطرابات الأكل.

ووفقاً لسمانثا هيلر، أخصائية مسجلة في مجال الحميات الغذائية والتغذية السريرية بمركز Langone Health الطبي في نيويورك، لا تزال لجنة المُحكِّمين تدرس مدى صحة هذا النهج واستدامته وواقعيته.

تقول هيلر إنَّه على الرغم من أنَّ بعض الناس قد يشعرون بحالةٍ من التحسُّن نتيجة للصيام، فإن تناول وجبات منخفضة السعرات الحرارية للغاية، أو دون سعرات حرارية، في الأيام البديلة يتسبَّب في شعور بالذنب لدى كثيرين وقد يفاقم من علاقة صعبة ومعقدة بالفعل بين الشخص وطعامه.

يقول الخبراء إنَّك إذا كنت تفكر في اتباع حمية غذائية سريعة، فمن الضروري الحصول على موافقةٍ من الطبيب وأن تُراقَب طبياً. وأوضحت أنجيلا ليموند، أخصائية التغذية المُسجَّلة بالأكاديمية الأميركية للتغذية وعلم الغذاء، أنَّه من الحكمة أيضاً أن تلتقي بانتظام مع اختصاصي تغذية مُسجَّل يمكنه مراقبة أنماط الأكل الخاصة بك لأنه من السهل الإفراط فيها في أيام عدم الصيام، لاسيما عندما لا تكون في محيط مضبوط مثل الذي كان فيه المشاركين في الدراسة. وقالت ليموند إنَّ «فوائد الصيام تتعارض إذا كنت ستعوض السعرات الحرارية في اليوم التالي».

اختيار نوع الصيام مهم:

هناك عاملٌ آخر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار ألا وهو معرفة ما نوع النمط الذي سيكون ملائماً لأسلوب حياتك. ينخرط ماتسون في نظام التغذية المُقيَّدة بزمنٍ مُحدَّد، وهي ممارسة اعتمدها منذ أكثر من 30 عاماً، إذ يستهلك جميع الـ2000 سعر حراري التي يحتاجها جسده في الفترة ما بين الثالثة عصراً والثامنة مساءً. يسمح له نظامه الغذائي، الذي يشتمل على الكثير من الفواكه والخضراوات والمكسرات والبقوليات والشوفان، إلى جانب السمك والدجاج الذي تطبخه زوجته، بالوصول إلى العمل في مختبره بحلول الساعة السابعة صباحاً، ويتيح له وقت للركض قليلاً في وقت مبكر من فترة الظهيرة (ملاحظة: هو يزعم أنَّه بمجرد أن تتكيف على تخطي وجبة الإفطار، فإن إيقاعاتك البيولوجية اليومية تتأقلم بشكلٍ مناسب ولا تعاني من آثارٍ جانبية سلبية، بما في ذلك زيادة خطر زيادة الوزن مجدداً).

وأخيراً، من المهم أن تتذكَّر أنَّه على الرغم من أنَّ صحتك قد تتحسَّن بالصيام، هناك عوامل أخرى يمكنها أيضاً تحديد الفترة التي ستعيشها في نهاية المطاف، من بينها العوامل الوراثية والبيئة.

ينبغي أن تتذكَّر أيضاً أنَّ مسألة كونك تتمتَّع بصحةٍ جيدة لا ترتبط دائماً بالعيش حياة أطول. قال ديكابو: «نحن نحاول دائماً الربط بين البقاء والصحة ولكن هناك انفصالٌ واضح بينهما. وقد رأينا ذلك في كثير من الحالات». وأضاف أنَّ «بيانات بحوث الطب الوقائي المستندة إلى دراستنا تفيد بأنَّ الإجابة هي نعم – يمكنك الاستفادة من الصيام من حيث الصحة وفترة الحياة- لكننا لا نعرف ماذا ستكون النتيجة بالنسبة للبشر».

وردد ماتسون نفس وجهة النظر قائلاً: «هناك العديد من العوامل غير المعروفة، بما في ذلك تجارب الحياة وكيف تؤثر على صحتك». وأضاف: «أعتقد أنني قمت بزيادة فرصي في العيش لفترة أطول، لكن لا يوجد ضمان». انتهى.

 وفي كل الأحوال فكيف استطاع المسلمون في زمن الفتوحات أن يصلوا إلى حدود الصين، وجنوب فرنسا، وسواحل الأطلسي، وأواسط آسيا وهم يقتلون أجسادهم ويدمرونها بالرياضة القاتلة (أو العبادات سابقا!)؟

[ ربما كان القصد – إن أحسنا الظن بهذه الغيرة ضد البدع والابتداع والزيادة في الدين- الإشارة إلى ممارسات بعض الطرق الصوفية على ندرتها في التزام عبادات زيادة عما جاء به الشرع.. وفي هذه الحالة فإن الأمانة العلمية كانت تقتضي التفريق بين الإطار العام المعروف للعبادات الإسلامية، وممارسات الأغلبية الساحقة وبين شطحات البعض ممن لم يوافقهم على شططهم غالبية المسلمين والعلماء، وانتقدوا تلك الشطحات التي تتنافى مع اعتدال الإسلام ووسطيته، فهي تظل ممارسات خاصة بطائفة محدودة من البشر، وغير ملزمة لأحد، وقد ذم الإسلام الغلو حتى في العبادة، وسيجد الناقد لمثل هذه الرياضة القاتلة أشد المسلمين سلفية – بمن فيهم مقاتلو داعش والقاعدة!- متعاطفين معه ومؤيدين لكلامه ضد هذا الابتداع المذموم في الدين! فالأمر كما نرى ليس شجاعة في النقد غير مسبوقة، ولا هو تجديد في الدين لم يعرفه أحد من قبل!].

يقول المستشرق دافيد دى سانتيلا في بحثه: القانون والمجتمع:( 24)

[ إن الشريعة الجديدة (يقصد الشريعة الإسلامية) ألغت القود الصارمة والمحرمات المختلفة التي فرضتها شريعة موسى على اليهود، ونسخت الرهبانية المسيحية، وأعلنت رغبتها الصادقة في مسايرة الطبيعة البشرية، والنزول إلى مستواها واستجابت إلى جميع الحاجيات الانسانية العملية في الحياة..  إن الإسلام لا يقر تعذيب النفس وإماتتها بالتقشف وبسائر الوسائل الأخرى التي تضعف البدن وتكبت الغرائز الطبيعية.. إنه يحض المؤمن على التمتع بالطيبات التي أنعم الله بها عليه شريطة أن يقيم الحدود ويخضع للسنة التي وردت في القرآن وهي ليست بالكثيرة ولا بالصارمة].

تحدث الأوزاعي 3 في وجه التزييف العلماني (الجزء الخامس)

[ عقل الإنسان ضد قدسية النص]

–  لا يستقيم مع العدل والإنصاف استنكار تقديم العقل على النص المقدس (وليس حتى أي نص!) دون تمييز ولا استثناء، فلكل مجاله الذي يختلف عن مجال الآخر كما يقول سبينوزا نفسه الذي يستشهدون به علينا في كتابه (اللاهوت والسلطة)، وكما أن هناك مجالات خاصة بالعقل والعلم فكذلك هناك مجالات خاصة بالوحي والشرع، ومن ثم فإن تقديس النص المقدس أو الصحيح الثابت على حساب العقل ليس خطأ دائما، فالعقل نفسه يعجز عن فهم ظواهر كثيرة تحت ناظريه فكيف بما هو خارج المحسوسات والمنظورات، وهو لا يعمل غالبا إلا في إطار المحسوسات والمرئيات والماديات فقط، فكيف نحكمه على الوحي والنص المقدس دون تمييز؟

وفي كل الأحوال فإن الفكر الإسلامي ناقش طويلا العلاقة بين النص الديني الثابت وبين العقل، وكانت هذه المسألة مما سفح فيها علماء الإسلام والفلاسفة الكثير من المداد والجهود، وحدثت خلافات كبيرة بين من يغلب النص على العقل، وبين من يغلب العقل على النص، وبين من يواءم بينهما ويؤكد أن النص الصحيح القاطع في دلالته لا يمكن أن يختلف أو يتناقض مع ما ثبت عقليا أو علميا، هو ما استقر عليه معظم المسلمين في هذا العصر.

وقد ناقش شيخ الإسلام ورمز مدرسة أهل السنة والجماعة قديما وحديثا/ ابن تيمية في كتابه: درء تعارض العقل والنقل هذه المسألة ردا على من يقول: أن لا بد من تقديم العقلي مطلقا أو السمعي مطلقا أو الجمع بين النقيضين أو رفع النقيضين..  وخلص إلى النتائج النفيسة التالية (التي لم تصل إليها بعد مئات السنين عقول كبار مصلحي المسيحية بمن فيهم مارتن لوثر نفسه):(25)

[ إذا تعارض دليلان سواء كانا سمعيين أو عقليين، أو أحدهما سمعيا والآخر عقليا فالواجب أن يقال:  لا يخلو الأمر إما أن يكونا قطعيين أو يكونا ظنيين، وإما أن يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا:

1- فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما سواء كانا عقليين أو سمعيين، أو أحدهما عقليا والآخر سمعيا.. وهذا متفق عليه بين العقلاء لأن الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله، ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة. وحينئذ فلو تعارض دليلان قطعيان وأحدهما يناقض مدلول الآخر للزم الجمع بين النقيضين وهو محال.  بل كل ما يعتقد تعارضه من الدلائل التي يعتقد أنها قطعية فلا بد من أن يكون الدليلان أو أحدهما غير قطعي أو أن يكون مدلولهما متناقضين (أي أنهما ليس قطعيان).. إن كل ما قام عليه دليل قطعي سمعي يمتنع أن يعارضه قطعي عقلي. 

2- وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قطعيا دون الآخر فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء سواء كان هو السمعي أو العقلي فإن الظن لا يرفع اليقين. وإما إن كانا جميعا ظنيين فإنه يصار إلى طلب ترجيح أحدهما فأيهما ترجح كان هو المقدم سواء كان سمعيا أو عقليا. 

3- يجب تقديم القطعي لكونه قطعيا لا لكون أصلا للسمع أو لكونه عقليا. 

4- تقديم العقلي مطلقا خطأ كما أن جعل جهة الترجيح كونه عقليا خطأ. فيقدم العقلي تارة والسمعي أخرى فأيهما كان قطعيا قدم وإن كانا جميعا قطعيين فيمتنع التعارض. وإن كانا ظنيين فالراجح هو المقدم.

وجه التزييف العلماني 5 1 في وجه التزييف العلماني (الجزء الخامس)

[ تقييد حرية الإنسان بإلزامه التقيد بالتعاليم، وتغليب الروح والفضيلة على الجسد، وتقييد الروح بالنواهي والأوامر، وتغذيتها بالكراهية والخوف]

– من قبيل خلط الأوراق والمعاني الزعم أن مرحلة الفتوحات الإسلامية أدت إلى (تقييد حرية الإنسان بإلزامه التقيد بالتعاليم، وتغليب الروح والفضيلة على الجسد، وتقييد الروح بالنواهي والأوامر وتغذيتها بالكراهية والخوف.) فلا ينفع في الانتصار لأي فكرة التهويش بالباطل، والعبارات المخيفة، والجمل الفضفاضة مثل تقييد الروح (وهل الروح تقيّد أصلا؟).. ففي كل دين سماوي أو بشري.. وفي ظل الحضارة والنظام والتقدم.. أو في ظل أي جماعة متطورة أو متخلفة أو كانت فئة من أي نوع: رياضية أو فنية.. وفي مجتمعات المافيا واللصوص.. أو في عوالم الطيور والحشرات والأسماك والحيوانات(!) في كل ذلك فلا بد أن يكون هناك نوع من الالتزام بتعاليم وقوانين ومباديء وأنظمة مهما كانت تحد من حرية الفرد فالنتيجة هي لصالح المجموع والنظام والحضارة، والذي يميز الإنسان عن الحيوان وغيره من المخلوقات أن النواهي والأوامر الخاصة بالإنسان هي أرقى وأكثر اكتمالا وسموا.

ولا توجد حضارة ولا حياة جماعية قامت إلا على أساس النظام والالتزام بالقوانين والتعاليم دينية كانت أو دنيوية! ومازال مقلدو الغرب هؤلاء يعايرون المسلمين والعرب خاصة بالمستوى المثالي للنظام والتقيد بالقوانين في الغرب مقارنة بالفوضى والهوشلية عندنا.. فكيف صار النظام والتقيد بالقوانين خطأ وعيبا وعارا ونقيصة يجب التخلص منها.

وهل النظام إلا القانون والانضباط؟(26)

وبعيدا عن التهويش بالكلمات المخيفة؛ فإن تهمة أن الالتزام بالتعاليم الإسلامية ضدا على الحرية يقصد بها ما هو أخطر من ظاهرها المشفق على الحرية ألا وهي – بدليل قوله: تغليب الفضيلة على الجسد!- النظام والتقيد بالأوامر والنواهي في الأمور الأخلاقية والحلال والحرام؛ وخاصة العلاقات بين الرجل والمرأة وأشباهها التي يراد لها أن تصير مشاعية وفوضى وخاضعة لقوانين التجارة بالأخلاق والأجساد!

ودعوكم من حكاية تغذية النفس بالكراهية والخوف.. فلا توجد حضارة أسوأ من الحضارة المسيحية الغربية (نتاج أفكار عصور النهضة والفلسفة اليونانية والفكر الروماني والإصلاح المسيحي والتنوير والعقل والعلم) قامت على قيم الكراهية والحقد، وتصفية الآخر، واقتلاعه من جذوره، ومحوه خصائصه الإنسانية والثقافية والنفسية.. ونشر الخوف والرعب والدمار! وفي بلد مثل أمريكا فإن القتل بسبب الخوف ولو كان شكا أو توجسا فقط من حركة ما من شخص ما باحتمال أن تكون عدائية – وحتى لو كانت عفوية وطبيعية- تكفي في ساحة القضاء الأمريكي لتبرئة القاتل أو تخفيض الحكم عليه! (27) 

وفي كل الأحوال؛ فإن هناك فرقا بين ظهور مشاعر الشك ومواقف العداء والنفور في أمة ما تجاه مستعمريها ومضطهديها وناهبيها..  تعاني من الاحتلال والاضطهاد والقهر، ونهب ثرواتها، وتدمير مقوماتها الحضارية والثقافية وهويتها الدينية الخاصة؛ وبين ظهور مشاعر العداء والشك والكراهية (إلى درجة حرق منازل المهاجرين وقتلهم) في أمة متغلبة مهيمنة على العالم، ظالمة متجبرة تجاه الشعوب الضعيفة، وهي نفسها التي ابتكرت قاعدة مشروعية الحرب الاستباقية ضد أي شعب يعيش بعيد عنها بآلاف الاميال؛ إن زعم لها مستشاروها أن هناك خطرا محتملا منه على أمنها ومصالحها!

الهوامش:

20- فضل الإسلام على الغرب، مونتجمري وات، ترجمة حسين أحمد أمين، الصفحات: 8-56، ط1، 1983 دار الشروق. 

21- الإسلام في عيون غربية بين افتراء الجهلاء وإنصاف العلماء، د. محمد عمارة، ص 208، دار الشروق، ط1، 2005. 

22- المصدر السابق، ص229. 

23- شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربا، زيغريد هونكه، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي، ط4، 1984، دار الآفاق الجديدة بيروت، انظر مثلا الصفحات: 15+499+467+481+485 

24- د. محمد عمارة، مصدر سابق، ص156. 

25- ابن تيمية، در تعارض العقل والنقل، ص23، نسخة إلكترونية. 

26 – في الفيلم التاريخي الشهير/ لورانس العرب، وأثناء نقاش الضابط الإنجليزي مع الأمير فيصل بن الحسين وابن عمه الشريف علي عن سر قوة بريطانيا.. يؤكد الشريف علي ابن عم الأمير أن السبب أنها تملك بنادق.. لكن الضابط الإنجليزي يرد عليه: لا.. تملك النظام! 

27 – اعتقل تركي يعيش في أمريكا في التسعينيات بتهمة الشذوذ لأن جيرانه أبلغوا الشرطة عنه أنه يودع أطفاله كل صباح أثناء ذهابهم إلى المدرسة بتقبيلهم على وجناتهم! وقد قبلت محكمة أمريكية تبرير أمريكي قتل جاره الياباني في أنه ارتاب منه عندما فتح الباب فوجده يمد يده إليه بشيء ما ( كانت باقة زهور) بمناسبة سعيدة.. وهو كأمريكي لا يتوقع من جار لا يعرفه شيئا طيبا فاضطر لقتله دفعا للشر! وفي عالمنا الإسلامي يمكن لأي مسيحي أو يهودي من أصل عربي أو مستشرق أن يلقي السلام على أي مسلم في أي بقعة في الأرض فيردها عليه هاشا باشا إن لم يدعه للغداء في بيته!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى