مقدمات تحقيق -أو إخراج- الكتب التراثيَّة؛ مهمَّتها تمهيد الكتاب لقارئه وتعريفها إياه، ومُساعدته مِفتاحيًّا لفهم النص المُعقِبِ المقدمةَ. لكنَّ هذا الفنَّ التقديميَّ تطوَّر شيئًا فشيئًا على يد أهل الخبرة والثقة(1). ثم تطوَّر تطورًا حاسمًا، واتخذ هيئةً مخصوصةً حينما دخل التحقيق المجال الأكاديمي؛ فصار عملًا مستقلًّا عن النص المُحقَّق، وانفرد بخصائص تؤهِّله لاكتساب صفة علمية، وأهلية للنقاش. وقد أثَّر كلا العنصرين -عمل ثقاة العلماء المحققين ودخوله سلك الدرس الأكاديمي- على سائر التحقيقات -حتى التِّجارية منها-. وبهذا صار فن تقديم الكتب العربية -علميةً أو فكريةً أو أدبيةً- فنًّا مُستويًا على سُوقه.
· خصوصيات مقدمة الشافعي على اللمع
ولا غَروَ -بعد السابق- من إخضاع تقديمٍ للبحث والدرس -على وجه من العموم-. لكنْ متى توفَّرتْ للمقدمة عناصرُ خاصة أشد الخصوصية؛ تحتَّمَ الاهتمام بها بالبحث والدرس. وقد توفَّرت لمقدمة فضيلة العلَّامة د/ حسن الشافعي، لنشرته الحديثة لكتاب “اللُّمع” للإمام أبي الحسن الأشعريّ (260هـ : 324هـ) -محل الدرس- خصوصياتٌ منها:
1- أنها مُنعقدة على كتاب “اللُّمع في الرد على أهل الزَّيْغ والبِدع” خاصةً؛ بوصفه التعبير الأشد نضجًا واكتمالًا عن المذهب والمنهج العقدي لأهل السنة في الطور الأول من التنظير السُّنِّي، وصاحب أكبر تأثير على المدرسة الأشعرية كاملةً -كما سيثبت المُقدِّم، وكما سأورد أدناه-.
2- المُحقِّق والمُقدِّم، وهو العلَّامة النظَّار الكبير السيد/ حسن الشافعي، أستاذ الفلسفة والعقيدة بدار العلوم، ورئيس الجامعة الإسلامية بباكستان سابقًا، ورئيس مجمع اللغة العربية الأسبق. وليست وظائفه هي عنصر الخصوصية -فهي لا تدل على شيء بعينها؛ فالعلم لا يُعلَّق على الحوائط بل يُنير في الصدور-؛ إنما خصوصية المُقدِّم تمثِّلها معرفتُه الشاسعة بالفكر في سياقَيْهِ العام والإسلامي، ومعرفتُه بالعلوم الإسلامية عامةً، واختصاصُه ورحلتُه الممتدة المعمَّقة في أروقة “علم الكلام” خاصةً؛ فقد أخلص له إخلاصًا، فكتب فيه تنظيرًا المقدمة المميزة “المدخل إلى دراسة علم الكلام”، و”لمحات من الفكر الكلامي”، و”الآمدي وآراؤه الكلامية”؛ غير التحقيق الرصين لكتاب سيف الدين الآمدي (ت 631هـ) “غاية المرام في علم الكلام”، وكتابه المنهجي المُعجمي “المُبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمُتكلمين”، وغيرها من التحقيقات. غير معرفته الدقيقة المُعمَّقة بالنص الكلامي، والذي يبدو ظاهرًا في شرحه المبسوط لكتاب “المواقف”(2) لعضد الدين الإيجي (ت 756هـ)، في مجالس على مدار أكثر من عقد. كل هذه المؤهلات تجعله ذا دراية بخريطة الكلام الإسلامي باختلاف مذاهبه ومشاربه، وعلاقاته بمنظومة العلم الإسلامي الأخرى، وبنظرية العلم الإسلامية.
3- فوق استجلاء أهليَّة المُقدِّم؛ فقد أودع هذه المقدمة كثيرًا من آرائه العلمية في الكلام الأشعري، وآرائه فيمَن سبقه من أصحاب العمل التحقيقيّ لكتابات الأشعري؛ سواءً في تحقيقهم نفسه أو في التعليق على مقدمات تحقيقاتهم. وبهذا أبرز منهجًا نقديًّا، حاول به تقويم آراء السابقين، وتقديم آراء أرشد وأعدل.
4- ظروف الاحتداد العقديّ التي تظلُّ النقاش الفكريّ في العالَم الإسلامي؛ خاصةً في العقد الأخير، ومع الانسياب التام الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي، التي أتاحت لكل أحدٍ أن يبث آراءه مهما كانت. جوارَ الهجمة الشرسة التي يتعرض لها علم الكلام على يد البعض، ورميه كليةً بالضلال والبدع، بل تكفير جمهور المتكلمين. كذا الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المنهج الأشعري من تشويه وتزييف، ومحاولة إخراجه من دائرة أهل السنة والجماعة. تتمظهر هذه الهجمات على صعيدَيْ المتخصصين والعوام. مُمثَّلةً جواثيم على أفق التفكير العقديّ الإسلاميّ.
وأخلُصُ من عرض عناصر التميز الخاصة بهذه المقدمة؛ أنْ متى دبَّجَ خبيرٌ قدير في علم الكلام خلاصة رأيه وما توصَّل إليه وما اطمئنت له نفسه؛ بعد طول ارتياض والتحام مع الواقع والتاريخ الإسلاميين، وبعد عُمر من التأمل والتداول؛ وكان ما دبَّجه مُنصبًّا على أعظم المُساهمين في الكلام الإسلامي “الإمام الأشعري”، وعلى تسلسل بنية الكلام الإسلامي؛ أقول متى دبَّجَ هذا النظم اكتسب أهمية عظمى ووجب الالتفات إليه واعتباره، وبحثه وفحصه.
ومتى كان المجتمع العلمي يُعنِّي نفسه باستخراج آراء العلماء والمفكرين المسلمين الأقدمين، بل هو نمط سائد ثابت في الدرس الأكاديمي؛ فلا جرمَ أنْ نستخلص زبدة ما توصَّل إليه أحد أبرع الأعلام المُحدثين في آخر ما أنتج، وحرص أن يودعه القدر الهام من مُشكلات الدرس الكلامي المعاصر. أصوغ هذه الزيدة، مُقتصرًا على أهم ما أورده، مُركِّبًا ما بثَّه بثًّا في ثناياها في أُطُر محددة واضحة.
· وصف الكتاب الذي أخرجه الشافعي
صدرت الطبعة الأولى من كتاب “اللمع” -محل النقاش-، في 1442هـ/ 2021م، عن دار الحكماء للنشر، ومشيخة الأزهر الشريف. في سلسلة روائع التراث الإسلامي، سلسلة كتب المنطق وعلم الكلام والفلسفة رقم (30). وقد نُشرت مُصدَّرةً بتقديم شيخ الأزهر، فضيلة العلَّامة أحمد الطيب، وتحقيق وتقديم السيد حسن الشافعي. وبلغت المقدمة فيها 83 صفحةً. ثم صدرتْ الطبعة الثالثة عام 1443هـ/ 2022م (وقف صاحب السطور على كلا النشرتين). وقد قام السيد حسن بإجراء بعض التعديلات الموضوعية(3) والهامشية(4) في المقدمة، وعلَّق تعليقات بعضها جديد، والآخر زيادة على التعليق السابق؛ ليُقدِّم حاشية على الكتاب، سمَّاها “حاشية الحسن على لُمع أبي الحسن”. وزاد الحجم الإجمالي للكتاب خمس عشرة صفحةً، ليصير 376 صفحة. والنشرة الأولى أفخم وأفخر إنتاجًا وطباعةً وموادَّ، والنشرة المُحشَّاة أزيد وأثرى علميًّا. مع التنويه على أن كل الهوامش هنا مطابقة للنشرة المُحشَّاة الأخيرة.
· أطروحة الشافعي في المقدمة، ومَسلكه للوصول
الهدف الرئيس الذي حدا بالشافعي لتدوين مقدمته؛ هو هدم الفكرة التي أُذيعتْ، من أن المذهب الأشعري في جسده العام مُخالف للأشعري، وأن أصحابه المتأخرين خالفوه وباينوا منهجه ومذهبه، واصطنعوا لأنفسهم نهجًا لا علاقة له بالأشعري، وأن المذهب ما نُسب للأشعري إلا لعلوّ نَسبه إلى الصحابي الجليل “أبي موسى الأشعري”، أو لتقواه. ويتفق مُروِّجو هذا الرأي على أن كتاب “الإبانة في أصول الديانة” هو المُعبِّر الحقيقيّ عن مذهب الأشعري(5). وقد قام على هذا الرأي بعضُ المستشرقين والعرب، كان منهم جولدتسيهر؛ الذي عدَّ -في أوائل القرن العشرين- كتاب الإبانة “رسالة مُهمةً، ومن الوثائق الأساسية في تاريخ العقائد الإسلامية، وقرر أنه يمثل العرض النهائي لمذهب الأشعري”(6). ومن العرب جورج مقدسي، ود/ فوقية حسين(7). وقد عضَّد هذا الطرحَ بعضُ المذاهب المعاصرة التي دفعتْ إلى هذا الرأي دفعًا. نجد -مثلًا- الشافعي يقول عن مقدمة د/ حمودة غرابة، التي قدَّم بها تحقيقه للُمع: “وحاول استنقاذه من النزعة الوهَّابيَّة التي تختزله في كتاب “الإبانة عن أصول الديانة”، دون غيره من أعماله الكثيرة الباذخة”(8).
ولعلَّه أقام استدلاله على فساد هذا الطرح -رأسًا- على هذه “المؤلفات الباذخة”، التي حمد لأجلها المستشرق الفرنسي “دانيال جيماريه”؛ الذي قام بدور حاسم في إظهارها، حين أخرج كتاب “أبي بكر بن فُورك” (ت 406هـ) أحد أبرز تلاميذ الجيل الثاني، المُعنون “مُجرَّد مقالات أبي الحسن الأشعري” عام 1987م(9). حيث ظهر في الكتاب “الإمامُ أبو الحسن فارهًا عاليَ الهمة، مؤسسًا لكل النظريات التي كتب فيها أتباعه من بعده، على نحو التفصيل أو الإجمال، أو التحرير والتنقيح”(10).
ثم يؤكد أن وُثوقيَّة التعرف على الأشعري تكون من كتبه الكثيرة التي تداولها التلاميذ وأشاعوها، ودوَّنوها في كتبهم المتعاقبة، ولا عبرة في ظل هذا الدليل القاهر بأية ظنون يستدل بها المُحدَثون. وهذا معنى حديثه المُنكِر “اللهم إلا إذا قلنا بأن المعاصرين، من أصحاب التأويلات والدعاوى، أعرف بالشيخ من تلاميذه المباشرين، الذين علموا الباقلاني وابن فورك، ومن عشرات الكتب التي كتبها…”(11).
أما مَسلك الشافعي في إثبات هذا؛ فكان عبر التمركز حول شخصية الأشعري، وإثبات تأثيره النافذ على تلاميذه الذين امتازوا بتنوع مشاربهم وتخصصاتهم، وتأثيرهم المؤسس على كافة العلوم والمعارف الإسلامية، وكذا تناوله مؤلفات الشيخ بالتصنيف، ثم الحديث عن اللمع نفسه.
ولعلَّ امتياز الشافعي في المقدمة تبدَّى في دمجه طريق مقدمات التحقيق الاعتيادية، مع الغرض العلمي المُستهدَف فيها. فغالب المقدمات الاعتيادية تتطرق إلى مؤلف الكتاب، وتترجم له، وتدرج مُصنفاته. والشافعي سار هذا السير لكنْ مع تضمينه غرضًا أساسًا؛ هو مشكلته العلمية. فوفَّى غرضين بأداء واحد، ثم خلُصَ إلى أغراض فن التحقيق فوفَّاها في آخر المقدمة.
ومن معالم المسلك الشافعي في المقدمة، المزج بين التصريح والتلميح؛ ولعلَّ حال الاحتداد العقدي العارضة للساحة الآن، وكذا علاقته ببعض الأساتذة المؤلفين والمحققين العائشين والمائتين، وكذا لُطف مسلكه العام وتسامحه؛ كانت جميعها عوامل في السير بتؤدة بين التصريح والتلميح. لكنَّ طريقه في التلميح لا يمس هدفه وتقريره العلمي؛ فقد صرَّح بكل نتائج بحثه التي استقر عليها بعد تعاقب العقود الطوال عليه.
ولعلَّ مما يحسن ذكره في المعالم هو التواضع الجمّ الظاهر كلَّ الظهور في المقدمة، وهو من أخلاق أهل العلم الواجبة. كذا الأدب في الحديث عن المُخالف، والتزام السياق اللائق في تناوله؛ حتى إن كان هذا المُخالف لا يُبدي مثيل هذا النمط. وهو سلوك يفتقده الدرس العقدي المعاصر إلى حد أقصى.
· التأكيد على السردية الكلامية الإسلامية
وقد أرسى الشافعي بناءه في المقدمة بالتأكيد على السرديَّة الكلامية الرئيسة(12)؛ التي مفادها اختلاف المسلمين بعد العهد النبويّ -على صعيد التفكير العقدي- الذي أدى إلى ظهور فِرَق متعددة؛ من خوارج، وشيعة، ومعتزلة، ومجسمة؛ فراجت البدع، وتبلبلت الأفكار. وعضَّدتْ حالَ الانقسام عدةُ عوامل، أهمها: تدخُّلُ السلطة بمناصرة فرق منها، وإعلائها، بل فرضها بالقوة؛ والتأثيرُ الضخم الذي أحدثه نقل المؤلفات الإغريقية إلى العرب؛ والمذاهبُ الفكرية الشرقية التي داخَلَها ولاقاها الإسلامُ حين فتح المسلمون البلاد؛ وجهودُ الملل الأخرى في مناهضة الإسلام ودحضه.
وفي ظل هذه البلبلة ظلَّ فريق يمثل الخيار الوسط المعتدل؛ تمثَّل في نمطين من الجهود: إحداها جهود علمية التزمتْ حدود الفقه والحديث والتفسير، دون مُجاوزة إلى مجال الفكر المواجه لتلك الأفكار والبلبلات. والجهود الأخرى هي التي تحركتْ للقاء هذه الأحوال المضطربة، والاصطراع معها، مُحاوِلةً الحفاظ على جانبي المنقول إلينا -قرآنًا وسنةً-، وقوة الجدل العقلي المُقنع للآخرين. ومن هؤلاء الأخيرين: عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب، وأبو العباس القلانسي، والحارث المُحاسبي، “باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية، وبراهين أصولية، وصنَّف بعضهم ودرَّس بعضهم..”(13). فالشهرستاني قيَّدَ جهودَ هؤلاء بقيد تأييدهم العقائد بالحجج؛ فلدينا مركَّبان: العقيدة المنقولة كتابةً وشفاهةً، والحجج والبراهين. وهُما عُنصرا النقل والجهد العقلي في إثباته والذود عنه؛ اللذان مثَّلا علمَ الكلام في بنائه الرئيس.
ثم تأتي الأجيال الثواني بعد هؤلاء، وعلى رأسهم الإمام “أبو الحسن الأشعري”، الذي استطاع بما أتيح له من تأهيل أن يُقدِّم “الصياغة العلمية المتكاملة لعقائد أهل السنة والجماعة، ومواقفهم الفكرية؛ مدعومةً بأدلة العقل والنقل، بعد أن كانت -في غالب الأمر- شذراتٍ وفتاوى، أو مقالات مجردة عن الاستدلال والاحتجاج العقلي”(14). وقد وافقَ ما قرره الإمام الأشعري -إلى حد المطابقة في الجم الكثير- أئمةٌ آخرون في العصر نفسه، لكنْ في أصقاع متباعدة. ومنهم: أبو منصور الماتُريدي (ت 333هـ) فيما وراء النهر، وأبو جعفر الطحاوي (ت 321هـ) في مصر، وابن أبي زيد القيرواني (ت 386هـ)، ومن قبله أبو عبد الله عبد السلام سحنون (ت 240هـ) في المغرب العربي(15).
ومن بعدهم استقرَّ النمط العام لفكر أهل السنة والجماعة بريئًا من التعطيل والتجسيم، شعاره التوحيد والتنزيه، مُعتَمَدُهُ النقل مُؤيِّدُهُ العقل، غايته تثبيت دلائل الإسلام، والثبات على المصادر الأصلية للأمة. ولا يزال هذا النمطُ المستقرَّ السائِدَ في كل العالَم الإسلامي ومدارسه العلمية الكبرى: “كالأزهر في مصر، والقاسمية في دَيُوْبَنْدَ، والزيتونة في تونس، والقرويين في فاس، وغيرها … وكان الأزهر الشريف -على مدى الأجيال المتعاقبة- مَوئِلًا لتراث أهل السنة في مجالَيْ الفقه والعقيدة، أشعريًّا كان أو ماتُريديًّا”(16).
ويؤكد الشافعي أن الأشعرية ليست مذهبًا، يقول “ليس مذهبًا لنفسه، أو نزعة فكرية ذاتية: بل هو الصياغة العقلية، والصناعة الكلامية، والنسق الفكري، لموقف -أو إنْ شئت لمذهب- أهل السنة والجماعة، من المُحدِّثين والقُرَّاء، وصوفية السلوك والاستقامة، ومُعتدلي الحنابلة، وغيرهم من أتباع المذاهب الأربعة التي سادت الوسط السُّني”(17).
· تصحيح سردية حياة الإمام الأشعري
سرد الشافعي حياة الأشعري في صفحات، تحت عناوين فرعية. قد استغلها مُوافِقًا ومُخالفًا مَن أرَّخ قبله؛ ليؤكد على أمور، ويُصحح بعض الفهم عنه. أمحور هنا أبرز ما بثه:
1- التربية السُّنيَّة للأشعري؛ فقد وُلد في عائلة سنية، لأب صالح متصل بعلماء الحديث الشريف، أوصى به لشيخ مُحدِّثي البصرة زكريا بن يحيى الساجي (ت 307هـ). ومنه تلقى مقالة السلف في الصفات -كما أثبت الأشعري-. وبذا يقرر “نشأ شيخنا -إلى العاشرة تقريبًا- في بيئة سُنية محافظة، وتشرَّب ثقافتها”(18). ونلحظ هنا أنه لم يتابع الباحثة فوقية حسين في تأريخها لهذا التلقي السُّنيّ؛ حيث تعسَّفتْ بشدة لاستخلاص نتيجة تريدها هي. فنقلت نقلًا من طبقات الشافعية للسكبي يفيد أن الأشعري روى عن بعض أهل الحديث، واستنتجتْ من هذا أنه روى عنهم الحديث طفلًا. هذا ولم تلحظ الباحثة أن رواية الحديث -التي أثبتها السبكي- لا تلزم الطفولة، بل يروي الرجل الحديث طوال حياته، لكنها قررتْ تحكُّمًا منها أنه تلقى عنهم طفلًا صغيرًا، فحولته من خبر اعتيادي في كتب الطبقات إلى حقيقة صنعتها هي. ثم تعسَّفتْ تعسفًا مستنتجةً “تلقيه العلوم الدينية على أيدي كبار رجال الدين من أئمة السنة في ذلك الحين”(19). وقد عالج الشيخ الشافعي هذا بالإعراض عن ذكره، وبإيراد مثله في طور حياته الناضج.
2- التقليل من وثاقة طريق اتصاله بالجُبَّائي -شيخ معتزلة البصرة في زمانه- (ت 303هـ) عن طريق زواجه من أم الأشعري. جاء هذا عَرَضًا بصيغة التمريض؛ حيث قال “ويبدو أن ما قِيلَ عن زواج والدته بالشيخ محمد بن عبد الوهاب الجبائي…”، كما قال “ولا مراء في أن الجبائي -أيًّا كان سبب التقائه به-…”(20). وهو في هذا يخالف الكثيرين ممَن يرددون هذا في صيغة الجزم اليقيني.
3- رد على زعم قلة إتقان الأشعري للتأليف -التي شاعت في كلام بعض المستشرقين والعرب-، وأن مهارته اقتصرت على المناظرة. “فليس صحيحًا في حق رجل تبلغ مؤلفاته المئة أو المئات … لخَّصَ مضمونها تلاميذُه .. وتلاميذُ تلاميذه .. وعارَضَها خصومُه ونقضوها”(21).
4- ضبط ما يخص فترة تخلصه من الاعتزال من نقاشات كثيرة. فوصفها بـ”الفترة البَرزَخِيَّة”. وأثبت تنوع المشرب الثقافي للأشعري في فترة شبابه ونضجه؛ فأشار إلى مواريثه الحديثيَّة عن الشيخ الساجي، واتصاله -بالمباشرة وغير المباشرة- بشيوخ السنة “كابن كُلَّاب، والقلانسي، والمُحاسبي، وأبي القاسم الجُنيد، وفقهاء الحنفية والشافعية والمالكية … ولم يكن بعيدًا عن دوائر الحنابلة وأهل الحديث”(22). وأكد تفقهه على المذهب الشافعي، الذي أخذه عن معاصرَيْه: أبي إسحاق المَرْوَزي (ت 340هـ)، والقفَّال الشاشي (ت 365هـ). كذا أثبت له الإلمام بمقالات أهل الإسلام وغير الإسلام، ومقالات الفلسفة والحكمة. وهذه الروافد المتنوعة يبدو أنها لم تتيسر لشريكَيْهِ؛ الماتُريدي والطحاوي.
ثم دحض فكرة الانتقال الفُجائي، وقرر أن التحول نتاج “صراع امتدَّ -حسب طبائع الأمور- فترةً ليست بالقصيرة”(23). وهنا يضرب صفحًا أيضًا عن تعليلات التحوُّل بالرؤى والمنامات، بل يُصرح “لا كما تصوره الحكايات الرمزية، من الرؤى المنامية، والاعتكاف والخلوة لأسبوعين أو ثلاثة…”(24). وبهذا يوافق الأستاذ زاهد الكوثري في مقدمته لكتاب “تبيين كذب المفتري”(25)، ويُخالف فوقية حسين التي قدحتْ في المعارض لتحوله عن طريق الرؤى(27). وهذا التوصيف من الشافعي هو الأقرب للقبول في ظروف الأشعري المفكر المسلم.
5- أنه مع اكتمال ونضوج نيَّته للتحوُّل، استقرَّ في نفسه غرضان: وجوب النظر العقلي بمُعطيات أهل السنة والجماعة -لا مُعطيات الاعتزال التي كان عليها-، ومن تأليفه الباقي في هذا الغرض رسالتاه: استحسان الخوض في علم الكلام، والحث على البحث[27]. والغرض الآخر وجوب التصدي لكافة النزعات الفكرية والمذاهب المتنوعة -الإسلامية وغير الإسلامية-، ومن هذا الحصر كتابه مقالات الإسلاميين، ومن الرد كتابه اللُّمع.
6- ذكر السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، خمسة عشر تلميذًا للأشعري، ثم خصَّه بأربعة غيرهم، هم: أبو عبد الله ابن مجاهد البصري (ت 370هـ)، أبو الحسن الباهلي (ت 340هـ)، أبو الحسين بُندار بن الحسين الشيرازي خادم الأشعري (ت 353هـ)، أبو الحسن علي بن مهدي الطبري(28). وقد وافقه الشافعي مُضيفًا إليهم: محمد بن خفيف الشيرازي (ت 371هـ)، وأبا الحسن عبد العزيز بن محمد بن إسحاق الطبري (ت ما بين 360 – 370هـ)، أبا علي زاهر بن أحمد السَّرْخَسِي (ت 389هـ).
وباستقراء ما أورد الشافعي في ترجمة كلٍّ؛ يتضح أنه خصَّهم بالتلمذة لسببيْنِ رئيسين: الأول تأثير الأشعري عليهم، وتحويله حياتهم؛ فالباهلي -مثلًا- كان شيعيًّا اثنا عشريًّا ذا مكانة بين قومه. والسبب الآخر أنْ كانوا جميعًا أهل فقه وكلام وتصوف، وبذا جمعوا بين العلم والفكر والقلب. وهذه الصيغة الأكمل، والسمت الأتم في أهل العلم المؤثرين في الأمم.
· تصحيح السردية المغلوطة عن الأشعرية
يبدو أن أَوْلَى الأهداف بالوفاء عند الشافعي في مقدمته؛ هو تأكيده على تصحيح الفكرة التي راجتْ بين بعض الأقدمين، وكثير من المستشرقين، وبعض الاتجاهات الحديثة -التي روَّجتْ لها-. ومفادها أن الأشعري ليس صاحب المذهب، وأن صاحب المذهب الحقيقي هو مَن خلَفَه فيه -على اختلاف بين اختيار الباقلاني أو مَن يليه-، ويستدل أصحاب هذا الرأي بدليلين: أن أصحاب الأشعري مُخالفون له، وحصر الأشعري في حدود كتابه الإبانة؛ الذي يجدون فيه بعض ما يساعدهم على تعضيد هذا التشغيب.
وفي الحق، ردَّ الأستاذُ الشافعي رُدودًا موزعةً على كامل المقدمة، غير منظمة، ولا متتالية، وبعضها غائم. وأصوغ الآن ما أتى به غائمًا ومتفرِّعًا موزَّعًا في نقاط محددة قابلة للنقاش، وأهمها:
1- دعائم منهج الأشاعرة أرساها الأشعري، فهو صاحب التقرير للعناصر الآتية:
أ- ضرورة تأسيس علم كلام سُني حقيقي، كامل، مبنيٍّ على أصول متينة، تَقوَىْ على التوسع للنقاش في كل مساحات الأفكار المطروحة؛ علم كلام سُني يُغاير ما قبله من آراء فردية جزئية استولدها الظرف الطارئ والقول المناقض؛ بل يكون كيانًا راسخًا يبحث ابتداءً أصول الدين، يقوم على العقل أداةً ومنهجًا، ويستلهم النقل لا يتجاوزه في أُطُره العامة.
ب- فحص المذاهب، وحصر المقالات المختلفة -الإسلامية وغير الإسلامية-. وقد تعاقب جهدُ مَن والاه على هذا، إلى حد قيام فرع علمي ينصب على هذه المقالات.
ت- دحض المذاهب المُخالفة؛ سواء المخالفة للديانة كليةً، أو المخالفة داخل إطار الدين.
ث- الاعتراف ببرهان العقل، وأنه سلطان موهوب من الله، وأنه برهان ساطع في مجاله وحدود دوره، وضرورة استخدامه في عمليتَيْ الإثبات والدحض للعقائد والأفكار المختلفة. ولعلَّ من أجلّ ما فعله الشافعي في نشرته أن قيَّد في الحاشية الجانبية تصنيف الاستدلالات التي استخدمها الأشعري، ووزعها ثلاثًا: دليل عقلي، دليل نقلي، دليل عقل نقلي. ولعلَّه بهذه الخطوة خاصةً يشير بجلاء إلى كل ما أراده من غرضٍ في نشرته.
2- موافقة تلاميذ الأشعري لأصوله الاعتقادية والمنهجية (الظهيرين المعلوماتي والمنطقي البحثي)، وسَيرهم على هُداه. وقد استدلَّ على هذا بما أورده من تأثيره على التلاميذ الأولين، وبما أودعه من ملاحق في نهاية النص. وهي:
أ- ملحق بخبر لقاء الشيخ ابن خفيف بالأشعري، والمقامة الشيرازية التي دوَّنها ابن خفيف تخليدًا للقائه.
ب- وصية ابن خفيف لمُريديه.
ت- مُعتَقَد ابن خفيف، وعلَّقَ عليه: “وهو من وحي اللمع أو تعليقة عليه”(29).
فإن إيراد هذه الملاحق من أمثال المُحقِّقين -كالشافعي- تدل على أشياء، بل تكمل غرض صاحب النشرة، والصورة التي يرسمها؛ لذا يضمها نشرتَه.
3- أكمل الشافعي تدليله -المبثوث في كامل الجسد- على موالاة الأشاعرة في أجيالهم له، خاصةً في منهجه الكامل الذي يعبر عنه اللمع؛ بإيراد تأثير اللمع على التلاميذ. وأمركز التأثير في النقاط التالية:
أ- كتابة القاضي الباقلاني (ت 403هـ) نقضًا لكتاب القاضي عبد الجبار بن أحمد (ت 415هـ) -المعتزالي المتين-، الذي نقض فيه اللمع. وفي هذا تعبير عن وقوف ورضاء الباقلاني بما فيه -آراءً ومنهجًا-.
ب- يشرح ابن فورك (ت 406هـ) اللمع أيضًا.
ت- ينقل الشافعي عن ابن تيمية (ت 728هـ) قوله “وكتابه المشهور، المسمى باللمع في الرد على أهل البدع، وقد اعتنى به أصحابه، حتى شرحوه شروحًا كثيرةً”(30).
ث- ألَّف إمام الحرمين الجويني (ت 478هـ) كتابه “الشامل في أصول الدين”، يشرح فيه شرح الباقلاني للمع.
ج- ثم يختصر ابن الأمير (ت 736 هـ) كتاب الشامل، في كتاب “الكامل في اختصار الشامل”(31).
ح- أثبت الشافعي ثَبت الأمير الكبير (ت 1232هـ)، وفيه تحمَّل الأمير اللمع سماعًا بالسند المتصل إلى أبي الحسب، بل أثبت الشافعي إجازته -هو نفسه- في اللمع من الشيخ محمد الحافظ التيجاني عام 1968م(32).
وما هذا إلا تدليل على تأثير الأشعري على كامل المدرسة. ولا يقدح في هذا اختلاف المتأخرين في الرأي؛ فالأشعري رجل علم والمتأخرون رجال علم، والأشعري مفكر والمتأخرون مفكرون. ولا يضر في تماسك المدرسة رأي يندّ، أو قول يخالف، أو زيادة تأسيس لضرورة أو لطبيعة العمل العلمي -وهذا سمت طبيعي في كل المدارس الفقهية والفكرية-. وقد عضَّد الشافعي هذه الفكرة بنقلٍ من الشيخ حمودة غرابة، يقول فيه “وأن الخلاف بينه وبين أتباعه لم يمسَّ أية مسألة جوهرية في المذهب نفسه؛ وإنما هو خلاف في طريقة الاستدلال، أو في تفسير بعض الأصول، أو الزيادة في الشرح، أو الاشتغال بمسائل لم تعرض للأشعري في أيام حياته”(33).
· بين كتابَيْ الإبانة واللمع
ويتعلق بنقاش مدى تأثير الأشعري على المذهب؛ قضية تثير اللغط الجمّ والجدل، وهي: هل مذهب الأشعري هو ما في الإبانة أم ما في اللمع؟ .. حيث يتذرَّع الكثيرون بكتاب الإبانة ليشنِّعوا على جمهور الأشاعرة بمخالفة المذهب على يد المؤسس. ومما أورد الشافعي في المقدمة من أورادٍ مبثوثة هنا وهناك، أستطيع أن أصوغ الآتي:
1- مخالفته لنظرية الأطوار الثلاثة التي تشيع بين البعض؛ من أن الأشعري كان في طور اعتزال، ثم طور متأثر بالاعتزال في كتبه غير الإبانة، ثم الطور الأخير أسلم الأشعري فيه قياده للإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ)، وخالف ما كان عليه في غير الإبانة. والأستاذ الشافعي ينكر هذه النظرية، ولا يثبت للأشعري إلا طور طفولة، ثم طور اعتزال مع تزايد في الشوائب التي شابت هذا الاعتزال، حتى أودتْ بالرجل إلى طوره الثالث والأخير “الطور السُّنيّ”، الذي ظلَّ عليه طوال حياته إلى وفاته. وأن ما في اللمع هو معتقد الشيخ الأشعري، موافقًا بذلك أقوال د/ حمودة غرابة “كانت -يقصد الصورة العقلية في اللمع- تحديدًا للمذهب في وضعه النهائي، الذي مات صاحبه وهو يعتنقه، ويعتقد صحته، ويدافع عنه”، ثم يُعلق الشافعي “وما انتهى إليه شيخنا غرابة … هو رأي المعتدلين من المستشرقين في القديم .. وهو الرأي الذي انتهى إليه البحث العلمي الآن في الغرب”(34).
2- التعويل الرئيس في المذهب على اللمع، فهو صاحب التمكُّن والأصالة، وهو المُعبِّر الأكمل للكلام الأشعري. واستدل على هذا بأنه رائد أفكار المذهب -كما سبق من جهود اللاحقين في الاهتمام به-، وأنه رائد منهج المذهب، كما أنه الموافق لغالبية كتب الإمام الأشعري، التي لخَّص ابن فورك أكثر من ثلاثين منها في كتابه “مُجرد مقالات أبي الحسن الأشعري”.
3- الإبانة مُتقدِّم على اللمع، لا العكس. وهذا هدم لتصور البعض من أن الإمام الأشعري عاد عن كل ما قال في آخر حياته، وألَّف الإبانة. والشافعي هنا يوافق الباحثين: حمودة غرابة، وفوقية حسين(35).
4- الإبانة ليس الكتاب الوحيد الذي أثبت فيه الأشعري الصفات الخبرية؛ يقول “وهي -يقصد إثبات الصفات الخبرية- حجة إخواننا المعاصرين – وخاصة السلفية … ففي كتاب “المُصنَّف”، وهو من أكبر كتبه الثلاثة في التفسير … يثبت الشيخ الوجه واليدين والاستواء”(36).
5- الإبانة لا يناقض اللمع، ولا المذهب العام للشيخ الأشعري. وقد كرر الشافعي هذا مرتين(37). وأثبت هنا قوله -على طوله- للضرورة: “والإبانة الذي لا يتناقض أبدًا مع اللمع أو المؤلفات الأخرى للأشعري. فمن قواعد المذهب ألَّا يُصارَ إلى التأويل في أوصاف الباري ونحوها من مُتشابه النصوص؛ إلا إذا قادتْ إليه أصول العربية وقواعدها، في المجاز وأبوابه، أو أوجبتْه أطوار الزمان واختلاف أحواله. وقد وقع من التطورات ما دعا الشيخ نفسه، ورجال المذهب بعده، ونُظراءهم فيما وراء النهر، وفي رحاب العالم الإسلامي كله، ومعهم مُعتدلو الحنابلة إلى التأويل المحسوب، دفعًا لشُبه التشبيه، وردًّا لبدع التجسيم”(38).
· تصنيف كتب الأشعري
حاول الشافعي أن يصنف كتب الأشعري، اعتمادًا على خبرته ودُربته في المذهب، وفي علم الكلام عامةً. وتبقى محاولةً -كما قرر هو-؛ لأن غالب كتبه مفقود، ولم يبقَ منها إلا النادر. حيث عملت الكوارث العامة -مثل حرق مكتبة بغداد-، وكيد بعض الناقمين على الرجل إلى فناء -أو خفاء- غالب الكتب. وقد اعتمد الشافعي في تقسيمه على حيثية الموضوع العلمي فقط، لأنها الحيثية الوحيدة التي يستطيع الحدس بها من مجرد اسم الكتاب، أو نبذة عنه وردت هنا أو هناك. وقد اكتفى عبد الرحمن بدوي وفوقية حسين بسرد الكتب تباعًا(39)، وهنا أتى الشافعي ليتقدم خطوةً في التصنيف. وخالف فوقية في توثيقه رسالة “استحسان الخوض في علم الكلام”؛ حيث جزمتْ أنها ليست للأشعري(40). وقد صنف الكتب إلى أصناف ستة. هي:
أ- كتب صاغ فيها مذهبه.
ب- كتب عرض فيها مقالات الآخرين، وقد تتضمن شيئًا من الرد.
ت- كتب نقض فيها مقالات الآخرين. وهي عنده ثلاثة أصناف: نقض لأفراد، نقض لمذاهب، نقض للأشعري نفسه حينما كان معتزليًّا.
ث- رسائل أجاب فيها علماء الأمصار المختلفة على أسلئتهم.
ج- كتب في الحقول المعرفية غير الكلامية، مثل التفسير والحديث وأصول الفقه.
· خاتمة
لقد استطاع العلامة حسن الشافعي، بنشرته هذه، أنْ يُخرج لنا أكمل نص لكتاب “اللمع” للإمام الأشعري؛ وأن يدافع عن علم الكلام عامةً، وعن الكلام الأشعري خاصةً؛ الذي اعترتْه وتداولت عليه موجات اتهام من هنا وهناك؛ مُريدةً له الهدم، وبه التشنيع. فأثبت جدارة ساطعة في فنون الرد الصريح والمُضمَر، ليقرر هيئة الكلام الأشعري، ويبُتَّ في كثير من قضاياه الخلافية التي أرهقت العقول بلا داعٍ، مُستخدمًا كامل مخزون خبرته العميقة الغائرة. وهو بهذا يُقوِّي ثقة الأجيال الحالية والقادمة في علم الكلام السني، وفي نتاج قرائح أطيافه المتعددة من أشاعرة وماتُريدية وأهل حديث وصوفية.
الهوامش:
- من ذلك مقدمات المُحققين الأثبات للكُتب التي أخرجوها، مثل مقدمات محمد محيي الدين عبد الحميد، السيد أحمد صقر، محمود شاكر، وغيرهم.
- كتاب المواقف للإمام الإيجي -الذي يسمونه العلَّامة الأول، فرقًا له عن السعد التفتازاني، وهو العلَّامة الثاني- من مطولات الكتب الكلامية، وأهمها؛ حيث يمثل مرحلة واسعة من احتواء المؤلفات الكلامية للتراث المَشَّائِيّ، أو لتعالُقات الاتجاه المشائي في بحوثه الطبيعية والإلهية. غيرَ هذا، يمثل الكتاب قيمة علمية وفكرية ضخمة في تاريخ الإسلام. وهو صعب وعر، لذا يحتاج شرحه لخبير مُحنَّك.
- مثل فقرة “اللمع والفكر المغاربي المعاصر”، صـ89.
- راجع تعديله لاسم الفقيه المالكي “سَحنون”، بدل “سُحنون” في النشرة الأولى، احترازًا وتعليله الضبطين في الهامش، صـ18.
- اللمع، صـ23،22.
- مذاهب الإسلاميين، عبد الرحمن بدوي، صـ516، دار العلم للملايين، 1997م. وقد نقل هذا مُترجَمًا عن كتاب “محاضرات في الإسلام”، لجولدتسيهر.
- السابق، صـ21، صـ84. وانظر مثالًا على الآراء التي أراد نقضها مقدمة فوقية حسين لتحقيق كتاب “الإبانة”، صـ110، وما بعدها. ط1، دار الأنصار.
- اللمع، صـ20.
- السابق، صـ22.
- السابق.
- السابق، صـ23.
- هذه السردية هي المستقرة المتبعة في الأعم الغالب، نجدها قديمًا في كافة مؤلفات أهل السنة، ومنها رواية الشهرستاني -كما سيرد-، وابن خلدون في مقدمته (راجع فصل في علم الكلام منها). وفي الحديث أوردها الشيخ مصطفى عبد الرازق (راجع ضميمة علم الكلام في كتابه “تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية”)، والباحث الكبير علي سامي النشار (صـ265، ج1، نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام، دار المعارف)، وغيرهم الكثير.
- الملل والنحل، الشهرستاني، ج1، صـ105، المكتبة التوفيقية.
- اللمع، صـ16,
- السابق، صـ29.
- السابق، صـ20،19، بتصرف.
- السابق، صـ46.
- السابق، صـ28.
- الإبانة، مقدمة فوقية حسين، صـ17. ولعلها لم تلحظ أن مَن أثبتت تلقي الأشعري الحديثَ عنهم طفلًا قد ماتوا قبله بسنين قليلة أو بعده -كالمروزي المتوفَّى 340هـ-. وهذا يوحي أنهم كانوا صغارًا حينما كان صغيرًا. وهذه قرينة لا دليل، لذا أودعتها الهامش لا المتن. انظر طبقات الشافعية الكبرى، ج3، صـ355،354. دار إحياء الكتب العربية.
- اللمع، صـ28.
- السابق، صـ50،49. بتصرف.
- السابق، صـ29.
- السابق، صـ32.
- السابق، صـ47.
- انظر تبيين كذب المفتري، للحافظ ابن عساكر، صـ110، آخر مقدمة الكوثري، في الطبعة الممتازة التي أخرجها السيد أنس الشرفاوي للكتاب، دار التقوى، ط1.
- الإبانة، صـ31، وما بعدها. حيث أثبتت تعرُّض الأشعري لأزمة نفسية وفكرية بسبب الاعتزال، وجاءت الرؤية لتكون السبب المؤثر في التحول.
- لم أقف على هذه الرسالة، لكن الأستاذ الشافعي يقول إنها إصدارة جديدة، وإعادة صوغ لرسالة استحسان الخوض في علم الكلام. انظر صـ48. والرسالة الأخيرة منشورة غير مرة، والتي في يدي هي التي في يد الأستاذ، تحقيق د/ محمد السيد الجَلَيَنْد.
- طبقات الشافعية الكبرى، ج3، صـ368، وما بعدها.
- تبدأ الملاحق بعد نص اللمع مباشرةً، صـ299.
- اللمع، صـ80.
- السابق، صـ79، وبعدها.
- السابق، صـ89،88.
- السابق، صـ83. وقد نقل كلام غرابة من مقدمته لتحقيق اللمع، صـ6،5. وقد زدتُ آخر النقل من المصدر صـ6.
- السابق، صـ84. وقد نقل كلام غرابة من مقدمته لتحقيق اللمع، صـ6.
- راجع مقدمة فوقية حسين على الإبانة، صـ80، قولها “ورأيي أن الإبانة هو الأسبق…”. ومقدمة غرابة على اللمع، صـ7، قوله “الصورة السلفية التي يصورها الإبانة قد صدرت أولًا”.
- اللمع، صـ62،61.
- مرة في الموضع الأسبق، وأخرى صـ53.
- صـ53. وفي النص يشير لكتاب الفقيه الحنبلي “ابن الجوزي” (ت 597هـ) بعنوان “دفع شُبه التشبيه بأكفّ التنزيه”، وفي صـ62، أشار إلى كتاب “دفع شُبه من شبَّهَ وتمرَّد، ونسَبَ ذلك إلى السيد الجليل أحمد”، للفقيه “تقي الدين الحِصْني الدمشقي” (ت 829هـ).
- الإبانة، صـ38، وما بعدها. وكذا مذاهب الإسلاميين، صـ505، وما بعدها. لكن فوقية صنَّفتْ إجمالًا كتبه إلى: ما في علم الكلام (الفرق، عرض المذاهب، الردود)، وما في غير علم الكلام. انظر الإبانة، صـ80.
- الإبانة، صـ74.