بقلم: S.R. / I.D.O.
ترجمة: عادل العامري
المقال الأصلي نشر في موقع Japan Experience في 13 تموز/أيلول 2020
إنَّ لفظ “الله” أو “GOD” [1]كما هو في الديانات الإبراهيمية، والمقصود به الكائن الواحد، الخالق للعالم، المغاير، غير موجود في الدين الشنتوي[2]. فالأديان الإحيائية أو الأديان متعددة الآلهة، تصف مخلوقات مقدسة بأشكال مختلفة بدلًا عن إلهٍ واحد. وقد تأثرت اليابان بالبوذية أكثر من تأثرها بالشنتوية، ولكننا سنبحث هنا في مفهوم الكيان المقدَّس في الشنتوية.
أصل كلمة "كامي" (神) في اليابانية
إنَّ الكلمة التي نُقرِنها بلفظ “الإله” في اليابانية هي 神، ومثل أغلب الكانجي أو “الرموز” اليابانية، فإن هذه الكلمة يمكن أن تقرأ باليابانية، أو تُحمَل على نطقها الصيني. فنطقها الصينية هو “شِن” أو “جِن”، وتشير في ديانة الصين التقليدية إلى أرواح الطبيعة. وكلمة “شنتو”، تكتب في اليابانية 神道، حيث 道 (تنطق “تو” بالنطق الصيني) تعني الطريق، فيصبح معنى كلمة شنتو هو “طريق الأرواح”. 神 (شن) + 道 (تو) = شنتو.
أما بالقراءة اليابانية، فتنطق 神 “كامي” أو “غامي”، وهي تشير إلى الأرباب المتفرقين والكائنات الخارقة للطبيعة الموجودة التي تقطن في مدفنِ العظماء في الشنتوية.
وقد ذُكِرَ لفظ كامي في أقدم كتابين كتبا باللغةِ اليابانية، “وقائع الأحداث القديمة” أو الـ”كوجيكي” (古事記) وهي مجموعة من الأساطير يعود تاريخها للعام 712م، و “السجلات اليابانية أو الـ “نيهون شوكي” (日本書紀) من العام 720م. فنجد فيها أسطورة خلق إزاناغي للعالم أو مغامرات أماتيراسو.
وقد قال موتوري نوريناغا، أكبر من علق على الكوجيكي: “أي كائن يملك صفات بارزة معينة خارجة عن المألوف، أو يكون مثيرًا للإعجاب بطبيعته، يسمى كامي”. وهذا يفيد أنَّ الكامي لا حصر لهم.
أرباب يابانية متعددة بوظائف متعددة
بعض ممن يطلق عليهم مصطلح الكامي يمثلون أسلافًا مقدسين للشعب الياباني، وقد ولدوا من أساطير الشنتو. ففي الصورة نجد من أطلق عليهم لقب الكامي من “عصر الآلهة”، من يسمون أيضًا أماتسوكامي (كامي السماء/النعيم). وهناك أيضًا كونيتسوكامي، كامي البلاد أو الأرض. وهكذا، يمكن أن يكون الكامي أيضًا أرواح الموتى أو الأرواح التي تحكم الطبيعة في الشنتوية. فعندهم أنَّ الجبال والأنهار والغابات، وكل مكونات الطبيعة مسكونة بالأرواح التي تحكمها. ويكرِّم اليابانيون تلك الأرواح في مهرجاناتهم التقليدية.
وعندهم أنَّ هذه الأرواح تتحرك بقوى مفيدة أو/و بسبب “روح العنف”، والتي تُوقظ إذا تعدى أحد على نطاقها أو إذا كان المرء مذنبًا كونه ارتكب خطأ مرتبطًا بمجال عملهم. هذا الخطأ (تسومي) ينشط العقوبة (تاتاري)، والتي تُدفع بالتطهير (هارَأو).
تتضمن هذه النظرة للعالم علاقة سببية مادية تقريبًا مع “الله”. فالعلاقة عندهم أقل تراتبية مما هي عليه عند الديانات الإبراهيمية. فعندهم أن البشر يدخلون في علاقات باستمرار مع كائنات خارقة للطبيعة، وردود أفعال هذه الكائنات مماثلة لردود أفعال البشر.
أماتيراسو: أعظم كامي في الشنتوية
تعد أماتيراسو (天照大神 – من تضيء السماء)، إلهة الشمس، أعظم كامي في الشنتوية وأكثر من تحظى بالاحترام. وهي الممثلة في علم دولة اليابان بالشمس.
وعندهم أنها ابنة إيزاناغي وإيزانامي، وولدت من أذن والدها اليسرى المقدسة. وتذكر أساطيرهم أنه بعد جدال حدث بينها وبين شقيقها الأصغر سوسانو، حَبست أماتيراسو نفسها في كهف وساد الظلام العالم. ثمَّ جاء جميع الـ”كامي” متوسلين لها أن تخرج، وفي النهاية خدعوها حتى غادرت كهفها. أضاء الكون بعدها ولم يكف الخلق من يومها عن عبادة إلهة الشمس. وعلى ما ذكر في كتاب الكوجيكي، فإن أماتيراسو هي السلف المباشرة لأباطرة اليابان. إذ أنها أرسلت حفيدها نينيغي ليحكم الشعب، وحفيده هو جينمو، أول إمبراطور أسطوري لليابان. يقال عندهم أن أماتيراسو هي التي طورت حقول الأرز وزراعة القمح وتربية ديدان الحرير وفن النسيج.
تُعبد أماتيراسو في ضريح نايكو، ضريح إيسه-جينغو الداخلي، أقدس ضريح للشنتو في اليابان. لا يحل للزوار الاقتراب من المقام، بل يبقون أسفل الدرجات المؤدية إليه.
ومن الجدير بالذكر أنه رغم كون الأساطير الشنتوية تحمل عددا كبيرًا من الآلهة ذكورًا وأناثًا بهيئة بشرية، فإنها على عكس البوذية، نادرًا ما تجسد الكامي فيها على هيئة محددة. فليس هناك إلا قليل من المنحوتات للآلهة، بل وبعضهم لا يملك حتى صورًا (ويستثنى من ذلك الإله إناري في الشنتوية). لم تظهر صور تمثل حتى أماتيراسو إلا في زمن متأخر، وهي قليلة. وقد صوروها في هيئة بشر ذي شعر أسود طويل ترتدي ثوبًا طويلًا أبيضًا من الخارج وأحمرًا من الداخل. أما تقليديًا، فإنهم يشيرون لكامي الشمس بمرآة معدنية.
أهناك بدائل لمصطلح الكامي؟
وُضِعَ مصطلح الكامي للإشارة إلى الكيانات المقدسة في الشنتو في اليابان. ولمّا وصلت الكاثوليكية إلى أرخبيل اليابان حاملةً فكرة الإله الخالق الواحد لكل الأشياء، تزعزع هذا المصطلح اللغوي.
فوضع الكاثوليك اليابانيون مصطلح 天主 “تنشو – سيد السماوات” ليشيروا إلى الإله الواحد على وجه الخصوص، في تنافس مع مصطلح 上帝 “جووتي – الحاكم الأعلى”، واستمر الحال هكذا حتى سيطر في النهاية مصطلح كامي-ساما 神様 في القرن التاسع عشر. ورغم أنَّ مصطلح كامي سيطر على السَّاحة، إلا أن معان جديدة وسلطات خارجية أضيفت إليه لتوسع نطاقه.
الهوامش:
- لا يجب خلط المصطلح مع كلمة Deity والتي تعني “إله”، أو Allah في الإنجليزية والتي يُقصد بها عندهم “الإله الذي يعبده المسلمون”.
- ديانة ظهرت وتطورت في اليابان، وقد تداخلت مع البوذية والمسيحية في العصور المتأخرة.