في ظلِّ الخذلان المستمر من غالبية الأنظمة السياسية العربية والإسلامية لقضايا أمتنا المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فضلًا عن انسلاخ بعضها عن هويتها الإسلامية وخيانة الأمة بالارتماء في أحضان العدو الإسرائيلي والتطبيع معه؛ يسعى جهاز الدعاية الشيعي، في العالم الإسلامي إلى تقديم نظرية ولاية الفقيه الشيعية ممثلة بالثورة الخمينية في إيران، كطوق نجاة للأمَّة الإسلامية، ووسيلة وحيدة لتحرير فلسطين وتخليص بيت المقدس من الهيمنة الصهيونية.
ساعدهم على ترويج هذه الصورة البطولية المزعومة، مجموعة من الأحداث ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قِبَله العذاب؛ كحرب تموز وظهور ما يسمى بمحور الممانعة، والتَّصدر الإعلامي الملفت لشعارات الموت الإيرانية الشيعية تجاه إسرائيل والكيان الصهيوني سيما بعد استيلاء أذرع إيران على السلطة والتحكم في القرار السياسي بقوة السلاح في اليمن ولبنان.
مما حدا بالبعض وخصوصًا محدودو الوعي؛ إلى التقليل من شأن الخيانات الشيعية التاريخية للأمَّة والملة، وتخادمها مع الأعداء من يهود ونصارى عبر التاريخ، والقول إن حال الشيعة اليوم أشرف من حال الحكام العرب، منخدعون بأكاذيب جهاز الدعاية الشيعية الاثني عشرية بكل بساطة.
وعليه، أصبحت العلاقة بين التيار الشيعي المعاصر بامتداداته المتعددة وإسرائيل، محل جدل واسع ومتجدد، ولطالما طُرحت تساؤلات عن حالة العداء بين الجانبين، هل هو عداء فعلي، أم عداء غير حقيقي، ويمثل غطاء لاتحاد مشروعين في استهداف دول عربية، أو في التخادم بينهما، بموجب تحالفات قديمة؟
ولكي تتضح الرؤية وتتجلى حقيقة تخادم التيار الشيعي الحديث والمعاصر بامتداداته المتعددة مع اليهودية الصهيونية؛ سنحاول في هذه الورقة الإجابة عن الأسئلة التالية:
– ما هي القواسم المشتركة على المستوى العقدي والتاريخي والأهداف بين الشيعة واليهود؟
– هل يعتبر المسجد الأقصى أحد المقدسات الإسلامية لدى الشيعة وما مكانته في الموروث الشيعي؟
– هل خاضت إيران الشيعية حربًا لنصرةِ قضايا المسلمين سواء في زمن الشَّاه أو بعد الثورة الشيعية وقيام نظام الملالي بقيادة الخميني؟
– كيف كان موقف شيعة لبنان من منظمة التحرير الفلسطينية؟
– ما هو موقف إسرائيل من الثورة الإيرانية عام 1979م؟
– ماهي صور التخادم بين الشيعة واليهود؟
المتمعن في التراثين الشيعي واليهودي، يجد من القواسم المشتركة بين الشيعة واليهود، ما يدفعه إلى القول بالتشابه الذي قد يصل إلى حد التَّطابق في الكثير من المعتقدات والرؤى والأفكار، وكذلك الأهداف الاستراتيجية المشتركة، والتي من أهمها، معاداة الإسلام السني الذي يتبنى أفكارًا تحد من توسع المشروعين الفارسي والصهيوني.
كما يشترك الشيعة واليهود في تكفير غيرهم واستباحة دمائهم وأموالهم، وتحريف كتب الله تعالى والقول بالوصية بالإمامة وفيما يتعلق بالمسيح والمهدي المنتظر، كما يشتركون في غلوهم في أئمتهم، وحاخاماتهم، وفي قدحهم في الأنبياء والصحابة.
وقد أجمل باحثون تشابه الشِّيعة واليهود في تقديسهم أنفسهم في النِّقاط التالية (1):
– يدعي اليهود أنهم شعب الله المختار وأنهم خاصة الله من بين كل الشعوب وأمته المقدسة وكذلك تدعي الشيعة أنهم شيعة الله وأنصار الله وأنهم خاصة الله وصفوته من خلقه.
– يدعي اليهود أنهم أحباء الله وتدعي الشيعة كذلك هذا الأمر.
– يزعم اليهود أنَّ الله سخط على كل الأمم ما عدى اليهود وتزعم الشيعة أن الله تعالى سخط على كل الناس إلا الشيعة.
– يزعم اليهود أن أرواحهم مخلوقة من الله تعالى وليس ذلك لأحد غيرهم، ويزعم الشيعة كذلك أن أرواحهم مخلوقة من نور الله تعالى ولم يجعل الله ذلك لأحد غيرهم إلا للأنبياء.
– يعتقد اليهود أنه لولا اليهود لم يخلق الله هذا الكون ولولاهم لانعدمت البركة من الأرض، وكذلك يعتقد الشيعة أنه لولا الشيعة لم يخلق الله هذا الكون، ولولاهم ما أنعم الله على أهل الأرض.
– يدعي اليهود أنه لا يدخل الجنة إلا اليهود وغير اليهود يدخلون النار ويدعي الشيعة أنهم سيدخلون الجنة وأعداءهم سيدخلون النار.
الجذر المشترك
يتضح جليًا مدى التوافق الكبير بين اليهود والشيعة في العقيدة، الأمر الذي يجعلنا نجزم، بأنَّ أصل التشيع ما هو إلا يهودي خالص وأنَّ الإسلام بريء من هذه العقيدة التي يعتقدها الشيعة في كل زمان ومكان.
ومما يؤكد صحة ما ذهبنا اليه تأكيد مصادر الشِّيعة ومراجعها المعتمدة على الدور المحوري لعبد الله بن سبأ في تأسيس فكرة تكفير الصحابة والغلو في علي بن أبي طالب وذريته، فيقول القمي (ت 301هـ) في كتابه (المقالات والفرق): إنَّ عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادّعى أن عليًا أمره بذلك (2).
أما مؤرخ الشيعة النوبختي (ت 310هـ) فيقول في كتابه (فرق الشيعة): عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبى بكر، وعمر، وعثمان، والصحابة، وتبرأ منهم، وقال إنَّ عليا أمره بذلك، فأخذه علي، فسأله عن قوله هذا، فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه، يا أمير المؤمنين!! أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم، أهل البيت، وإلى ولايتكم، والبراءة من أعدائكم، فسيّره إلى المدائن وقال: ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن، قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلا، لعلمنا أنه لم يمت، ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض (3).
وبخصوص التقارب التاريخي بين اليهود وإيران مهبط التشيع والراعي الرسمي له، نجد أن بداية التعارف بين الإيرانيين واليهود تعود إلى ألفين وسبعمائة وخمسين عامًا، وما يؤكد قدم هذه الرابطة هو وجود بعض الشواهد التاريخية واللغوية والدينية الموجودة في أسفار (عزرا، نحمي، استر، ودانيال وتواريخ الأيام) وكذلك ما ورد حول المخلص أو المنقذ لليهود والتصريح باسمه على لسان الرب في كتاب النبي عزرا (الباب الأول والثاني) بأنه كورش ملك إيران العادل، ومع فتح بابل على يديه وتحريره بني إسرائيل من قبضة ملوكها ودخول اليهود أرض إيران، تأثر اليهود بالإيرانيين وقبلوا بعض معتقداتهم، كالاعتقاد باليوم الآخر وظهور المهدي في آخر الزمان.
فأرض إيران بالنسبة لليهود هي أرض كورش مخلصهم، وعليها ضريح استر وموردخاي، وفيها توفي النبي دانيال ودفن النبي حبقوك، هي دولة شوشن دخت الزوجة اليهودية الوفية للملك يزدجرد الأول، وتحوي أرضها جثمان بنيامين شقيق سيدنا يوسف عليه السلام، لذا يكنّ يهود العالم وافر التبجيل لهذه الأرض. ومنذ فتح بابل على يد الملك كورش، وتوجه العديد من اليهود إلى إيران، ترفض تلك الطائفة دعوة العودة إلى فلسطين، وفاق حبهم لإيران حبهم لأورشليم (4).
وفيما يتعلق بواحدية الرؤية الإيرانية الإسرائيلية تجاه العالم العربي والإسلامي نجد أنَّ (إيران) و(إسرائيل) تتفقان حول عدائية العالم الإسلامي والمنطقة العربية والسيطرة على ثرواتها، وفي سبيل هذا الهدف حاولا استغلال نفوذهما وقوتهما للسيطرة على الأمة وإثارة المشاكل والنعرات الطائفية، وتجنيد ونشر خلايا عملاء تعمل لصالح الأجهزة الأمنية التابعة لكلا البلدين، ومطالبات كل منهما لم تتوقف طيلة قرن كامل تبادلتا فيه الأدوار لإنهاك المنطقة وتدميرها بالحروب بينما الصراع العربي الفارسي لم يتغير منذ العهد الإخميني مرورًا بالصفوي والقاجاري وصولا للخميني.
العلاقة بين الأفعى الشيعة والأفعى الصهيونية
وباستقراء تاريخ الصراع الإسلامي الصهيوني نجد أنَّ إيران من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان اللقيط حيث اعترف (الشاه) بإسرائيل بعد عامين من تأسيسها عام 1948م، واتخذت العلاقات بينهما أبعادا مختلفة في أواخر عقد الخمسينات بلغ حد التحالف الاستراتيجي في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، مستغلة العداء العربي الإسرائيلي حينها.
وعلى الرغم من العلاقة الحميمة بين نظام الشاة وإسرائيل ومن خلفها أمريكا والتي اعتبرت الشاة شرطي الغرب في المنطقة، إلا أنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل بدأتا في التخلي عن (الشاه) والبحث عن بديل يصنع على عينها وذلك لظهور العديد من المعطيات والمتغيرات التي سنوجزها فيما يلي:
– أصبح الجيش الإيراني في عهد الشاه في طريقه لأن يصبح القوة العسكرية الخامسة في العالم، وهو ما يهدد بقاء إسرائيل، ولذا فضل القضاء على هذه القوة من خلال خلق ثورة إسلامية تأتي بشخصية ليس لديها خبرة عسكرية يمكن من خلالها إشعال نار الفتنة الطائفية لتقضي على الجيش الإيراني (5).
وقد ذهب باحثون إلى أن أمريكا جيمي كارتر كانت منذ البدء ضد الشاة الذي كان مع خلاف الحزب الديمقراطي وأغلبية أعضاء الكونغرس كان ضده لأنه كان يعتبر نفسه صقرًا من صقور الأوبك، وهو الذي تزعم حملة رفع أسعار البترول (6).
– ومن المتغيرات التحول النسبي في سياسة الشاه بشكل سلبي تجاه الغرب فيما يخص تصدير النفط، يؤكد ذلك تصريحاته التي أزعجت إسرائيل فيما يخص النفط، حيث أشار في تصريحاته حول هذا الموضوع أن إيران ستقطع النفط عن إسرائيل في ضوء العقوبات الشاملة التي تفرضها الدول العظمى على إسرائيل لإبداء قدر من المرونة حول المفاوضات مع الجانب المصري (7).
– ومن المتغيرات تنامي الغصب الشعبي وبروز ملامح تبلور حراك ثوري ضد نظام الشاة.
وبناء على هذه المعطيات تعتبر إسرائيل أول من توقع سقوط الشاه حيث أبرقت إلى سفارتها في طهران تطلب إعداد تقرير حول ما قد يحدث إذا ما غادر الشاه طهران وعن الشخصية المرشحة لتولي مقاليد الحكم خلفه وكيفية التعامل معها (8).
وبالفعل أعد السفير الإسرائيلي في طهران تقريرًا رفعه لرئيس وزرائه في الثالث عشر من سبتمبر1977م أشار فيه إلى أن الشاه سيتعرض في صيف 1978م لهزة عنيفة تزلزل عرشه، وأن المشكلة الرئيسة لا تكمن في كيفية نجاته من هذه الهزة، بل في فترة بقائه في الحكم بعدها، ورأى أن الشاه سيسقط لا محالة (9).
لما أيقنت الولايات المتحدة وإسرائيل أن سقوط الشاه أصبح لا مفر منه أوعزتا لإعلامهما بمهاجمة الشاه (10) فعمدت إسرائيل إلى بث برنامج موجه باللغة الفارسية للشعب الإيراني لخدمة الخميني وبث خطبه ونداءاته للإيرانيين بطريقة لا تثير الشبهات حول دعم إسرائيل له (11).
ويرجح باحثون أن التغير الذي طرأ على الموقف الأمريكي الإسرائيلي المعادي للشاه هو تواصلهما مع الخميني في فرنسا والتنسيق معه لتولي الدور في إيران حتى يصبح الخميني هو الرجل الإيراني المنشود لأمريكا ولإسرائيل (12).
وبالنسبة لاتهام الخميني عبر تصريح له في السابع عشر من سبتمبر 1978م لإسرائيل بالاشتراك في قمع الثورة الإسلامية، وأن “السلطات الإيرانية (ممثلة بالشاه) استنجدت بفرقة من الكوماندوز الإسرائيلي لحصد أرواح الشهداء المسلمين أتباع القرآن العزل من السلاح” واطلاقه لشعار الموت لأمريكا وإسرائيل وجعله أيقونة الثورة والهتاف المزلزل من حناجر الثوار؛ فإن ذلك كله لا يعدو عن كونه قناع يواري سوءة التناغم الخفي بين الثورة الإيرانية وأمريكا وإسرائيل.
ومما يؤكد ذلك تصريح أحد المسؤولين الإسرائيليين عقب الثورة، لصحيفة كريستان ساينس مونتير بأن سقوط الشاه لم يؤد إلى أي تغيير في العلاقات مع إسرائيل لأن تصريحات الخميني اللفظية المعادية للكيان لم تتعد الكلام ولم تترجم لفعل (13).
والأمر كذلك بالنسبة للتصريحات الإسرائيلية وردود فعلها الرسمية المتباينة تجاه الثورة الإيرانية، ووصف موشى ديان وزير خارجية إسرائيل في تصريحات صحفية أن الثورة زلزال عظيم له أثر سيء على الكيان، وأنها ستزيد من التهديد العسكري له من جبهتيه الشمالية والشرقية (14) وأردف بأن النظام الذي سيأتي لإيران لن يكون عنده الخبرة الكافية في إدارة سياسته الخارجية، ولكنه يدرك مدى أهمية توثيق العلاقات مع الكيان (15).
كما أكد لاحقًا ديفيد ليفي الذي شغل منصب وزير خارجية إسرائيل، على أن إسرائيل لم تقول يومًا بأنها عدو لإيران، فهناك مصالح استراتيجية مشتركة بينهما وأن العرب أخطر من إسرائيل على إيران، فإسرائيل لم ولن تكون عدو لإيران (16).
أما الباحث الصهيوني بيت هيلاهمي فيؤكد أن العداء بين إسرائيل وبين العرب سيستمر وأن إسرائيل تبحث عن موطئ قدم لها في إيران، وأنه يرى في العقبات الأيديولوجية خطرًا أقل من العقبات القومية التاريخية التي يعتقد بها العرب (17).
وبحسب صحيفة (يديعوت احرونوت) أن الجالية اليهودية في إيران التي تعد أكبر جالية يهودية في العالم حيث تبلغ 30 ألف يهودي، تلقى اهتمامًا واسعًا من قبل رؤساء إيران بتوصية خاصة من علي خامنئي، والعكس فإن نحو 200000 ألف يهودي إيراني في إسرائيل يحظون باهتمام الحكومة الإسرائيلية، وأن معابد اليهود في طهران تجاوزت 200 معبد يهودي (18) في حين أن أهل السنة في طهران عددهم مليون ونصف المليون لا يسمح لهم بالصلاة في مساجدهم.
الحرب العراقية الإيرانية وتعاضد الأفاعي
ففي كتاب حلف المصالح المشتركة لـ(تريثا بارزي) يقول البروفيسور ديفيد مناشري من جامعة تل أبيب، والخبير الأول في الشؤون الإيرانية في (إسرائيل)، ” طوال فترة الثمانينات، لم يقل أحد في (إسرائيل) شيئًا عن وجود خطر إيراني، لم يتفوه أحد حتى بهذه الكلمة” ففي ذروة الحماسة الإيديولوجية في إيران، كانت تخشى (إسرائيل) انتصارا عراقيا، واستبعادها وجود خطر إيديولوجي إيراني، والجهود التي بذلتها (إسرائيل) لاستعادة إيران في إطار المبدأ المحيطي، مهد الطريق أمام قيام (إسرائيل) بتسليح إيران، والسعي إلى خفض التوترات بين واشنطن وطهران، والحرب أثبتت صحة اعتماد (إسرائيل) على المبدأ المحيطي، واستمر عدد كبير من قيادات (إسرائيل) بالاعتقاد بأنَّ إيران حليف طبيعي(لإسرائيل)، وبما أن إيقاف صدام كان الهدف الأكبر أهمية، فإن ذلك يعني تلبية طلبات الأسلحة التي يريد شراءها الإيرانيون كسبب لمنع حدوث انتصار عراقي”(19).
ويواصل المؤلف قائلًا: بعد مرور ثلاثة أيام على دخول القوات العراقية الأراضي الإيرانية، قطع موشي ديان زيارة خاصة إلى فيينا، وعقد مؤتمرًا صحفيًّا طالب فيه الولايات المتحدة بمساعدة إيران”، بعد ذلك بيومين صرح نائب وزير الدفاع الإسرائيلي مورداخاي زيبوري لصحيفة معاريف بأن إسرائيل ستقدم مساعدات عسكرية لإيران”.
وفي تلك الأيام نقل عن صحيفة صنداي تلغراف البريطانية أنها قالت إنَّ الجيش الإسرائيلي استعان بصور فوتوغرافية وخرائط إيرانية لتنفيذ الهجوم على المفاعل النووي العراقي، وبعد شهر من قصف المفاعل النووي العراقي تحطمت طائرة أرجنتينية كانت تنقل أسلحة إسرائيلية متوجهة إلى إيران بالقرب من الحدود السوفيتية التركية.
وبحسب مركز بافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب فإن (إسرائيل) باعت إيران أسلحة بقيمة 500 مليون دولار في الفترة ما بين عام 1980-1983، وتم سداد المبلغ من خلال تسليم شحنات من النفط الإيراني إلى (إسرائيل)(20).
و مع أنَّ أخبارًا متقطعة كانت تبرز من حينٍ لآخر، عن حقيقة هذا التعاون بين إيران وإسرائيل وأمريكا منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية، إلا أنه في نوفمبر 1986م كانت أول ادعاءات علنية لصفقة الأسلحة قد طفت على السطح عندما نشرت مجلة الشراع اللبنانية ذلك الخبر في 3 نوفمبر من العام نفسه، واتضح للعالم أجمع أن سيلا من الأسلحة و قطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلى طهران و أن الشيخ صادق طبطبائي كان حلقة الوسط بين إيران وإسرائيل من خلال علاقته المتميزة مع يوسف عازر الذي كانت له علاقة بأجهزة المخابرات الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي وقد زار إسرائيل معه في 6 كانون الأول 1980م وانكشف ختم دخوله إلى إسرائيل على جوازه عندما ضبطه البوليس الألماني على المطار وفي حقيبته مئة و نصف كيلو من المخدرات مادة الهيروين وذلك في كانون الثاني 1983 وقد عرض ختم دخوله إلى إسرائيل على ملايين الناس في التلفزيون الألماني وكان من جملة الوسطاء في تصدير السلاح الإسرائيلي إلى إيران أندريه فريدل وزوجته يهوديان إسرائيليان يعيشان في لندن وقّع فيه خمس صفقات كبيرة مع أكبر شركات تصدير السلاح في إسرائيل اسمها شركة TAT بتاريخ 28-3-1981م والصفقة الثانية بتاريخ 6-1- 1983م العقيد اليهودي يعقوب النمرودي الذي وقع صفقة وتوجد صورة لكل وثيقة من هذه الصفقات وكذلك أسلحة كبيرة مع العقيد كوشك نائب وزير الدفاع الإسرائيلي (21).
وقد أفرج أرشيف الأمن القومي الأمريكي في 10-11-2006 عن وثائق تتعلّق بفضيحة (إيران-جيت) والتي تعرف أيضا باسم إيران-كونترا أو فضيحة بيع إسرائيل أسلحة عسكرية للنظام الإسلامي الإيراني بقيادة آية الله الخميني وبموافقة أمريكية في حربه ضدّ العراق.
وتضم هذه الوثائق ما يلي:
الوثيقة الأولى: تلكس يطلب أذنا بالسماح لطائرة من شركة ((ميد لاند)) البريطانية للقيام برحلة نقل أسلحة أمريكية بين تل أبيب وطهران في الرابع من حزيران (يونيو)1981م. ومن هذه الوثيقة يثبت أن الأسلحة الإسرائيلية بدأت بالوصول إلى طهران منذ بداية الحرب الإيرانية-العراقية.
الوثيقة الثانية: عقد بين الإسرائيلي يعقوب نمرودي والكولونيل ك.دنغام وقد وقع هذا العقد في يوليو 1981م، ويتضمن بيع أسلحة إسرائيلية بقيمة 135,848,000 دولار، ويحمل العقد توقيع كلٌ من شركة (اي.دي.اي) التي تقع في شارع كرفول في تل أبيب ووزارة الدفاع الوطني الإسلامي يمثلها نائب وزير الدفاع الإيراني.
الوثيقة الثالثة: رسالة سرية جدا من يعقوب نمرودي إلى نائب وزير الدفاع الإيراني، وفي الرسالة يشرح نمرودي أن السفن التي تحمل صناديق الأسلحة من أمستردام، يجب أن تكون جاهزة عند وصول السفن الإسرائيلية إلى ميناء أمستردام.
الوثيقة الرابعة: طلب نائب وزير الدفاع الإيراني العقيد أيماني من مجلس الدفاع تأجيل الهجوم إلى حين وصول الأسلحة الإسرائيلية.
الوثيقة الخامسة: رسالة جوابية من مجلس الدفاع الإيراني حول الشروط الإيرانية لوقف النار مع العراق وضرورة اجتماع كل من العقيد دنغام والعقيد أيماني.
الوثيقة السادسة: رسالة سرية عاجلة تفيد بأن العراق سيقترح وقف إطلاق النار خلال شهر محرم، وان العقيد أيماني يوصي بألا يرفض الإيرانيون فورا هذا الاقتراح لاستغلال الوقت حتى وصول الأسلحة الإسرائيلية.
الوثيقة السابعة: طلب رئيس الوزراء الإيراني من وزارة الدفاع وضع تقرير حول شراء أسلحة إسرائيلية.
الوثيقة الثامنة: يشرح فيها العقيد أيماني بأن السلاح سيجري نقله من إسرائيل إلى نوتردام ثم إلى بندر عباس حيث سيصل في بداية أبريل 1982م.
الوثيقة التاسعة: صورة لتأشيرة الدخول الإسرائيلية التي دمغت على جواز سفر صادق طبطبائي قريب آية الله الخميني، الذي قام بزيارة لإسرائيل للاجتماع مع كبار المسؤولين الإسرائيليين ونقل رسائل لهم من القادة الإيرانيين.
الوثيقة العاشرة: رسالة وجهها رئيس الوزراء الإيراني في ذلك الوقت حسين موسوي في يوليو 1983م يحث فيها جميع الدوائر الحكومية الإيرانية لبذل اقصى جهودها للحصول على أسلحة أمريكية من أي مكان في العالم، ويضيف أنه على جميع الوزارات والمسؤولين أن يضعوا شهريا كشفا بهذه المحاولات.
الوثيقة الحادي عشرة: تلكس تفصيلي لأرقام الطائرات التي تهبط في مطار فرانكفورت في الجزء ب 5 وقرب البوابة 42 و20 وهنا تبدأ عمليات نقل صناديق الأسلحة مباشرة إلى طائرة إيرانية تنتظر في نفس المكان.
الوثيقة الثانية عشرة: أمر سري من نائب القيادة اللوجستية في الجمهورية الإيرانية يطلب إزالة الإشارات الإسرائيلية عن كل الأسلحة الواردة.
الوثيقة الثالثة عشرة: طلب صرف مليار و781 مليون ريال إيراني لشراء معدات عسكرية إسرائيلية عبر بريطانيا (22).
وشهد شاهد من أهلها.
في لقائه مع قناة الجزيرة أكد أبو الحسن بني صدر الرئيس الإيراني الأسبق، على تلك الصفقات التي أصبحت فضيحة مدوية، وقد سأله مقدم البرنامج قائلاً: تحدثنا عن موضوع الحرب الإيرانية العراقية ومررت إلى إسرائيل، هل كنت على علم بوجود علاقات معينة مع إسرائيل لأجل الحصول على السلاح؟
فأجابه قائلا:” في المجلس العسكري أعلمنا وزير الدفاع أننا بصدد شراء سلاح من إسرائيل، عجبنا كيف يفعل ذلك، قلت: من سمح لك بذلك، قال: الإمام الخميني، قلت هذا مستحيل! قال: أنا لا أجرؤ على عمل ذلك لوحدي. سارعت للقاء الخميني وسألته: هل سمحت بذلك؟ قال: نعم إن الإسلام يسمح بذلك، وإن الحرب هي الحرب، صعقت لذلك، صحيح أن الحرب هي الحرب، ولكنني أعتقد أن حربنا نظيفة، والجهاد هو أن نقنع الآخرين بوقف الحرب والتوق إلى السلام، نعم هذا الذي يجب عمله وليس الذهاب إلى إسرائيل وشراء السلاح منها لحرب العرب، لا لن أرضى بذلك أبداً، حينها قال لي: إنك ضد الحرب، وكان عليك أن تقودها لأنك في موقع الرئاسة.
س-السيد الرئيس السؤال فعلا محرج، كيف أن الخميني الذي قاد كل هذه الثورة الإسلامية، ووضع القدس واستعادتها وحماية فلسطين في أولوياته كيف يمكن أن يشتري السلاح من إسرائيل؟! حين نسمع منك هذا الكلام لا نستطيع أن نصدق شيئا مماثلاً.
ج- حتى اليوم وقبل ستة أشهر كان الإسرائيليون ألقوا القبض على بعض المواطنين المتورطين في بيع الأسلحة لإيران، لقد حاولت منع ذلك-شراء الأسلحة من إسرائيل-خلال وجودي في السلطة وبعدها كانت إيران-غيت، ما معنى إيران-غيت كان إنها فضيحة شراء الأسلحة الأمريكية عبر إسرائيل (23).
عندما تتصارع الأفاعي نهارا وتتزاوج ليلاً
في مقالة له نشر في 6/10/2013، في ثلاث صحف ألمانية، كشف النائب الألماني السابق د. يورغن تودنهوفر، عن مشروع تقاسم نفوذ بين الولايات المتحدة وإيران، كان النائب نفسه وسيطًا بين الجانبين، لتقديم العرض إلى الإدارة الأمريكية في 26/4/2010.
موضحًا بأن ورقة المشروع الإيراني نصت على أن: إيران تريد السلام مع الولايات المتحدة، وأنها طلبت أن تكون المفاوضات مع الأمريكيين ندِّية، وعلى أعلى مستوى، وبعيدة عن الصخب الإعلامي الأمريكي، وأن يكون وزير العدل الألماني، ولفغانغ شويبيليه، وسيطًا لترتيب هذه المفاوضات.
أما جوهر المشروع، فينص على:
– تقديم إيران ضمانات موثقة وحقيقية تتعهد فيها بعدم صنع القنبلة النووية، من بين تلك الضمانات التزام الحكومة الإيرانية بعدم تخصيب اليورانيوم لأكثر من نسبة 20% المخصصة للأغراض الطبية.
– الاستعداد للوصول إلى اتفاق مُرضٍ مع أمريكا حول تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.
– استعداد إيران للمساهمة البناءة في إيجاد الحلول للصراع في أفغانستان والعراق.
– الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة الإرهاب بأفكار وإجراءات ملموسة (24).
بعد استيلاء الحوثيون على العاصمة اليمنية – صنعاء والكثير من المحافظات اليمنية، نشرت مجلة «فورين بوليسي» تقريرًا يقول إنه بعد الدعم العسكري الأمريكي للقوات الإيرانية في العراق وسوريا؛ فإن: اليمن يمكن أن يكون ساحة المعركة القادمة، وأن الشراكة القلقة بين واشنطن وطهران تمتد الآن إلى اليمن، وختم التقرير بالقول: إن الولايات المتحدة مستعدة للسماح لإيران بتوسيع نفوذها في المنطقة، وهذا في جزء منه للمساعدة في تأمين صفقة نووية، رغم (الشراكة القلقة)؛ إلا أن الجيوش الإيرانية، الأمنية والعسكرية، منتشرة في العديد من الدول، وسط عشرات المليشيات الشيعية المدججة بالسلاح، وعشرات القنوات الفضائية، وتصريحات إيرانية لا تكل ولا تمل من الحديث عن التوسع، ومقترحات سياسية للتفاهم على المنطقة، الواحد تلو الآخر، وترحيب أمريكي وغربي وشرقي بدور إيراني يرفع عنها كاهل التدخلات، وبما يسمح للقوى الدولية الالتفات إلى مشاكلها الداخلية (25).
الهوامش:
- العلاقة بين الشيعة واليهود https://alhesn.net/play/11551.
- القمي، المقالات والفرق.
- النوبختي، فرق الشيعة.
- (إسرائيل) و(إيران).. وجهان لعملة واحدة article2 ‹ www.albayan.co.uk
- صادق زيبا كلام، الثورة الإسلامية في إيران الأسباب والمقدمات، ترجمة هويدا عزت محمد، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2004م، ص100.
- الغريب، محمد عبد الله، وجاء دور المجوس.. الأبعاد التاريخية والعقائدية للثورة الإيرانية، ط1، مكتبة الرضوان، مصر، 2005م، ص265.
- الحياني، جاسم إبراهيم، التغلغل الإسرائيلي في إيران وأثره على الأمن الوطني العراقي 1950-1967، دار الأوائل، دمشق، 2006، ص210.
- مهابة، أحمد، إيران بين التاج والعمامة، دار الحرية، القاهرة، 1989م، ص484.
- أرشيف دولة إسرائيل، العلاقات الإسرائيلية ـ الإيرانية 1960 – 1979، تقارير البعثة الدبلوماسية في طهران عن نشاطات الخميني وصعوده إلى السلطة، من لوبراني إلى مدير مكتب رئيس الوزراء، طهران، 13 يونيو 1978م. نقلا من المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية. https://afaip.com/%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81–
- دياب نبهان، نظرة في العلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية، دائرة الشؤون الثقافية والنشر، العراق، 1983، ص16.
- الحياني، جاسم إبراهيم، مرجع سابق، ص212.
- مهابة، أحمد، مرجع سابق، ص484.
- منسي سلامة، وحافظ عبد الاله، التعاون التسليحي الإيراني الإسرائيلي، وزارة الثقافة والإعلام العراقية، العراق، 2017، ص15.
- إدريس، محمد السعيد، تطوير العلاقات المصرية ـ الإيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 2002، ص228.
- الحياني، جاسم إبراهيم، مرجع سابق، ص211.
- بهلول، نسيم، في العمق الإسرائيلي للقوة الإيرانية سراب القوة، ابن النديم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2014، ص69.
- عبد العزيز الدوري وآخرون: الوحدة العربية تجاربها وتوقعاتها، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1989م، ص694.
- العلاقات السرية بين إيران وإسرائيل، https://shaam.org/news/international-news
- لتريتا بارزي، حلف المصالح المشتركة (التعاملات السرية بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية) ترجمة: أمين الأيوبي، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008م.
- نفس المرجع.
- https://www.marefa.org/w/index.php?title
22. علي باكير، المساومات الإيرانية – الأميركية… إيران غيت ثانية أم حرب خليج رابعة) 6/7/8-3-2007 يمكن الرجوع إليها لمزيد من التفاصيل على الرابط التالي:
الجزء الأول: http://alibakeer.maktoobblog.com/?post=235068
الجزء الثاني: http://alibakeer.maktoobblog.com/?post=237089
الجزء الثالث: http://alibakeer.maktoobblog.com/?post=239430
24. التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية. https://shaam.org/news/international-news
25. نفس المصدر.