آثار

حرب 1200 سنة بين اليمنيين وبين العنصريين السلاليين (ج2)

الأكاذيب المؤسسة للعنصرية الهادوية الزيدية في اليمن

مثل أي جماعة عنصرية استعلائية ذات مشروع للهيمنة؛ تعض السلالة العنصرية الهادوية الزيدية في اليمن بنواجذ الحقد والفجور على مجموعة من الأكاذيب لتسويق مشروعها العنصري وغسل أدمغة الأتباع بها، وهي في ذلك لا تختلف عن عقيدة العنصريين البيض في مجتمعات التفرقة العنصرية (أمريكا وجنوب أفريقيا سابقا) أو عقيدة النازيين الألمان وزعيمهم المجنون أدولف هتلر، أو عقيدة العنصريين اليهود الصهاينة في فلسطين المحتلة فكل هذه العنصريات استندت في ممارساتها الإجرامية لتمكين سلطتها إلى مجموعة من الأكاذيب (أو الأساطير) عن المظلوميات التاريخية والدينية والاجتماعية والسياسية التي لحقت بها، أو عن  دور حضاري مزعوم في إنقاذ الشعوب الضالة المتخلفة وإعادتها إلى حظيرة الإيمان والتقدم، أو عن الحقوق الشاذة التي تفترضها حقوقا طبيعية لها دونا عن الآخرين من السكان الأصليين للبلدان المستعمَرة.

المفارقة الشاذة أن هذه الجماعات العنصرية الإجرامية بررت ممارساتها الظالمة ضد ضحاياها باستلاب حقوق طبيعية لها أو بتعرضها لمظلوميات ولكن من قبل جماعات أخرى ليس لها علاقة البتة بضحاياها المظلومين… فالعنصريون الصهاينة اليهود في فلسطين يستندون في جرائمهم الوحشية ضد الفلسطينيين إلى مظلومية واضطهاد نزل بهم في ألمانيا النازية وروسيا القيصرية وبلدان أوربية أخرى، ومن نافلة القول إن الفلسطينيين أبرياء من تلك الجريمة النازية ولا يد لهم فيها.

والعنصريون النازيون الألمان بدورهم اضطهدوا جماعات بشرية ودينية وسياسية (مثال اليهود والكاثوليك واليساريين والغجر وحتى المعاقين) استنادا إلى مظالم نزلت بهم بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى من قبل المنتصرين الأوربيين والأمريكيين الذين فرضوا عقوبات سياسية واقتصادية قاسية جدا ضد ألمانيا مزقتها وأرهقتها وحولتها إلى دولة مفلسة فاشلة مطعونة في سيادتها وكرامتها الوطنية، وهو الجرح الوطني المؤلم التي استندت إليه النازية لإطلاق موجة عنصرية مجنونة لكن بالتأكيد لم يكن لعموم من اضطهدهم النازيون يد في ذلك.

والعنصريون الأوربيون الذين وصلوا إلى مناطق الأمريكيتين الشمالية والجنوبية والجزء الجنوبي من أفريقيا وأستراليا هروبا من الاضطهاد الديني في أوربا، أو بحثا عن حياة جديدة، استوطنوا تلك المناطق وانتزعوها من سكانها الأصليين بالقوة والقهر والقتل والتصفية الدموية بحجة أنهم أولى بها وأنها أرض بلا شعب فاضطهدوا شعوبا لا ذنب لها في معاناة البرابرة القادمين من أوربا.

وفي ميزان الواقع فإنه لا علاقة سببية حتمية لتلك المظلوميات التاريخية والدينية والاجتماعية والسياسية المزعومة أو الصحيحة بممارسات العنصريين السلاليين أو القوميين أو الدينيين فضلا أن تبررها، ولا تفسير لكل ذلك الكم الهائل المخيف من الممارسات الإجرامية (قديما وراهنا) في حق المضطهَدين الضحايا إلا أنها عقيدة العنصرية الاستعلائية الإبليسية التي تلبست تلك المجموعات العنصرية من وحي عقيدة إبليس الرجيم (أنا خير منه) فهي مجرد أعراض لذلك المرض الإبليسي المتأصل في النفوس المريضة بالعنصرية، ومجرد أكاذيب تخفي بها العنصريات داءها الإبليسي وأهدافها الحقيقية في الهيمنة وإخضاع الآخرين لسيادتها.

ولعل ما يقوي التقرير المذكور عن دور عقيدة (أنا خير منه) الإبليسية في الممارسات العنصرية الإجرامية أن المظلوميات في تاريخ البشرية لا تكاد تسلم منها جماعة بشرية في أي مكان وزمان لكن في المقابل فليس كل مظلومية تتحول إلى مشروع عنصري إجرامي يفتك بالبشر وآدميتهم ويستلب إنسانيتهم ويحولهم إلى مجرد أرقام في محارق القتل والأطماع، فصفحات التاريخ الإنساني تزخر بجماعات إنسانية لا تعد ولا تحصى  تعرضت لمظلوميات تاريخية ودينية وسياسية من جماعات أخرى لكن عندما زالت مظاهر ذلك الاضطهاد (ولو بصورة غير كاملة أو حاسمة) عن المضطهدَين واستعادوا حقوقهم الإنسانية الطبيعية لم ينقلبوا على مضطهِديهم السابقين ولا على غيرهم عتوا وتجبرا وظلما واضطهادا انتقاما لما حصل لهم.. رغم أن ما حصل لهم كانت مظالم شاب لها الزمان والمكان وخجل منها تاريخ البشرية بعد أن سودت صحائفه بكل ما يخطر وما لا يخطر في البال من ممارسات الإجرام والعنف والحقد الأسود في حق أبرياء ليس لهم ذنب إلا أنهم كانوا يعيشون بجوار عنصريين ومعهم في أرض واحد وتحت سماء واحدة وضمن مواطنة واحدة، (وفي أحيان عديدة كان العنصريون هم الذين يذهبون إلى بلاد المضطهَدين أو يجلبونهم إلى بلادهم عبيدا مسخرين لرفاهية العنصريين)، وإلا أنهم اختلفوا مع أولئك العنصريين في العرق أو الدين أو الانتماء الاجتماعي أو القومي.

يمكن أن نلاحظ من شواهد الماضي والحاضر كيف تسامت جماعات من المضطهَدين عن المظالم والجرائم التي نزلت بها بسبب العنصريين السلاليين، وفتحت صفحات جديدة لتعيش الشعوب متجاوزة الماضي الأليم ويتصالح الجميع لبناء مستقبل جديد لشعوبهم (جنوب أفريقيا أبرز الأمثلة).. والتفسير الأرجح في رأينا لتلك الظاهرة أن هؤلاء الذين تساموا عن الانتقام من قاتليهم ومضطهِديهم لم يكونوا مسكونين بداء العنصرية الإبليسية المقيتة، ولم يجعلوا مما حل بهم من مظالم أسبابا للانتقام من الآخرين أبرياء أو غير أبرياء ومعاملتهم بنفس أساليب القهر والإجرام.

ولليمن حظها من العنصريين:

وفي بلاد اليمن كانت دعوات العنصريين العلويين (الذين حلوا كالطاعون فيه بدءا من إبراهيم الجزار إلى الحوثيين) في أحقيتهم في الحكم والسيادة والثروة تستند إلى مبررات ومظالم شبيهة بدعوات النازيين السياسية ودعوات الصهاينة الدينية ودعوات الاستعماريين الأوربيين فبدعوى تعرضهم لمظالم  حرمانهم من حقهم الإلهي في السلطة في صدر الإسلام ثم من قبل الأمويين والعباسيين (أبناء عمومتهم)، وبدعوى تميزهم السلالي العرقي واصطفائهم لدور ديني، فرضوا حكمهم العنصري ومذهبهم الإبليسي وجعلوا اليمنيين يدفعون ثمن تلك المظالم المزعومة طيلة 1200 سنة دمارا ودماء وتخلفا وفرقة وحروبا لا تنتهي إلا لتبدأ بينهم وبين واليمنيين وأحيانا بين بعضهم البعض صراعا على السلطة والثروة والجاه والنفوذ.

سوف نستعرض هنا بعون الله أبرز هذه الأكاذيب المذهبية والتاريخية السياسية، وكما وردت في كتبهم ووثائقهم، التي استند إليها عنصريو المذهبية الهادوية الزيدية قديما وحاضرا وأسسوا لها في إنزال كل هذا البلاء الكبير باليمن واليمنيين، وسيكون الحديث عن تلك الأكاذيب على قسمين الأول أكاذيب دينية مذهبية استخدموها لخداع الأتباع البسطاء وغسل أدمغتهم وتحويلهم إلى أدوات قتل ونهب باسم السلالة، والقسم الثاني سيتناول الأكاذيب التاريخية والسياسية التي استخدموها لخداع الرأي العام في الداخل والخارج لتمرير مشروعهم وتغليفه بمبررات عن اضطهادهم واستبعادهم وتهميشهم سياسيا.

أولا/ الأكاذيب الدينية المذهبية المؤسسة العنصرية الهادوية الزيدية

اتكأت النسخة الجديدة من المشروع العنصري الهادوي الزيدي على أكاذيب المؤسسين الأوائل لمذهبيتهم العنصرية بالإضافة إلى أكاذيب مستجدة، وهي تتوافق مع غيرها من النسخ الشيعية في عموم العالم الإسلامي مع بعض اختلافات ابتكرها المؤسسون الهادوية لتناسب كونهم من سلالة الحسن بن علي وليس الحسين بن علي الذي حصرت أبرز فرق الشيعة الأخرى الإمامة في ذريته، ومنها مثل الإسماعيلية من يغالون في حرمان الحسن من صفة الإمام الأصل ويعدونه (لتقدمه في السن) مجرد مستودع للإمامة إلى أن تصل إلى الحسين الإمام الأصل بعد أبيهما بعد وفاة أخيه الأكبر.

والملاحظة الأولية الأكثر أهمية على هذه الآراء أنها مجرد أقاويل مذهبية وليست من أصول الإسلام المتفق عليها، ولا تستند إلى نصوص قرآنية قاطعة الدلالة، وهذه حجة عليهم طالما أن القوم يدندنون طويلا أنهم يستمدون دينهم من القرآن الكريم ولا يقبلون ما يعارض القرآن فها هم يبنون دينهم ومذهبهم على ما ليس موجودا في القرآن ويعارض نصوصا واضحة قاطعة الدلالة لإرضاء النزعة الإبليسية ليس إلا.

ومن نافلة القول إن الآراء المذهبية لمذهب ما ليست ملزمة لأتباع المذاهب الأخرى لا دينا ولا عقلا، ولا يجوز أن تفرض على الآخرين من المسلمين، بل إن الاختلافات المذهبية موجودة داخل المذهب الواحد وتتشعب اختلافات أتباع كل مذهب كثيرا، والمذهب الهادوي الزيدي في اليمن ربما هو أكثر المذاهب التي يوجد فيها اختلافات عقدية وفقهية إلى درجة مقرفة وفوضوية لا ترسم له صورة موحدة ولو في الحد الأنى، وحتى أنهم يقولون لمريديهم في مجال الفقه أن هناك مذهبا للإمام زيد بن علي، ومذهبا للإمام يحيى بن الحسين  صاحب ومؤسس لمذهب ثم هناك  ما يوصف بأنه المذهب ذاته الذي يختلف عن مذهبي زيد ويحيى الرسي!

وللتذكير فقط فقد ظل هؤلاء قبل سيطرتهم على السلطة في صنعاء سبتمبر 2014 يصرخون ضد مخالفيهم ومنتقديهم بضرورة احترام التعددية المذهبية وأن لا مجال للاختلافات المذهبية بين المسلمين ويجب الالتفاف حول الأصول التي اتفق عليها المسلمون، وأن أئمة المذاهب كلهم يغترفون من نبع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. كانت هذه مقولاتهم وتمويهاتهم إلى أن وصلوا إلى السلطة فظهروا على حقيقتهم حقدا على المذاهب الأخرى لمواطنيهم اليمنيين، واحتقارا لها وفرضا لآرائهم المذهبية بالقوة لا فرق بين آراء عقدية أو فقهية، ولولا حالة الحرب التي تعيشها اليمن لعاملوا أتباع المذاهب الأخرى على طريقة شبيههم هتلر في معاملته للمخالفين له.

سبق الإشارة إلى أن الأكاذيب الدينية المؤسسة للعنصرية الهادوية الزيدية في اليمن موجهة أساسا للداخل من الأتباع من أبناء القبائل المتشيعيين الذين أغرقوهم في الجهل بالدين الصحيح، وأحكموا الحصار المذهبي الفكري حول عقولهم باحتكارهم العلم وصيرورتهم المصدر الوحيد للتفقه لمعرفة الإسلام، والسيطرة على نفوسهم بإخضاعها لتراتبية فضل العلويين عليهم وعلى سائر البشر شرفا ونسبا وأرومة وخلقا وتدينا.

وهذه أبرز أكاذيبهم التي أسسوا بها لحقهم المطلق في السلطة والهيمنة على العقول والنفوس قديما وحديثا مصحوبة بملاحظاتنا عليها، وسنعتمد على ما جاء في الوثيقة الفكرية والثقافية التي اعتمدها الحوثيون وأتباعهم سنة 1433ه:

بن علي و الزيدية e1708871442299 حرب 1200 سنة بين اليمنيين وبين العنصريين السلاليين (ج2)

أ/ أكذوبة الاصطفاء الإلهي لهم:

– وهذه كبيرة الأكاذيب أن الله تعالى بوصفهم ذرية النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وعترته وآله فقد اصطفاهم إلى أن تقوم الساعة كما اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، وكما في الحديث على اختلاف رواياته  وتضعيف أجزاء منها ( إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)، وقد رتبوا على هذه النصوص أن الله تعالى اصطفى أهل بيت رسوله عليه الصلاة والسلام فجعلهم هداة للأمة وورثة الكتاب من بعد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وأن الله تعالى يهئ من العترة من يكون منارا لعباده وقادرا على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاته، وأن طريقتهم في إثبات وتعيين هذا المنارة هي طريقة أهل البيت.

وهذا النص الذي يلخص عقيدتهم في الاصطفاء ليس فيه أي سند واضح قاطع الدلالة من العلم القرآني ولا العلم النبوي ولا الواقع الذي عرفه تاريخ الإسلام طوال 1400 عاما.. فالقرآن الكريم لا يوجد فيه أي إشارة لا ظاهرة ولا باطنة إلى اصطفاء الله تعالى لآل بيت النبي الكريم ( أو علي بن أبي طالب تحديدا وذريته)، والسلبطة بآية اصطفاء آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين حجة عليهم وليس لهم فلو كان الله تعالى قد اصطفاهم لقيادة الأمة وهدايتها والقيام بأمرها ووراثة الكتاب ومنارا لعباده في الرسالة الخاتمة للعالمين لما ترك هذه القضية الأساسية دون ذكر واضح بل متكرر كما فعل مع من سبق، ولما ترك الأمة تعيش هذه المحنة بسبب الخلاف حول هذه المسألة دون آيات بينات واضحات عن اصطفائهم ودورهم بعد موت النبي الكريم وجدارتهم بقيادة الأمة دون غيرهم من المسلمين.

– من الثابت أن عامة الآيات التي يستندون لها مثل آية التطهير وآية المباهلة ليست قاطعة الدلالة ولا بالضرورة تختص بموضوع الاصطفاء ووراثة الدين وقيادة الأمة فآية التطهير جاءت صريحة في حق أمهات المؤمنين نساء النبي الكريم كما هو واضح في سياق الآيات، وآية المباهلة لا علاقة لها بالسلطة والحكم ولا قيادة الأمة وتولي شؤونها بوجود السيدة فاطمة بنت النبي الكريم بحكم أن الأنثى لا تصح ولايتها السياسية على الأمة في جميع المذاهب الإسلامية وفي مقدمتها المذاهب الشيعية. واختصاص أصحاب الكساء بأولئك الأربعة كان لأن طقوس المباهلة كانت أن تفرض وجود مثل هذه القرابات (الابنة والحفيدين وابن العم زوج الابنة من كفله النبي الكريم تحت رعايته)، وما كان ممكنا مثلا ضم زوجات النبي كلهنّ تحت الكساء فلا الكساء يتسع لذلك ولا يجوز وجود نساء النبي الكريم تحت الكساء بجوار عليّ وهو من غير محارمهنّ. وفي كل الأحوال فلو كان المقام مقام إعلان منح مكانة دينية خاصة لأهل الكساء فهو قاصر على الأربعة دون غيرهم من ذرية عليّ وأبناء أبنائه وأحفاده وكل من يزعم الانتساب إليه ويرتب على ذلك حقوقا مالية وسلطوية له وإلا لدخل في الأمر غيرهم من سائر أهل النبي الكريم ومن الصحابة المشهود لهم بالجنة والجهاد في سبيل الله وإقامة الدين والدفاع عنه.

– ولو افترض البعض أن الاصطفاء الذي ذكره القرآن بوضوح بحق آدم ونوح وآل إبراهيم وعمران يقتضي بالمماثلة اصطفاء مماثلا للنبي الكريم الخاتم عليه الصلاة والسلام فإن الآيات القرآنية التي تحدثت عن المؤمنين والمؤمنات حول النبي الكريم من بدء الرسالة إلى يوم وفاته وذكرت فضائلهم الإيمانية والعملية لا تنص حرفيا إلا على جماعة واحدة اصطفاها الله تعالى لنصرة الإسلام والقيام بأمر الأمة ألا وهم الصحابة رضوان عليهم ليس بسبب النسب ولا المصاهرة والانتماء القبلي الأسري ولكن بجملة الفضائل والمواقف الإيمانية والجهادية التي اتسموا بها، واستحقوا أن تنزل فيهم عديد آيات واضحة قاطعة أنهم هم النخبة البشرية التي اصطفاها الله تعالى لتكون مع نبيه ورسوله الخاتم في مسيرة الدعوة الإسلامية وتأسيس الدولة الإسلامية والدفاع عنها، وبهم من توفر فيهم من الصفات العظيمة من الإيمان والتضحية والبذل والجهاد والربانية وحب الله ورسوله وتجسيد مباديء الإسلام في حياتهم وسلوكهم آية على نجاح النبي الكريم في رسالته،وتكفي نماذج من الآيات القرآنية في فضل الصحابة الصفوة المختارة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام للتاكيد على هذا الحكم من مثل:

– [ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..] آل عمران 110

– [.. ولكن الله حبّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون  فضلا من الله ونعمة، والله عليم حكيم] الحجرات 7 -8

– [ .. لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى، والله بما تعملون خبير] الحديد 10

– [ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون  والذين تبوأوا الدار والإيمان قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون] الحشر 9.

– [ لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ذلك الفوز العظيم] التوبة 88 -89 التوبة

وتكتمل صورة الصفوة المختارة مع رسول الله صلى الله وعليه وسلم بآية سورة الفتح العظيمة فهي حقا آية الاصطفاء الحقيقية لأنها أوضحت صفات هذه الصفوة المختارة على أسس الإيمان بالله ورسوله ونصرتهما والجهاد في سبيل الله لإقامة الدين إذ يقول الله تعالى في نهاية السورة:

[ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركّعا سجّدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستوى على سوقه يعجب الزّرّاع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما] الآية 29 الفتح.

أليست هذه الصفات العظيمة لهذه الثلة من الصحابة الكرام هي التجسيد الرباني لمعنى الاصطفاء الحقيقي؟ ألم تتحقق فيهم صفات الإيمان بالله ورسوله ونصرتهما وإقامة الدين ونشره في الآفاق، والقيام بأمر الأمة وتجسيد مباديء الإسلام الدين والدولة فكانوا هداة للأمة وورثة الكتاب ومنارا للعياد هم والذين جاءوا من بعدهم من التابعين وتابعي التابعين والصالحين من العلماء والقادة؟

– وأما حديث اصطفاء النبي الكريم من بني هاشم واصطفاء بني هاشم من قريش فلا يترتب عليه أي استحقاق إيماني أو تميز أخلاقي لا لقريش ولا لبني هاشم فقريش القبيلة ما كانت سندا للإسلام والدعوة بل عدوته والمحرضة على إطفاء نور الله ونور الإسلام، وبنو هاشم لم يكونوا درعا لا للنبي الكريم ولا للدعوة الإسلامية إلا عدد لا يزيد عن أصابع اليدين وربما اليد الواحدة لو استثنينا النساء فمعظمهم لم يعتنق الإسلام إلا مع قبيلته بعد انتصار الإسلام ودخلوا ضمن جماعة الطلقاء، وكان أبو لهب القرشي الهاشمي عم النبي الكريم وزوجه هو رأس الحرب والحقد والتكذيب والإيذاء لرسول الله والمؤمنين، وحتى أبوطالب عم النبي الكريم رغم حمايته لابن أخيه إلا أنه رفض اعتناق الإسلام وفعل ما فعل من حماية النبي غيرة على ابن أخيه وحبا شخصيا له.

والذين يروجون هذا الحديث استنادا لأكذوبة اصطفائهم يتجاهلون أن الكلام توقف عند اصطفاء النبي من بين هاشم، ولو كان أمر اصطفائهم دينا لأكمل النبي الكريم الكلام وأعلن دون مواربة أن الله تعالى اصطفى علي بن أبي طالب وذريته من فاطمة منه ليكونوا هداة وقادة للأمة وورثة الكتاب والقائمين بأمر الأمة والنهوض بها أسوة بما علّمه الرسول ووضّحه وبيّنه للمسلمين في أمور أقل شأنا بكثير  كأمور النظافة الشخصية والعامة وحتى أمور المعاشرة الزوجية أو كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن سلمان الفارسي رضي الله عنه:

[ قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة قال: فقال: أجل نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين ، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع، أو بعظم].

– وقائع التاريخ الإسلامي تنفي أن دعاة اصطفائهم لوراثة النبي الكريم في قيادة الأمة كان لهم الدور الحاسم في قيادة الأمة ووراثة الكتاب والنهوض بها في كل المجالات فقد تأسست الدولة الإسلامية وتوسعت وامتدت ودخلت الشعوب شرقا وغربا في الإسلام، وقامت حضارة الإسلام العالمية بكل إنجازاتها الإنسانية والعلمية والفكرية على أيدي عموم الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن جاء بعدهم من المسلمين ممن كان لهم الإسهام الكبير والحاسم في ذلك، وإسهام من ينتسب لبني هاشم من العلويين خاصة كان من ضمن ذلك الإسهام الكبير.

ولو تأملنا في تاريخ دعاة فكرة حصر القيادة ووراثة الكتاب في ذرية علي وأبنائه فسنجد في تاريخ دولهم ودعواتهم كما هائلا من الدماء الفوضى فرضتها صراعاتهم على السلطة والشذوذ الفكري والديني الذي اتسمت به بعض جماعاتهم مثل القرامطة والنصيريين وفرق الشيعة الكثيرة، وما تاريخ الدولة الهادوية الزيدية في اليمن إلا سلسلة لا تنتهي من الحروب والدماء والتخلف والفقر والجهل والارتداد الحضاري الذي أنزلته باليمن واليمنيين.. فأين إذن هو دورهم القيادي للأمة ووراثة الكتاب والنهوض بها في كل المجالات في تاريخ هذه الدولة التي هي ربما من أطول الدول في تاريخ البشرية حياة لها وموتا لليمنيين؟

– وراثة الكتاب من الأقاويل التي يكذبها الواقع التي قد يفهم منها فقط أن القوم يقصدون به آية الخمس ودفع الزكاة والصدقات إلى خزائنهم، وإلا ما هي علاقتهم بوراثة الكتاب ومعظم انتاجهم العلمي يدور حول فضائل علي وذريته واستحقاقهم للإمامة وترجيع عقيدة المعتزلة في الصفات والعدل والوعد والوعيد فلا يكاد يوجد لديهم كعامة الشيعة إلا انتاج علمي قليل في مجال تفسير القرآن، وسقطت دولتهم في 1962 وليس فيها إلا عدد محدود من المقرئين ممن يجيد حفظ القرآن وتلاوته حق التلاوة، وها هم في حكمهم الراهن في اليمن فهل رأينا لهم اهتماما كبيرا بالقرآن ونشره وتحفيظه وإحياء المساجد بالصلوات وقراءة القرآن أم بمضغ القات وجلسات الاستماع لدروس قائد المسيرة القرآنية؟ هل ورثة الكتاب هم من يفجرون المساجد ودور القرآن الكريم؟ من الذي منع إذاعة صلوات التراويح والقيام في رمضان عبر مكبرات الصوت بينما تذاع ( كما يقول القادمون من تلك المناطق) خطب زعيمهم بأعلى الأصوات ومن داخل المساجد وفي الأسواق وفي الحارات؟

– بقيت إشارة وردت في الوثيقة أن تعيين المنارة أو من يتولى قيادة الأمة منهم يتم وفق طريقة أهل البيت.. وواضح أنها صيغة سياسية تجنبت ذكر طريقة الهادوية الزيدية المعروفة وهي الخروج شاهرا بالسيف داعيا لنفسه بالإمامة لأن مذاهب أهل البيت لا تعد ولا تحصى فلكل واحد منها أئمته وطريقة تعيينهم وكل مذهب يعد مخالفيه كفارا. وأيضا ففي الظروف الراهنة لا يمكن إغضاب الكفيل الإيراني الاثني عشري الذي يوجب مذهبه أن المنارة والإمام هم الاثنا عشر إماما المنصوص عليهم في المذهب وليس منهم أبدا لا زيد بن علي ولا أبنائه ولا يحيى بن الحسين ولا أحد من أئمتهم الكثيرين فكلهم في ميزان الاثني عشرية كذابون مدعون للإمامة الباطلة وينطبق عليهم حكم الرافض لحكم الله بحكم أنههم وفق مذهبهم يؤمنون أن النص على 12 إماما تم بأمر إلهي ووصية من الرسول الكريم،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى