أشتات

خطة ترامب وفرض السلام المخزي

إملاءات الاستسلام ليست طريقاً للحل

إن هذه الخطة ليست خطة سلام بأي معيار، بل هي وثيقة استسلام مفروضة. لقد فُرِضت شروطها بإملاءات أحادية من الجهة المعتدية، دون أيّ مشاركة أو شراكة من أصحاب القضية أو الضحايا.
إنها تمثل تعبيراً عن غطرسة واستكبار، وتستغل حالة الانقسام والضعف في الصف العربي والإسلامي، رغم الإمكانات الهائلة الكامنة في وحدتهم.

تصفية القضية واستدامة الاحتلال:

تهدف الخطة بشكل أساسي إلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها وحماية الاحتلال الإسرائيلي عبر تجريد الفلسطينيين من أي قوة رادعة.
وهي أسوأ من اتفاقية أوسلو، حيث تم تحييد أصحاب القضية كلّهم عن قول كلمتهم فيها، كما أنها لا تقدم أي أفق تفاوضي حقيقي، وتجرد أهلها من كل أوراقهم، وترجئ مجرد الحوار حول إقامة الدولة الفلسطينية، وليس إقامتها ذاتها، إلى أجل غير مسمى يرتبط بشروط مائعة وإصلاحات غير محددة المدى داخل السلطة الفلسطينية، وكل ذلك يظل رهناً للفيتو الإسرائيلي.
تُظهر الشروط تفاوتاً صارخاً يخدم الاحتلال: التزام زمني وحيد بفك الأسرى خلال ٤٨ ساعة وتدمير سلاح المقاومة فوراً، في حين تُترك باقي القضايا الحيوية للمستقبل، تحت مظلة شروط فضفاضة.

الفخ الاستراتيجي والوصاية الأجنبية:

إن الخطة تمثل فخاً استراتيجياً محكماً يفرض وصاية أجنبية واستعماراً نافذاً، واحتلالاً مقنعاً عبر تمركز الجيش الإسرائيلي في محيط قطاع غزة، وهو ما يتناقض صراحة مع أيّ تعهد بعدم احتلال القطاع.
تُنشئ الخطة “مجلس سلام” لتوظيف تكنوقراط منفصلين عن الخيارات الوطنية والشعبية، وتحويلهم إلى مجرد موظفين إداريين، مع تأجيل مصير الدولة الفلسطينية وتجميد القضية وتحويلها إلى سراب دبلوماسي، إذ يربطها بشروط عائمة تخضع بشكل دائم لحق النقض الإسرائيلي.

استغلال الكارثة الإنسانية:

تستغل الخطة الكارثة الإنسانية التي صنعها الاحتلال لفرض “سلام اقتصادي” يمثل ثمناً للخنوع والاستسلام، وتحويل سكان غزة إلى عمال وموظفين يخدمون الاستثمارات الأجنبية التي يديرها “مجلس السلام”، في حين يتم تصفية أيّ شكل من أشكال المقاومة، بما في ذلك التحكم في المناهج التعليمية التي ترتبط بثقافة الشعب ودينه.
بالإضافة إلى ذلك، تُحوَّل القوة الدولية المقترحة إلى مجرد وكيل أمني لإسرائيل، مهمته حماية الاحتلال ضد أي محاولة اعتراض من السكان الأصليين، بدلاً من حماية السكان من إجرام الاحتلال المتوقع في أي لحظة.

دعوة للوحدة ورفض الإملاء:

إن هذه الخطة، لو تمت الموافقة عليها، ستكون إحدى أكبر خدع القرن الحادي والعشرين وكارثة استراتيجية على الشعب الفلسطيني والمنطقة.
إن كان ما يخشى من رفض الخطة على ما هي عليه هو زيادة القتل والتجويع، فمن يضمن أن تتوقف إسرائيل عن القتل والتجويع بعد إخراج المقاومة من المعادلة؟ وهل عهدنا من إسرائيل وحكومة نتنياهو التزاماً بأيّ اتفاق أو عهد في هذه الحرب خاصة أو غيرها؟
الكرة الآن ليست في ملعب المقاومة وحدها، بل في ملعب الفلسطينيين كلّهم، والأمة العربية والإسلامية.
تأتي هذه الخطة في وقت تعاني فيه إسرائيل من أضعف حالاتها على صعيد العزلة الدولية ونبذ معظم دول العالم لها، والخطة تعيد إنتاج صورتها وتجميل ووجهها وتقديم مبرر للاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني إذا رفضتها المقاومة، لذلك فإن الواجب يحتم على الأمة بجميع مكوناتها ألا تحشر المقاومة وحدها في هذا المأزق، وأن ترفع الفيتو الجماعي ضد الخطة بصورتها الحالية، والعمل على تعديلها بما يحافظ على القضية الفلسطينية كخيار استراتيجي، وعلى أوراق القوة الفلسطينية وعلى رأسها خيار المقاومة، بل وتطويرها لتكون رادعاً تجاه كلّ محاولات النكث بالمواثيق والعهود الذي عهدناه من الصهاينة ومن يدعمهم، وخاصة أن هذه الخطة مُعدَّلة جوهريًا عن الصيغة التي اتفق عليها ترامب مع بعض الدول العربية؛ فهو لم يحترم تعهده لأيام، فكيف سيحترم تعهداته أو ضماناته لسنين مقبلة؟
قال الشاعر:

إِذا غَدَرَت حَسناءُ وَفَّت بِعَهْدِها

فَمِن عَهْدِها أَن لا يَدومَ لَها عَهْدُ

وعلى لسان المثل: “يعدك بالذهب ويعطيك التراب” — أي يمنّيك بالربح لكنه يُقدّم لك الخسارة.
أن تملي شروطك على المفاوض ثم تطلب منه قبولها دون نقاش! هذا لا يعد اتفاق سلام وإنما إعلان استسلام! وهو لا يكون إلا حين يوجد انتصار مطلق وانهزام كامل من الطرف المقابل!
فهل انهزمت المقاومة، وهل انهزم الشعب الفلسطيني واستسلم حتى يفرض عليهم مثل هذه الشروط الظالمة، إما أن تنتحر أو أن أبيدك؟!
إن مفاد هذه الخطة هو: إما أن تنتحر وتدمر نفسك، وإما أن تدعني أذبحك، الأولى تحدث بدون أن يصيب العدو أيّ تكلفة، والثانية لا تحدث إلا بتكلفة عظيمة يتكبدها العدو إن حدثت ولم يرتدع!
 إن توحيد الصف واستثمار الرفض الدولي للوصاية الغربية الاستعمارية هو المسار الأمثل حالياً لتحويل هذا التحدي إلى فرصة تنهي الظلم وتضمن الحق الفلسطيني كاملاً، خاصة أن هذه الخطة لا تستند إلى أيّ قانون دولي، وتخالف قرارات الأمم المتحدة التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في أرضه وحق مقاومة المحتل.

مقترحات بديلة تستند إلى القانون الدولي:

استناداً إلى القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة المعترف بها من الدول، يجب إدخال تعديلات جوهرية على الخطة لضمان التوازن والعدالة:
أولا: ” إلغاء “مجلس السلام” (ترامب – بلير)، لأنه يمثل فرض وصاية أجنبية على السيادة ويتناقض مع مبدأ حق تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، وبدلا عنه يقترح تشكيل هيئة إعمار فلسطينية يمكن أن تكون تحت إشراف هيئة تنسيق عربية.
ثانيا: الشرعية الوطنية والإدارة الفلسطينية:
تمكين الفلسطينيين من إدارة غزة، مع ضمان إجراء انتخابات شفافة لاحقاً، استناداً إلى مبدأ الشرعية الوطنية.
ثالثا: ربط السلاح بالسيادة:
يجب أن يرتبط ترتيب وضع السلاح بإقامة الدولة الفلسطينية والانسحاب الكامل من الضفة الغربية والقدس، استناداً إلى القانون الدولي الإنساني الذي يكفل حق المقاومة للاحتلال.
رابعًا الانسحاب ونشر القوة الدولية:
انسحاب إسرائيلي كامل من غزة والمناطق العازلة (صفر تواجد). ونشر قوة حماية دولية (ISF) تابعة للأمم المتحدة تكون مهمتها منع أي عدوان إسرائيلي، وليس قمع خيارات الشعب الفلسطيني، شريطة موافقة الفلسطينيين على وجودها. وهذا يستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 242 (عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة).
خامساً تحديد إطار زمني ملزم للدولة:
تحديد جدول زمني ملزم لا يتجاوز عامين للاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية وعاصمتها القدس، استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة (حق فلسطين في العضوية الكاملة).
سادساً إعمار وتنمية غير مشروطة:
إعمار غزة غير المشروط وربط التمويل ببرامج التنمية الوطنية الفلسطينية المستدامة لرفع القيود الاقتصادية، وذلك تفادياً للتبعية الاقتصادية وفصل غزة عن الاقتصاد الوطني الذي تقترحه الخطة. هذا ما تقره مبادئ التنمية المستدامة والسيادة الاقتصادية.
ولضمان التطبيق، يجب أن تكون الأمم المتحدة (وليس الولايات المتحدة الأمريكية) هي الضامن الرئيسي للاتفاق، ويجب إنشاء لجنة مراقبة دولية ذات سلطة عقابية لضمان التزام إسرائيل بالانسحاب وتفكيك الاستيطان.
وختامًا: إن هذه الجولة من المفاوضات هي جولة هدنة تتبعها جولات حتى يعود الحقّ إلى أهله ويوضع في نصابه، مع الأخذ في الاعتبار أن القضايا المصيرية التي تضمنتها الخطة لا يخول حماس وحدها البت فيها بل تحتاج إلى إجماع فلسطيني، والطريق المحقّ والطويل يتطلب توحيد الصف واستثمار الدعم الدولي لرفض الوصاية والاحتلال.

تعليق واحد

  1. بارك الله فيكم وشكر الله سعيكم ونسأل الله أن يبارك فيما قلتم ويراه الناس ويجلوه، مقالة تستحق القراءة ..

    قال الله تعالى: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَادِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَاهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلٗا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ﴾ [يونس: 24]

    فالله سبحانه يشبّه الحياة الدنيا بالزرع، حين يكتمل جماله ويُعجب أصحابه ويظنّون أنّهم يملكون أمره، يأتي قضاء الله فجأة بالهلاك، فيصبح كأن لم يكن. وفي هذا تذكير بفناء الدنيا وسرعة زوال زينتها مهما اغترّ الناس بها فإذا كان هذا حال أخذ الله للأرض كلّها فمن يكون ترامب تحت عرش الله إلا إنسان من بين ٨.٢٣ نسمة يسعى ما يسعى ليبلغ مبلغاً يقهر فيه عباد الله ليرديهم عن دينهم فله أكبر جمعية يجمع فيها كل سنة مبالغ طائلة تحت عنوان بالحرف الواحد(( من أجل إبادة أتباع محمد وفئة من فئات النصارى )) وماهو ببالغ مآربه إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وماهو ببالغ وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى