آثار

 مصادر تاريخ أعلام اليمن بين الوفرة والضَّياع

قراءة في مصادر تاريخ القُرَّاء

بينما كنتُ منهمكًا في دراسة وتحقيق كتاب تحفة الأحباب شرح هداية المرتاب وغاية الحفَّاظ والطُّلَّاب في متشابه الكتاب للعلَّامة المقرئ محمد بن أحمد زايد الصَّنعاني (ت: 1339هـ)(1)، ضمن بحث أكاديمي في الدِّراسات القرآنيَّة، تفاجأت جدًا عند كتابة قسم الدِّراسة والتَّرجمة للشَّارح، ومشايخه، وتلاميذه، وأبناء عصره ممَّن لهم ارتباط وثيق به؛ فعلى الرَّغم من وفرة المصادر التَّاريخيَّة اليمنيَّة في القرن الرَّابع عشر الهجري-عصر الدِّراسة المشار إليها-، إلَّا أنَّ كثيرًا من المعلومات والتَّراجم المهمَّة المتعلِّقة بموضوع دراستي بقيت شاغرة، وبذلت جهدًا ووقتًا كبيرًا لسد الكثير منها، واستطعت ذلك-بحمد الله-عندما قرَّرت التَّفكير خارج الصُّندوق، وعدم الاكتفاء بالرُّجوع إلى المصادر التَّاريخيَّة التَّقليديَّة المتمثِّلة في الكتب والمؤلفات المطبوعة، وما توفرَّ من المخطوط؛ ولأجل ذلك كله فقد ظهرت عندي بعض التَّساؤلات التي أحببت أن أشارك إخواني القُرَّاء في البحث، والإجابة عنها في هذا المقال؛ لتكون دليلًا مرشدًا لمن أراد الكتابة والبحث في تاريخ اليمن عمومًا، وتاريخ قُرَّاء اليمن على وجه الخصوص، وتمثَّلت تلك التَّساؤلات في الآتي:
السُؤال الأول: ما صحَّة المقالة الشَّائعة بأنَّ التَّاريخ اليمني وأخبار أعلامه من مجاهل المعرفة الإنسانيَّة قديمًا وحديثًا؛ لعدم نهوض أبناء الأمَّة اليمانيَّة لتدوين تاريخ أعلامها(2)، ورصد تواريخ أحداثها؟
السُّؤال الثَّاني: ما هي النِّسبة المئويَّة التَّقريبيَّة لوفرة مصادر تاريخ اليمن، وأخبار أعلامه، مقارنة بضياعها في مجاهل التَّاريخ؟
السُّؤال الثَّالث: ما هي مصادر تاريخ قُرَّاء اليمن على وجه الخصوص، وتقييمها العلمي في الدِّراسات التَّاريخيَّة والقرآنيَّة المعاصرة؟
وجوابًا عن السُّؤال حول صحَّة المقالة الشَّائعة بأنَّ التَّاريخ اليمني وأخبار أعلامه من مجاهل المعرفة الإنسانيَّة قديمًا وحديثًا؛ لعدم نهوض أبناء الأمَّة اليمانيَّة لتدوين تاريخ أعلامها، ورصد تواريخ أحداثها، أقول:
 ليست بلادنا اليمنيَّة بمنأى عن سائر البلاد العربيَّة والإسلاميَّة، وجرت على المعرفة الإنسانيَّة فيها ما جرى على نظائرها من التَّأثُّر والتَّأثير، والسُّقوط، والعلو والتَّوسُّط بين بين-أحيانًا-، فلا يمكن القبول والتَّسليم بتعميم المقالة الشَّائعة من أنَّ مصادر التَّاريخ اليمني عمومًا، وتاريخ أعلامه على وجه الخصوص تعد من مجاهل المعرفة الإنسانيَّة، بل تعتبر المسألة نسبيَّة تختلف من عصر لعصر، ومن دولة لدولة، ومن فئة لفئة؛ لكن من المقطوع المسلَّم به معرفيًّا أنَّ تاريخنا القديم والوسيط والحديث، بل والمعاصر لم يلقَ الاهتمام والعناية اللَّازمة جمعًا وتدوينًا، وحفظًا، وبحثًا، وتحقيقًا، وأنَّه-رغم اجتهاد بعض مؤرخي الأمَّة اليمانيَّة عبر العصور-، إلَّا أنَّ هناك من الثَّغرات والمجاهل العديدة التي لم توجد أجوبة كافية عليها، بل بعضها لازالت في حكم المجهول الذي يقرب من الخيال والأسطورة!
وأمَّا ما يتعلَّق بالسُّؤال الثَّاني في مقالتنا هذه حول النِّسبة المئويَّة التَّقريبيَّة لوفرة مصادر تاريخ اليمن، وأخبار أعلامه، مقارنة بضياعها في مجاهل التَّاريخ، فأقول:
النَّاظر المطَّلع على تاريخ اليمن، وأخبار وسير أعلامه المتوفِّرة-سواء في المصادر المطبوعة، أو المخطوطة-، يقطع جزمًا بأنَّها لا يمكن أن تمثِّل نسبة مئويَّة عاليَّة لحفظ ذلك التَّاريخ، مقارنة بنقيضه من الإهمال والضَّياع، ولعل ذلك يرجع إلى أمور عدَّة، أبرزها:
– ما دأب بعض مؤرخي الأمَّة اليمانيَّة من النَّعي على بعض أعلامها من عدم انتهاضهم لكتابة ذلك التَّاريخ، وتدوين أحداثه، وأخبار أعلامه.
– ضياع الكثير من المصادر التَّاريخيَّة المهمَّة بسبب تقادم الزَّمان، وتوالي الحروب المدمِّرة بين الدُّول والحكومات المتعاقبة على الحكم في مختلف المناطق اليمنيَّة.
– التَّعصب الطَّائفي والتمزُّق المذهبي الذي منيت به الأمَّة اليمنيَّة في مختلف عصورها، وأثَّر تأثيرًا سلبيًا على كتابة أحداث ذلك التَّاريخ، وإبراز معالم التَّفوُّق والإبداع عند مختلف المتناقضين فكريًّا ومذهبيًا.
– ميل العديد من المدارس التَّاريخيَّة اليمنيَّة لكتابة التَّاريخ الملوكي فقط، وما يتعلَّق بالملك، أو الحاكم، وإهمال ما سواه ممَّا يكون بعيدًا عن مسرح الملك والسُّلطة.
– الجوائح، والأمراض، وموجات الفقر والجهل، وسائر العراقل الاجتماعيَّة المتعاقبة على الأمَّة اليمانيَّة في مختلف عصورها، والذي لا تختلف فيه كثيرًا عن سائر البلاد العربيَّة.
– وبخصوص قُرَّاء اليمن؛ فإنّ جمهورًا واسعًا منهم من فئة المكفوفين الذين انكبّوا على علم القراءات، لما وجدوا فيه من سهولةٍ مقارنة بسائر العلوم التي يلزم لدراستها حاسَّة البصر، لاسيما في ظروف البلاد اليمنيَّة التي يعاني المكفوف فيها صعوبة في التَّعلُّم والتَّعليم، أدَّت إلى ضعف في الإنتاج العلمي؛ ممَّا أدى إلى إهمال الكُتَّاب والمؤرخين لسير وتراجم أولئك القُرَّاء كونهم غير مؤلفين، أو متَّصلين بالكثير من الأعمال الدُّوليَّة والسِّياسيَّة التي يهتمون لتوثيق تاريخها، وللنَّظرة القاصرة عند بعض فئات المجتمع، خصوصًا في مدن شمال الشَّمال اليمني إلى أنَّ عالم القرآن والقراءات-لا سيما المكفوفين منهم-مجرَّد شخص يتَّخذ من القرآن وسيلة للتَّكسُّب والعيش في بلد لا يجد فيها الكفيف مهنة غير قراءة القرآن، وأخذ الأجرة على ذلك في المناطق التي يسود الاعتقاد بصحَّة النَّذر والوقف والوصيَّة على أولئك القراء مقابل إهداء ثواب قراءتهم لموتاهم.
وأمَّا ما يتعلَّق بجواب السُّؤال الثَّالث-محور مقالتنا هذه-، حول مصادر تاريخ قُرَّاء اليمن على وجه الخصوص، وتقييمها العلمي في الدِّراسات التَّاريخيَّة والقرآنيَّة المعاصرة، فأقول:
مذ بدأتُ اهتماماتي بالدِّراسات القرآنيَّة عمومًا، والدِّراسات القرآنيَّة في التُّراث اليمني-على وجه الخصوص-، ظهر لي-كما هو ظاهر لكل باحث متخصِّص مطِّلع-الشِّحة الكبيرة في مصادر تاريخ قُرَّاء اليمن؛ فطوال أربعة عشر قرنًا من التَّاريخ اليمني لا تكاد تجد كتابًا متخصِّصا، أو مرجعًا أصيلًا في معرفة قُرَّاء اليمن، وسيرهم، وأخبارهم، بل يكاد الحافظ المؤرخ شيخ القُرَّاء محمد بن محمد بن محمد الجزري الشَّافعي (ت: 833هـ)، في كتابه المسمَّى غاية النَّهاية في أسماء رجال القراءات أولي الرِّواية، ومن قبله الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذَّهبي (ت: 748هـ)، في كتابه المسمَّى معرفة القُرَّاء الكبار؛ هما المصدر المتخصِّص لعموم الأمَّة الإسلاميَّة، وتاريخ قُرَّاء اليمن؛ على الرَّغم من قلَّة الأعلام القرآنيَّة اليمنيَّة، وشحَّة الأخبار المتوافرة عنهم فيها(3)، وبقيت أخبار جمهرة كبيرة من قُرَّاء اليمن طوال تلك العصور التي تصدَّى للكتابة فيها الحافظ الذَّهبي، وشيخ القُرَّاء الجزري، وإلى القرن الرَّابع عشر الهجري من الأخبار الضَّائعة، والمعرفة الإنسانيَّة التي غطَّت عليها سحائب الجهل والنِّسيان! وما كُتب منها ضاع في ثنايا سطور الموسوعات، والمعاجم التَّاريخيَّة المختلفة، فإذا ما أراد الباحث الوصول لخبر أو سيرة علم من أعلام القرآن في اليمن تاه وضاع بين آلاف الصَّفحات التَّاريخيَّة المطبوعة والمخطوطة، فلا يكاد يصل إلى الشَّائع المشهور منها إلَّا بصعوبة بالغة، وعند وصوله إليها يجدها ضئيلة لا تستحق العناء والجهد الذي بذله في سبيل الوصول إليها، وجمعها من مصادر التَّاريخ المختلفة.

عرب وأجانب زاروا دولة بيت حميد الدين  مصادر تاريخ أعلام اليمن بين الوفرة والضَّياع

لكن – بفضل الله – تَنَبَّه بعضُ أعلام اليمن في القرن الخامس عشر الهجري إلى هذا الجانب، ومع تطوّر الدِّراسات القرآنية المعاصرة، وانصراف طائفةٍ من العلماء والباحثين والمؤرّخين إلى تدوين التاريخ اليمنيّ عمومًا، وتاريخ قُرّاء اليمن خصوصًا، ظهرت بعض الأبحاث والدِّراسات والمؤلَّفات التي عُنِيَت بتاريخ القُرّاء في اليمن، وسأوجز الحديث عنها وتقييمها في السطور الآتية:
أولًا: كتاب تهذيب الزُّبد في تراجم القُرَّاء ومشايخ السَّند، تأليف المؤرخ المقرئ عبد الله بن محمد بن حسين المحفدي (ت: 1333-1428)(4)؛ وهذا الكتاب البالغ 479 صفحة يُعد من أشهر المصادر التَّاريخيَّة لقُرَّاء اليمن، وقد تميَّز بتحقيقه لغالب تراجم مشايخه، ومشايخ سنده في القراءات، وبعض تلاميذه من أعلام القرن الرَّابع والخامس عشر الهجريين، بل نجح في تحقيق الهدف الذي رمى إليه من توفير مادَّة علميَّة تاريخيَّة لتراجم وسير مشايخه، وأعلام سنده، وأمَّا ما سواها من التَّراجم التي وجدت فيها مأخوذة من عموم المصادر التَّاريخيَّة اليمنيَّة، وغيرها فقد ظهر فيها جامعًا غير مانع، وجرى فيها على غير التَّحقيق، والإتقان! بل ظهر لي من خلال تتبُّع سيرته، وسؤال أكابر تلاميذه أنَّ تلك التَّراجم الخارجة عن عنوان الكتاب المسمَّى الزُّبد في تراجم القُرَّاء ومشايخ السَّند، هي ممَّا أضافه بعض تلاميذه غير العارفين؛ وذلك في أواخر حياته دون اطلاع ومتابعة منه(5)؛ ولذلك فقد وجدت فيه مادَّة علميَّة كبيرة ظهر فيها غير فاحص ولا مدقِّق، بل كثرت في غير تراجم مشايخه، وتلاميذه، وأعلام سنده أغلاط جسيمة-لعلِّي أتناولها بالتَّفصيل في مقالات قادمة-، أبرزها إدخاله في كتابه أعلامًا، والتَّرجمة لهم على أنَّهم من القُرَّاء، وهم في الحقيقة بخلاف ذلك، فضلًا عن تكراره أسماء وتراجم بعض الأعلام في مواضع مختلفة؛ موهمًا تعدُّد شخصيَّاتهم، وهم في الحقيقة شيئًا واحدًا، بالإضافة إلى ترجمة لأعلام من خارج البلاد اليمنيَّة متوهِّما نسبتهم الجغرافيَّة إلى الدِّيار اليمنيَّة(6).
ثانيًا: معجم قُرَّاء اليمن، تأليف الشَّيخ المؤرخ المتفنن سالم بن علي بن فرج بن أحمد القعطبي (1400هـ-معاصر)(7)، أحد علماء قرية المعروفيَّة في محافظة الحديدة، وهو معجم عكف على تأليف سنوات طويلة جاب فيها كتب التَّاريخ، ورجع فيه إلى مصادر نادرة لا يُلتفت إليها-مخطوطة، ومطبوعة-، وجمع مادَّة علميَّة كبيرة تميَّزت بعدَّة مميِّزات، منها:
– سلوكه فيه مسلك التَّحقيق، والإتقان، ولا عجب؛ فهو بحَّاثة مؤرخ ضليع، صاحب قدم راسخة في علوم التَّاريخ، متفنِّن، صاحب قلم سيَّال، واطِّلاع أيما اطلاع.
– أنَّه أشمل وأوسع معجم متخصِّص في تاريخ قُرَّاء اليمن، وحوى فيه الكثير ممَّا لا يوجد في غيره.
– سلوكه فيه مسلكًا علميَّا منضبطًا جامعًا وسطًا، بعيدًا عن التَّطويل الممل، والاختصار المخل، وتنكُّبه غالب مزَّلات الكتَّاب والمؤرخين في المبالغة في عرض السِّير والتَّراجم، وألقاب العلماء والقُرَّاء المترجمين.
– حرصه على الجمع والتَّحقيق في مكان واحد لكل ما يتعلَّق بالأعلام المترجم لهم، وتركيزه الاهتمام بما يتعلَّق بعلوم القرآن والقراءات؛ فهو معجم جامع لمصنَّفات قُرَّاء اليمن، وجهودهم في الدِّراسات القرآنيَّة.
– حرصه على بيان اتِّصال الأسانيد القرآنيَّة في مختلف العصور-ما أمكن-، واجتهاده البالغ في بيان شيوخ، وتلاميذ القُرَّاء المترجم لهم، مع تمييز الأشياخ والتَّلاميذ الآخذين في القرآن وعلومه، من غيرها من العلوم، وقد سار على منهج التَّرجمة فقط لأعلام القراءات السَّبع، فما فوقها، ولم يتطرَّق لمن أخذوا أقل من ذلك، أو كان اتِّصالهم بالقراءات السَّبع فما فوقها بالإجازة العامَّة، وليس السَّماع المتِّصل، ولعل هذا المعجم يبلغ بفهارسه مُجلَّدين كبيرين، وهو في طريقة إلى النُّور-بإذن الله تعالى-ليكون أهم مرجع تاريخي في معرفة تاريخ وقُرَّاء اليمن من القرن الخامس الهجري، وحتَّى القرن الخامس عشر.
ثالثًا: كتاب أعلام رئاسة علم القراءات في اليمن من القرن الثَّامن إلى القرن الرَّابع عشر الهجري عرض وتعريف، تأليف الدُّكتور البحَّاثة جمال بن نُعمان بن عبدالله بن ياسين النَّظاري (1402هـ-معاصر)(8)، أحد علماء مدينة إب، وأبرز الهيئة التَّدريسيَّة في جامعتها، وهذا الكتاب في طبعته الأولى بلغ 252، من إصدارات مركز تفسير للدِّراسات القرآنيَّة، وتميَّز هذا الكتاب بتراجم موسَّعة مُحقَّقة لمجموعة كبيرة من مشاهير قُرَّاء اليمن من القرن الثَّامن، وحتَّى القرن الرَّابع عشر الهجري، لكنَّه لم يستوعب جميع المشاهير، فضلًا عن المغمورين، ويعيب عليه القارئ في ذكره شيوخ، وتلاميذ القُرَّاء المترجم لهم سردًا مجملًا دون تبيين العلوم التي أخذها عن كل واحد منهم، أو أخذ عنهم، ومن منهم بالضَّبط أخذ عنهم القرآن، أو القراءات، أو أخذوا عنه القرآن والقراءات-مع توفُّرها في المصادر التَّاريخيَّة التي رجع إليها-؛ وهو بهذا يفوِّت هدفًا من أهداف البحث والتَّأليف في مجال تراجم القُرَّاء، ألا وهو هدف بيان اتِّصال الأسانيد من الأشياخ للتَّلاميذ، والكتاب-في المجمل-مهم، ومرجع ثرٍ في الدِّراسات القرآنيَّة، وتراجم القُرَّاء الذين احتواهم.
رابعًا: أعلام الأسانيد القرآنيَّة اليمنيَّة سيرهم ومؤلفاتهم القرآنيَّة المخطوطة والمطبوعة وما هي في حكم المفقود، تأليف المؤرخ المحقِّق والنَّسَّابة المقرئ المدقِّق محمد بن نايف بن علي الكريمي (1410هـ-معاصر)(9)، وأصل هذا الكتاب بحثًا محكَّمًا شارك به البحَّاثة الكريمي في المؤتمر القرآني الدُّولي الثَّاني حول القرآن والقراءات، والمقام بحرم جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلاميَّة بحضرموت، ونُشر في المجلَّد الثَّاني من العدد الخاص بالمؤتمر في شهر مارس سنة 2021م من الصَّفحة 136، إلى الصَّفحة 178، بعنوان العلَّامة المقرئ محمد بن علي الأكوع وجهوده في الإقراء والتَّأليف، وقد صدَّره بتراجم مختصرة لطبقات القُرَّاء في مدينة صنعاء، ثم بعد المؤتمر وسَّع بحثه هذا في مجلَّدين، وأطال النَّفس في تراجم القُرَّاء الصَّنعانيين في مختلف الطَّبقات الإسناديَّة، ابتداء من طبقة مشايخه، وأبناء عصره، وحتَّى نهاية الأسانيد، ولم يقتصر في بحثه على تراجم القُرَّاء اليمانيين، بل ترجم لغيرهم ممَّن اتَّصلت الأسانيد القرآنيَّة عبرهم، ولم يشترط على نفسه جمع تراجم القُرَّاء عمومًا، بل اكتفى بمن دارت عليهم الأسانيد القرآنيَّة، وتردَّد ذكرهم في سياق الإجازات القرآنيَّة قديمًا وحديثًا، حتَّى من انقطع اتِّصال أسانيدهم بعصرنا الحاضر، ولم يقتصر فقط على الأسانيد القرآنيَّة للقراءات السَّبع فما فوقها، بل توسَّع إلى كل من اقترن اسمهم بسند قرآني حتَّى ولو كان في رواية واحدة؛ وهو بهذا يفترق عن معجم القُرَّاء اليمانيين للشَّيخ المؤرخ سالم القعطبي الذي ألزم نفسه تراجم القُرَّاء اليمانيين الآخذين للقراءات السَّبع فما فوقها، ولو لم يقترن اسمهم بالأسانيد القرآنيَّة، وتميَّز أيضًا بحرصه على جمع مشايخ، وتلاميذ الأعلام المترجم لهم الذين دار الأخذ بينهم حول القرآن وعلومه، ولم يتطرَّق إلى من سواهم من الأشياخ والتَّلاميذ الآخذين عن بعضهم في سائر العلوم الإسلاميَّة، واجتهد في تحقيق مؤلفاتهم، وتراثهم العلمي المتعلِّق بالقرآن وعلومه، ولم يكتف بالمصادر التَّاريخيَّة التَّقليديَّة من المؤلفات والأبحاث المخطوطة، والمطبوعة، بل تفرَّد بمصادر نادرة، منها شواهد القبور التَّاريخيَّة المدوَّن فيها الكثير من المعلومات المتعلِّقة بالأعلام المترجم لهم، والرِّواية الشَّفهيَّة بالنِّسبة لتراجم الأعلام المعاصرين، ومشايخهم، فضلًا عن البحث والتَّنقيب في ثنايا الأسانيد والإجازات القرآنيَّة-المخطوطة، والمطبوعة-، وسؤال أقارب وذُرِّيَّة أولئك الأعلام ممَّن لازالوا يحتفظون بالكثير من تراثهم العلمي والثَّقافي؛ وهو بهذا حفظ الكثير من المعلومات التَّاريخيَّة النَّادرة والمهمَّة التي كانت عرضة للضَّياع والإهمال، وأثرى المكتبة التَّاريخيَّة اليمنيَّة، والدِّراسات القرآنيَّة عمومًا بمرجع أصيل من المراجع التَّاريخيَّة المحقَّقة؛ لصدوره من باحث متخصِّص، ومؤرخ متمكِّن ماهر خبير.

المعمّقة المجددون بين تكفير مصادر السنة ومحاولة استردادهم زيديًا 2  مصادر تاريخ أعلام اليمن بين الوفرة والضَّياع

خامسًا: دراسات وأبحاث متنوِّعة لمجموعة من العلماء، والباحثين، وبيانها على النَّحو الآتي:
– علم القراءات في اليمن من صدر الإسلام إلى القرن الثَّامن الهجري، تأليف الدُّكتور عبدالله بن عثمان بن علي المنصوري، الأستاذ المساعد بقسم القرآن الكريم وعلومه في كُلَّيَّة التَّربية بجامعة صنعاء، وهذا الكتاب في 395 صفحة من إصدارات جامعة صنعاء (9)، سنة 1425هـ، الموافق 2004م، ولم يرمِ هذا البحث لتراجم القُرَّاء في عصر الدِّراسة، وإنما جمع في فصوله مادَّة علميَّة تاريخيَّة مهمِّة، وكان من أوائل الأبحاث المنشورة في مجال الدِّراسات القرآنيَّة في اليمن، وله فضل كبير على الباحثين من بعده في هذا المجال.
– القراءات القرآنيَّة في حضرموت تاريخها والاهتمام بها، تأليف الباحث الشَّيخ علوي بن سالم بن عبد الله أبو فطيم، صدر لأول مرَّة في طبعة خاصَّة سنة 1428هـ، الموافق 2007م، وبلغ عدد صفحاته 111 صفحة، ولم يقصد به جمع تراجم القُرَّاء الحضارم، وإنما تناول في مجموع فصوله العديد من المواضيع المتعلِّقة بالقرآن والقراءات في حضرموت، وأورد معلومات تاريخيَّة مهمِّة لتراجم العديد من القُرَّاء في حضرموت.
– جهود علماء حضرموت في الدِّراسات القرآنيَّة، تأليف الدُّكتور البحَّاثة أمين بن عمر بن عبد الله باطاهر، وهو بحث في 415 صفحة، صدرت طبعته الأولى عن مكتبة تريم الحديثة للطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع، ولم يقصد صاحبه جمع تراجم قُرَّاء حضرموت، ولكنه حوى مادَّة علميَّة ثريَّة في تراجم مجموعة كبيرة من القُرَّاء في الدِّيار الحضرميَّة.
– عناية علماء اليمن في القرن الرَّابع والخامس عشر الهجريين في تحقيق الأسانيد القرآنيَّة منظومة السَّند للعلَّامة محمد بن أحمد بن حسن زايد (ت: 1339هـ)، وشرحها للعلَّامة قاسم بن إبراهيم بن حسين عامر (ت: 1442هـ) أنموذجًا، رسالة دكتوراه في الحديث وعلومه من إعداد الشَّيخ المقرئ المجوِّد الدُّكتور البحَّاثة محمد بن حسن بن أحمد العنسي(1372هـ-معاصر)(10)، نوقشت في ماليزيا خلال السَّنة الدِّراسيَّة 1446هـ/2025م، ولم يقصد صاحبها جمع تراجم القُرَّاء في قرني الدِّراسة، ولكنَّها حوت أبحاثًا، وتراجم نادرة للكثير من قُرَّاء اليمن في القرن الرَّابع عشر والخامس عشر الهجريين.
– المدارس القرآنيَّة في حواضر العلم اليمنيَّة، تأليف الدُّكتور البحَّاثة المقرئ المجوِّد عبد الله بن عبدالله بن أحمد بن محمد الكندي (1390هـ-معاصر)(11)، بحث في 300 صفحة، طبعت طبعته الأولى خاصَّة سنة 1444هـ، ولم يقصد صاحبه جمع تراجم القُرَّاء في مختلف حواضر العلم اليمنيَّة، وإنما بيَّن انتشار علوم القرآن والقراءات في مختلف المناطق اليمنيَّة، وبيَّن اتِّصال أسانيد قُرَّاء اليمن في مختلف المناطق ببعضها البعض، وبأسانيد علماء وقُرَّاء العالم الإسلامي في مختلف البلدان.
– الأسانيد القرآنيَّة اليمنيَّة، تأليف الشَّيخ الدُّكتور المقرئ المجوِّد البحَّاثة محمد بن سعيد بن محمد بن سعيد بَكْرَان (1401هـ-معاصر)(12)، بحث قصد فيه مؤلفه دراسة وتحقيق جميع الأسانيد القرآنيَّة اليمنيَّة المتوفِّرة في مختلف العصور والأزمان، ويتميَّز الشَّيخ بَكران بتحقيقه وإتقانه وطول خبرته بفن الأسانيد القرآنيَّة، وعنايته العتيقة بهذا الفن، وله فيه يد طولى، وسابقة فريدة، وأبحاث قيِّمة لا يستغني عنها باحث في الدِّراسات القرآنيَّة، منها رسالته في الماجستير التي حملت اسم جهود علماء اليمن في خدمة علم القراءات في القرنين التَّاسع والعاشر الهجري دراسة استقرائية وصفية، وهي دراسة حوت الكثير من الفوائد والنَّوادر ونفائس التَّراجم لمجموعة من قُرَّاء اليمن في عصري الدِّراسة، وكان تقدَّم بها سنة 1437هـ لكُلِّيَّة التَّربيَّة، قسم الدِّراسات الإسلاميَّة في جامعة الملك سُعود بمدينة الرِّياض، ونال بها درجة الماجستير بامتياز.
– أسانيد القراءات القرآنيَّة في الدِّيار اليمنيَّة جمعًا ودراسة، تأليف الشَّيخة المقرئة الباحثة المتفوِّقة إيمان بنت عبدالله الصَّباحي، بحث لنيل درجة الماجستير في القراءات القرآنيَّة تحت إشراف الدُّكتور جمال بن نُعمان ياسين، وهو قيد الدِّراسة، ويتوقَّع خروجه النُّور قريبًا ليكون عُمدة ومصدرًا أصيلًا ونادرًا في الدِّراسات القرآنيَّة؛ كونه البحث الأكاديمي الأول من نوعه الذي تصدَّرت للكتابة فيه شيخة عالمة مقرئة مجوِّدة للقراءات العشر عُرفت بالتَّميُّز والتَّفوُّق العلمي في جميع مراحل دراستها النِّظاميَّة، وإلى جانب ذلك يتولَّى الإشراف عليها أحد أبرز أعمدة الدِّراسات القرآنيَّة اليمنيَّة المعاصرة، الدُّكتور البحَّاثة جمال بن نعمان ياسين، المعروف بأبحاثه المتنوِّعة، وتحقيقاته الفريدة في مجال الأسانيد القرآنيَّة، والأبحاث والمؤلفات المتعلِّقة بها. 
– إمتاع الفضلاء بتراجم القُرَّاء فيما بعد القرن الثَّامن الهجري، تأليف المؤرخ المقرئ المجوِّد البحَّاثة إلياس بن أحمد بن حسين بن سليمان البرماوي، صدر في طبعته الثَّانية سنة 1428هـ، الموافق سنة 2007م، عن مكتبة دار الزَّمان للنَّشر والتَّوزيع بالمدينة المنوَّرة في خمس مجلَّدات، وحوى تراجم العديد من القُرَّاء اليمانيين، لكنَّه لم يُحقِّق تراجمهم وسيرهم كما ينبغي، ولعل بعد الدِّيار، وشحَّة المصادر الموثوقة من أبرز الأسباب التي أوقعته في ذلك.
– أوضح الدِّلالات في أسانيد القراءات، تأليف الدُّكتور البحَّاثة المحقِّق ياسر بن إبراهيم المزروعي، رسالة دكتوراه نُوقشت بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلاميَّة بأم درمان في بلاد السُّودان، ثم طبعت طبعتها الأولى سنة 1430هـ، الموافق سنة 2009م في 625 صفحة، ضمن مطبوعات وزارة الأوقاف والشُّؤون الإسلاميَّة بدولة قطر، وهو بحث قيِّم حوى بعض تراجم علماء القرآن والقراءات في اليمن.
– الحلقات المضيئات من سلسلة أسانيد القراءات دراسة تاريخيَّة محقَّقة وموثَّقة في ضبط وترجمة سلسلة رجال القراءات من عهد النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى القرن الخامس عشر الهجري، تأليف السَّيِّد بن أحمد بن عبد الرَّحيم، كتاب في مجلَّدين، طبع على نفقة الجمعيَّة الخيريَّة لتحفيظ القرآن الكريم في محافظة بيشة بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة، وقدَّم له مجموعة من القُرَّاء والعلماء، والمجوِّدين، وحوى العديد من تراجم القُرَّاء اليمنيين، وظهر في غالبها قاصرًا عن التَّحقيق، دون مراحل الإتقان بدرجات كبيرة، فلا يمكن الاعتماد على ما حوى دون الرُّجوع إلى المصادر الأصيلة.
– مجموعة من الأبحاث والتَّحقيقات يمكن الاعتماد على ما ورد فيها لتوثيق تراجم بعض القُرَّاء اليمنيين، منها: بحث أقدم الإجازات الخطِّيَّة للقراءات القرآنيَّة في الدِّيار اليمنيَّة دراسة وتحقيقًا، ومُعجم المؤلفات اليمنيَّة فـي القراءات القرآنيَّة وعلومها للدُّكتور البحَّاثة جمال بن نعمان ياسين، وجميع أبحاث في هذا المجال، وبحث إجازة المقرئ محمد بن أبي بكر عبدالله الحرازي (ت: بعد 965هـ) للإمام شرف الدِّين يحيى بن شمس الدِّين بن أحمد بن يحيى المرتضى (ت: 965هـ) وأسانيده في القراءات السَّبع تحقيقًا وتشجيرًا للشَّيخ البحَّاثة المؤرخ الحافظ المجوِّد طارق بن زياد بن محمد النَّقيب، وكذلك الأبحاث العلميَّة التي شارك بها مجموعة من العلماء والباحثين المتخصِّصين في المؤتمر القرآني الدُّولي الثَّاني المقام في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلاميَّة بحضرموت، ونُشرت في عدد خاص ضمن المجلَّد الثَّاني في شهر مارس سنة 2021م.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:

  1. انظر: ترجمته في نزهة النَّظر في رجال القرن الرَّابع عشر لزبارة (ص: 544)، وبتوسُّع في بحث حفيده الدُّكتور المحقِّق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد زايد، ضمن رسالته للماجستير في كُلِّيَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة، قسم الدِّراسات الإسلاميَّة بجامعة صنعاء، والتي حملت عنوان الفقيه العلَّامة المقرئ محمد بن أحمد زايد الصَّنعاني (ت: 1339هـ) وجهوده في علم القراءات 230 صفحة. 
  2. انظر: البدر الطَّالع بمحاسن من بعد القرن السَّابع للشَّوكاني (1/60). 
  3. للشَّيخ المؤرخ البحَّاثة طارق بن زياد بن محمد بن علي النَّقيب سلسلة مقالات استدرك فيها على الإمام الجزري فيما يتعلَّق بتراجم القُرَّاء اليمانيين الذين على شرطه في كتاب غاية النَّهاية. 
  4. انظر: ترجمته في مقدِّمة كتابه تهذيب الزُّبد في تراجم القُرَّاء ومشايخ السَّند (ص: 1-20). 
  5. انظر: النُّبذة في علم التَّاريخ لإبراهيم السَّماوي (ص: 29، 30). 
  6. انظر: نقدًا موسَّعًا لكتاب تهذيب الزُّبد في كتاب أعلام الأسانيد القرآنيَّة اليمنيَّة للكريمي (1/14-52). 
  7. انظر: تعريفًا به في مقدِّمة كتاب أعلام الأسانيد القرآنيَّة اليمنيَّة للكريمي (1/54). 
  8. انظر: ترجمته في الإعلام بأعلام مدرسة شيخ الإسلام الإمام محمد بن علي الشَّوكاني (25/118-121). 
  9. انظر: ترجمته في طبقات النَّسَّابين من أهل اليمن لباوزير (ص: 818)، والعلامة العمراني جهوده وحياته وقصص جديدة لمحمد مصطفى (ص: 52)، وبتوسُّع في كتاب الباحث أمين عبدالسَّلام الرَّشيد المسمَّى كتابة التَّاريخ بين الإنصاف والإجحاف الوجيز في سيرة اليمن فقيد أهل اليمن العزيز للشَّيخ العلَّامة المؤرخ محمد بن نايف الكريمي أنموذجًا (ص: 7-118). 
  10. انظر: ترجمته كتاب العلَّامة محمد بن علي الأكوع وجهوده في الإقراء والتَّأليف للكريمي (ص: 120). 
  11. انظر: ترجمته في كتاب المدوَّنة في أنساب أهل اليمن للأشعري (ص: 396). 
  12. انظر: ترجمته في كتاب قطف الجنى الدَّاني من سيرة القاضي العلَّامة محمد بن إسماعيل العمراني للكريمي (4/454).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى