
صدر حديثًا (ديسمبر/ 1447هـ – 2025م) عن “حكمة يمانية” كتابُ «أُنسُ الحِكمة: مقالات في الدراسات القرآنية والقضايا الفكرية والكتب» للأستاذ الأديب عبد المنعم أديب؛ وهو سفرٌ أدبيٌّ علميٌّ يجمع بين مهابة التراث ونفَس الواقع، وينهض بالقارئ إلى مقاماتٍ عليا من التدبّر والفهم، عبر مقالاتٍ رصينة في علوم القرآن، وأسئلة الفكر، ورياض الكتب. والكتاب في أصله مقالات رفيعة كتبت على جدران مواقع حكمة يمانية، وقد ضُمَّت في هذا السِّفر لنفاستها، وأهميتها.
وقد جاء الكتابُ مبنيًّا على ثلاثة أقسام كبرى، تمثّل عُمق رؤية المؤلف ومنهجه:
أولها: الدراسات القرآنية
في هذا القسم يعيد المؤلف فتح أبوابٍ متينة من تراث المفسِّرين، كحديثه عن الرسالة الشافية في الإعجاز، وتفسير ابن فورك، وفُسيفساء الرازي، وكتاب تأويل مشكل القرآن، كما تعرض للمقاصد القرآنية من قصة أهل الكهف، فأحسن وأجاد، وهذا الفصل من الكتاب يعيد وصل القارئ بجذور العلم، ويظهر كيف تتخلّق الملكة القرآنية حين يُؤخذ الوحي مأخذ العارفين والناظرين.
ثانيها: قضايا ومشكلات في فكرنا المعاصر
ويشتمل على مقالاتٍ حافلة بنبرة ناقدة رصينة؛ يناقش فيها المؤلف جناية غير المتخصصين على الفكر، وجدالات العقاد، وحُجّية فلسطين كقضية عقيدة، ويعرض أجوبة فكرية وعقدية حول طوفان الأقصى، ومسألة فقدان الرموز وتأثير غياب القدوات في وعي الأمة. هذا القسم يلتقط صخب اللحظة ويُهذّبه، ويعيد ترتيب الأسئلة في زمنٍ تتزاحم فيه الخطابات وتتباين طرق الفهم.
ثالثها: تأملات في رياحين الكتب
وهو باب يفيض أُنسًا وبهاء، يتجوّل فيه المؤلف بين درر الكتب:
من “الإلحاد في مواجهة نفسه”، إلى “لمع الأشعري”، ثم “بخيط من حبر” وما فيه من أنفاس الكتّاب، وصولًا إلى نصوصٍ أدبية محمولة على حنين الذاكرة، كـ”رملة كنت جنين ركامها”، ومراثٍ رقراقة تُوقظ الوجدان وتفتح نوافذ التأمل.
ومن خلال هذه الأقسام الثلاثة تتجلّى روح الكتاب:
رغبةٌ في تجديد صِلَة القارئ بالمعرفة الرصينة، وتقديم مثالٍ يُقتدى به في المقالة المحكمة، من حيث وضوح الفكرة، ورصانة الاستدلال، وجمال الأسلوب. وقد بيّن المؤلف في “حكاية الكتاب” أن قصده جمع نماذج علمية وفكرية تصلح لبذر جديد من النقاشات والدراسات، تُعيد للقراءة جدّيّتها، وللفكر مكانته.
وكتاب «أُنس الحكمة» يرتقي بقارئه في مدارج النظر، ويمنحه زادًا يُحسن به ترتيب الفكر، وتقويم الوعي، ومواصلة السير في دروب المعرفة.
ونحن في “حكمة يمانية” نعتزُّ بهذا الإصدار المبارك، ونرى فيه إضافةً نوعيّةً إلى المكتبة العربية، وفتحًا جديدًا في باب المقالة الرفيعة، ورفدًا للجيل الباحث عن المعرفة الندية والحكمة الباقية.
