فكر

“آل البيت” في القرآن الكريم والسنة النبوية

نظرة استقرائية تحليلية (ج1)

تمهيد:
بات مصطلح “آل البيت” محلَّ حوار ونقاش وجدال، خصوصًا مع صعود وتمدُّد الحضور الشيعي في المنطقة، منذ عام 2003م، مع كلِّ ما مارسه الشيعة مِن إجرام وتوحُّش ضدَّ مخالفيهم تحت راية الثأر لـ”آل البيت”، حتَّى أنَّهم استباحوا دماء السنَّة وأعراضهم وأموالهم، ودمَّروا مساجدهم ومنازلهم وحواضرهم، في العراق وسوريا واليمن، ما فتح ملفَّ الطائفية على مصراعيه، ودفع لإعادة قراءة الأسس العقدية والفكرية والفقهية التي شكَّلت أرضية خصبة لهذه الممارسات القائمة على الضغائن والأحقاد، بما فيها شعار “آل البيت”؛ خصوصًا أنَّ هذا الشعار ظلَّ ملازمًا لهذه الطائفة في كلِّ جرائمها ضدَّ الأمَّة عبر التاريخ، يمنح أصحابه الشعور بالتميُّز والاستعلاء، ويدفع الطامعين في الحكم للاستناد عليه كمؤهَّل لاستحقاق التسلُّط على الخلق.
لذا كان مِن الضروري المشاركة في هذا الحوار بقدر مِن العلمية والموضوعية والوعي، مساهمة في إثراء الوعي وإغلاق بواعث التطرُّف والتعصُّب. وهنا يأتي دور القرآن الكريم والسنَّة النبوية ليكونًا محطَّ الهداية والرشاد الفاصلين في الأمر، بعيدًا عن أيِّ دعاوى وشعارات، فهما المرجع والمصدر والحكم عند الخلاف، يقول تعالى موجِّهًا عباده المؤمنين: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَٰلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلًا))، النساء: 59. وأخبر أنَّ مِن صفات المنافقين أنَّهم: ((..إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم إِذَا فَرِيقٌ مِّنهُم مُّعرِضُونَ))، النور: 48.
ومِن مناهج البحث الاستقراء مِن خلال تتبُّع ورود اللفظ واشتقاقاته في النصوص المرجعية الحاكمة، واستنباط حقيقة الاستخدام ومعهود المتكلِّم بها، مِن خلال تتبُّع الدلالات الضمنية ومقارنتها ونقدها، لتحديد مراد المتكلِّم مِنها. وحيث أنَّ قضيَّتنا تتناول لفظًا منسوبًا للشرع، دون أن يرد في القرآن الكريم والسنَّة النبوية بلفظه وحمولته المعنوية، كان ينبغي تحديد حقيقة وجود هذا اللفظ المركَّب “آل البيت”، ومدى كونه مِن وضع أهل اللغة أو وضع الشارع (الوحي) أو وضع أهل العُرف، ذلك أنَّ بيان هذه الحقيقة كفيل بإيضاح الحقِّ مِن الباطل، والصواب مِن الخطأ، وإظهار الحمولة التي أُدخلت على هذا اللفظ مِن خلال الموروث البشري الاجتهادي، بعيدًا عن نصوص الشرع.
مِن ثمَّ، يمكن اعتماد معهود القرآن الكريم بشأن أيِّ لفظ ورد فيه، ومعهود السنَّة بشأن أيِّ لفظ ورد فيها دون القرآن، وعدم الخروج عنهما كونهما الأسلم والأحكم. “والواجب على الخلق أنَّ ما أثبته الكتاب والسنَّة أثبتوه، وما نفاه الكتاب والسنَّة نفوه، وما لم ينطق به الكتاب والسنَّة لا بنفي ولا إثبات استفصلوا فيه قول القائل، فمَن أثبت ما أثبته الله ورسوله فقد أصاب، ومَن نفى ما نفاه الله ورسوله فقد أصاب، ومَن أثبت ما نفاه الله أو نفى ما أثبته الله فقد لبَّس دين الحقِّ بالباطل، فيجب أن يُفصَّل ما في كلامه مِن حقٍّ وباطل فيتَّبع الحقُّ ويترك الباطل. وكلَّ ما خالف الكتاب والسنَّة فإنَّه مخالف أيضًا لصريح المعقول، فإنَّ العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح”[1] -كما قال ابن تيمية. ولا ينبغي للمسلم أن يعدل عن لفظ الوحيين للفظ مبتدع محدث، وأن يترك اللفظ المحكم إلى لفظ متشابه، خاصَّة إذا وقع تحت لافتته وشعاره شرٌّ وضرر على الأمَّة في دينها ودنياها.
وسوف يتمُّ البحث على مرحلتين: الأولى تتناول عبارة “أهل البيت” والثانية تتناول عبارة “آل البيت”. ومقصودنا مِن هذه الورقة طلب الحقِّ والبحث عن الصواب واستجلاء مراد الله تعالى لا مراد أنفسنا ومذاهبنا وأنسابنا وأحزابنا، فما كان فيها مِن صواب فمِن الله وحده، وما كان فيها مِن خطأ فمنِّي والشيطان.
وبالله التوفيق.

من اهتم بجمع السنة وتدوينها تدوينا "آل البيت" في القرآن الكريم والسنة النبوية

الفصل الأوَّل: “أهل البيت” في القرآن الكريم والسنَّة النبوية:

أوَّلًا: “أهل البيت” في القرآن الكريم:
“أهل البيت” مصطلح مركَّب ورد في القرآن الكريم في موضعين -كما سيأتي معنا، الأوَّل في سياق الحديث عن نبي الله إبراهيم -عليه السلام، والثاني في سياق الحديث عن الرسول محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم. ولأجل استجلاء معناه ومدلوله سنعود لاستقراء دلالة مفردتيه في القرآن الكريم، وهما: “أهل” و”بيت”.
“أهل” في القرآن الكريم:
وردت لفظة “أهل” في القرآن الكريم، في عدَّة مواطن، تجاوزت في مجموعها (100) موضع، ما يعني أنَّها مفردة حاضرة في النصِّ القرآني بكثافة. وهي في الاستخدام اللغوي تُضاف إلى الأشخاص، وإلى الأشياء، وإلى الأمكنة، وإلى الأزمنة، وإلى المعاني. وهذا ما جاء في القرآن الكريم كذلك.
إضافة “أهل: للأشياء:
أضيفت كلمة “أهل” إلى أشياء، مقدَّسة وغير مقدَّسة، فمِن المقدَّس الذي أُضِيفت إليه الكتب المنزلة، ومِن ذلك: “أهل الكتاب” في: البقرة: 105، 109؛ آل عمران: 64، 65، 69، 70، 71، 72، 75، 98، 99، 110، 113، 199؛ النساء: 123، 153، 159، 171؛ المائدة: 15، 19، 59، 65، 68، 77؛ العنكبوت: 46؛ الأحزاب: 26؛ الحديد: 29؛ الحشر: 2؛ الحشر: 11؛ البيِّنة: 1؛ البيِّنة: 6. ومِن ذلك “أهل الإنجيل” في: المائدة: 47. وكذلك “أهل الذكر” في: النحل: 43، الأنبياء: 7. وأهل المسجد الحرام، البقرة: 217. ومِن غير المقدَّس نسبتها إلى السفينة، الكهف: 71. ويُقصد بأهل -في هذه الآيات- الأصحاب الملازمين لهذه الأشياء.
إضافة “أهل” للأمكنة:
أضيفت كلمة “أهل” إلى أمكنة، ومِن ذلك إلى القرية، والقرى، والمدينة، والأرض، وربما أضيفت إلى اسم البلد كمدين، واسم مدينة بعينها، كالمدينة ويثرب، وربما قصد بالأرض أرضًا معهودة كمصر. انظر: البقرة: 126. النساء: 75؛ الأنعام: 131؛ الأعراف: 94، 96، 97، 98، 100، 123؛ التوبة: 101، 124؛ هود: 117؛ يوسف: 109؛ الحجر: 67؛ الكهف: 77؛ طه: 40؛ النمل: 34؛ القصص: 4، 15، 45، 59؛ العنكبوت: 31، 34؛ الأحزاب: 13؛ الحشر: 7. كما أضيفت للبيوت كما سيأتي معنا لاحقًا. ويٌقصد بأهل في هذه الآيات الساكنين المقيمين بهذه الأمكنة على سبيل الدوام. ومِن ذلك وصف “أهل النار”، ص: 64؛ لأنَّهم يسكنوها على سبيل الدوام.
إضافة “أهل” للأزمنة:
أضيفت كلمة “أهل” إلى أزمنة، ومِن ذلك إلى الحياة الدنيا، يونس: 24. وقد ورد في الحديث: (يقولُ اللَّهُ تعالى: ما لِعَبدِي المـُؤمِنِ عِندِي جَزاءٌ إذا قَبَضتُ صَفِيَّهُ مِن أهلِ الدُّنيا ثُمَّ احتَسَبَهُ إلَّا الجَنَّةُ)، البخاري: 6424. فالدنيا فترة زمنية، ويُقصد بأهلها أصحابها الذين عاشوا فيها. وشبيه بها أهل البرزخ، إذ هو فترة زمنية أكثر مِنه مكانًا، وأهل الفترة.
إضافة “أهل” للمعاني:
أضيفت كلمة “أهل” إلى معانٍ، مِنها الحسن ومِنها دون ذلك. مِن ذلك الأمانات، النساء: 58؛ والمكر السيِّئ، فاطر: 43؛ وكلمة التقوى، الفتح: 26. وجاءت وصفًا في حقِّ الله تعالى تجاه التقوى والمغفرة، قال تعالى: ((وَمَا يَذكُرُونَ إلَّا أَن يَشَاءُ اللهُ هُوَ أَهلُ التَّقوَى وأَهلُ المغفِرَةِ))، المدثر: 56. وفي السنَّة يُقال: أهل بدر، وأهل أحد، وأهل الهجرة، وأهل بيعة الرضوان، وأهل الدثور، وما إلى ذلك مِن المعاني. ويُقصد بأهل هذه المعاني المتَّصفون بها الملازمون لها.
إضافة “أهل” للأشخاص:
أضيفت كلمة “أهل” إلى الأشخاص في القرآن الكريم، في (49) آية، وتكرَّر إضافتها للأشخاص في بعض الآيات لمرَّتين، ومِن ثمَّ يبلغ مجموع إضافة كلمة “أهل” للعاقل، ذكرًا كان أو أنثى، فرادى أو جمعًا، مسلمين أو كافرين، أنبياء أو غير أنبياء، في الدنيا أو الآخرة، (53) مرَّة. كما هو موضَّح في الجدول التالي:

السورةالآيةالسورةالآيةالسورةالآيةالسورةالآيةالسورةالآية
البقرة196آل عمران121النساء25النساء35 مرَّتينالنساء92 مرَّتين
المائدة89الأعراف83هود40هود45هود46
هود81يوسف25يوسف26يوسف62يوسف65
يوسف88يوسف93الحجر65مريم16مريم55
طه10طه29طه132الأنبياء76الأنبياء84
المؤمنون27الشعراء169الشعراء170النمل7النمل49 مرتين
النمل57القصص29 مرتينالعنكبوت32العنكبوت33يس50
الصافات76الصافات134ص43الزمر15الشورى45
الفتح11الفتح12الذاريات26الطور26التحريم6
القيامة33المطفِّفين31الانشقاق9الانشقاق13  

تارة قُصِد بها الزوجة كما في قوله تعالى: ((.. ذَلِكَ لمـَن لَم يَكُن أَهلُهُ حَاضِرِي المسجِدِ الحَرَامِ..))، البقرة: 196؛ وتارة القرابة دون الزوج أو الزوجة، قال تعالى: ((وإِن خِفتُم شِقَاقَ بَينِهِمَا فَابعَثُوا حَكَمًا مِن أَهلِهِ وحَكَمًا مِن أَهلِهَا..))، النساء: 35، وقوله: ((مِن أَهلِه)) دون الزوجة، أي مِن قرابته، وقوله: ((مِن أهلها)) دون الزوج، أي مِن قرابتها. وقال تعالى: ((ومَا كَانَ لمؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلَّا خَطَئًا ومَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَئًا فتَحرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ ودِيةٍ مُسلَّمَةٍ إِلَى أَهلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا فإِن كَانَ مِن قَومِ عَدُوٍّ لَكُم وهُوَ مُؤمِنٌ فتَحرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ وإِن كَانَ مِن قَومٍ بَينَكُم وبَينَهُم مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسلَّمَةٌ إِلَى أَهلِهِ..))، النساء: 92، والدية مسلَّمة لأهل القتيل، ذكرًا كان أو أنثى. وقال تعالى: ((فكَفَّارَتُه إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِن أَوسَطِ مَا تُطعِمُونَ أَهلِيكُم..))، المائدة: 89. وقال تعالى: ((.. إنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهم وأَهلِيهِم يَومَ القِيَامَةِ..))، الزمر: 15، والشورى: 45، ويستوي في هذا الذكر والأنثى. وقوله تعالى: ((فانكِحُوهُنَّ بِإِذنِ أَهلِهِنَّ))، النساء: 25، عن الإماء، يُقصد بأهلهنَّ أربابهنَّ ومَن هنَّ في ملك يده، وهذا هو الأصل في الإذن.
وأضيفت “أهل” للمؤمنين والمنافقين والكفَّار، كما في: يس: 50، والفتح: 11، والتحريم: 6، والطور: 26، والقيامة: 33، المطففين: 31، والانشقاق: 9، 13.
ومِن الأعيان التي أضيفت كلمة “أهل” إليها في القرآن الكريم عدد مِن الأنبياء، وهم كما يلي:
إضافة “أهل” للأنبياء:
أهل نوح:
ذكر القرآن الكريم أهل نوح -عليه السلام- في ستِّ مواطن مِن القرآن، جميعها تشير إلى زوجته وأبنائه، خلافًا لمـَن أبى ركوب السفينة معه. قال تعالى: ((حتَّى إذَا جَاءَ أَمرُنا وفار التنُّور قُلنَا احمِل فِيهَا مِن كلٍّ زوجين اثنينِ وأَهلَك إلَّا مَن سَبقَ عليه القَولُ ومَن آمَن ومَا آمَن مَعَهُ إلَّا قَلِيل))، هود: 40. وقال سبحانه: ((.. فإذا جاء أَمرُنا وفَارَ التَّنُورُ فاسلُك فِيها مِن كلٍّ زَوجينِ اثنينِ وأَهلَكَ إلَّا مَن سبق عليه القَولُ مِنهُم ولَا تُخاطِبني في الذِينَ ظَلَمُوا إنَّهم مُغرَقون))، المؤمنون: 27. فوعده تعالى بنجاة أهله إلَّا مَن أبى مِنهم. لهذا لمـَّا أبى أحد أبنائه ركوب السفينة معه، جادل نوح ربَّه فيه، وأنَّه مِن أهله: ((ونَادَى نُوحٌ رَبَّه فقَالِ ربِّ إنَّ ابنِي مِن أَهلِي وإنَّ وعدَكَ الحقُّ وأَنتَ أحكمُ الحاكِمِين * قَالَ يَا نُوحُ إنَّه ليسَ مِن أَهلِك إنَّه عملٌ غَيرُ صَالحٍ فَلَا تَسأَلنِ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إنِّي أَعِظُكَ أن تكُونَ مِن الجاهِلِين))، هود: 45- 46. والنفي لا لحقيقة كونه مِن أهله على الحقيقة، وإنَّما أن يكون مِن أهله الذين وعده الله بنجاتهم، فالنجاة لا تكون بالنسب وإنَّما بالعمل الصالح. لهذا يُفهم قوله تعالى: ((.. فنجَّينَاهُ وأَهلَه مِن الكَربِ العظيم))، الأنبياء: 76، و((ونجيَّنَاه وأَهلَهُ مِن الكَربِ العَظيم))، الصافات: 76، في الإطار اللغوي، مع استثناء ابنه كونه لم يقبل دعوة والده.
أهل صالح:
جاء ذكر أهل صالح -عليه السلام- على لسان قومه، يقول تعالى: ((قالُوا تَقَاسَمُوا باللهِ لنبيِّتنَّه وأهلَهُ ثمَّ لنقُولَنَّ لِوليِّه مَا شَهِدنَا مَهلِكَ أَهلِهِ وإنَّا لصَادِقُون))، النمل: 49. وأهل هنا على معناها اللغوي، ليس لها معنى آخر.
أهل إبراهيم:
ورد أهل إبراهيم -عليه السلام- بصيغتين، مرَّة مضافون إلى البيت، كما في قوله تعالى: ((قَالُوا أَتعجَبِينَ مِن أَمرِ اللهِ رَحمَتُ اللهِ وبَرَكَاتُه عَليكُم أَهلَ البيتِ إنَّه حَمِيدٌ مَجِيدٌ))، هود: 73؛ وهذا في سياق خطاب الملائكة لزوجته سارة، إذ لم يكن لإبراهيم ولد في حينه. ومرَّة مضافون إليه: ((فرَاغَ إلَى أَهلِهِ فجَاءَ بعِجلٍ سَمينٍ))، الذاريات: 26. وأهل هنا بمعنى الزوجة كما هو ظاهر القصَّة.
أهل لوط:
ذُكِر أهل لوط -عليه السلام- في ثمانية مواطن مِن القرآن، جميعها تشير إلى بناته، ويدخل فيهم الأبناء إن وجدوا، إذ لا يتعارض أن يكون له بنون، وإن كانت سياقات القصَّة لم تشر إليهم باعتبار عدم وجود المناسبة. وعلى خلاف نوح، جاء الاستثناء هنا مِن الأهل للزوجة لا للابن. قال تعالى: ((فَأنجَينَاه وأهلَه إلَّا امرَأَتَه كَانَت مِن الغَابِرِين))، الأعراف: 83. وهذا الاستثناء ورد في جميع مواطن القصة، في هود: 81؛ الحجر: 65؛ الشعراء: 169- 171؛ النمل: 57؛ العنكبوت: 32؛ العنكبوت: 33؛ الصافات: 134- 135. وهذا يشير إلى أنَّ الزوجة هي أوَّل متبادر في اللغة لمعنى الأهل، لهذا ظلَّ الاستثناء قاعدة ثابتة في عرض القصة.
أهل إسماعيل:
أخبر الله تعالى أنَّ إسماعيل -عليه السلام- كان: ((..يَأمُرُ أَهلَهُ بالصَّلَاةِ والزَّكَاةِ))، مريم: 55؛ ووصف الأهل هنا وصف لغوي يدخل فيه الزوجة والأبناء ذكورًا وإناثًا، ممَّن يصحُّ أمره عليهم.
أهل موسى:
ورد لفظة “أهل” في قصَّة موسى -عليه السلام- في خمس مواطن. تارة أشارت للزوجة (وربَّما للأبناء) كما في قوله تعالى: ((إِذ رَأَى نَارًا فقَالَ لأَهلِهِ امكُثُوا إنِّي آنَستُ نَارًا..))، طه: 10، والنمل: 7، القصص: 29، ذلك أنَّه مكث بعد زواجه عشر سنوات في مدين، ويندر أن على تلك الحقبة ألا ينجب الإنسان ولدًا خلال هذه المدَّة. وتارة أشارت إلى الأخ، كما في قوله: ((واجعَل لِي وزِيرًا مِن أَهلِي * هَارُونَ أَخِي))، طه: 29. وتارة أشارت للأمِّ الوالدة: ((وحرَّمنَا علَيهِ المراضِعَ مِن قَبلُ فقَالَت هَل أدُلُّكُم عَلَى أَهلِ بَيتٍ يكفُلُونَه لكُم وهُم لَه نَاصِحُون))، القصص: 12.
أهل أيُّوب:
وردت لفظة “أهل” في قصَّة أيوب -عليه السلام- في موطنين، وأشارت في كلا الموضعين إلى الزوجة والولد، قال تعالى: ((..وآتَينَاهُ أهلَهُ ومِثلَهُم مَعَهُم رحمَةً مِن عِندِنَا..))، الأنبياء: 84، ((ووَهبنَا لَه أهلَهُ ومِثلَهُم مَعهُم رحمَةً مِنَّا))، ص: 43.
أهل محمَّد:
جاءت لفظة “أهل” في سياق الكلام عن الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في ثلاثة مواطن.
في قوله تعالى: ((وَإذ غَدَوتَ مِن أَهلِكَ تبوِّئُ المؤمِنِينَ مَقَاعِدَ للقِتَالِ واللهُ سَميعٌ عَلِيمٌ))، آل عمران: 121. حيث غدا مِن منزل عائشة -رضي الله عنها، صباحًا، يتَّخذ لهم مواطن للقتال. فأهله هنا زوجته.
وفي قوله تعالى: ((وَأمُر أَهلَكَ بالصَّلَاةِ وَاصطَبِر عَلَيهَا..))، طه: 132. وهذا يشمل أزواجه وبناته، ومواليه وخدمه، وكلَّ مَن يصحُّ أمره عليهم، مِن أهل بيته.
وفي قوله تعالى: ((بَل ظَنَنتُم أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ والمؤمِنُونَ إِلَى أَهلِيهِم أَبَدًا..))، الفتح: 12؛ حيث قرن الجميع في نسبة الأهل، ما يعني أنَّ اللفظ على حقيقته اللغوية التي يشترك فيها الجميع.
أهل في سورة يوسف:
جاءت لفظة “أهل” في سورة يوسف مكرَّرًا، مضافًا للمسلم وغير المسلم، وللذكر والأنثى.
ففي قوله تعالى: ((.. قَالَتَ مَا جَزَاءُ مَن أَرَادَ بأَهَلِكَ سُوءًا))، يوسف: 25، نسبة الأهل إلى ذكر غير مسلم، والمقصود به هنا الزوجة. وفي قوله تعالى: ((..وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِن أَهلِهَا..))، يوسف: 26، نسبة الأهل إلى أنثى غير مسلمة، والمقصود به هنا قرابتها مِن ذوي رحمها.
وفي قوله تعالى: ((وقَالَ لِفِتيَانَهِ اجعَلُوا بضَاعَتَهُم في رِحَالِهم لعلَّهُم يَعرِفُونَها إذَا انقَلَبُوا إلَى أَهلِهِم لعلَّهم يَرجِعون))، يوسف: 62، و((..هذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّت إلَينَا ونَمِيرُ أهلَنَا ونحفَظُ أخَانَا..))، يوسف: 65، و((فلمَّا دخلُوا عَلَيه قَالُوا يا أيُّها العَزِيزُ مسَّنَا وأَهلَنَا الضُّرُّ..))، يوسف: 88، و((اذهَبُوا بقَمِيصِي هَذَا فَألقُوهُ عَلَى وجهِ أَبِي يَأتِ بَصِيرًا وأَتُونِي بأهلِكُم أجمَعِين))، يوسف: 93، نسبت لفظة “أهل” إلى ذكور مسلمين، والمقصود به هنا الزوجات والأبناء، والآباء والأمَّهات، والأحفاد فقد كانوا إخوته أكبر مِنه سنًّا.
أهل مريم:
وردت لفظة “أهل” في قصَّة مريم -عليها السلام، في موطن واحد، وهو قوله تعالى: ((واذكُر في الكِتَابِ مَريَمَ إذ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكَانًا شَرقيًّا))، مريم: 16. ومعلوم أنَّ مريم كانت يتيمة، وأنَّ زكريا كفلها إليه. فالأهل هنا هم بيت زكريا الذين نشأت في بيتهم.

مفتوح "آل البيت" في القرآن الكريم والسنة النبوية

“البيت” في القرآن الكريم:
وردت لفظة “بيت”، في القرآن الكريم، مفردة وجمعًا “بيوت”، في عدَّة مواطن، ومعظمها أتى في سياق الدلالة اللغوية. كما في الآيات التالي: ((.. ومَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ..))، النساء: 100؛ و((وَرَاوَدَتهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ..))، يوسف: 23؛ و((.. أَو يَكُونَ لَكَ بَيتٌ مِن زُخرُفٍ..))، الإسراء: 93؛ و((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امرَأَتَ فِرعَونَ إِذ قَالَت رَبِّ ابنِ لِي عِندَكَ بَيتًا فِي الجَنَّةِ))، التحريم: 11. وقوله تعالى: ((ولَيسَ البِرُّ بِأَن تَأتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأتُوا البُيُوتَ مِن أَبوَابِهَا))، البقرة: 189؛ و((.. وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُم..))، آل عمران: 49؛ و((.. فأَمسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ))، النساء: 15؛ و((وَتَنحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتًا..))، الأعراف: 74؛ و((وَكَانُوا يَنحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ))، الحجر: 82؛ ((وتَنحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ))، الشعراء: 149؛ و((وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِن بُيُوتِكُم سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِن جُلُودِ الأَنعَامِ بُيُوتًا تَستَخِفُّونَهَا يَومَ ظَعنِكُم وَيَومَ إِقَامَتِكُم..))، النحل: 80.
كما وردت لفظة “بيت” في سياق دلالتها اللغوية في حقِّ غير العاقل، قال تعالى: ((وَأَوحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعرِشُونَ))، النحل: 68؛ و((مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَولِيَاءَ كَمَثَلِ العَنكَبُوتِ اتَّخَذَت بَيتًا وَإِنَّ أَوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ))، العنكبوت: 41.
وجاء لفظ “بيت” مسندًا إلى المؤمنين، وإلى الكفَّار، وإلى أهل الكتاب، وإلى المنافقين؛ فعن المؤمنين قال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتِكُم..))، النور: 27، و((لَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَدخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ مَسكُونَةٍ..))، النور: 29؛ وعن الكفَّار قال سبحانه: ((فَتِلكَ بُيُوتُهُم خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا..))، النمل: 52؛ و((ولَولَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلنَا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمَنِ لِبُيُوتِهِم سُقُفًا مِن فِضَّةٍ ومَعَارِجَ عَلَيهَا يَظهَرُونَ * ولِبُيُوتِهِم أَبوَابًا وَسُرُرًا عَلَيهَا يَتَّكِئُونَ))، الزخرف: 33- 34؛ وعن أهل الكتاب قال سبحانه: ((.. يُخرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيدِيهِم وَأَيدِي المؤمِنِينَ..))، الحشر: 2؛ وعن المنافقين قال سبحانه: ((.. قُل لَو كُنتُم فِي بُيُوتِكُم..))، آل عمران: 154، و((.. يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَورَةٌ ومَا هِيَ بِعَورَةٍ)) الأحزاب: 13.
وأسندت لفظة “بيت” لعموم القرابة مستقلَّة عن بعضها، فقال تعالى: ((لَيسَ عَلَى الأَعمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى المرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُم أَن تَأكُلُوا مِن بُيُوتِكُم أَو بُيُوتِ آبَائِكُم أَو بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُم أَو بُيُوتِ إِخوَانِكُم أَو بُيُوتِ أَخَوَاتِكُم أَو بُيُوتِ أَعمَامِكُم أَو بُيُوتِ عَمَّاتِكُم أَو بُيُوتِ أَخوَالِكُم أَو بُيُوتِ خَالَاتِكُم أَو مَا مَلَكتُم مَفَاتِحَهُ أَو صَدِيقِكُم لَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَأكُلُوا جَمِيعًا أَو أَشتَاتًا فَإِذَا دَخَلتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُم تَحِيَّةً مِن عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ))، النور: 61.
وجاء في وصف بيت لوط -عليه السلام- بأنَّه بيت مِن بيوت المسلمين، قال تعالى: ((فَمَا وَجَدنَا فِيهَا غَيرَ بَيتٍ مِن المسلِمِينَ))، الذاريات: 36؛ ووجاء على لسان نوح -عليه السلام: ((رَبِّ اغفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِيَ مُؤمِنًا..))، نوح: 28، فهي دعوة لبيته في زمانه.
وجاء إسناد لفظة “بيت” إلى النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بصيغة المفرد والجمع، قال تعالى: ((كَمَا أَخرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيتِكَ بِالحَقِّ..))، الأنفال: 5، وهذا بيته الذي بمكَّة؛ وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤذَنَ لَكُم إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ..))، الأحزاب: 53، وهذا في شأن بيوت زوجاته بالمدينة. وساوى في اعتبار البيوت، بين النبي وغيره في الأحكام فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُم لَا تُخرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ..))، الطلاق: 1. وهو ما نجده كذلك في اعتبار بيت موسى وأخيه وقومهما في قوله تعالى: ((وأَوحَينَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَومِكُمَا بِمِصرَ بُيُوتًا وَاجعَلُوا بُيُوتَكُم قِبلَةً))، يونس: 87.
وجاء إسناد “بيت” لزوجات النبي -رضي الله عنهنَّ- بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى: ((وقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ..))، و((وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ))، الأحزاب: 33، و34.
وجاءت لفظة “بيت” بدلالة شرعية، بصيغ عدَّة، في (14) موطنًا، تتعلَّق بالكعبة، وهي:

  1. “البَيت”، “بيتي” نسبة للربِّ سبحانه: وذلك في ثمانية مواطن هي: سورة البقرة: 125، 127، 158؛ وآل عمران: 97، والأنفال: 35، والحج: 26، 27؛ وقريش: 3.
  2. “أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ”: وذلك في سورة آل عمران: 96.
  3. “البَيتِ الحَرَام”: وذلك في سورة المائدة: 2؛ و”بَيتِكَ المحرَّم” نسبة إلى الربِّ سبحانه: في سورة إبراهيم: 37.
  4. “الكَعبَةَ البَيتَ الحَرَام”: وذلك في سورة المائدة: 97.
  5. “البَيتِ العَتِيقِ”: وذلك في موطنين، هما في سورة الحج: 29، 33.

وجاء إطلاق وصف “بيوت” للمساجد عمومًا، كما في قوله تعالى: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ..))، النور: 36. وفي الحديث وُصِفت بأنَّها “بيوت الله”: (وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بينَهُم، إِلَّا نَزَلَت عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتهُمُ الرَّحمَةُ، وحَفَّتهُمُ الملَائِكَةُ، وذَكَرَهُم اللَّهُ فِيمَن عِندَهُ)، مسلم: 2699.
وجاء بصيغة شرعية أخرى تشير إلى “البَيتِ المـَعمُورِ”، إذ هو اسمه في السماء، في موطن واحد، في سورة الطور: 4.
“أهل البيت”.. المصطلح المركَّب:
يظهر لنا ممَّا سبق أنَّ “أهل” جاءت في القرآن الكريم في إطار دلالة لغوية لا شرعية، وأنَّها استخدمت مع المؤمن والكافر، ومع النبي والمؤمن العادي. كما ظهر لنا أنَّ “بيت” جاءت في القرآن الكريم في إطار دلالة لغوية وشرعية، وأنَّ اللغويُّ مِنها عام مشترك بين المؤمن والكافر، والنبي والمؤمن العادي؛ وأنَّ الدلالة الشرعية خاصَّة بالكعبة والمساجد فقط.
وقد جاءت نسبة “أهل” لـ”بيت” في القرآن الكريم في دلالة لغوية كما في قوله تعالى: ((يا أيُّها الَّذِينَ آمنُوا لَا تَدخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتِكُم حَتَّى تَستَأنِسُوا وتُسلِّموا عَلَى أَهلِهَا..))، النور: 27، أي أهل البيوت، والمقصود ساكنيها. وقد تقدَّم معنا أنَّ هذا إضافة لفظ “أهل” إلى الأشياء. وأهل البيت هم ساكنوه عمومًا ذكورًا وإناثًا.
ولم يأت هذا المصطلح “أهل البيت” خاصًّا بالنبي محمَّد -صلَّى الله عليه وسلم، بل قد جاء نسبة إلى أهل نبي الله إبراهيم -عليه السلام، قال تعالى: ((قَالُوا أَتَعجَبِينَ مِن أَمرِ اللَّهِ رَحمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ))، هود: 73، وهي في سياق الدعاء.
ووروده في سياق النبي محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- جاء لمرَّة واحدة، وفي إطار حديث القرآن الكريم مع أزواجه، قال تعالى: ((وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولَا تَبَرَّجنَ تبَرُّجَ الجَاهِلِيةِ الأُولَى وأَقِمنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وأَطِعنَ اللهَ ورَسُولَه إنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِّجسَ أَهلِ البَيتِ ويُطهرِّكم تطهيرًا))، الأحزاب: 33. ويدلُّ السياق على أنَّ المخاطب نساء النبي، منذ مطلع السورة (آية 6، و29، و30، و32)، وإلى ما بعد الآية (آية 34)، إذ قال تعالى: ((واذكُرن ما يُتلىٰ في بيوتِكنَّ مِن آياتِ اللَّهِ والحكمة إنَّ اللَّهَ كان لطِيفًا خبيرًا))، الأحزاب: 34. فالبيوت المشار لها هنا هي بيوت نساء النبي.
وهذا يدلُّ على أنَّ مصطلح “أهل البيت” مصطلح ذو دلالة لغوية لا شرعية، إذ لو كانت له دلالة شرعية لوجب بيانها وبيان ما يتعلَّق بها مِن أحكام. أمَّا كون اختصاص نساء النبيِّ ببعض الأحكام الخاصَّة فهو مِن قبيل الاستثناء وليس التشريع المستقل، ذلك أنَّهنَّ داخلات في عموم الشريعة دون ما استثنوا فيه.

والخلاصة:
أنَّ كلمة “أهل” أتت في القرآن الكريم في سياقات خبرية، وأضيفت لأشياء وأمكنة وأزمنة ومعانٍ وأشخاص، وإلى الذكر والأنثى، والمؤمن والكافر. وأفادت السياقات التي وردت فيها كلمة “أهل” ما يلي:
أنَّ كلمة “أهل” يُراد بها الزوجة، وهو الغالب، والأبناء ذكورًا وإناثًا، والآباء والأمَّهات، والإخوة والأخوات، والموالي والخدم، والمالك للإماء والعبيد، وذوي القربى.
أنَّ كلمة “أهل” استخدمت وفق الوضع اللغوي، ولم تنقل لوضع شرعي أو عُرفي مغاير، وهو ما جعل أصحاب الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- يتلقَّون هذا اللفظ الذي تكرَّر لأكثر مِن (100) مرَّة دون السؤال عن المراد مِنه شرعًا، إذ لو كان له معنى شرعي للزم بيانه.
أنَّ كلمة “أهل” وردت في سياق قصص عدد مِن الأنبياء، بما في ذلك إبراهيم ومحمَّد، صلَّى الله عليهم وسلَّم، وقد حملت دلالاتها اللغوية، وأشارت إلى الزوجات والأبناء والبنات والأبوين والإخوة والأخوات. وأنَّ “أهل البيت” وردت على سبيل نسبة “أهل” للأشياء، وهي نسبة لغوية وردت في حقِّ الأنبياء وغيرهم، كما أوردنا.
أنَّ كلمة “أهل” تقتضي الاقتران والمصاحبة والملازمة والمداومة، فإذا ما انفكَّت هذه الاعتبارات انفكَّ الوصف، على مستوى الأشياء والمعاني والأمكنة والأزمنة والأشخاص. فـ”أهل السفينة” هم أصحابها على سبيل الاقتران والملازمة والمداومة، فإذا فارقوها وباعوها ارتفع عنهم هذا الوصف. و”أهل البلدة” هم أصحابها على سبيل الاقتران والملازمة والمداومة، فإذا فارقوها وخرجوا مِنها إلى غيرها، ارتفع عنهم هذا الوصف. وأهل الدنيا إذا انتقلوا إلى القبور قيل عنهم أهل البرزخ أو الآخرة. وأهل الأمانة والتقوى إذا نبذوا الأمانة والتقوى لم يكونوا أهلًا لها. والمرأة إذا انفكَّ ارتباطها عن زوجها بطلاق لا تحمل صفة كونها أهلًا له. وإذا بُعدت القرابة وانفكَّت الأجيال لا يُعهد أن يُقال عنهم أهل، إذ لا صحبة ولا اقتران ولا تلازم بينهم.
أن إضافة “أهل” إلى “بيت” هي إضافة مصطلح لغوي لمصطلح لغوي، وأنَّ “أهل البيت” لا يفيد دلالة شرعية خاصَّة، رغم أنَّ الشارع أطلق “البيت” على الكعبة وعلى المساجد كدلالة شرعية لا لغوية.

إطلاق الآل على بيت النبي نسائه وبناته وعشيرته ومواليه 01 "آل البيت" في القرآن الكريم والسنة النبوية

ثانيًا: أهل البيت في السنة النبوية:

 استخدم لفظ “أهل” و”البيت” في السنَّة النبوية كما هو في الوضع اللغوي، في حال نسبتهما إلى الأشخاص.
فقد أسند البيت للنبي وللرسول بالمعنى اللغوي للبيت. ففي الحديث: “أنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ في بَيتِ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فسَدَّدَ إلَيه مِشقَصًا”[2]. ودخَلَ أبو بَكر -رضي الله عنه، على بيت عائشة، وعندها جارِيَتَان مِن جواري الأنصار تُغَنِّيَان بما تَقَاوَلَت الأنصار يوم بُعَاثَ، وليسَتَا بمُغَنِّيَتَين، فقال أبو بَكرٍ: “أمَزَامِيرُ الشَّيطَانِ في بَيتِ رَسول اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم؟!”[3]. وجاء رَجُل إلى ابن عُمَر -رضي الله عنهما، فسأله عن عُثمان، فذَكر عن محاسِن عَمَلِه، قال: لعلَّ ذاك يَسُوؤك؟ قال: نعم! قال: فأَرغَم اللَّهُ بأَنفِك. ثُمَّ سأله عن عليٍّ، فذَكَر محاسِن عَمَلِه، قال: هو ذاك بَيتُه، أوسَطُ بُيُوتِ النَّبيِّ. ثُمَّ قال: لعلَّ ذاك يَسُوؤُك؟ قال: أجَل! قال: فأَرغَمَ اللَّهُ بأَنفِك، انطَلِق فاجهَد عليَّ جَهدَك[4].
ونسبة الأهل إلى البيت، وردت في حقِّه وحقِّ غيره مِن الناس، كما هو اللغة. فمَّما ورد في نسبة الأهل إلى البيت في حقِّ غيره، ما جاء في حديث: (خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وأَجِيفُوا الأبوابَ، وأَطفِئُوا المصابِيحَ، فإنَّ الفُوَيسِقَةَ رُبَّما جَرَّتِ الفَتِيلَةَ فأحرَقَت أهلَ البَيتِ)[5]. وفي أثر “فطَرَقَ أهلَ بَيتٍ مِن اليَمَنِ بالبَطحَاءِ”[6]. وفي أثر آخر دَخَلَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على أمِّ سُلَيم، وفيه “فدَعَا لأُمِّ سُلَيمٍ وأَهلِ بَيتِهَا”[7]؛ وفي حديث أبي طَلحَة، قال فِيه: “ثُمَّ أَكَلَ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم، وأَكَلَ أَهل البيتِ، وأَفضَلُوا ما أَبلَغُوا جِيرَانَهم”[8]. وفي حديث عبدالله بن عبَّاس -رضي الله عنهما، لَمَّا حُضِرَ رَسولُ اللَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي البَيتِ رِجال، فقال النبيُّ: (هَلُمُّوا أكتُب لَكُم كِتابًا لا تَضِلُّوا بَعدَهُ)، فقال بَعضُهم: إنَّ رَسولَ اللَّهِ قد غَلَبَه الوَجَع، وعِندَكم القُرآنُ، حَسبُنا كِتابُ اللَّهِ، فاختَلَفَ أهلُ البَيتِ واختَصَمُوا، فمِنهُم مَن يقولُ: قَرِّبُوا يَكتُب لكم كِتابًا لا تَضِلُّوا بَعدَه، ومِنهُم مَن يقولُ غيرَ ذلك[9]. وفي حديث عائشة -رضي الله عنها، في شأن حادثة الإفك: “فوَاللَّهِ ما رَامَ رَسول اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- مَجلِسه، ولا خرَج أحد مِن أهلِ البَيتِ، حتَّى أُنزِلَ عليه”[10]، وتقصد بيت أبيها أبي بكر -رضي الله عنه. وفي حديث الرجل الذي واقع امرأته في نهار رمضان، وفيه أنَّه قال لرسول الله: “أعَلَى أفقَرَ مِنِّي يا رَسولَ اللَّهِ؟ فوَاللَّهِ ما بين لابَتَيها -يُرِيدُ الحَرَّتَينِ- أهلُ بَيتٍ أفقَرُ مِن أهلِ بَيتِي”[11]. وأَتَى النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بَيتَ فَاطِمَة، فلَم يَدخُل عليها، وجَاء علي، فذَكَرَت له ذلك، فذَكَرَه للنبيِّ، قال: (إنِّي رَأَيتُ على بَابِها سِترًا مَوشِيًّا، فقلت: ما لي وللدُّنيا؟!). فأتَاهَا علي فذَكَرَ ذلك لها، فقالت: لِيَأمُرنِي فيه بما شَاء! فقال: (تُرسِلُ به إلى فُلَانٍ)، أهلِ بَيتٍ بهِم حَاجَة[12]. ورخَّص رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في بَيعِ العَرِيَّة، النَّخلَةِ والنَّخلَتَينِ، يأخُذها أَهلُ البَيتِ بخَرصِهَا تَمرًا يَأكُلُونها رُطَبًا[13]. وفي أثر عند مسلم، قُلنَا: “لَا، إلَّا أنَّا ظَنَنَّا أنَّ بعض أَهلِ البيتِ نائم”[14].
فهذا مصطلح لغوي شائع الاستخدام، وفي الحديث: (أَلا كُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مَسئُول عن رَعِيَّتِه، فالإِمام -وفي رواية: فالأمِير- الذي على النَّاس راعٍ، وهو مَسئُول عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ على أهلِ بَيتِهِ، وهو مَسئُولٌ عن رَعِيَّتِه، والمرأَة راعِيَة على أهلِ بَيتِ زَوجِها وولَدِه، وهي مَسئُولَة عنهم،..)[15].

أهل البيت.. اختصاصًا بالنبي:
ورد في بعض الأحاديث الإشارة إلى أهل النبيِّ بـ”أهل البيت”، كما في الروايات التالية:
– قال أبو بَكرٍ الصديق -رضي الله عنه: (ارقُبُوا محمَّدًا -صلَّى الله عليه وسلَّم- في أهلِ بَيتِهِ)[16].
– عن فَاطِمة بنت النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قالت: (سَارَّنِي النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فأخبَرَنِي أنَّه يُقبَضُ في وجَعِهِ الذي تُوُفِّيَ فِيه، فبَكَيتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فأخبَرَنِي أنِّي أوَّلُ أهلِ بَيتِه أتبَعُهُ، فضَحِكتُ)[17].
– فخَرَجَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فانطَلَقَ إلى حُجرَةِ عَائِشَةَ، فقال: (السَّلام عليكم أهلَ البَيتِ ورحمة اللَّه)، فقالت: وعليك السَّلام ورحمة اللَّه، كيف وجَدتَ أهلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لك؟[18]. وفي رواية: فجَعَلَ يمُرُّ على نِسائِه، فيُسلِّم على كلِّ واحِدة مِنهنَّ، يقول: (سلامٌ عليكم، كيف أَنتُم يا أَهلَ البَيتِ؟)، فيقولون: بخيرٍ يا رسول الله، كيف وَجَدت أَهلَكَ؟ فيقولُ: بخيرٍ[19].
– قالت عائشة -رضي الله عنها: “نَهانَا في ذلك أهلَ البَيتِ أن نَنتَبِذَ في الدُّبَّاءِ والـمُزَفَّتِ”[20].
– خَرَجَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- غَداة، وعليه مِرطٌ مُرَحَّلٌ، مِن شَعرٍ أَسوَدَ، فجاء الحسن بن علي، فأدخَلَه، ثُمَّ جاء الحسين، فدَخَلَ معه، ثمَّ جَاءَت فاطِمة، فأدخَلَها، ثمَّ جاء عليٌّ، فأدخَلَه، ثمَّ قال: ((إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا))[21].
– حديث كَعبِ بن عُجرَة: “سَأَلنَا رَسولَ اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم، فَقُلنا: يا رَسولَ اللَّه.. كيف الصَّلاة عليكم أَهلَ البَيت، فإنَّ اللَّه قد علَّمَنا كيف نُسلِّمُ علَيكم؟ قال: (قُولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ، كما صلَّيت على إبرَاهِيمَ وعلى آلِ إبرَاهِيم، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِك على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ، كما بَارَكت على إبرَاهِيمَ وعلى آلِ إبرَاهِيم، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ)[22].
وفي حديث الإفك، أنَّ رسول اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- دعا علِيًّا، وأُسَامَة بن زَيدٍ، رضي اللَّه عنهما، حين استَلبَث الوحي، يَستَأمِرُهما -يَستَشِيرُهما- في فِرَاقِ أهلِه. فأمَّا أُسَامَةُ بن زَيدٍ فأشار على رسول اللَّه بالذي يَعلَمُ مِن بَرَاءَةِ أهلِه، وبالذي يَعلَمُ لهم في نَفسِه مِن الوُدِّ، فقال: يا رَسولَ اللَّهِ.. أهلَك ولا نَعلَمُ إلَّا خَيرًا. وأمَّا عليُّ بن أبي طالب فقال: يا رَسولَ اللَّهِ لَم يُضَيِّقِ اللَّهُ عليك، والنِّسَاءُ سِواها كَثِيرٌ، وإن تَسأَلِ الجَارِيَة تَصدُقك. فدَعَا رسولُ اللَّهِ بَرِيرَةَ، فقال: (أَي بَرِيرَةُ.. هل رَأَيتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ؟). قالت: لا والذي بَعَثَك بالحَقِّ، إن رَأَيتُ عليها أمرًا أغمِصُه عليها، أكثَرَ مِن أنَّها جَارِيَة حَدِيثَة السِّنِّ، تَنَامُ عن عَجِينِ أهلِها، فتَأتي الدَّاجِنُ فَتَأكُلُه. فقَام رسول اللَّه فاستَعذَرَ -يومئذٍ- مِن عبدِاللَّهِ بن أُبَيٍّ ابنِ سَلُول، فقال، وهو على المِـنبَرِ: (يا مَعشَرَ المسلمين مَن يَعذِرُنِي مِن رَجُل قد بَلَغَنِي أذَاهُ في أهلِ بَيتِي، فوَاللَّهِ ما عَلِمتُ علَى أهلِي إلَّا خَيرًا)[23].
وهي جميعًا تتحدَّث عن المعنى اللغوي في شأن أهل بيت النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم، بما يشمل جميع زوجاته وبناته وأهله. وفي هذا المعنى يقول أبو موسى الأشعري، رضي الله عنه: “قَدِمتُ أنَا وأَخِي مِن اليَمَن، فمَكَثنا حِينًا ما نُرَى ابنَ مَسعُودٍ وأُمَّه إلَّا مِن أهلِ البَيتِ، مِن كَثرَةِ دُخُولِهم ولُزُومِهِم له”[24]؛ وذلك لكثرة ما كانوا يتردَّدون على بيوت زوجات النبي.
ووصيَّة أبي بكر -رضي الله عنه- في أهل بيت النبيِّ مِن وصايا البرِّ والمعروف مع أهله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد موته، ولم يفهم الصحابة في وصيِّته بهم أيَّ معنى للغلو والتمييز والاستثناء. بل إنَّ أبا بكر -رضي الله عنه- انعقدت بيعته في غياب بعض قرابة الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم، بمَن فيهم علي -رضي الله عنه، فلو كانت الوصية تعني التمييز والاستثناء والتقديم لقدَّم عليًّا في الخلافة على نفسه. كما أنَّه منع فاطمة -رضي الله عنها- مال أبيها، التزامًا بتوجيهات الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- فلم يستثنها في طاعة النبيِّ -عليه الصلاة والسلام.
وأمَّا جمع النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لفاطمة وعلي والحسن والحسين تحت ردائه، وقراءته للآية، فهو مِن قبيل بيان كونهم مِن أهل بيته، وأنَّه راض عنهم، وأنَّهم ممَّن أراد الله طهارتهم شرعًا. كيف لا، وعليٌّ -رضي الله عنه- تربَّى في حجر الرسول، إذ تكفَّل به مِن صغره. وكان يدخل عليه بيوته. حتَّى استشاره -صلَّى الله عليه وسلَّم- في شأن عائشة زوجه، في حادثة الإفك. فليس في الحديث إثبات أمر لا يثبت بغير اللغة، وكلُّ ما هنالك أنَّهم مشمولون بإرادة الله تعالى الشرعية بتطهيرهم، وأنَّهم يدخلون في أهل بيته عُرفًا، فالحديث لا ينشئ حكمًا جديدًا أو مغايرًا. وغاية ما جاء في بعض الروايات الدعاء لهم.
وأمَّا ما جاء في بعض الأحاديث، عنه -عليه الصلاة والسلام، أنَّه قال: (والذي نفسي بيده.. لا يُبغِضُنا أهلَ البيتِ أحدٌ إلَّا أدخلَه اللهُ النارَ)[25]، فهو إن ثبت صحيح المعنى في حقِّ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم، وزوجاته وأهل بيته، فإنَّ الرجل يدخل في مفهوم “أهل البيت” ابتداء، فمَن أبغض رسول الله، وزوجاته، وأهل بيته في عهده، كان منافقًا، وإن أتى بظاهر الإسلام. وفي العموم بغضُ أهل الإيمان لإيمانهم، وفي مقدِّمتهم، المهاجرين والأنصار، وعموم الصحابة، نفاق لا ريب فيه، وهو يؤدِّي بصاحبه للهلاك في النار.
هذه هي الأحاديث الصحيحة التي لا خلاف عليها، وأنت ترى كيف أنَّها لا تُعطي تمييزًا لأهل البيت، ولا تنقلُ استخدام المصطلح مِن الوضع اللغوي للوضع الشرعي، ومِن الحقيقة اللغوية للحقيقة الشرعية، ولا تُشير مِن قريب أو بعيد لامتداد هذا المصطلح وتجاوزه للزمان والمكان، بل هي تشير لأناس معلومين ومعهودين. وهي بهذا توافق نصوص آيات القرآن الكريم، وتتَّفق معها روحًا ومعنى، فهي مصدِّقة للقرآن الكريم، لا تخالفه ولا تختلف عنه.
فكيف أضحت هذه النصوص الواضحة، كتابًا وسنَّة، مجيَّرة -فيما بعد- لصالح نصوص مظنونة السند أو المتن، ومعاني لم يردها الشارع، لا في كتاب ولا في سنَّة، وأثقلت بحمولة مِن الملابسات والاعتبارات التاريخية، والتي جاءت ضمن سياقات صراعات ونزاعات سياسية اجتماعية طائفية.

الهوامش:

  1. ا مجموع الفتاوى: ج7/665. 
  2. أنس بن مالك، البخاري، رقم: 6889. 
  3. عائشة أم المؤمنين، البخاري، رقم: 952؛ ومسلم، رقم: 892. 
  4. سعد بن عبيدة، البخاري، رقم: 3704. 
  5. جابر بن عبدالله، البخاري، رقم: 3316، و6295؛ ومسلم، رقم: 2012، بلفظ: (فإنَّ الفُوَيسِقَةَ تُضرِمُ علَى أهلِ البَيتِ بَيتَهُم). 
  6.   أنس بن مالك، البخاري، رقم: 6899. 
  7. أنس بن مالك، البخاري، رقم: 1982. وفي مسلم، دخل النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- علينا، وما هو إلَّا أنا، وأمِّي، وأمُّ حرَامٍ خالتي، فقال: (قُومُوا فلِأُصَلِّيَ بكم)، في غير وَقت صلاة، فصلَّى بنا. “ثُمَّ دَعَا لنَا أَهل البَيتِ بكُلِّ خيرٍ مِن خَيرِ الدُّنيا والآخِرَة”. مسلم، رقم: 660. 
  8. أنس بن مالك، مسلم، رقم: 2040. 
  9. البخاري، رقم: 4432، و5669، و7366؛ ومسلم، رقم: 1637. 
  10. البخاري، رقم: 2661، و4141، و4750؛ ومسلم، رقم: 2770. 
  11. أبو هريرة، البخاري، رقم: 1936. 
  12. عبدالله بن عمر، البخاري، رقم: 2613. 
  13. مسلم، زيد بن ثابت، رقم: 1539، وسهل بن أبي حثمة، رقم: 1540. 
  14. عبدالله بن مسعود، مسلم، رقم: 822. 
  15. عبدالله بن عمر، البخاري، رقم: 7138؛ ومسلم، رقم: 1829. 
  16. عبدالله بن عمر، البخاري، رقم: 3751. 
  17. عائشة أم المؤمنين، البخاري، رقم: 3625. 
  18. أنس بن مالك، البخاري، رقم: 4793. 
  19. أنس بن مالك، مسلم، رقم: 1428. 
  20. البخاري، رقم: 5595؛ ومسلم، رقم: 1995. 
  21. عائشة أم المؤمنين، مسلم، رقم: 2424. 
  22. كعب بن عجرة، البخاري، رقم: 3370. 
  23. عائشة أم المؤمنين، البخاري، رقم: 4750؛ ومسلم، رقم: 2770. 
  24. البخاري، رقم: 4384؛ ومسلم، رقم: 2460. 
  25. أخرجه الهيثمي، عن أبي سعيد الخدري، في مجمع الزوائد: ج7/299؛ وصحَّحه الألباني، في السلسلة الصحيحة، رقم: 2488.

أنور الخضري

كاتب وباحث يمني مهتم بالقضايا السياسية والشأن اليمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى