د. ثابت الأحمدي
مدخل عام
القبيلة مكون اجتماعي ضمن مكونات الشعب اليمني السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، وهي الكيان الفاعل بدرجة رئيسية في مجريات الأحداث السياسية على امتداد تاريخ الصراع السياسي في اليمن، وتتداخل تداخلا كليا مع الفئات المذكورة؛ إذ ليست كيانا منفصلا ومغايرا لما عداها من الكيانات المذكورة؛ إذ ينتمي كلهم أو غالبهم إلى القبيلة، ويتماهون في أنشطتها وقيمها الإيجابية، وأحيانا السلبية.
والقبيلة اليمنية قديمة، قدم التاريخ نفسه، منذ سبأ وحمير، وليست وليدة العصر، نشأت على أسس سياسية واقتصادية وجغرافية، لا على أساس القرابة العشائرية، فالقبيلة اليمنية في ظل غياب الدولة، كانت تضطلع بجميع الوظائف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي يمكن للدولة أن تقوم بها، لذلك كانت القبيلة اليمنية تنظيماً حربيا، وكيانا اجتماعيا، يضمنُ أمن أفراده وحماية ممتلكاتهم، وكانت تنظيماً ينظم استخدام الموارد الطبيعية، وأيضًا تنظيم العلاقات وتسوية الخلافات بين أفراد القبيلة بقوانين غير مكتوبة “أعراف” يتوارثونها جيلا عن جيل، لها صفة الإلزامية الصارمة، ومن خالفها يصبح “خليعًا” لا وزن له بين قومه.
ولا نستطيع ربط مفهوم القبيلة بالمِخيال الفولوكلوري التقليدي لكلمة قبيلة، كما هو الشأن مع كثير من القبائل في أفريقيا، أو شمال الجزيرة العربية سابقا، المنعزلة في كانتونات على أساس القرابة والعشيرة الواحدة في الغالب؛ فالقبيلة اليمنية قبيلة متمدنة متحضرة، تنتمي إلى قيم الدولة لا إلى قيم البداوة. القبيلة في اليمن مستقرة، وليست متنقلة، والاستقرار دليل التحضر والانتماء والمدنية. القبيلة في اليمن مارست الزراعة والصناعة والتجارة والتدين بكل أشكاله، فيما القبيلة البدوية خالية من كل هذه، فهي تقتات على الرعي والصيد، وعلى ريع السنان والرمح من النهب والسلب والتقطع. القبيلة اليمنية أبحرت غربا وجنوبا، وشمالا، أما القبيلة البدوية فلم تتجاوز صحراءها، ولم تعرف من قيم التمدن والتحضر إلا ما وصل إليها من يد الغير. القبيلة اليمنية بَنَت القصور وشيدت السدود، أما القبيلة البدوية فلم يكن لها إلا الخيام وبيوت الِّلبن على أحسن الأحوال.
هذا هو الفارق الرئيس بين القبيلة المتمدنة، والقبيلة “المتبدونة”.. القبيلة التي رفضت فكرة السماء وحاربتها من أول وهلة، والقبيلة التي جعلت منها أو تعشمت فيها سُلما لمجدها الآفل، وإن لم يكن ذلك.
الإمامة والصراعات القبلية
من نافلة القول الإشارة إلى أن الصراعات
الاجتماعية سمة لازمة لأي مجتمع تتراجع فيه سلطة الدولة أو تضعف، سواء في اليمن أم
في غير اليمن. وفي الواقع فلم يستطع يحيى حسين الرسي التسلل إلى اليمن، ثم تأسيس
دويلته في صعدة إلا على أساس الخلافات التي نشبت بين قبيلتي: الأكيليين والفطيميين
هناك؛ إذ تم استقدامه كطرف ثالث للحل، فكان مشكلة ثالثة بحد ذاته؛ إذ لم يحسم
الصراع؛ بل أداره، ليتمكن ــ وفقا لهذه اللعبة ــ من البقاء علي رأس جماعته الذين
جلبهم من بلاد الجيل والديلم، مدعوما ببعض القبائل اليمنية، ومن ثم التأسيس لنظام
حكم عقدي صارم، يستمد شرعيته من السماء حد زعمه…!
ولأن الجنود الذين أتى بهم يحيى حسين الرسي ــ
المؤسس الأول للكيان الإمامي ــ لم يكونوا كافين لخوض معارك كبيرة من التي خاضها
ضد القَبَائل التي رفضت حكمَه ودعوته فقد استعان بالقبائل؛ إذ قاتلَ ابن بسطام في
نجران وعشيرته وعامة بني الحارث بقبائل من همدان ونجران وثقيف، ثم ترك الجميع هناك
ورجع إلى صعدة. كما قاتل الأكيليين الذين
كانوا موالين للعباسيين بأبناء أعمامهم الفطيميين الميالين إلى التشيع.. وشق عصا
التحالف بين الأكيليين، والكليبيين، بعد أن حاربوه، بل لقد أخرج الكليبيون
الأكيليين من بلادهم، وعاشوا في منطقة أخرى..
أما هو فقد دخل صَنعاء بقبائل من الشمال،
واستطاع التغلب على السلطان حاتم بن محمد اليامي، وأخرب داره الشهيرة في صنعاء،
وقَدْ كانت مضربَ المثل في البهاء والجمال.
وفي عهد نجله الناصر، ومع مطلع توليه
الإِمَامَة عقب وفاة أخيه المرتضى سنة 310هـ أوقع بين قبيلتي دُهمة وأختها وائلة
ابني شاكر، قُتل فيها ثلاثمئة رجل، بسبب جارٍ لوائلة قتلته دُهمة.
يقول البردوني، في كتابه قضايا يمنية: “وابتدأ
الإمام الهادي يقاتل القبيلة المتمردة بالقبيلة الطيعة، وكان أتباع الهادي يشكلون
عدداً كبيراً من خولان الشام وصعدة ويام والوافدين من طبرستان حيث كان الحكم هناك
زيديا، كما كان الدعام بن ابراهيم يشكل عدداً كبيرا من همدان وما حولها في وجه
الهادي. وكان اليعفريون يشكلون جيشاً بنفس القوة من كوكبان وشبام. وكان علي بن
الفضل في جنوب الشمال يقاتل بأتباعه مذهبيا لا نسبيا، كسائر الولاة من الباطنية.
وكان القتال بنفس السلاح خيولاً وسيوفاً ورماحاً، والقوة البشرية أحسم عامل لأي
موقف، وقد تمادت الحروب في هذه المناطق أطول الفترات لغلبة ميول العشائر الشمالية
إلى الحرب أينما شبت أكثر من ميولها إلى حرث الأرض وزراعتها كالمناطق الوسطى التي
تؤثر السلام لكي تعمل آمنة، غير أن تلك العشائر الحربية كانت تحقق من الغنائم
والمصالح أكثر مما تحقق بالمحراث والمنجل، فكان السيف المزارع والحصاد، وكان
الإمام أو الملك أو السلطان أعجز من أن يكوّن جيشاً منظماً لحسم الموقف؛ لأنه سوف
يواجه نفس الطبيعة العسكرية، فأدى التشابه بين أتباع الإمام المَبايَع وبين أتباع
المحافظين على السلطة إلى طول الاشتباك بدون جدوى. وبعد موت الهادي تمت لابنه
البيعة من الأتباع، وابتدأ نفس الميدان الدموي، واستمرت نفس الظروف الحربية على
نفس ذلك الشكل، حتى جاء الصليحيون آخر القرن العاشر فأضافوا جبهة ثالثة، فتمادت
الحروب بين الصليحيين والعلويين من جهة، وبين النجاحيين والصليحيين من جهة أخرى..
وبعد انتهاء الصليحيين والنجاحيين بسقوط الخلافتين المتعارضتين الفاطمية والعباسية
في بغداد والقاهرة قامت الزعامات اليمنية المتوالية على نفس الطرائق، بين المتشبث
والطامع، وبين الإمام القائم وبين الإمام الذي يريد القيام، وبين دولة بني رسول
حليفة الايوبيين ومحاربة الأئمة بالشمال.. وكان للإمام القائم قبيلة تحميه، ولكل
إمام خارج قبيلة تدفعه، وكان كل واحد يستصفي مجموعة كبيرة أو صغيرة من رؤساء
العشائر يدعون عشائرهم إلى نصرته.. ومع أن الغالبية الكبرى أميل إلى العافية
والاستقرار إلا أنهم كانوا يمارسون الحروب مرغمين بقدرة التحريض أو بقدرة الترغيب،
أو تشعلها قلة من المُتمصلحين، فتدخلها الكثرة إما من قبيل العدوى، أو من قبيل
الدفاع عن النفس، أو من جهة تحقيق الوجود. وكان العامل الاقتصادي يسود كل هذه
العوامل، فتندفع الجماعات كلما لوحت شعلة من جبل، أو دقت طبول في وادٍ حسب
التقاليد الحربية في الأرياف؛ لأن الفوضى لم تكن طبيعة اجتماعية في اليمنيين”.[1]
وهذا الإمام أحمد بن سليمان 532 إلى 566هـ
يواصل نفس السياسة التي دشنها الرسي، معلنا عن ذلك بالقول شعرا:
لأحكمنَّ صوارمًا ورماحًــا ولأبدلــنَّ مع السماح سمــاحا
ولأقتلــــنَّ قَبِيْلَة بقبيـــــلة ولأسلبن من العــدا أرواحـــا
ولأروين السُّمر ممن أبتغي فإذا روين أفدتني إصلاحا
ولأجلونَّ الأفق عن ديجـــوره حتى يعود دجى الظلام صباحا
ولأكسونَّ الأرض عما سرعة نقعا مثارا أو دما سفاحــــــا
ولأجلبنَّ الخيل من أقصى المدى لا ينثنين ولا يردن مراحا
ولأرمينَّ بها الخصيب وأهله ولأنجحــنَّ ملوكهم إنجـــاحا
ولأرمينَّ الواديين بصيـــــلم والمشرقين وأنثني صرواحا
جيش تئن الأرض من جولاته كأنين من يشكو عنىً وجراحا
ولأمطرنَّ عليهم مني سما تدع البلاد من الدما أقـــــداحا[2]
ولا يخفى على أحد أن هَذِه من ضمن السِّياسَات
الفرعونيَّة التي اتبعها فِرْعَون مصر، لتسهيل سَيطرته على شَعبِ مصر، فقد قَال
الله عنه: {إِنَّ فِرْعَون عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ
طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ
مِنَ الْمُفْسِدِينَ} القصص:4.
وقد طبَّق ـ عمليًا ـ ما أعلنه هنا؛ فحارب
قَبِيْلَةً بقبيلةٍ، وقومًا بقوم، فقد قاتل قبائلَ “يام” بأهل
“سَنحان” في جمادى الأول سنة خمسمئة وتسع وأربعين، وكذلك قبائل وادعة ــ
الذين وصَفهم بالأنذال ــ مع سنحان، وخربت القَبَائلُ التي كانت معه من جنب وسنحان
بلادا كثيرة من نجران، استمر التخريبُ والنهبُ ثلاثة أيام، وفي ذلك قَال الإمام:
ونادى المنادي يا لجنب فأقبلوا كسيلٍ حثيث في مثانيه تطلع
فيا ليت عينا للشريفي دهمشا بدت رأس نثو والأباطيل صرع
فينظر ما يشفي الفؤاد من العدا منازلهم هدما والأعناب تقطع
أقمنا ثلاثا في ثلاث عليهم وسرنا وهِي خال من السكن بلقع
لحوم الضأن في عقر دارهم بلحم السواني فهِي للقوم توزع[3]
ويذكر محسن بن الحسن، صَاحبُ “طيب
الكسا” عن سِيَاسَةِ الإمَام المهدي، صَاحِب المواهب ما نصه: “.. وكانت
قاعدةُ الإمَام يُسالم بكيلا طورا، ويباين حاشدا، ويحارب هَؤلاء بهؤلاء، وتارةً
يسلط حاشدا على بكيل، وما يزال هَذا دأبُه، ولا يعجبه غير عدمِ الاتفاق
بينهم..”[4]
وذَكر القاضي عبد الرحمن الإرياني في مذكراته
أن قبائل خولان حين وفَدت إلى الإمَام يحيى حميد الدين، عام 1934م متجهة إلى الحرب
ضد المملكة العَربيَّة السعودية مُنتصف ثلاثينيات القرن الماضي، رَفض أولا
مقابلتها، وحين ظلوا يرددون الزاملَ كثيرًا اسْتدعاهم واسْتقبلهم بقوله:
“كعوا كعوا يا خولان” مضيفا: و “كعوا” كلمة تُزجر بها
الحمير…”![5]
وحدث أن تَشفَّع بعضُ النَّاس يومًا لدى
الإمَامِ يحيى في قضيَّة التخفيف من الضَّرائبِ والمُكوس التي كان يجمعها من
النَّاس بحق وبدون وجه حق، فرد عليهم: “غُبر الشميل، إذا لم يُظلموا
ظَلموا” ويقصد بغُبْر الشميل عَامَّةَ النَّاس من القبائل، حيثُ الصِّفة
السَّائدة على أشْكالهم وهَيئاتهم.
وتعكسُ هَذِه القصيدة الشَّعبية طَبيْعَةَ
تعاملِ الأئمَّة مع القَبَائلِ والمواطنين بشكلٍ عام، وهِي للشَّاعر الشعبي أحمد
بن شَرف الدين القارة، وفيها يقول:
القبيـْــلي عــــدو نفســــه صدق قد قالها المجرب
كم يطيش في الضلال حسه حين تشرق وحين تغرب
حق برميل يسد نخسه ويدْرَه وهو مسنب
وبشامق تدوس ظهره وفرق كل يوم فرقة
وزناجير تفك صدره كل حلقة تلز حلقة
وحزام أكل تكد “جــحـ..” كل ضربة تشل نتفة
ما عليك في الجعيل ملامة لك ثواب تبعد الشناعة
لا ترج له السلامة لا ولا تطلب له الشفاعة
لقدْ كانت القَبَائل ـ من وجهة نَظر الأئمَّةِ
ـ مُجرَّد كَائناتٍ لا وَزن لها، خَلقهم الله من أجْل خِدمة آل البيت، عَليهم أنْ
يَحيوا من أجْل آل البيت، ويموتوا في سَبيل آل البيت أيضًا. ونتيجة لهذه
الثَّقافةِ، فقد كانت الحروبُ القبليَّةُ واحدة من آليات التدمير التي سَعتْ إليها
الإمَامَةُ، حتى شَاع لديهم مَقولاتٌ صَارت أمثلة سّيَّارة، وحِكمًا متداولة، من
أمثال: “ناب كلب في راس كلب” في حال احتربت قبيلتان، أو اشتجر منهم
اثنان. وأيضا “اشغل القبيلي في نفسِه قبلما يشغلك” وأيضا الحجر من القاع
والدم من راس القبيلي”! وربما ظَلتْ مثل هَذِه الثقافة والآلية مستمرة إلى
اليَوم عند بعض السَّاسَة للأسَف الشَّديد.
وعنْ هَذِه السِّيَاسَةِ المتبعة لدى سُلُطاتِ
الأئمَّةِ عبْر تاريخِهم، حتى في إطار المذهبِ الواحدِ والأسْرةِ الواحدة، قالت
الباحثة والمؤرخة الروسية جولوبوفسكايا إيلينا: “ومن أجل تقوية السُّلطة
المركزية، استخدمتْ حكومةُ الإمَام العداءَ بين القَبَائلِ التي تنتسبُ إلى
مَذهَبٍ ديني واحد، ووسَّع الإمَامُ وأنصارُه الخلافات القَدِيمَةَ بين القَبائل،
فحرَّضوا القَبَائلَ القوية منها على الضَّعيفة. وأشعلوا نيرانَ الفتن بين مشايخ القبيلة
الواحِدة. وقَدْ تحدَّث شيخُ قَبيْلةِ الحدا، ناصر بن علي البخيتي لمراسلِ جريدة
الأهْرام أنه في القبيلةِ يوجدُ شَيخان، هو، وابن أخيه، وتخضعُ لكل واحدٍ منهما
نصفُ القبيلة، فاستخدمَ الإمَامُ أحمد هَذا الوضع من أجلِ أن يجذبَ له هَذا
الشَّيْخَ أو ذاك، وفي ظل مثل هَذا الوضعِ نشأ عداءٌ دائمٌ بين نصفيْ
القبيلة”[6]
وتأتي سِيَاسَةُ ضرب قبيلةٍ بقبيلةٍ في إطارِ
العجز ِعن السَّيطرة على هَذِه القبائل، حتى تنشغلَ بنفسها عن نفسِها، دونَ اللجوء
إلى الإمامِ، للمُطالبة بما تراه حقًا لها، وأيضًا لعدمِ قدرة الإمَام ـ أي إمَام
ـ على فرضِ سَيطرته وهيمنتِه عليها، إلا ما ندر وإلى مستوى معينٍ من السَّيطرة
والقهر؛ ذلك لأنَّ المُجتَمعَ اليمني مجتمعٌ حر، لم يتعود العبوديَّة والذلَّ أو
يعرفها خلال كل فتراته السَّابقة، كما هو الشَّأنُ مثلا في وادي النيل أو بِلاد
الرافدين سَابقا، أو حتى أوروبا في تاريخِها الوسيط؛ فمن الصعوبة بمكان إذن السَّيطرةُ
على هَذا المُجتَمع بالقمعِ والقوة، في الوقت الذي يفتقرُ هَؤلاء إلى الصِّفة
الشَّرْعيَّة لحكمهم؛ لذا لجأوا إلى ضَرب قَبِيلة بقبيلة؛ لتسهلَ عليهم السَّيطرةُ
وإدارة البلاد بالأزمات، لأنَّ المجتمعاتِ التي اعتادتْ الحياة بحرية يمكن السَّيطرة
عَليْها من خلالِ مواطنيها أكثر من أي طريقة أخرى، كما ذكر ذلك ميكافللي في كتابه
“الأمير”![7]
لقد كانت القَبَائلُ أشبَه بقطع الشطرنج
بالنسبة للأئمَّة، هَذِه لضرب تلك، لأنها “تمثل القوة العسْكرية والحربيَّة
التي استند عَليْها نظامُ الإِمَامَةِ في اليَمَنِ على مدى فتراتِ حُكم ذلك
النظام، كما أن قادةَ الحربِ هم في أغلبِ الأحيَان مَشايخ القَبَائل الذين كانوا
يقودون القوةَ العسْكرية المحاربة، والمكوَّنة من رجالِ قبائلهم المقاتلين تحت
قيادتهم، بينما كانتْ دولةُ الإِمَامَةِ في اليَمَنِ تستخدمُ أيديولوجيَّتها
“المذهب الزيدي” وانتسابَها إلى العَلويين من أجلِ تثبيتِ سُلطتها
السِّيَاسِيَّةِ والاقتصاديةِ والعسْكرية، والقيام بفرضِ نوعٍ من القهرِ
السِّيَاسِي والاقتصادي على مجموعِ السُّكان في المَنَاطِق غيرِ القبليَّة في
اليَمَن..”[8]
يقول الأستاذ النعمان ” الابن” متحدثًا عن سِيَاسَةِ الإمَامِ يحيى في تعامُله مع القبيلة: “.. بل إنه أثارَ بين قبائلِ الشمالِ نفسِها المشاكلَ العديدة، سَواء بين القبيلة وجارتها، أو بين أجنحةِ القبيلة ذاتها؛ لتظلَّ القوى القبليَّةُ مشغولةً ببعضها، ولم يحسمْ إشْكالا على الإطلاق. وقَدْ كانت المحاكمُ الشَّرْعيَّةُ أداة هامَّة من أدواته التي استخدم بها تعقيدَ المشَاكل، حتى لتظل بعضُ القضايا ثلاثين عامًا، يستصفي خلالها القضاةُ أموالَ الفريقين، ويضيعُ أصحابُ القضايا خلال المنازعات، ويفتقرون ويتشردون ولا تزال القضيَّةُ مُعلقة”[9]
[1] ــ قضايا يمنية، عبدالله
البردوني.
[2] ـ سيرة الإمَام أحمد بن
سليمان، سليمان بن يحي
الثقفي، تحقيق: الدكتور عبدالغني محمد عبدالعاطي، عين للدراسات والبحوث الإنسانية،
ط:1، 2002م، 182.
[3] ـ نفسه، 200.
[4] ـ طيب أهل الكساء، محسن
بن الحسن أبو طالب، تحقيق: عبدالله محمد الحبشي، صنعاء، د. ت. ص: 317.
[5]
ـ مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني، ط:1، 2013م، 89.
[6]
ـ ثورة 26 سبتمبر في اليمن، إيلينا جولوبوفسكايا، دار ابن خلدون، بيروت، ط:1، 1982م، 151.
[7]
ـ
أنظر في هَذا كتاب الأمير، نيقولا ميكافللي، مكتبة ابن سينا، القاهرة،
ترجمة: أكرم مؤمن، د. ت. 36.
[8]
ـ القبيلة والدولة في اليمن، القبيلة والدولة في اليمن، د. فضل علي أبو غانم، د.ن. د.ت، 140.
[9]
ـ الفِكر والموقف، الأعمال الكاملة، أحمد محمد نعمان، “الأطراف المعنية في
اليمن” جمع وترتيب: لطفي فؤاد أحمد نعمان، ط:1، مارس، 2001م، 336.