آثار

الجارودية: نشأتها وأهم أفكارها

تظل البذور الأولى لأي فرقة من الفرق التاريخية التي نشأت في تاريخ المسلمين محفوفة بالمجهول؛ إذ ليس لنا إلا ما تنقله كتب الفرق والملل والنحل، أو ما تبثه كتب التاريخ. وإذا وضعنا في الاعتبار أن أقدم هذه الكتب في القرن الثالث الهجري، وتخبرنا عن تلك البذور التي حدثت منذ القرن الأول الهجري؛ وهذه الكتب تخلو من الأسانيد؛ فلا يبقى لدينا إلا أن نسلم بما تقول أو نرفض ما تقول.

وإذا تحدثنا مثلا عن نشأة “الشيعة الزيدية”، فأقدم المراجع الموثقة التي تحدثنا عن ذلك هي “مسائل الإمامة” للناشئ الأكبر (معتزلي)، المتوفي عام 293هـ، ثم كتاب “الزينة” لأبي حاتم الليثي الرازي (إسماعيلي)، (ت 300هـ)، ثم كتاب “فرق الشيعة” للحسن بن موسى النَّوْبَخْتيّ (إمامي)، (ت 310 هـ)، ثم بعد ذلك أبو الحسن الأشعري (324 هـ) في كتابه “مقالات الإسلاميين”، ثم المطهر بن طاهر المقدسي (المتوفى: نحو 355هـ) في كتابه “البدء والتاريخ”، ثم أبو الحسين المَلَطي العسقلاني (المتوفى: 377هـ)، في كتابه: “التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع”، ثم أبو بكر الخوارزمي (ت: 387 هـ) في “مفاتيح العلوم”، ثم القاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي (ت: 415 هـ) في كتابه: “المغني في أبواب التوحيد والعدل، مجلد 20″، ثم عبد القاهر البغدادي (ت: 429هـ) في كتابه: “الفرق بين الفرق”، ثم ابن حزم (ت: 456هـ) في ” الفصل في الملل والأهواء والنحل”. كما اعتمدت “حقائق المعرفة في أصول الكلام” للمتوكل أحمد بن سليمان (ت 566 هـ)، وهو شيعي زيدي، ومن أئمتهم في اليمن.

وبقراءة نشأة “الشيعة الزيدية” في هذه المراجع لا نجد اختلافا كبيرا بينها؛ ولا نعرف أي مصادر أخرى مستقلة عنها، مما يغلب الظن بنقل بعضهم عن بعض.

وتحليل الخطاب حين يحاول استكشاف الجذور الفكرية التأسيسية لا يعول كثيرا على ما يقوله الآخرون عن الفرقة، بقدر ما يكون اهتمامه في المقام الأول بالنصوص الموثقة التأسيسية التي تُنسب للمنتمين إلى الفرقة؛ حتى يستبين معالم الفرقة مما تقوله عن نفسها، وليس مما يقوله غيرهم عنهم.

وعلى سبيل المثال، ينسب عامة المؤرخين معتقدات “الزيدية” إلى “الجارودية”، [نسبة إلى أبي الجارود زياد بن المنذر (توفي بعد 150 هـ)]، وحتى نتحقق من نسبة تلك المعتقدات فنحتاج إلى نصوص موثقة منسوبة إلى أبي الجارود. لكننا لا نجد إلا ما تتناقله تلك الكتب عنه. وهذا ما يجعلنا نبحث عن أقدم نص تأسيسي موثق منسوب لأحد المنتمين للفرقة، وفيما بين أيدينا فنحن أمام نصين، الأول: مسند زيد بن علي (ولكن حوله كلام كثير، يجعلنا نرفض اعتباره النص التأسيسي الأول، وسنشير إلى ذلك لاحقا]. والثاني: كتب القاسم الرسي (ت 245هـ)، وهي أقدم كتب بين أيدينا نستطيع بتحليلها استنطاق الفكر الشيعي الزيدي.

ونحن في هذا المدخل سنعرض أهم ما تضمنته كتب الفرق الأولى عن نشأة الزيدية ونسبتها إلى الجارودية، وذلك في ثلاث مسائل، الأولى: موقع الفرقة الجارودية في الفرق الشيعية [كما تخبرنا الكتب السابقة]، والثاني: أهم الأفكار الجارودية. والثالثة: حديث الكتب الزيدية عن الجارودية.

أولا: موقع الفرقة الجارودية في الفرق الشيعية(1):

تبدأ الشيعة(2) بالتفرق من بعد استشهاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فالسبئية قالوا إنه لم يمت، وسائر الشيعة قالوا: بل مات والإمامة من بعده في ولده، ويتفقون على إمامة الحسن ثم الحسين بعد علي(3). ثم اختلفوا بعد الحسين، فقالت الكيسانية(4) بإمامة محمد بن علي بن أبي طالب (المعروف بابن الحنفية). وقالت سائر الشيعة بأن الإمامة لا تخرج من أولاد فاطمة إلى يوم القيامة.

ثم هؤلاء فرقتان:

– فرقة تقول بالنص من النبي لكل إمام منهم (وهؤلاء منهم الاثنا عشرية والإسماعيلية)، [ويسميهم الناشئ الأكبر: القائلون بالنسق، أي أنهم يسيرون بالإمامة في نسق من الذرية محدد معين](5). واتفق هؤلاء على خمسة أئمة: علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد الباقر بن علي. ثم اختلفوا بعد ذلك(6).

– والزيدية(7) التي لا تقول بالنص(8) في ذرية الحسنين، بل قالوا إن الإمامة في البطنين دون نص على أحد بعينه، ولكنهم اختلفوا في علي والحسن والحسين،

o ففرقة (وهم الجارودية(9)، أصحاب أبي الجارود وأبي خالد الواسطي وفضيل الرسان) قالوا إن النبي نص على علي ثم الحسن ثم الحسين، ثم انقطع النص، ومن ثم يكفرون أبا بكر وعمر(10)؛ لأنهما خالفا الفريضة.

o وفرقة قالت إن النبي لم ينص على إمامة علي، ولكن وصفه كاف؛ فهو أفضل الصحابة وأولاهم بالإمامة. وهؤلاء على فرقتين:

-الأولى (البترية، أصحاب الحسن بن حي وكثير النواء وهارون بن سعيد العجلي) قالوا بصحة إمامة الشيخين؛ لأن عليا تنازل عن حقه، وتولوا عثمان في السنوات الست الأولى، ثم تبرأوا منه بعد ذلك فبتروا توليهم. 

-الثانية (السليمانية، أصحاب سليمان بن جرير الرقي)، فقالوا بخطأ الصحابة في تولية أبي بكر، ولكنه خطأ لا يكفرون به ولا يضلون؛ لأنهم اجتهدوا؛ ولا يوجد نص من النبي على علي. وتبرأوا من عثمان، وشهدوا على من حارب عليا بالكفر.

تكاد معظم المراجع المتقدمة تجعل الزيدية حين نشأتها ثلاث فرق، (بغض النظر عن الفرق التي نشأت في فترات لاحقة، كالمطرفية والحسينية والصالحية)(11). أما أبو الحسن الأشعري (324 هـ) في كتابه “مقالات الإسلاميين”(12)، فقد جعل الزيدية ست فرق: الجارودية والسليمانية والبترية، كما هي أعلاه. وأضاف ثلاث فرق، وهي:

-النعيمية أصحاب نعيم بن اليمان يزعمون أن علياً كان مستحقاً للإمامة وأنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأمة ليست بمخطئة خطأ إثم في أن ولت أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما ولكنها مخطئة خطأً بيناً في ترك الأفضل وتبرأوا من عثمان ومن حارب علياً وشهدوا عليه بالكفر.

-فرقة يتبرأون من أبي بكر وعمر ولا ينكرون رجعة الأموات قبل يوم القيامة. 

-واليعقوبية (أصحاب رجل يدعى يعقوب)، وهم يتولون أبا بكر وعمر ولا يتبرأون ممن برئ منهما وينكرون رجعة الأموات ويتبرأون ممن دان بها.

وحين التأمل في هذه الفرق الثلاث نجد أنها ترجع إلى “البترية والسليمانية”. وحتى البترية والسليمانية ليس بينهما فرق كبير. فتكاد الزيدية تنحصر في فرقتين:

– فرقة كفرت أبا بكر وعمر والصحابة؛ لأنهم لم يولوا عليا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي نص على علي ثم الحسن ثم الحسين. (وهم الجارودية). 

– وفرقة لم تكفرهما، فأما البترية فقالوا بصحة إمامتهما؛ لأن عليا تنازل عن حقه لهما، وأما السليمانية فقالوا بخطئهما ولكنه خطأ اجتهاد. وقالوا أنه لا يوجد نص على علي. أما عثمان فتولت البترية في السنوات الست الأولى، ثم تبرأت منه. وأما السليمانية فتبرأوا منه، وشهدوا على من حارب عليا بالكفر. قال القاضي عبد الجبار عن البترية والسليمانية(13): (لا أعلم بينهما كبير خلاف، إلا أنهم يقفون في عثمان، وسليمان يكفره).

وهذا ما ذهب إليه المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840 هـ)، في كتابه: “المنية والأمل في شرح الملل والنحل”(14)، فقال: وافترقت الزيدية جارودية وبترية.

وحين نبحث عن الفرقة الباقية من هذه الفرق يذكر نشوان بن سعيد الحميرى اليمني (المتوفى: 573 هـ) في كتابه: “الحور العين”(15) أن اليمن “فيها فرقتان من الشيعة: الجارودية من الزيدية، والمباركية من الإسماعيلية”، فزيدية اليمن وفقا لنشوان هم جارودية، ثم قال: “وأول من دعا باليمن إلى مذهب الزيدية، ونشر مذهب أئمتهم: يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ولقبه الهادي إلى الحق”.

الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي 12 الجارودية: نشأتها وأهم أفكارها

ثانياً: أهم الأفكار الجارودية:

بالنظر فيما ذكرته الكتب المتقدمة عن أفكار الجارودية، يمكن تلخيصها فيما يلي:

(الإمامة):

– النبي نص بالوصف على علي ثم الحسن ثم الحسين، ثم انقطع النص(16).

– لا تخرج الإمامة من ولد فاطمة (الحسنين)، وكلهم مستوون في الفضل، يحق لمن توفرت فيه الشروط أن يكون إماما. 

– شروط الإمامة أن يدعو الإمام لنفسه، فيخرج شاهرا سيفه. فإن بقي في بيته ولم يخرج فليس بإمام(17). (الصحابة):

– علي أفضل الصحابة وأولاهم بالإمامة(18)

– تبرأوا من الشيخين وأكفروهما، وقالوا: هم أول من نقض عهد النبي بإمامة علي(19).

(أهل البيت):

– عندهم جميعا جميع ما تحتاج إليه الأمّة مما جاء به الرسول من العلم. يستوي فيه صغيرهم وكبيرهم. قال أبو حاتم في الزينة: (زعموا أن من كان من ولد الحسن والحسين فعلمه مثل علم محمد صلى الله عليه قبل أن يتعلم، وإن كان في الخِرق)(20)

– وقالوا إن العلم مخصوص بهم، لا يؤخذ من غيرهم. والحلال ما أحلّه آل محمد والحرام ما حرمّوه(21)

– قال أبو الجارود: لا فضل لأحد منهم على صاحبه؛ لأنه لو فضل أحدا منهم للزمه القول إنه منقوص لا يصلح للإمامة. ولذلك فمستحق الإمامة إنما يعرف بمن خرج منهم ودعا لنفسه. 

– ويقولون في العلم بالإلهام، فزعموا أنّ الإمام يُلْهَم العلم بالأحكام في الحوادث إذا احتاج إليه.

(العامة)

– ذكر أبو حاتم في الزينة أنهم يقولون بكفر من قعد عن الإمام؛ فلم ينصره، وهو مستطيع. 

– القول بتخليد أهل الكبائر في النار. 

(موقف فرق الزيدية بعضهم تجاه بعض):

– قال عبد القاهر البغدادي (ت: 429هـ) في كتابه: “الفرق بين الفرق”(22): “هؤلاء البترية والسليمانية من الزيدية كلهم يكفرون الجارودية من الزيدية لإقرار الجارودية على تكفير أبي بكر وعمر، والجارودية يكفرون السليمانية والبترية لتركهما تكفير أبي بكر وعمر”. 

– وقال نشوان بن سعيد الحميرى اليمني (المتوفى: 573 هـ) في كتابه: “الحور العين”(23): “ومنهم فرقة، يقال لها الحسينية يقولون: إن الحسن بن القاسم بن علي ابن عبد الله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب حي لم يمت، ولا يموت، حتى يملأ الأرض عدلاً، وأنه القائم المهدي المنتظر عندهم؛ وكان قتل يوم السبت الرابع من شهر صفر سنة أربع وأربعمائة، وكان مولده في سنة ثماني وسبعين وثلثمائة سنة، قتله همدان في موضع من أعمال صنعاء. ويقولون في الحسين هذا: إنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كلامه أبهر من كلام الله، ومعنى: أبهر عندهم من كلام الله: أي أقطع لخصوم الملحدين من كلام الله؛ ويروون أن من لم يقل بقولهم هذا فيه فهو من أهل النار”. 

– وقال محمد بن إبراهيم، المعروف بابن الوزير (ت: 840هـ)، في كتابه “العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم”(24): “واشتد اختلافُهم من بعد الإمام المنصور بالله عليه السلامُ في الأئمَّة، فافترقوا على الإمام الدَّاعي، وعلى الإمام المهدي أحمد بن الحسين افتراقاً قبيحاً كفَّر بعضُهم بعضاً”.

ثالثاً: جذور سابقة (السبئية):

وطالما أننا نبحث في تاريخ الأفكار، فمن المهم الإشارة إلى ما ذكره قدماء المؤرخين عن عبد الله بن سبأ، وأقدم الكتب التي تحدثت عن دوره وأفكاره هو كتاب “الفتنة ووقعة الجمل”، لسيف بن عمر الأسدي التَّمِيمي (المتوفى: 200هـ)(25)، حيث جاء فيه أنه قال برجعة رسول الله محمد، وقال بأن عليا هو وصي النبي، وكما أن محمدا خاتم الأنبياء فعلي خاتم الأوصياء، ونال من الصحابة الذين لم يجيزوا وصية النبي، فقال لهم: (من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة).

وفي فرق الشيعة للتنوخي(26): “وهذه الفرقة تسمى السبئية، أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال: إن عليا عليه السلام أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا، فأقر به فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فصيره إلى المدائن، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه؛ فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية”.

كما تحدث عن ابن سبأ وعن السبئية عامة كتب التاريخ والتراجم والطبقات. وكذلك عامة كتب الفرق المتقدمة، ومنها: مسائل الإمامة للناشئ الأكبر(27)، والزينة لأبي حاتم الرازي(28)، وفرق الشيعة للتنوخي(29)، ومقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري(30) … وغيرهم.

وليس من غرضنا هنا الحديث عن حقيقة الشخصية، بقدر ما أننا نبين أن مقولة “الإمامة والوصاية” تنسبها الكتب المتقدمة إلى ابن سبأ نفسه، بمعنى أنها تعود إلى زمن الصحابة أنفسهم، واستخدمها ابن سبأ للتحريض على عثمان، وقد غالت السبئية بعد ذلك فقالوا بألوهية علي، فأحرقهم بالنار، كما في البخاري، كما أن ابن سبأ قال بأن عليا حي لم يمت…إلخ(31).

وعليه، فيرد بعضهم أصول أفكار الجارودية إلى ابن سبأ، كما يردون إليه أصول الفكر الشيعي بشكل عام.

وبغض النظر عن التفاصيل اللاحقة التي أدت إلى افتراق الشيعة؛ فإن ما يجمعهم كلهم هو القول بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، وأنه الإمام من بعده، وبذلك تبنوا فكرة الإمامة بوصفها دينا من الله، من خالفها أو لم يقل بها فقد خالف الدين.

الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي 4 01 الجارودية: نشأتها وأهم أفكارها

رابعاً: الجارودية عند الزيدية

من خلال بحثي في المراجع الشيعية الزيدية المتقدمة وجدت أول من أشار إلى الجارودية هو المتوكل على الله أحمد بن سليمان (٥۰۰ – ٥٦٦ هـ)، يقول(32): (واختلفوا في القول فيمن تقدّمه أو قدَّم عليه. فقال أبو الجارود، ومن قال بقوله من الزيدية: عليٌّ وصيُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمام بعده بلا فصل، وأن الأمة قد كفرت في تركها بيعته. ثم الإمام بعده الحسن والحسين بالنّص، ثم هي بينهم شُورى، فمن خرج من أولادهما مستحقًّا للإمامة فهو الإمام). ثم ذكر قول الصالحية والجريرية، ثم قال: (وقالت الإمامية في علي والحسن والحسين مثل قولنا، وأثبتوا النَّص)، فهو يبين اتفاق الشيعة الزيدية والإمامية في القول بإثبات النص على إمامة علي والحسن والحسين، ولم يفرق بين نص خفي وجلي. ثم قال: (وعندنا أن من تقدّم على أمير المؤمنين عليه السَّلام، أو قدّم عليه غيره بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد ظلمه، وجحد حقه، وفسق، وهو كافر نعمةٍ، فاسقٌ ظالمٌ، وقد تهدَّد الله الظالمين بالنار والخزي والبوار، وقد صحّ أنهم ظلموه حقّه، وأنكروه سبقه، غير جاهلين ولا شاكِّين).

في هذا النص، وقد نقلته بطوله؛ لأنه يمثل أول وثيقة تبين موقف الزيدية من عقيدة الجارودية، وذلك بنسبة القول بالنص إلى أبي الجارود، وأن الأمة كفرت بعدم مبايعته. وأكد المتوكل أن ذلك مذهب الزيدية من خلال اختياره للقول بكفر من ترك بيعة علي كفر نعمة.

ثم إن المنصور بالله عبدالله بن حمزة (٥٦١ – ٦١٤ هـ)، يجعل الزيدية ثلاث فرق: صالحية وبترية وجارودية، دون تفرقة بينهم(33). ولكنه في ديوانه ذكر أن ثمة أقوالا انتشرت عن هذه الفرق وهي أقوال ضلالات، روتها العلماء، فيقول:(34):

وانتشرت في الشيعة الأخيار أقـ

ــوال ضلالات روتها العلما 

لابن جرير والفتى ابن صالح

قول، وللجارود أقوال سوا

ونجده يزكي أقوال الجارود، بقوله (وللجارود أقوال سوا).

وفي الرسالة الناصحة قال(35): (وفرقة قالوا بأنها مقصورة في ولد الحسن والحسين؛ وهم الزيدية الجارودية، فلو بطل قولهم – أيضاً – لخرج الحق عن أيدي جميع الأمة). فدعم مذهب الزيدية الجارودية.

ثم يعود فيقرر أن الجارودية هم أهل الحق من الزيدية، فيقول عن الزيدية أنهم(36): (ثلاث فرق: بترية، وصالحية، وجارودية، ومعظمهم الجارودية وهم أهل الحق منهم، والآخرون قد أخطئوا في بعض الاعتقاد).

كما نقل عنه الإمام حميدان بن يحيى القاسمي المتوفي في حدود 700 هـ، أن “الزيدية على الحقيقة هم الجارودية، ولا يعلم في الأئمة عليهم السلام بعد زيد بن علي عليه السلام من ليس بجارودي”. وأن مذهبهم الحق تفضيل علي وتقديمه، وعدم الترضية على الخلفاء الذين قبله؛ لأنه صح ظلمهم وتعديهم(37).

ثم الحسين بن بدر الدين (٥٩٨ – ٦٦٣ هـ) يقول(38): (والذي يجمع الشيعة من القول تفضيل أمير المؤمنين على سائر الصحابة، وأنه كان أولى بالإمامة، ويرون الخروج على الظلمة، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الإمامة تُستحق بالفضل والطلب دون الوراثة، وأنه لا نص على أعيان الأئمة بعد الحسين بن علي. وذهبت الجارودية إلى حصر الإمامة في ولد فاطمة من أبناء الحسن والحسين، إلى غير ذلك من مذاهبهم).

وكذلك أخوه الحسن بن بدر الدين (٥٩٦ – ٦٧۰ هـ)، في كتابه “أنوار اليقين في إمامة أمير المؤمنين”(39)، فقد بين أن الزيدية الجارودية والإمامية اتفقوا على أن الإمام بعد النبي بلا فصل هو علي بن أبي طالب، وأن “إمامته بالنص”. ثم بين اختلاف الفريقين في أن الإمامية يقولون بأن النص على علي “نص جلي، يعلم كل أحد ممن سمعه قصد النبي فيه ضرورة”، أما الزيدية الجارودية فقالوا “النص على إمامته مما يحتاج في معرفة المراد به إلى تأمل ونظر”.

وفي القرن التاسع نجد صارم الدين إبراهيم الوزير (ت 914هـ)، في كتابه: “الفصول اللؤلؤية في أصول فقه العترة الزكية”(40)، حيث قسم النص الشرعي إلى جلي وخفي، ومن الخفي: “الدليل على إمامة الوصي عند (جمهور أئمتنا) لا من الأول، خلافاً (للجارودية، والإمامية)”.

فهنا يبين مخالفة جمهور الزيدية للجارودية والإمامية في قولهم إن النص على علي جلي، أما الزيدية فيقولون إن النص خفي لا جلي. وبالرغم من أن عبد الله بن حمزة قد تحدث عن هذه القضية، وبين أن النص على علي خفي لا جلي، وقال إنه كان الواجب على الصحابة النظر في الأدلة(41). ولكنه لم يشر إلى مفارقة الجارودية الزيدية في هذه المسألة.

كذلك ممن تحدث عن الجارودية المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840 هـ)، في كتابه: “المنية والأمل في شرح الملل والنحل”(42)، فقال:

(والشيعة ثلاث: زيدية، وإمامية، وباطنية. فالزيدية منسوبة إلى زيد بن علي، ويجمع مذهبهم تفضيل علي وأولويته في الإمامة، وقصرها في البطنين، واستحقاقهما بالفضل والطلب لا بالوراثة، ووجوب الخروج على الجائرين والقول بالتوحيد والعدل، والوعد والوعيد. ثم افترقوا: جارودية وبترية.

فالجارودية منسوبة إلى أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي، أثبتوا النص على علي بالوصف دون التسمية، وكفروا من خالف ذلك النص، وأثبتوا الإمامة في البطنين بالدعوة مع العلم والفضل. وينسب إلى بعضهم القول بالغيبة، وليس بصحيح.

وأما البترية أصحاب الحسن بن صالح فذهبوا إلى أن الإمامة شورى، تصح بالعقد وفي المفضول، ويقولون بإمامة الشيخين مع أولوية علي عندهم. … قلت: وخالف متأخروهم هاتين الفرقتين حيث أثبتوا إمامة علي بالنص القطعي الخفي، وخطئوا المشايخ لمخالفته، وتوقفوا في تفسيقهم، واختلفوا في جواز الترضية عنهم).

الهوامش:

  1. اعتمدنا كتاب مسائل الإمامة للناشئ الأكبر كمرجع رئيس في هذه المسألة. ص 22- وما بعدها، مع الإشارة إلى غيره إذا تطرقنا لذلك. 
  2.  وهناك فرقة من الشيعة، خالفت كل الفرق، فقالت: كان علي وصي النبي، ولكن الأمة كلها كفرت بعد النبي؛ أما الصحابة لأنهم لم يسلموا بالوصية ولم يجعلوا الإمامة في علي، وأما علي فقد كفر؛ لأنه ترك منازعتهم ومنعهم من عقد الإمامة لأبي بكر. وسمى الناشئ الأكبر الفرقة: الكُميلية، وسماهم البغدادي: الكاملية (نسبة إلى أبي كامل)، وذكر منهم بشار بن برد. ونقل القاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 176 أن الإمامية تقول إن “الصحابة كلهم ارتدوا بعد رسول الله إلا ستة أنفس”. وذكر المقدسي في البدء والتاريخ (ج5/127) أن الستة هم: سلمان والمقداد وجابر وأبو ذر الغفاري وعمار وعبد الله بن عمر. 
  3. أما الكربية فقالوا إن الإمام بعد علي هو محمد بن الحنفية، وأبطلوا إمامة الحسن والحسين؛ لأنه كان صاحب راية علي يوم البصرة دون أخويه. [كتاب الزينة لأبي حاتم، ج1/ ص542]. وقد جعل القاضي عبد الجبار الكربية إحدى فرق الكيسانية. ونسب القاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 176 إلى الكيسانية أنهم قالوا بإمامة محمد بن الحنفية بعد علي مباشرة؛ لأنه دفع الراية إليه. وسموا بالكيسانية نسبة إلى كيسان، وهو المختار بن بعيد، يقال إن عليا سماه بذلك، وقيل: بل كيسان مولى لعلي وعنه أخذ المختار. 
  4. وفي مسائل الإمامة (ص26)، والقاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 177: والكيسانية بعد موت محمد بن الحنفية صاروا ثلاث فرق:
    – فرقة زعمت أن محمدا لم يمت وأنه مقيم بجبل رضوى [بين أسد ونمر، يأتيه رزقه بكرة وعشيا، قال بعضهم حتى يستغني عن الخلق، وقيل عقوبة له لركونه إلى عبد الملك بن مروان].
    – وفرقة زعمت أنه مات، وأن الإمامة رجعت بعده إلى ابن أخيه: علي بن الحسين.
    – وفرقة زعمت أنه مات وأن الإمام بعده ابنه أبو هاشم، ثم اختلفوا،
    o فقالت فرقة (الراوندية): الإمام بعده محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (ومن ثم انتقلت لبني العباس)، وقال القاضي عبد الجبار أن هذه الفرقة اختلفت بعد موت المهدي، فرجع بعضهم عن هذه المقالة، وقالوا: إن الإمام بعد النبي هو العباس، ثم بنوه.
    o وفرقة زعمت أن الإمام بعده عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (وعرفوا باسم الحربية، نسبة إلى عبد الله بن حرب المدائني)، ثم زعم بعضهم أن عبد الله لم يمت، وينتظرون رجعته.
    o وفرقة زعمت أن الإمام بعده هو ابن أخيه: الحسن بن محمد، ثم ابنه علي. فهلك علي ولم يعقب، فيزعمون انتظار رجعته.
    وفي حقائق المعرفة للمتوكل أحمد بن سليمان، ص 498، أن الكيسانية ثلاث فرق: السيد الحميري ومن معه قالوا عن محمد بن الحنفية بجبال رضوى حي يرزق حتى يظهر فيملأ الأرض عدلا، وقال حيان السراج ومن معه: إن محمد بن الحنفية بجبال رضوى ميت، ثم يبعثه الله فيملأ الأرض عدلا. وقال أبو مسلم وأصحابه إنه أوصى من بعده لولده أبي هاشم.
    والقاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 177 جعل الكيسانية خمس فرق. 
  5.  سماهم المتوكل أحمد بن سليمان، أحد أئمة الزيدية، في كتابه “حقائق المعرفة في أصول الكلام”، ص 498 – سماهم جميعا: إمامية، فقال: (وفرقة هم الإمامية – ويسميهم أهل العراق: الروافض والغلاة)، ثم بين أنهم اتفقوا على ثلاثة أئمة بعد الحسين، وهم: زين العابدين علي بن الحسين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم اختلفوا بعد ذلك. فذكر الفرق المختلفة ومنهم الإسماعيلية (المباركية والخطابية). ثم قال: “وانتسبت الباطنية إلى الإسماعيلية”. ومن قبله أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ت: ٤٢٤ ه)، بين أن الشيعة فرقتان فقط: زيدية وإمامية، فقال: (علماء أهل البيت رجلان: زيدي وإمامي) [مسألة في أن إجماع أهل البيت حجة، ص 269]. 
    في حين أن المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840 هـ)، في كتابه: ” المنية والأمل في شرح الملل والنحل”، ص23 جعل الشيعة ثلاث فرق: زيدية، وإمامية، وباطنية.
    ويقول (ص24): “والإمامية سميت بذلك لجعلها أمور الدين كلها للإمام، وأنه كالنبي، ولا يخلو وقت من إمام يحتاج إليه في أمر الدين والدنيا. وسموا رافضة؛ لرفضهم زيد بن علي، وقيل لتركهم نصرة النفس الزكية”. ثم قال ص 25: “والباطنية في الحقيقة خارجون عن الإسلام، لكن انتحلوه ظاهرا، فعدوا في فرقه، ولا يكاد يعرف مذهبهم لتسترهم وإحداثهم في كل وقت مذهبا، وفشا مذهبهم بعد 200 من الهجرة، أحدثه عبد الله بن ميمون القداح، وكان مجوسيا تستر بالتشيع ليبطل الإسلام”.
  6. بدأ هؤلاء بالاختلاف بعد الباقر على فرقتين، الأولى (المغيرية، نسبة إلى المغيرة بن سعيد، مولى خالد القسري)، فقالوا: الإمام بعد الباقر هو محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي، الذي خرج في عهد المنصور وقتل بالمدينة. وزعموا أنه حي لم يمت، وأنه المهدي آخر الزمان. [وأغلب المؤرخين لا يعدون هذه الفرقة من الإمامية، وممن عدها منهم: الناشئ الأكبر والقاضي عبد الجبار]. وفرقة قالت: الإمام بعد الباقر هو جعفر الصادق، ورفضوا مقالة المغيرة؛ (فسماهم المغيرة الرافضة لأنهم رفضوه، وقيل بل سماهم بذلك زيد بن علي). ثم افترق هؤلاء (الجعفرية) بعد مضي جعفر على فرق: 
    فرقة (الناووسية)، قالت إن جعفر الصادق حي لم يمت، وأنه المهدي. [ويسميها بعضهم: الياروسية، كالقاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 179].
    (الخطابية)، قالوا بل الإمام هو إسماعيل بن جعفر؛ لأن الوصية كانت له في حياة أبيه. وهؤلاء أصحاب أبي الخطاب، خرج بالكوفة فقتله عيسى بن موسى، وكذلك قالت بهذا القول: المباركية. [قال البغدادي في الفرق، ص 46: ولأن إسماعيل مات في حياة أبيه، فقالوا بعده بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل، ولهذا القول مالت الإسماعيلية]. قال القاضي عبد الجبار: وبعد موت محمد بن إسماعيل زعم بعضهم أنه حي لم يمت حتى يملك الأرض، وهو المهدي. وذهبت فرقة منهم إلى موته وأن الإمامة في ولده من بعده. قال القاضي عبد الجبار: وهذه الفرقة هم القرامطة، وكانوا يسمون من قبل (الميمونية)؛ نسبة لرئيس لهم: عبد الله بن ميمون القداح.
    (الشميطية)، وهي فرقة زعمت أن الإمام بعده ابنه محمد بن جعفر، ثم ولده. والشميطية نسبة إلى محمد بن شميط.
    (الفطحية)، قالوا: الإمام بعده هو ابنه عبد الله بن جعفر؛ لأنه أكبر ولده، وكان يعرف بالأفطح. وسماهم القاضي عبد الجبار (العمارية) نسبة أحد رؤسائهم اسمه: عمار.
    وفرقة قالت: بل الإمام بعده هو موسى بن جعفر. ولما مات موسى افترقوا، فقال بعضهم: إنه حي لم يمت، وهو المهدي (وهم الواقفة)؛ لأنها وقفت على موسى. والثانية قطعت بموته وقالوا بإمامة علي بن موسى الرضى. وفرقة شكت في أمره: أحي أم ميت، ثم صاروا إلى إحدى الفرقتين.
    باختصار عن: مسائل الإمامة (ص46-48)، والقاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 179-182. ثم بعد علي بن موسى الرضا، ذهب جمهور الاثنا عشرية إلى أن الإمام بعده ابنه: أبو جعفر محمد “الجواد” بن علي، ثم ابنه علي “الهادي” بن محمد، ثم ابنه الحسن العسكري بن علي، وأخيرا ابنه محمد بن الحسن العسكري، وهو المهدي المنتظر عندهم، وكانت غيبته الصغرى عام 260 هـ، لمدة 75 سنة، ثم غاب غيبته الكبرى عام 329ه. وفي ذلك خلاف ذكر بعضهم القاضي عبد الجبار في المغني.
    وينظم الاثنا عشر إماما قول الشاعر (انظر: البدء والتاريخ، ج5/ 126):
    وأدين دينَ المصطفى، ووصيَّه … والطاهرَين، وسيدَ العباد
    ومحمداً، وبجعفرِ بنِ محمدٍ … وسميّ مبعوثٍ بشط الوادي
    وعليٍّ المرضيِّ، ثم محمدٍ، … وعليٍّ المعصومِ، ثم الهادي
    حسنٍ، وأكرم بعده بإمامنا … بالقائم المستور للميعاد 
  7.  قال عبد القاهر البغدادي (ت: 429هـ) في كتابه: “الفرق بين الفرق” [ص 16]: ” إنما قيل لهذه الفرق الثلاث وأتباعها زيدية لقولهم بإمامة زيد بن علي بن الحسن بن على بن أبى طالب في وقته وإمامة ابنه يحيى بن زيد بعد زيد”.
    ويبين المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840 هـ)، في كتابه: “المنية والأمل في شرح الملل والنحل”، ص89 أن الزيدية كانت تسمى “الواقفة” قبل ظهور زيد بن علي. وذلك أن الشيعة افترقت بعد مقتل الحسين ثلاث فرق: فرقة قالت بإمامة ابنه علي بن الحسين وأن الإمامة من بعده في ولد الحسين خاصة. وفرقة قالت بإمامة محمد بن علي (ابن الحنفية)، وهم الكيسانية. وفرقة الواقفة توقفوا وقالوا: “لم يعهد الحسين إلى أحد، فنحن نقف حتى نرى رجلا من أحد البطنين يصح لنا ولادته وزهده وعلمه وشجاعته وورعه وعدالته وكرمه، يشهر السيف ويباين الظالمين. فسموا الواقفة، فمكثوا بعد قتل الحسين ستين سنة حتى قام زيد بن علي بن الحسين بالكوفة في زمن هشام بن عبد الملك، فبايعوه فسموا الزيدية”. 
  8.  الرابط الذي يجمع بين الزيدية أنهم لا يقولون بالنص بعد الحسين، ولكنهم يحصرونها في ذرية الحسنين. إلا أن هناك فرقة من الزيدية، هي (العقبية) أصحاب عبد الله بن محمد العقبي، يقولون: إن الإمامة تصلح في ولد علي، وإن لم يكن من ولد الحسن والحسين. انظر: القاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 185. 
  9.  نسب القاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 184 إلى الجارودية ثلاث فرق: فرقة زعمت أن محمد بن عبد اللّه بن الحسن لم يمت وأنه يخرج ويغلب، وفرقة زعمت في محمد بن القاسم صاحب الطالقان مثله، وفرقة قالت في يحيى بن عمر صاحب الكوفة ذلك. كما ذكر أن بعضهم حكى عن أبي الجارود أنه كان يرى الرجعة، وإن كان أصحابه لا يرون ذلك. 
  10.  عامة كتب الملل تقول إن الجارودية كفروا أبا بكر وعمر. ولكن ذكر القاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 185، أن الجارودية يفسقون أبا بكر وعمر ولا يكفرونهما. في حين أن طائفة ينتسبون إلى الصباح بن القاسم يكفرونهما.
  11.  انظر مثلا: محمد بن إبراهيم، المعروف بابن الوزير (ت: 840هـ)، في كتابه “العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم”. حققه وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلّق عليه: شعيب الأرنؤوط، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، 1415 هـ – 1994 م. ج3/ ص457. 
  12.  عنى بتصحيحه: هلموت ريتر، ألمانيا: دار فرانز شتايز، ط3، 1400 هـ – 1980 م. ص 66 – وما بعدها. 
  13.  القاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 185. 
  14.  ص23. 
  15.  تحقيق: كمال مصطفى، القاهرة: مكتبة الخانجي، 1948 م. ص 155 – وما بعدها. 
  16.  ذكرنا آنفا خلاف الزيدية في هذه المسألة، فالبترية والسليمانية (الجريرية) لم يقولوا بالنص. 
  17.  قال أبو حاتم في الزينة [ج1/ ص549 – وما بعدها]، مفصلا الأئمة عندهم: وكان أول إمام “علي ثم الحسن ثم الحسين ثم زيد بن علي ، المقتول بالكوفة ، ثم يحي بن زيد المقتول بخرسان ، ثم عيسى بن زيد ، ثم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي طالب الخارج بالمدينة المقتول بها ، وكان إبراهيم أخوه خرج بالبصرة ودعا إلى إمامة أخيه محمد فقتله جعفر المنصور ، فهؤلاء عندهم هم الأئمة”. ثم بعد ذلك “كل من ظهر آل الحسن والحسين من البسيطين جميعًا دون سائر الناس ، فهو عندهم إمام حق. وجائز له أن يخرج ويدعو إلى نفسه ويدعي الإمامة، وهم كلهم شَرَع سواء”. 
  18.  تتفق فرق الزيدية على هذا، لكن الجارودية ترفض إمامة المفضول، ولذلك قالوا في الشيخين ما قالوا. لكن البترية والسليمانية يجيزون إمامة المفضول مع وجود الفاضل. 
  19. واختلفت فرق الزيدية في هذه المسألة، فالبترية والسليمانية تولوا الشيخين، وصدرا من خلافة عثمان. وقال عبد القاهر البغدادي في كتابه: “الفرق بين الفرق” [ص 308]: ” فالجارودية منهم يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان وأكثر الصحابة، ولا يقتدى بهم من يكفر أكثرهم. والسليمانية والبترية من الزيدية يكفرون عثمان أو يوقفون فيه ويفسقون ناصريه ويكفرون أكثر أصحاب الجمل”.
    وذكر القاضي عبد الجبار في المغني، مجلد 20، جزء 2/ ص 185 أن “جابر الجعفي”، من الزيدية، كان يقول: الإمام بعد النبي هو علي، وقد استخلف أبا بكر ثم عمر ثم عثمان، إلى أن ظهر منه ما ظهر فأمر بقتله. 
  20. وقال النوبختي في فرق الشيعة [ص16 – وما بعدها]: “وقال بعضهم: من ادعى أن من كان منهم في المهد والخرق ليس علمه مثل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر بالله مشرك، وليس يحتاج أحد منهم أن يتعلم من أحد منهم ولا من غيرهم. العلم ينبت في صدورهم كما ينبت الزرع المطر؛ فالله عز وجل قد علمهم بلطفه كيف شاء”. وقد جاء في مجالس الطبري، 131  – إنكار نسبة هذا القول على الزيدية وإلصاقه بالإمامية، ففي مناظرته مع إمامي، قال الإمامي للطبري: (الزيديون يقولون: إن الإمام يخرج من بطن أمه عالماً وطبعه العلم) فرد عليه الطبري: (قلت: هذا قول الإمامية، والزيدي هو: الذي ينكر عليهم هذا القول، ويحتج عليهم بقول اللّه عز وجل حين يقول: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً} [النحل: 78]، فالإمام هو داخل في هذا الآية). 
  21.  خالفت البترية والسليمانية فقالوا: علم الحلال والحرام مشترك في الأمة كلها، وليس محصورا في آل محمد؛ فيؤخذ من غيرهم. كما قالت البترية أيضا: الناس في العلم مشتركون : ولدُ عليّ وغيرُهم من العرب والعجم ، ولم يخصّوا في العلم رجلًا بعينه 
  22.  ص24.
  23.  تحقيق: كمال مصطفى، القاهرة: مكتبة الخانجي، 1948 م. ص 155 – وما بعدها. 
  24.  حققه وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلّق عليه: شعيب الأرناؤوط، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، 1415 هـ – 1994 م. ج3/ ص457. 
  25.  تحقيق: أحمد راتب عرموش، بيروت: دار النفائس، 1993م، ص48. وانظر أيضا الشريعة للآجري، 4/ 1979، و1984. 
  26.  ص19. 
  27.  ص22. 
  28.  ج1/556.
  29.  ص19. 
  30.  ص15. 
  31. انظر: التنبيه والرد على اهل الأهواء والبدع، لأبي الحسن الملطي، ص18. 
  32.  حقائق المعرفة في علم الكلام، 466. 
  33.  انظر مجموع رسائل الإمام المنصور، ج1/ ص 390. يقول: (فإذا قد تقررت هذه المقدمة في ذكر زيد عليه السلام فالزيدية من اعتزى إليه وسلك منهاجه، ومنهم الصالحية ينتسبون إلى الحسن بن الصالح بن حي، وبترية، وجارودية، وتفصيل شرحهم يطول، وإنما هم أئمة الهدى عليهم السلام وأتباعهم من علماء الإسلام واختصوا باسم الزيدية لانتسابهم في الاعتقاد إلى زيد بن علي عليهما السلام). 
  34. ديوان المنصور، ص 392. 
  35.  شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة، ص 273. 
  36.  مجموع رسائل الإمام المنصور، ج1/ ص 469. 
  37.  جاء في مجموع السيد حميدان، 347-348:
    «وقال في بعض أجوبته الموجودة بخطه عليه السلام: (وسألت عمن يرضي عن الخلفاء، ويحسن الظن فيهم، وهو من الزيدية، ويقول: أنا أقدم علياً عليه السلام وأرضي عن المشائخ، ما يكون حكمه؟ وهل تجوز الصلاة خلفه؟.
    «الجواب عن ذلك: (أن هذه مسألة غير صحيحة فيتوجه الجواب عنها؛ لأن الزيدية على الحقيقة هم الجارودية، ولا يعلم في الأئمة عليهم السلام بعد زيد بن علي عليه السلام من ليس بجارودي، واتباعهم كذلك، وأكثر ما نقل وصح عن السلف هو ما قلنا – يعني التوقف- على تلفيق واجتهاد، وإن كان الطعن والسب من بعض الجارودية ظاهراً، وإنما هذا رأي المحصلين منهم، وإنما هذا القول قول بعض المعتزلة: يفضلون علياً عليه السلام ويرضون عن المشائخ؛ فليس هذا يطلق على أحد من الزيدية؛ لأنا نقول: قد صح النص على أمير المؤمنين [عليه السلام] من الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وصحت معصية القوم، وظلمهم، وتعديهم لأمر الله سبحانه… ومن حاله ما ذكرت لا يعد من الزيدية رأسا، وإنما هو قول بعض المعتزلة، وصاحب هذا القول معتزلي، لا شيعي ولا زيدي…إلخ». 
  38.  ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة، ص 479. 
  39.  ج1/ ص13 – وما بعدها. وهذا نص عبارته: “وقالت الزيدية الجارودية بأن النص على إمامته مما يحتاج في معرفة المراد به إلى تأمل ونظر، وما هذه حاله فيجوز أن يخطئ فيه البعض ويصيب البعض، ويجوز ان يكون بعضهم اضطر إلى قصد النبي في ذلك، ولم يضطر الباقون، ومن اضطر منهم كتم بعضهم وسكت بعضهم، ومن لم يضطر منهم يجوز أن يكون قد استدل بعضهم على قصد النبي في ذلك وبعضهم قد أخل بما يجب عليه من النظر والاستدلال فجهل مراد النبي، فلذلك لا نقطع على فسق من هذه حاله، ما لم يظهر من بعضهم ما يوجب الفسق. هذا هو ظاهر مذهب الجارودية”.
    وهو بهذا التفصيل يبين أن النص على إمامة علي جلي عند بعض الصحابة، وغير جلي عند بعضهم. 
  40.  ص 211. وهذا نقل عبارته كاملا: (جلي: اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره بضرورة الوضع، اسماً أو فعلاً أو حرفاً، كمحمد، وعشرة، وطلقت، وكي. وخفي، وهو: الدال على معنى لا يحتمل غيره بالنظر، لا بضرورة الوضع. ومنه الدليل على إمامة الوصي عليه السلام، عند (جمهور أئمتنا) لا من الأول، خلافاً (للجارودية، والإمامية)). 
  41.  الشافي في نصرة الحق بالدليل الكافي، ج3/ 429. وقد انتقد مجد الدين المؤيدي عبد الله بن حمزة في قوله هذا، واعتبر أنه لا عذر للصحابة في عدم الأخذ بالنص، وأن كونه نصا خفيا إنما يقال في حق غيرهم. يقول في تعليقه: (هذا إنما يصح في حقّ المتأخّر لتراخيه وعدم مشاهدته، سيما إذا لم يكن يعرف تراكيب الكلام، ووجوه دلالات الخطاب إلا بمقدمات. وأمَّا في حق الصحابة، فلعمر الله إنه لا يصح هذا الكلام، من كون النص خفياً، وأنه يحتاج إلى استدلال، مع مشاهدتهم وعرفان المراد بسليقتهم، ومشاهدتهم للقرائن الدالة على ما لعلَّه يخفى على غيرهم، سيما والأدلة تتواتر إليهم أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً فشيئاً، فالتأويل بمثل هذا أو الاستناد إليه لا أرضاه للإمام لما فيه من الإيهام، وإن كان لعلَّه عنده غير المرام، وإنما هو مجاراة لأهل الخصام).
    وكلام المؤيدي مبني على قول الحسن بن بدر الدين في كتابه “أنوار اليقين في إمامة أمير المؤمنين”، المذكور أعلاه. 
  42.  ص23 – 24.
placeholder الجارودية: نشأتها وأهم أفكارها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى