آثار

ثورة الإماميين المُضادة

كيف وقَعَ ثوار سبتمبر في شِراك التقديرات الخاطئة لحجمها وقوتها؟

بعد عِدة مُحاولات فَاشلة لاغتياله، توفي الإمام أحمد في مدينة تعز 20 ربيع ثاني 1382هـ / 19سبتمبر 1962م، فخلفه ولده محمد البدر ذو الـ 33 عامًا، تلقب الأخير بـ (المنصور)، وأعلن بعد يومين من الجامع الكبير بصنعاء خريطة طريق حُكمه، وأنَّه لن يحيد قيد أنمله عن نهج والده، قائلًا: أنَّه سيتبع الطريق المُستقيم؛ الأمر الذي جعل الضباط الأحرار يُعجلون بالتعشي به قبل أنْ يفطر بهم.

أول ليلة

سعى المنصور محمد البدر خلال الأيام الأولى لتوليه الحكم لتحسين عَلاقته بأمراء بيت حميد الدين، الذين نَاصبوه خلال السنوات الماضية العداء، وبالأخص مُنافسه الأبرز عمه الأمير الحسن، وراسل الأخير طَالبًا عَودته من نيويورك، مُقترحًا عليه أنْ يكون نَائبه الوحيد، مُشددًا على ضُرورة تعاونهم، قَبل أنْ يطيح الشعب بحكمهم، داعيًا إلى إعادة إحياء التراث الذي يُقدس سُلالتهم في نفوس اليمنيين، مُضيفًا في رسالته تلك: «وقد تدهورت الأخلاق العامة، وضعفت المُعتقدات، سيما حب الآل، ولم يبق منه إلا شيء في الشمال، وهذا أهم وأخطر ما في الأمر»!

كان الضباط الأحرار قد أجمعوا أمرهم حينها على الإطاحة بِحكم الإمامة، ووضعوا لأجل ذلك خُطة مُستعجلة، ومَهدوا لتنفيذها بِفَرض حَالة الطَوارئ في الكلية الحربية، ومَدرسة الأسلحة، وذلك بدءًا من الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الأربعاء 26 سبتمبر 1962م، وأصدروا توجيهات من القيادة بِتواجد باقي الضباط في المكانين المذكورين، وقاموا بعد مُرور أربع ساعات بِفتح المستودعات، وتوزيع الأسلحة.

تَفرَّد الدكتور محمد سعيد العطار بِذكر رواية مُتصلة، مَفادها أنَّ 40 ضابط من أصل 400 ضابط، هم مجموع ضباط الجيش اليمني أنداك، كانوا مُنضمين للجنة الثورية، وأنَّهم وضعوا أقرانهم – خلال تلك الليلة – أمام الأمر والواقع. صحيح أنَّه – أي العطار – لم يُحدد هوية أولئك الأقران، إلا أنَّهم إجمالًا كانوا من الضباط غير المنضوين في تنظيم الضباط الأحرار، بالإضافة إلى عددٍ من الشخصيات المدنية، وبعض أبناء المشايخ.

كان من المُقرر أنْ يقوم النقيب حُسين السكري بقتل الإمام محمد البدر فَور خُروجه من اجتماعه مع وزرائه في قصر البشائر، وهو الاجتماع الذي انتهى في تمام الساعة العاشرة من مساء ذلك اليوم، وحَضره العميد عبدالله السلال، والقاضي عبدالرحمن الإرياني، والشيخ محمد علي عثمان، وعلى أنْ تكون طَلقات التصفية إيذانًا بالتحرك، إلا أنَّ تلك الطلقات تَعذر خُروجها، وبذلك فشل السكري في مهمته، وتم القبض عليه، وكان من جُملة الجرحى الذين أصيبوا في اليوم الأول للثورة، وتم إسعافهم إلى القاهرة.

جَعل الضباط الأحرار من مبنى الكلية الحربية مَقرًا لعملياتهم العسكرية، وتولى المقدم عبدالله جزيلان، والنقيب عبداللطيف ضيف الله، والملازم علي عبدالمغني القيادة العامة، وبدأوا تحركهم في تمام الساعة الحادية عشرة، وفي الوقت الذي تولى فيه الملازم ناجي علي الأشول قيادة المجموعة التي تولت حماية مبنى الكلية الحربية (كانت مُغلقة حينها)، توجهت باقي المجموعات للسيطرة على باقي المواقع الاستراتيجية، وكان أكبرها على الإطلاق المجموعة التي توجهت صوب قصر البشائر.

ومن 12 دبابة هي قوام الدبابات التي كانت ليلتها تحت تَصرف الثوار، توجهت ست منها للسيطرة على قصر البشائر، وعلى دُفعتين، الدفعة الأولى مُكونة من دبابتي اقتحام بقيادة الملازم عبدالله عبدالسلام صبرة، والملازم محمد الشراعي، والدفعة الثانية مُكونة من أربع دبابات مع طواقمها بقيادة الملازمين عبدالله محسن المؤيد، ويحيى جحاف، وأحمد مطهر زيد، وعبده قائد، وانضمت اليهم بعد بدء الهجوم دبابة سابعة بقيادة الملازم عبدالكريم المنصور، في حين تولى الملازم أحمد الرحومي قيادة عدد من السيارات المدرعة لتأمين ذلك الهجوم.

اتخذت تلك القوات مَواقعها حول قصر البشائر، وتولى الملازم محمد السراجي مُناداة حُراس القصر لاستقطابهم، ولكن دون جدوى، أغلق الأخيرون البوابة، ووضعوا الحواجز المعيقة، وردوا على مَصدر الصوت بالضرب المُكثف، في حين اكتفى المُهاجمون بالضرب المحدود، دون إحراز أي تقدم؛ نَظرًا لانطفاء الكهرباء، ولعدم قيام طلاب مدرسة الأسلحة بقيادة الملازم هادي عيسي بالسيطرة – كما هو مخطط – على المنازل المحيطة، ولمحدودية المجال الأرضي الذي يَسمح بالتحرك المرن، ولقلة الذخائر الموزعة، حيث لم يكن مع الثوار ليلتها سوى 30 قذيفة، تم توزيعها على أغلب الدبابات، وهي الإشكالية التي كان يُراهن عليها الإمام المُحاصر لحسم الموقف لصالحه.

كانت إشكالية نقص الذخيرة هَم الجميع الشاغل، ولتلافي ذلك القصور، تَواصل الضباط الأحرار مع العميد عبدالله السلال، واختاروه قائدًا لهم، وأرسلوا قبل أنْ ينبلج فجر تلك الليلة سيارة مُصفحة لإحضاره إلى مقر القيادة، وقد بدأ أولى مَهامه بإصدار أوامره لقيادة مَفرزة قصر السلاح بفتح بوابة القصر لنقل الذخيرة، وذلك بصفته السابقة (قائد الحرس الملكي)؛ مُستفيدًا من الانطباع السائد ليلتها بأنَّ أنصار الأمير الحسن تَحركوا للإطاحة بحكم الإمام البدر، وهو التصرف الذي أنقذ الموقف، ورجح كفة الثُوار.

على الرغم من استشهاد الملازم محمد الشراعي، واثنين من زملائه حرقًا داخل الدبابة التي كانت تُقلهم، إلا أنَّ الموقف تغير مَيدانيًا لصالح الثوار، ولم تُشرق شمس صباح اليوم التالي إلا وقد حَسمت مدفعية الميدان الرابضة في منطقة خزيمة بقيادة الملازم محمد مطهر زيد الأمر، حيث قامت بنسف واجهة قصر البشائر الجنوبية، واجبرت الإمام المخلوع على المُغادرة.

صحيح أنَّ مَعركة السيطرة على قَصر البشائر كانت هي معركة الثوار الرئيسية، إلا أنَّ هناك في المُقابل تَحرُكات أخرى لا تقل أهمية عنها، حيث تَوجهت قوات بقيادة الملازم صالح الأشول للسيطرة على الإذاعة، مَسنودة بدبابة، ومُدرعة، وهي السيطرة السريعة التي تخللتها مُناوشات محدودة أسفرت عن إصابة الشيخ علي أبو لحوم، لتبدأ صنعاء بحلول الساعة السابعة صباحًا بثها الإذاعي، مُعلنة قيام الجمهورية، على وقع نشيد (الله أكبر يا بلادي كبري).

وإلى بئر خيران تم إرسال دبابتين بقيادة الملازم عبدالكريم الحوري، والملازم عبدالكريم المنصور، وقد توجه الأخير – كما سبق أنْ ذكرنا – لتعزيز الهجوم على قصر البشائر. وإلى دار الوصول (القصر الجمهوري) توجهت دبابة بقيادة الملازم علي الحيمي، وقد تعامل الأخير مع سَرية الجيش البراني التي رفضت الاستسلام بعنف، وقبض على أفرادها الذين كان جُلهم من قبيلة الأهنوم، وأرسلهم إلى مقر القيادة.

وإلى قصر السلاح تم إرسال دبابتين مع طَواقمها بقيادة الملازم حسين شرف الكبسي، والملازم علي محمد الشامي، ورغم أنَّه أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، لم يُوافق مَسؤول حِراسة القصر الملازم صالح العروسي على فتح المخازن إلا بأوامر من قائد الحرس الملكي العميد السلال، مُخالفًا بِذلك ما تم الاتفاق عليه، ويبدو أنَّ عَدم حسم مَعركة قصر البشائر، وتوارُد الإشاعات بنفاد الذخيرة، واتصال الإمام محمد البدر ببعض أفراد الحراسة؛ كان سبب تغير مَوقفه المفاجئ، والجزئية الأخيرة تُوضح مدى الإرباك الذي لازم الثوار ليلتها، حيث لم يقوموا بقطع جميع خطوط الاتصالات المُرتبطة بالإمام المُحاصر.

وفي الوقت الذي قام فيه الثوار بكسب ولاء مَفرزتي الكلية الحربية، والإذاعة، وأفراد مَدرسة الإشارة، نجحوا أيضًا في تحييد مَفرزة جبل نقم، ومَفرزة باب اليمن، ومَفرزتي قصر السلاح بشقيها: النظامي، والبراني، ولم يمض من الوقت الكثير حتى رفض أفراد المفرزة الأخيرة، والذين كان جُلهم من أبناء قبيلة الأهنوم الانتقال إلى معسكر الجيش الدفاعي، وأتبعوا ذلك بقتل الملازم صالح الرحبي، زميلهم في المفرزة الأخرى؛ الأمر جعل الثوار يُسارعون بإخماد ذلك التمرد قبل أنْ يستفحل خطره.

كما سيطر الثوار على مقر فوج البدر، ومقر الجيش النظامي، ومقر الجيش الدفاعي، ومدرسة ضباط الصف، وأتبعوا ذلك بشل حركة القوات المُرابطة في معسكر سلاح المدفعية، القريب من مقر القيادة، والذي تسلل إليه أمير الجيش الدفاعي محمد الضمين، وأمير الجيش المظفر العقيد عبدالقادر أبو طالب، وأجبروا القائدين الإماميين على التوجه إلى جبل نقم.

تولت مجموعة من الثوار بقيادة النقيب حسين الدفعي مُلاحقة أفراد الأسرة الحاكمة، والعناصر الموالية لهم، وإلى جانب قيامها بالقبض على أميري الجيش الدفاعي والمظفر في جبل نقم، تمكنت من القبض على الأمير علي بن يحيى، وولده الحسن، وأخيه إسماعيل، وابن أخيه علي بن إبراهيم، وقد تعامل الثوار مع الأخير بلطف تقديرًا لجهود والده، في حين قاموا بإعدام الثلاثة الأوائل، وعددٍ من أعوانهم.

وإلى جانب الإمام محمد البدر، تمكن الأمير عبدالله بن الحسن، ومعه الأمير محمد بن الحسن، وغيرهم من الهرب، بعد أنْ قادا صباح اليوم الأول للثورة مُقاومة مُحدودة في قصر الشكر، وقد كان لثلاثتهم وعددٌ من أمراء بيت حميد الدين المتواجدون في الخارج دور رئيسي في قيادة معارك إنهاك الجمهورية الوليدة التي سنأتي على تناولها، في حين أعلن قريبهم الأمير القاسم بن الإمام يحيى تأييده للثورة، والجزئية الأخيرة تَفرَّد بذكرها المُراسل الحربي أوبلانس.

وهكذا، وبخطة مُستعجلة، وقوات مُتواضعة، حقق الثوار انتصارهم، ولم يأتِ عَصر اليَوم الأول للثورة إلا وصنعاء ومُعظم المدن الرئيسية تحت قَبضتهم، حيث فَرضوا خلال وقتٍ قياسي أمرًا واقعًا، ودانت اليمن من باب المندب حتى صعدة للعهد الجديد، وكان لصدى بياناتهم الحماسية عبر أثير إذاعة صنعاء وقعها الإيجابي في نفوس اليمنيين التواقين للتحرر من الظلم والكهنوت، رغم احتوائها لخبر مَقتل الإمام محمد البدر تحت الأنقاض.

صحيح أنَّه كان لذلك الخبر عظيم الأثر في تَهاوي أركان بيت الحكم الإمامي، وزيادة التأييد الشعبي، إلا أنَّ نفي عدد من وكالات الأنباء والصحف والإذاعات الأجنبية والعربية لصحته؛ أعطى الإماميين فرصة كبيرة لاستعادة أنفاسهم، وقد تداولت تلك الوسائل ذلك النفي نقلًا عن الجنرال الأمريكي بروس كندي الذي كان أثناء قيام الثورة في صنعاء، وغادرها جَوًا عبر إحدى الطائرات التي غيرت مَسارها فجأة من تعز إلى عدن، وفي مطار الأخيرة عقد مُؤتمرًا صحفيًا، حضره عدد من المُراسلين.

وكان هذا الجنرال قد قدم إلى اليمن قبل عشر سنوات بِصحبة الأمير عبدالله بن الإمام يحيى، بعد أنْ توطدت علاقته به في أمريكا، وأعلن في مدينة تعز إسلامه، وغير اسمه إلى (عبدالرحمن)، وساند بعد قيام الثورة الإمام محمد البدر، وعمل مُستشارًا له، وأعطي رتبة لواء، وتوجه بعد عقده المُؤتمر السابق ذكره إلى أوربا، مُجندًا عشرات المرتزقة للقتال إلى الجانب الإمامي.

وحقيقة الأمر أنَّ الإمام محمد البدر نجا من الموت بأعجوبة، وتمكن بعد مُرور عشر ساعات من بدء الهجوم على قَصره، من الهروب مُتسللًا إلى عددٍ من المنازل المُجاورة، مُتنكرًا بملابس غير مَلابسه، مُصطحبًا معه العميد يحيى العروسي (عمه والد زوجته)، وخمسة من عَساكره، وما أنْ حلَّ الظلام، حتى توجه إلى ضُلاع همدان، وأخذ هناك استراحة قصيرة بضيافة الشيخ عاطف المصلى (أعدمه الثوار فيما بعد)، وفي صباح اليوم التالي (الجمعة 28 سبتمبر 1962م) كان وصوله إلى معسكر قشلة عمران، ولم تغرب شمس ذلك اليوم حتى يمم خُطاه صوب مدينة حجة، عَازمًا على تكرار سيناريوا والده في إخماد ثورة فبراير 1948م الدستورية.

hashed 43 ثورة الإماميين المُضادة

أول شهر

بعد مُرور خمسة أيام على هروبه، وبعد أنْ تَجمع له حَوالي ألفي مُقاتل، مُعظمهم من رعايا الشيخين علي بن يحيى الصعر، وعلي بن مهدي الأدبعي، قاد الإمام المخلوع محمد البدر هُجومًا عنيفًا على حجة، جَاعلًا من مركز بيت عذاقة مُنطلقًا لهجومه، وقد وصل بالفعل إلى أبواب تلك المدينة 2 أكتوبر 1962م، إلا أنَّ ثوارها تحت قيادة النقيب علي سيف الخولاني تصدوا له، وأجبروه على مُواصلة رحلته اليائسة شمالًا.

بعد انتكاسته الثانية في مَدينة حَجة، توجه الإمام المخلوع إلى مدينة المحابشة، وإليه تَوافد أنصار الإمامة من المناطق المُجاورة، وألقى فيهم خِطابًا تَحفيزيًا، مُغلفًا بالشعارات الدينية الخادعة، دَغدغ به عَواطفهم، وطمأنهم بأنَّ الأمور تحت سيطرته، لتقوم قذائف إحدى الدبابات الجمهورية الرابضة في السفح التهامي، والمُصاحبة للحملة العسكرية التي خرجت من الحديدة تحت قيادة العميد حمود الجائفي لملاحقته، لتقوم بتفريق جمعه، وإجباره – بعد مُرور أكثر من ثلاثة أيام من تواجده هناك – على التوجه إلى كشر، لتتعرض المحابشة في اليوم التالي لقصفٍ جوي، وهو القصف الذي مهد لسيطرة القوات الجمهورية عليها مُؤقتًا.

وعلى ذكر الحملة التي خرجت من الحديدة لملاحقة الإمام المخلوع، فقد رافقها خروج حملة أخرى من صنعاء لذات الغرض، بقيادة الملازم يحيى المتوكل، وكما تم إسناد الأولى بقوات قبلية من حاشد بقيادة الشيخ مجاهد أبو شوارب، تم إسناد الأخيرة بقوات قبلية، ومن حاشد أيضًا، بقيادة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، إلى جانب تعزيز الحملتين بأسلحة ثقيلة، وهي الأسلحة التي ساهمت في تحقيقها بعض الانتصارات، وغطت عجز محدودية أفرادها.

تجاوزت حملة صنعاء مدينة حوث وصولًا إلى العشة، وتمكنت من السيطرة على القفلة، ثم على جبل الأهنوم بشقيه: المدان، وشهارة، ثم ما لبثت قبائل ذلك الجبل البكيلية أنْ غيرت ولائها؛ الأمر الذي أدى إلى انسحاب القوات الجمهورية إلى القفلة، وتعرضها هناك – وكما سيأتي – للحصار.

وبالعودة إلى تنقلات الإمام محمد البدر، فإنَّ مكوثه في كشر لم يدم طويلًا، غَادرها إلى العبيسة، ثم إلى وشحة، ولم يمكث في الأخيرة سوى ليلة واحدة، واصل رحلته شمالًا، وجعل عليها أحمد عبدالكريم، لم يصمد الأخير طويلًا، تمكن أفراد حملة الحديدة من أسره، وذلك بعد سيطرتهم المُؤقتة على تلك المدينة، ثم قاموا بإرساله إلى صنعاء، ولقي فيها حتفه، فيما أسندت مهمة التمركز في وشحة للملازم ملاطف السياغي، الذي وصل إليها بسريتين، ولم يستمر مُكوثه هو الآخر فيها طويلًا.

وكان قبل تلك السيطرة، وذلك الحصار، قد توجه الإمام محمد البدر صوب بكيل المير، وتصدت له أثناء مُروره في وادى تعشر بالقرب من الملاحيظ قوات جُمهورية من حاشد، تحت قيادة الشيخ مجاهد أبو شوارب (هي نفسها القوات التي توجهت إلى تلك الجهة تعزيزًا لحملة الحديدة السابق ذكرها)، ودارت هناك مَعركة صغيرة استشهد فيها الشيخ محمد حميد نجاد، وقد أكملت تلك القوات بعد ذلك مسيرها صوب حرض، وكان لها – وكما سيأتي – دور فاعل في صد الزحوفات الإمامية على تلك المدينة.

وهكذا، وحين لم يجد الإمام المخلوع أرضًا يمنية يتمركز فيها، ولا قوة قبلية تُسانده، وأدرك أنَّ القوات الجمهورية مُستمرة في مُلاحقته، ولن تتركه يستعيد أنفاسه؛ سارع بالتوجه إلى الخوبة 24 أكتوبر 1962م، متجاوزًا الحدود اليمنية صوب السعودية، واضعًا رهانه على الخارج، وهو الرهان الخاسر الذي كان له ما بعده.

ستة محاور

والحق يُقال أنَّ الأمير الحسن كان سَباقًا بذلك الارتهان، فقد توجه فور عِلمه بنبأ قيام الثورة من أمريكا إلى بريطانيا، ثم إلى السعودية 29 سبتمبر 1962م، وأعلن من الأخيرة نَفسه إمامًا، وتلقب بـ (الواثق)، وشكل حُكومة منفى، وقاد بدعم من الملك سعود بن عبدالعزيز – الذي قيل أنَّه طلب منه الحضور – ثَورة مُضادة، وبدأ بمُراسلة مَشايخ قبائل اليمن الشمالية، والشرقية، ونجح بواسطة المال والسلاح في استقطاب عددٍ منهم، وقاد بمساندتهم عمليات هجومية على عددٍ من الحاميات الجمهورية، والثورة لم تتجاوز بعد أسبوعها الأول.

دفع ذلك الارتهان الثوار لطلب النجدة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فأمدهم الأخير بسرية، ثم عززهم – كما سيأتي – بـ 70,000 مُقاتل؛ وهو الأمر الذي دفع الأمير فيصل بن عبدالعزيز إلى القول بأنَّه – أي ناصر – قد خطى خطوة في الظلام! وإلى جانب اعتراف مصر بالنظام الجمهوري، اعترفت سوريا، وقبلها الاتحاد السوفيتي، ثم تونس (سحبت اعترافها فيما بعد)، والجزائر، والعراق، والسودان، ولبنان، ولم ينته ذلك العام إلا باعتراف أكثر من 30 دولة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية إحداها.

والمُفارقة العجيبة، أنَّه وفي نفس اليوم الذي وصل فيه الأمير الحسن إلى السعودية، قَادمًا من أمريكا، وصل الدكتور عبدالرحمن البيضاني إلى اليمن، قَادمًا من مصر، حَاملًا معه حُزمة قَرارات سيادية جَعلته في الصَدارة، وحلَّ بموجبها نائبًا للعميد عبدالله السلال في رئاسة مجلس القيادة، ورئاسة مجلس الوزراء، إلى جانب شغله منصب وزارة الخارجية، وصار بعودته وعودة الأمير الحسن اللاعب الخارجي هو المُتحكم الرئيس بالمشهد، وساهمت مِزاجية ذلك اللاعب في تعميق الفجوة بين الفرقاء، كما كان لحالة اللاوفاق الجمهوري والوفاق الإمامي خِلال الثلاث السنوات الأولى من الحرب أثره البارز في ترجيح كفة الأخيرين.

كما أنَّ مَواقف وتَصريحات نائب رئيس الجمهورية الدكتور البيضاني النارية، زادت الطين بلة، فهو لم يَكن فقط ضد التفاهم مع السعودية، مُعارضًا لرؤية العقلاء حول هذه الجزئية؛ بل قال أنَّ هدف مصر تصفية الحساب معها، وإنهاء القواعد الأمريكية في أراضيها. يُضاف إلى ذلك البيانات الحماسية التي كانت تذيعها إذاعة صنعاء بين الفينة والأخرى، والتي ما فتئت تُبشر بقيام جمهورية الجزيرة العربية!

وفي الوقت الذي كان فيه الجمهوريون يُطاردون الإمام المخلوع من مَنطقة إلى أخرى، قام الإماميون وبدعم سعودي كبير بِهجومهم الشامل، ومن ستة مَحاور، المحور الأول قاده الأمير (الإمام) الحسن نفسه، وكان خط سيره من نجران إلى صعدة، وتمكنوا من السيطرة على الأخيرة، بعد أنْ انسحبت حاميتها الجمهورية المُتواضعة تحت قيادة النقيب محمد مريط إلى حصن السنارة، وتجاوزوا تلك المدينة بمسافة 20 كيلو متر، وزرعوا الألغام المعيقة، وأسروا الملازم إسماعيل العلفي فور وصوله جوًا من صنعاء بمهمة استطلاعية، ثم قاموا بإعدامه.

سَارعت القيادة العامة بإرسال حَملة عسكرية إلى تلك الجهة، بقيادة الملازم عبدالله الترزي، قوامها ثلاث سرايا، وأربع دبابات، وأربع مُصفحات، وثلاثة مدافع ميدان، وعربة إشارة، وعززتها بـ 300 مُقاتل من قبيلتي برط، وحاشد، بِقيادة الشيخ أمين أبو راس، الذي تولى القيادة العامة، وما أنْ وصلوا جميعًا إلى حرف سفيان، حتى تولت فرقة استطلاع مهمة التمهيد للهجوم، استشهد خلالها الشيخ فيصل صالح عوفان، ثم كانت بعد ذلك استعادتهم لمدينة صعدة 14 أكتوبر1962م، وهي الاستعادة التي لم تكن في سياق الأحداث الآتي نقل تفاصيلها نهائية.

بالتزامن مع قيامه بالهجوم الأول على صعدة، نجح الأمير الحسن في استمالة عددٍ من مَشايخ الجوف إلى صفه، فما كان من الأخيرين إلا أنْ قاموا تحت قيادة ابن أخيه الأمير عبدالله بن الحسين بالهجوم على حامية مدينة الحزم الجمهورية، وأجبروا أفرادها المحدودين، وبعد مُرور أربعة أيام من المواجهات على الاستسلام، في حين قاوم قائدها الشيخ علي أبكر حتى آخر طلقة، واستشهد في النهاية.

أسقط الإماميون بعد ذلك مدينة المطمة، ثم أكملوا مسيرهم غربًا صوب سنوان، حيث تربض إحدى القلاع المنيعة، وللتصدي لذلك الهجوم؛ جَهزت القيادة العامة حَملة كبيرة مَسنودة بعددٍ من الدبابات، والمدافع، والمدرعات، والألغام، بقيادة الشيخ أمين عبدالواسع نعمان، والملازم محمد مطهر زيد، وفي الوقت الذي انتظر فيه الأول وصول التعزيزات في عمران، توجه الأخير ومعه عدد من الضباط والمشايخ إلى قلعة سنوان، وتَعرضوا هناك لحصار القوات الإمامية التي أحكمت سيطرتها على الجبال المُحيطة، والمُطلة.

كانت حملة سنوان الجمهورية خَليطًا من الجيش النظامي، وأبناء القبائل الشمالية، والوسطى، وقد تَجمع غَالبيتهم في منطقة ذيبين، ولم يمضِ من الوقت الكثير حتى انظم عدد منهم، وبالأخص أبناء قبائل نهم، وبني حشيش، وأرحب للطرف الآخر؛ بفعل إغراءات المال والسلاح، وهو الأمر الذي دفع الشيخ سنان أبو لحوم الذي انظم في 12 أكتوبر 1962م إلى تلك الحملة، إلى القول أنّه لم يكن لدى هؤلاء القناعة الكافية، وأضاف: «وللحقيقة فإنَّ الذين جاؤوا من عدن، وتعز، وإب، كانت لديهم دوافع وطنية خالصة، ولكن ينقصهم التدريب على السلاح».

وعلى ذكر مدينة عدن، فقد عبر أبناؤها عن فَرحتهم بقيام الثورة السبتمبرية، وخرجوا في شوارعها مُحتفين، وبدأت طلائع المُتطوعين منهم وإخوانهم في المناطق المجاورة تتجه شمالًا، ووصل عددهم إجمالًا إلى حوالي 10,000 مُقاتل، وكان لهم وأقرانهم من أبناء المناطق الوسطى (تعز، وإب) دورٌ رئيسي وفاعل في مَعارك الدفاع عن الجمهورية،

وفي الوقت الذي انخرط فيه الأخيرون في صفوف الحرس الوطني الذي تولى قيادته الملازم هادي عيسى، عاد مُتطوعو الجنوب في منتصف وأواخر العام التالي إلى مناطقهم، وكانت لهم مُشاركتهم الفاعلة في مُحاربة الاحتلال الإنجليزي وأذنابه.

وبالعودة إلى مَوضوعنا، فقد حاول الجمهوريون فك الحصار عن إخوانهم المحاصرين داخل قلعة سنوان، ونجحوا إلى حدٍ ما في ذلك، ثم ما لبث الإماميون أنْ قَاموا تحت قيادة الأمير عبدالله بن الحسين بهجومٍ مُضاد، أتبعوه بنصب عددٍ من الكمائن، إلا أنَّ فَرحتهم بالسيطرة على سنوان لم تكتمل؛ حيث قام الملازم محمد الحمزي بعمل بطولي جبار، طلب من رفاقه المُحاصرين الانسحاب، وبتوصيف أدق من تبقى منهم، وسَارع بصب براميل الوقود، وأشعل بمجرد أنْ امتلأت القلعة بالإماميين المتفيدين النار، وقتل 150 منهم، وسقط هو نفسه على وقع ذلك الانفجار الكبير شَهيدًا.

على الرغم من خَسائرهم الفادحة، سَيطر الإماميون على سِنوان، ووصلوا إلى مشارف ريدة، ودانت لهم مُعظم قَبائل نهم، وبني حشيش، وأرحب، وبدأوا يَضغطون على صنعاء نفسها، سواء من خِلال هذا المحور، أو من خلال محور مأرب – صرواح – خولان (المحور الثالث)، صحيح أنَّ المناطق الثلاث الأخيرة دانت بادئ الأمر للجمهورية، إلا أنَّها غيرت ولائها سريعًا، وكانت مأرب أولها سُقوطًا، حيث تمكن الأمير الحسن بن الحسن – القادم لتوه من عدن – من إخضاعها 1 أكتوبر 1962م، مسنودًا ببعض المشايخ الذين نجح والده وأمير بيحان حسين الهبيلي في استقطابهم.

توجهت بعد مُرور يومين من تلك السيطرة حملة جُمهورية بقيادة الملازم علي عبدالمغني لاستعادة مأرب، وتَكونت من 56 ضابطًا، وأربع سَرايا مُشاة، وخَمس مُصفحات، ومَدفعي ميدان، وأربع سيارات نقل، وحظيت أثناء مُرورها في صرواح بالترحيب الجيد، والضيافة المُعتبرة، والإسناد المحدود، وحدث لها فور وصولها منطقة باب الضيقة في الجفينة ما لم يكن في الحسبان، نصب الإماميون لها كمينًا غَادرًا 8 أكتوبر 1962م، وأسقطوا مُصفحتين منها في حُفرٍ مموهة، وأحكموا مع حُلول الظلام سيطرتهم عليها، وقتلوا قائدها وجندي يُدعى عبدالله علي صالح، وأسروا بعض أفرادها (كان الملازم محمد حسن العمري أحدهم)، ونَهبوا جميع مُعداتها.

كانت لحظة استشهاد الملازم علي عبدالمغني انتكاسة كُبرى في مسار الجمهورية الوليدة؛ لما يمثله ذلك القائد الفذ من رمزية فريدة، وللثأر له، ولصد الهجوم الإمامي، أرسلت القيادة بعد مرور ستة أيام من استشهاده بمجموعة من كتيبة الصاعقة المصرية تحت قيادة المقدم أحمد عبدالله، مسنودة بقواتٍ جمهورية، ومُنيت هي الأخرى وعلى مشارف مأرب بهزيمة قاسية، ودخلت بعد انسحابها إلى صرواح تحت دائرة الحصار الإمامي؛ الأمر الذي جعل القيادة تُرسل بحملة ثالثة 23 أكتوبر 1962م.

سَبق تلك الحادثة انضمام الشيخ علي بن ناجي الغادر، والشيخ أحمد بن علي الزايدي للصف الجمهوري، وقامت القيادة فور وصولهما صنعاء بإعطائهما أموالًا وأسلحة، وكلفتهما ورعاياهما من أبناء خولان بالانضمام للحملة الثالثة، وهي الحملة التي تم تعزيزها ببعض الضباط، و150 فردًا من جنود الصاعقة المصرية بقيادة نبيل الوقاد، وأربع دبابات، وقد كان لخروج وزير المعارف القاضي محمد محمود الزبيري على رأسها أثره البالغ في كسب ولاء القبائل، إلا أنَّ توجيهات عليا حالت دون إكماله مهمته، عاد من صِرواح إلى صنعاء، فيما أكملت الحملة مَسيرها.

واجهت تلك الحملة انتكاستين مُتتاليتين، الأولى في القرب من باب الضيقة، حيث تعرضت لكمين إمامي غادر، قُتل فيه القائد الوقاد، والثانية بعد انسحابها إلى قلعة صرواح، حيث افتعل الشيخان الغادر، والزايدي خلافًا مدفوع الثمن، انتهى بتصويب الأخير بندقيته على موظف اللاسلكي، وقيام أحد الضباط المصريين بالثأر لصاحبه، وتعاظمت تلك الانتكاسة بحدوث مُناوشات محدودة أدت إلى قتل وجرح عدد كبير من الجانبين، وتعاظمت أكثر بنجاة الشيخ الغادر، وخروجه إلى قبيلته مُحرضًا ومُعلنًا الحرب على الجمهورية والمصريين الذين وصفهم بالمُحتلين.

وكان قد وصل عدد القوات المصرية خلال ذات الشهر إلى نحو 2,500 جندي، و100 ضابط وصف ضابط، في حين تولى الفريق أنور القاضي قيادتهم، وكان لهم وأقرانهم الذين توالى وصولهم دورٌ فاعل في صد الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الجمهورية الوليدة.

وهكذا، وإلى جانب قبائل مأرب، انضمت قبائل صرواح، وعدد كبير من أبناء خولان للجانب الإمامي، وقاموا مُجتمعين بالهجوم على القوات الجمهورية والمصرية المتمركزة في قلعة صرواح، وأحكموا حِصارها، وذلك بعد أنْ خاضوا مَعها مَعركة شرسة استشهد فيها الملازم عبدالكريم الرازقي. صحيح أنَّ القيادة في صنعاء حَاولت إنقاذ الموقف، وذلك بإرسال مجموعة من المظليين المصريين، إلا أنَّ الأخيرين هبطوا في المكان الخطاء (منطقة الوتدة)، وكان مصير مُعظمهم القتل على يد أبناء قبيلة جهم البكيلية، في حين ظلت المجموعة المُحاصرة قرابة الأربعة أشهر تتلقى الإمدادات جوًا، بالتزامن مع حدوث مُحاولات فاشلة لفك الحصار عنها.

وغير بعيد عن مأرب، ثمة محور رابع لا يقل خُطورة عن سابقه، هو محور بيحان – حريب، والأخيرة من أوائل المناطق الجمهورية سُقوطًا، حيث قامت قوات إمامية تحت قيادة القاضي أحمد السياغي بالسيطرة عليها، وكانت تلك القوات مدعومة من قبل أمير بيحان حسين الهبيلي، المدعوم أصلًا من قبل الإنجليز، وما أنْ قامت طائرات الأخيرين بقصف مدينة البيضاء 15 أكتوبر 1962م؛ حتى توجه الرئيس عبدالله السلال إلى رداع، وأشرف بنفسه على إرسال حملة عسكرية وشعبية قوامها 15,000 مُقاتل، تحت قيادة وزير الإعلام علي محمد الأحمدي، وهي الحملة التي سنأتي على تناول انتكاستها.

وبدعم من الإنجليز أيضًا، فتح الإماميون جَبهة خامسة، مَسارها من جبال مُريس إلى قعطبة، إلا أنَّ الجمهوريين تَداركوا ذلك الخطر، وكبحوه في مهده، وتولى الملازمان أحمد الكبسي، وعلي الضبعي قيادة تلك المهمة، وتحول هذا المحور – فيما بعد – إلى محور دعم وإسناد لثوار الجنوب. وردًا على ذلك التدخل الإنجليزي السافر، أصـدرت القيادة في أواخر الشهر التالي بيانًا رسميًا اتهمت فيه بريطانيا بالتآمر ضد الجمهورية العربية اليمنية.

وإلى جانب قيامهم بإنشاء مُعسكرات خاصة داخل الأراضي الجنوبية لتدريب القوات الإمامية، قام الإنجليز بتجنيد عددٍ من المُرتزقة الأجانب لذات الغرض، وهو الدور المشبوه الذي رعته إلى جانب بريطانيا دول أخرى، كأمريكا، وفرنسا، وإسرائيل، والذي سنتحدث عنه تفصيلًا عن أثناء نقلنا لتفاصيل حصار صنعاء (ملحمة السبعين يومًا)، ذلك الحصار الذي خطط له وشارك في رسم تفاصيله المئات من أولئك المُرتزقة.

وبالقرب من المناطق التي هَرب إليها الإمام المخلوع محمد البدر، قام في أواخر شهر أكتوبر 1962م حوالي 1,000 مُقاتل إمامي بقيادة الشيخ علي هبه بالهجوم على مدينة حرض (المحور السادس)، وقد تمكن الجمهوريون بعد مُواجهات شرسة سقط فيها الكثير من الضحايا من دحرهم، وأسر قائدهم. ولأهمية هذه الجبهة، ولأنَّ الإماميين كثفوا من استعداداتهم لمعاودة الهجوم؛ أرسلت القيادة بكتيبة مصرية بقيادة اللواء أحمد شكري، وقد استشهد الأخير في أول معركة خاضها مع القوات المُهاجمة، وهي المعركة التي سنأتي على تناولها.

كان الأمير الحسن يقود معظم المعارك السابق ذكرها بصفته إمامًا، واستمر حَاملًا لتلك الصفة حتى بعد توارد الأخبار بنجاة ابن أخيه الإمام، وحظي بِمُساندة غالبية أمراء بيت حميد الدين، وأذاعت إذاعة مكة نبأ اعتراف الإمام المخلوع محمد البدر بإمامته 13 أكتوبر 1962م، وبوصول الأخير إلى السعودية، ثبت زيف ذلك النبأ، وتغير كل شيء، وحسم أمراء آل سعود ذلك الخلاف، وصار الأمير الحسن نائبًا للإمام، ورئيسًا لمجلس الوزراء، وقد تولى الأخير قيادة المحور الشمالي، ونقل مقر قيادته من شمال صعدة إلى برط، وإلى منطقة غرير في وادي عضلة تحديدًا، ولم يستمر تواجده في تلك المنطقة طويلًا، فقد أجبره الشيخ أمين أبو راس مسنودًا بقوات قبلية على المغادرة، والعودة إلى مقر قيادته الأول.

وهكذا انقضى الشهر الأول من عُمر الثورة السبتمبرية والمُواجهات في المحاور السابق ذكرها مُشتعلة، وعلى أوجها، باستثناء مِحور قعطبة، وبازدياد تدفق الدعم الخارجي، وسع الإماميون من خَارطة عملياتهم العسكرية، وأوجدوا مَحاور أخرى ثانوية، عملوا من خلالها على تشتيت وإنهاك القوات الجمهورية؛ الأمر الذي جعل الرئيس السلال يُصرح حينها بأنَّهم يُقاتلون على نحو 40 جبهة.

ولم يقتصر إنهاك تلك القوات مَيدانيًا؛ بل تم إنهاكها أيضًا سياسيًا، حيث بدأت الخلافات الجمهورية – الجمهورية تطفوا على السطح، ولم يكد ينقضي شهر الثورة الأول، حتى تأكد ذلك الخلاف بإعلان تشكيل قيادة جديدة 31 أكتوبر 1962م، في حين بدا الجانب الإمامي أكثر وفاقًا وتماسكًا، وارتضى أمراء بيت حميد الدين – بعد سنوات من القطيعة – بمحمد البدر إمامًا (1).

ثورة الإماميين المُضادة

حرب عصابات

مُنذ اللحظة الأولى لقيام الثورة السبتمبرية، وقَعَ الجُمهوريون في شِراك التقديرات الخاطئة لحجم وقوة الثورة المُضادة، ولم يَستعدوا لـمُواجهة الإماميين وداعميهم الاستعداد الأمثل، والأشمل، وكانوا – رغم ذلك – مُؤمنين بقدراتهم، واثقين بأنفسهم، حَازمين في ردودهم، وكما كان انتصارهم خلال الليلة الأولى للثورة أشبه بالمعجزة، كان صُمودهم في وجه تلك الهجمة الشرسة أشبه بالمعجزة أيضًا، وهو الصُمود الذي أصاب أعداء الثورة، والجمهورية، والحياة في مَقْتل.

سبق أنْ تَحدثنا عن الانتصارات التي حَققها الإماميون خِلال الشهر الأول للثورة، وهي الانتصارات التي حَفزتهم أكثر للقضاء على الجمهورية الوليدة، من خلال حرب عصابات مُتعددة المسارات، سَاعدهم في ذلك التماهي الدعم الكبير الذي تَوارد عليهم من الخارج، وقد بدأوا تبعًا لذلك يُخططون لحسم المعركة نهائيًا، ويبحثون عن أقصر الطرق التي تُوصلهم إلى العاصمة، مُتبعين سِياسة شِراء ولاءات قبائل الطوق المُحيطة، وبعد نهم، وبني حشيش، وأرحب، امتدت سيطرتهم إلى بني الحارث، وبدأت تظهر لهم جيوب مُقاومة في عيال سريح، وهمدان، وسنحان، وبلاد الروس، وقام أنصارهم في الأخيرة بقطع طريق صنعاء – تعز لبعض الوقت نوفمبر 1962م.

كما سيطر الإماميون على أغلب أرضي خولان الطيال؛ ولقطع تمددهم من هذه الجهة، ولإنقاذ القوات الجمهورية المُحاصرة في صرواح؛ أرسلت القيادة – مع بداية ذات الشهر – بحملة عسكرية كبيرة، تولى قيادتها العقيد حسن العمري، وتكونت من قوات نظامية، وقبلية، وتم إسنادها بكتيبة صاعقة مصرية بقيادة الرائد عبدالمنعم سند، وقد لاحقت تلك القوات مُجتمعة (القوات المُشتركة) جيوب المقاومة الإمامية في خولان، واستعادت السيطرة على منطقة رأس العرقوب، وواصلت تقدمها وصولًا إلى رأس الوتدة 22 نوفمبر 1962م، والأخيرة عِبارة عن أربعة جبال حصينة، سيطروا على ثلاثة منها بسهولة، واستعصى عليهم الجبل الرابع المُطل على صرواح.

انظم إلى تلك الحملة عددٌ من أبناء قبيلتي بني بهلول، وبني ظبيان، وعلى رأسهم الشيخ يحيى الرويشان، والشيخ عبدالخالق الطلوع، وقد ارتبط الأخير بعلاقة صداقة قَوية مع القائد المصري سند، ولقيا الاثنان مصرعهما في قمة جبل الوتدة الرابع 23 ديسمبر 1962م؛ بعد أنْ تَعرضا والمجموعة التي رافقتهم لكمين أمامي غادر، في حين نجا الشيخ الرويشان من ذلك الموت المحقق، ولم يكتفِ الإماميون – الذين كان مُعظمهم من أبناء المنطقة – بذلك؛ بل قاموا بفصل رؤوس القتلى عن أجسادهم، وتصدوا لمجموعة أخرى، وقتلوا وجرحوا عددًا من أفرادها، وكان محسن مرشد أبو لحوم، ومحمد أحمد أبو لحوم، وصالح بن ناجي القوسي من جُملة الشهداء.

أرسلت القيادة بعد ذلك بحملة خامسة إلى تلك المنطقة، بقيادة الملازم عبدالرحمن المحبشي، وشارك فيها حوالي 3,000 مُقاتل من أبناء البيضاء، ولم تُحقق هي الأخرى هَدفها، فيما لقي عددًا كبيرًا من أفرادها مَصرعهم؛ وفي المُحصلة التراجيدية أدت هذه الانتكاسة والانتكاسات السابقة إلى انسحاب القوات المُشتركة من الوتدة إلى العرقوب، ولم تستمر في المُقابل فرحة الإماميين بانتصارهم ذاك طويلاً.

كانت مُشاركة أبناء البيضاء في هذه الحملة بعد فشل حملتي وزير الأعلام علي بن محمد الأحمدي، والشيخ أحمد عبد ربه العواضي في استعادة حريب، وقد قاد الأول – كما سبق أنْ ذكرنا – حوالي 15,000 مُقاتل لذات الغرض، إلا أنَّه تَعرض بِمُجرد وصوله إلى عقبة أبلح لكمين إمامي غادر 5 ديسمبر 1962م، وسقط هو نفسه على يد أحد أبناء قبيلته (قيفة) الذين تم شراءهم شهيدًا، وقد ساد بعد استشهاده الهرج والمرج، وتسلل عملاء الإنجليز إلى صفوف الحملة، وتفرق شملها.

كلفت القيادة بعد ذلك الشيخ أحمد عبدربه العواضي بتدارك الأمر، وكان الأخير قد توجه ومعه عددٌ من مشايخ البيضاء ومُراد – خلال الأيام الأولى للثورة – إلى صنعاء، وقاد بمساعدة بعض أولئك المشايخ الحملة الثانية إلى حريب، وتمكن بالفعل من السيطرة عليها، إلا أنَّ الإماميين سَريعًا ما استعادوها، واحتفظوا بها لثلاثة أشهر أخرى.

على الرغم من أنَّ مُحيط مدينة حريب كان جمهوريًا، إلا أنَّ الإماميين سيطروا عليها، وعلى الرغم من أنَّ مُحيط مدينة صعدة كان إماميًا، إلا أنَّ الجمهوريين سيطروا عليها، مُفارقة لافتة لم تتكرر في تاريخ الإمامة الطويل، ولأنَّ صعدة كانت وما تزال معقل تلك الدولة الكهنوتية المُقلق، كَثَّف الإماميون خلال الأيام والأسابيع الأولى للثورة من استعداداتهم للسيطرة عليها، وبعد فشل مُحاولتهم الأولى السابق ذكرها، كَرروا في بداية الأسبوع الخامس للثورة المحاولة، وقاموا بقطع طريق صنعاء الموصل بها، وحصارها، وهي المهمة التي تكفلت بها قبائل حرف سفيان، ووائلة؛ الأمر الذي جعل القيادة تُرسل الإمدادات للقوات الجمهورية المُرابطة هناك بالمظلات.

وإنقاذًا للموقف، كَلَّفت القِيادة الشيخ أمين أبو راس و15 شيخًا من بَرط وأرحب بالتوجه إلى مكان التقطع 3 نوفمبر 1962م، والتفاهم مع القبائل المحيطة، وحين لم تؤتِ تلك الوساطة أكلها؛ أرسلت القيادة بحملة عسكرية قبلية جُل أفرادها من برط، ومن ذي محمد تَحديدًا، وقد نجحت تلك الحملة بفك الحصار مُؤقتًا عن صعدة، في حين تَوجه طابور مُدرع من القوات المصرية، مسنودًا بالطيران إلى ذات المدينة 9 نوفمبر 1962م، لتدور على تخومها معارك عديدة، كانت بمجملها سِجالًا.

وغير بعيد عن مِحور صعدة، تجمع حوالي 3,000 مُقاتل إمامي بقيادة عبدالله بن الحسين بن الهادي في وادي حرض، استعدادًا للانقضاض على المدينة المجاورة (مدينة حرض)، وقد استبقوا ذلك التجمع بالسيطرة على مدخل الوادي (قفل حرض)، وأسر سريتين جُمهوريتين كانتا مُرابطتين هناك، في حين نجا من الأسر طاقم الدبابة الوحيدة الذي انسحب بها بسرعة إلى داخل المدينة.

وتعزيزًا للقوات الجمهورية المُرابطة هناك، تم إرسال كتيبة مَصرية بقيادة اللواء أحمد شكري، وما أنْ توغلت تلك القوات مُجتمعةً في أحراش وادي حرض 2 نوفمبر 1962م، حتى تَعرضت لهجوم إمامي قُتل فيه القائد المصري وعامل اللاسلكي برصاصة واحدة، بالإضافة إلى 30 جنديًا مصريًا، وعددًا محدودًا من القوات الجمهورية.

استفاد الإماميون من أشجار وادي حرض الكثيفة؛ وكانت ضرباتهم تبعًا لذلك مُركزة، ولو كان اللواء شكري استمع لنصائح إخوانه الجمهوريين، ما حدثت – خلال نصف ساعة – تلك الانتكاسة. كان الشيخ مُجاهد أبو شوارب أحد أولئك الناصحين، وقال في شهادته على تلك الحادثة أنَّ القائد المصري سأله قبل بدء الهجوم: «هل لدى الملكيين دبابات ومدافع وألغام؟»، وحين أجاب بالنفي؛ قال له: «يا رجل لا تتردد، ولا تكن جبانًا، هؤلاء صراصير أنا أدوسهم بجنازير الدبابات»! وحصل في النهاية ما حذر منه الشيخ مجاهد وأصحابه، الذين شَاركوا في ذلك الهجوم الارتجالي مُضطرين، وكانت خسارتهم حين حصر الضحايا محدودة؛ لأنَّهم أخبر بالأرض، وأدرى بسلوكيات الطرف الآخر.

لم يهنأ الإماميون بانتصارهم ذاك طويلًا، دَفعتهم نشوته الخادعة لـمُلاحقة القوات المُنسحبة، وما أنْ اقتربوا منها، وفي ساحة مَفتوحة هذه المرة (أرض المطار)، حتى فتحت تلك القوات عليها النار، ومن جميع أنواع الأسلحة، وقتلت منهم المئات (قدرتهم إحدى الإحصائيات ما بين 300 و 400 قتيل)، وجرحت عَددًا منهم، ومن نجا منهم لاذ بالفِرار، في حين أكملت القوات المُشتركة انسحابها إلى داخل المدينة، ومن الأخيرة – وفي ذات اليوم – أكملت القوات المصرية انسحابها إلى مدينة عبس المُجاورة.

حَدثت بعد ذلك الانسحاب انتكاستين مُتتاليتين: تمثلت الأولى بقيام المصريين أثناء انسحابهم بِزراعة الألغام بالقرب من حرض، دون التنسيق مع الجمهوريين، وقد انفجر لغمان بإحدى المدرعات، وقُتل قائدها الملازم أحمد بيدر، وسبعة آخرين. وتمثلت الأخيرة بتفسير الإماميين لذلك الانسحاب بالهزيمة، ومُعاودتهم الهجوم على تلك المدينة أكثر من مرة، وعلى ميدي المجاورة أيضًا، وقد كان لتولي الملازم أحمد الرحومي قيادة ذلك القطاع أثره البارز في رص صفوف القوات الجمهورية، وصد تلك الهجمات.

وفي الجانب السعودي، وعلى مَقربة من حرض، عقد الإمام المخلوع محمد البدر مُؤتمرًا صحفيًا 10 نوفمبر 1962م، ظهر فيه أكثر تماسكًا وقوة، وأكد فيه عَزمه على استعادة عرشه، وعاد ومعه الكثير من الدعم إلى جبال اليمن الغربية، وأشرف بنفسه على قيادة ذلك المحور، وأظهر جلدًا غير مُتوقعًا، وبدأ من على سفوح جبل رازح، ومن مَنطقة حزة تحديدًا، في تجميع قواته، واستقطاب مشايخ المناطق المجاورة.

وفي نفس اليوم الذي عقد فيه الإمام المخلوع مُؤتمره الصحفي، تم التوقيع في القاهرة على مُعاهدة دفاع وتعاون مُتبادل بين اليمن، ومصر، وتم تشكيل مَجلس أعلى مُشترك برئاسة العميد عبدالله السلال رئيس الجمهورية، وأنور السادات، الأخير مُمثلاً للرئيس جمال عبدالناصر، وكان قبل ذلك التوقيع بأكثر من عشرة أيام قد قام المشير عبدالحكيم عامر بزيارته الأولى لليمن، وتضاعف عدد القوات المصرية بعد زيارته تلك إلى حوالي 8,000 جندي، بمعداتهم، وبدأ الإعلام المصري يتحدث – مُبالغًا – عن سحق جيوب المقاومة الإمامية، والسيطرة التامة على حدود اليمن الشرقية، والشمالية.

وفي المُحصلة التراجيدية، لم تكن اتفاقية القاهرة إلا تحصيل حاصل، فالمصريون قَدِمُوا أصلًا لمساعدة الجمهوريين بِمُوجب مُعاهدة الدفاع المشترك التي تم توقيعها في مدينة جدة قبل أكثر من خمسِ سنوات (21 أبريل 1956م)، وهي المعاهدة التي وقعها يومها الرئيس ناصر، والملك سعود، والإمام أحمد، ومن مُفارقات القدر أنَّ الدعم السعودي للإماميين تم أيضًا بموجبها!

وردًا على مُعاهدة القاهرة، وبعد مُرور ثلاثة أيام من توقيعها، دعت السعودية الى سحبِ القوات الاجنبية من اليمن، تحت إشراف مُنظمة دولية مُحايدة. وبعد مُرور ثلاثة أيام أخرى، وجه الرئيس الأمريكي جون كنيدي خِطابًا الى الرئيس جمال عبدالناصر، أعرب فيه عن قلقه من أنْ يُؤدي الصراع الى تعريض استقرار المنطقة للخطر، واقترح خطوات مبدئية لحل الازمة، وسارع – نكاية بالإنجليز – بالاعتراف بالنظام الجمهوري 19 ديسمبر 1962م، وعين الزوث بانكر سفيرًا ومُمثلًا خاصًا له في اليمن.

وفي اليوم التالي للاعتراف الأمريكي، وفي ختام الدورة السابعة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، شغل الوفد الجمهوري برئاسة محسن العيني المقعد المخصص لليمن، ودخل الأخير قاعة الاجتماعات وسط تصفيق حاد من قبل مُعظم المندوبين، في حين انسحب الوفد الإمامي، وألقى العيني خطابه الأول والأخير في تلك الدورة. وقد استأت السعودية من ذلك الموقف، ومن الاعتراف الأمريكي كثيرًا، ورفعت تبعًا لذلك مساعدتها للإماميين، وأعلنت التعبئة العامة؛ خاصة بعد تكرار الهجمات العسكرية المصرية على القواعد الإمامية في حدها الجنوبي.

وبالعودة إلى الميدان، وكما أشرف الإمام المخلوع على هَجمات قواته على مدينة حرض، أشرف أيضًا على حِصار قواته لمدينة وشحة، وهو الحصار الذي استمر لعشرة أيام، وانتهى باستسلام القوات الجمهورية المُرابطة هناك 15 ديسمبر 1962م، وذلك بعد أنْ استنفد الإماميون جميع ما كان معها من ذخائر، وأتبعوا ذلك باقتياد أفرادها وقائدهم (الملازم ملاطف السياغي) إلى سجون خميس مشيط، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد مُرور أكثر من ثلاث سنوات.

بعد سقوط وشحة، أراد الإمام محمد البدر السيطرة على القفلة، وتولى قيادة الهجوم عليها بنفسه، وما أنْ وصل بِقواته إلى وادي خلب، وتحديدًا إلى منطقة المروة، حتى قامت الطائرات الجمهورية بقصف تلك المنطقة، وقصف خيمته (المخيم المنصور)، وذلك بعد خروجه منها بعدة دقائق، صحيح أنَّه نجا من الموت بأعجوبة، إلا أنَّ الموت مدَّ لسانه لحوالي 300 من أنصاره.

كان وضع القوات الجمهورية المُرابطة في القفلة حرجًا للغاية، فقبائل الأهنوم المحيطة انضمت – كما سبق أنْ ذكرنا – إلى الجانب الإمامي، وساندت الإمام المخلوع وبقوة، وقد شهدت تلك المنطقة مُواجهات عديدة بين الجانبين، كانت بمُجملها سِجالًا، فأحيانًا كان الجمهوريون المسنودين بالطيران يصلون إلى وادي مور (حدود حجور)، وأحيانًا كان الإماميون يتقدمون إلى جبال أهر، وعزَّان، وعيشان المُطلة على القفلة، ويفرضون حصارًا على الأخيرة.

انتقل الإمام المخلوع بعد ضرب خيمته إلى مَنطقة غارب هيثم، القريبة من مدينتي حرض، والمحابشة، وتركز كل همه حينها في السيطرة على تلك المنطقتين الاستراتيجيتين، وبالتزامن مع استمرار مُحاولاته الفاشلة في السيطرة على الأولى، كانت له أيضًا مُحاولات فاشلة للسيطرة على الأخيرة، وقد مهدت قواته لذلك بقطع الطريق عنها، من الجهة الشمالية الغربية؛ الأمر الذي جعل القيادة تُرسل من عبس بحملة من القوات المُشتركة، مَسنودة بالدبابات، والرشاشات، والمدرعات.

وفي الوقت الذي تمركزت فيه كتيبة من القوات المصرية في ربوع المحرق، تقدمت القوات الجمهورية بشقيها: العسكري بقيادة الملازم أحمد المتوكل، والقبلي بقيادة الشيخ علي قملان شمالًا إلى سوق عاهم، المطل على منطقتي وشحة، وقارة، والقريب من مقر الإمام المخلوع، وقد شارك في تلك الحملة حوالي 60 فَردًا من أبناء يافع، المنضوين في صفوف الحرس الوطني.

حققت القوات الجمهورية بادئ الأمر انتصارات لافتة، وكبدت الإماميين في المحرق، والضاحية، ووادي الخميسين، وسوق عاهم خسائر فادحة، إلا أنّ مُمارسة غالبية أفراد تلك القوات لتصرفات شائنة في حق سكان تلك المناطق، جعلت الإمام المخلوع يُلقى خِطابًا دعائيًا، في حين تَداعى أبناء قبائل حجور، وأسلم، والشرف للنكف، وقاموا تحت إشرافه بهجومٍ مُضاد، أجبروا فيه – بعد مَعارك ضارية – القوات الجمهورية على الانسحاب، وكبدوها – أيضًا – خسائر فادحة.

واصل الإماميون المزهوون بالنصر تقدمهم إلى ربوع المحرق، وقد استخدمت القوات المصرية مَعهم نفس الأسلوب الذي استخدمته مع أقرنهم في حرض، تَركتهم يتقدمون أكثر، ثم صوبت حمم نيرانها عليهم، وبشكل مُكثف، وأجبرت أرواح مُعظمهم على المُغادرة، ولم ينجوا من ذلك الموت المحقق سوى قلة قليلة كانوا بعيدين عن مكان المُواجهة.

وعلى الرغم من خسائرهم الفادحة، واصل الإماميون عبر بعض الجيوب تقدمهم جَنوبًا، ووصلوا بالفعل إلى مَشارف حجة، وسيطروا على جبل مبين المُطل على ذات المدينة من جهة الشمال، وعلى جبل مسور المُطل عليها من جهة الجنوب الشرقي، واستبقوا ذلك بالسيطرة على منطقة الطور، وقطع طريق حجة – الحديدة؛ لتخرج من الأخيرة حملة عسكرية مسنودة بدبابة، بقيادة النقيب محمد الرعيني (القائد العام للقطاع الساحلي)، وقد تمكن الأخير من إعادة فتح ذلك الطريق، وتأمينة، واستقطاب عددٍ من المُغرر بهم.

8 1 ثورة الإماميين المُضادة

فض الاشتباك

وفي الوقت الذي قاد فيه الأمير الحسن بن يحيى المحور الشمالي الشرقي، وجعل من أحد الكهوف القريبة من مَنطقة أملح مَقرًا له، قاد ابن أخيه الإمام محمد البدر المحور الشمالي الغربي، ونقل مع حلول العام 1963م مقر قيادته من غارب هيثم إلى جبل قارة، وإليه بدأ عددٌ من أمراء بيت حميد الدين بالتوافد، وتولوا بتكليف منه قيادة غالبية القطاعات المُشتعلة.

وغير بعيد عن جبل القارة، تولى الأمير الحسن بن الحسن قِطاع الأهنوم، وكان مَقره في قلعة الحزم القريبة من القفلة، وتولى الأمير الحسن بن إسماعيل قطاع حجة، وكان مقره في جبل مسور، وتولى الأمير محمد بن إسماعيل قطاع حرض، وتولى الأمير عبدالله بن الحسين قطاع عمران، وكان مقره في حصن مُدَع، وتولى الأمير محمد بن المحسن بمعاونة العقيد قاسم منصر قطاع نِهم، وبني حشيش، وكان مَقره في جربة الطلح، وتولى الأمير شرف الدين بن مطهر قطاع أرحب، وتولى الأمير يحيى بن الحسين قطاع الجوف، وتولى الأمير عبدالله بن الحسن بمعاونة الشيخ علي بن ناجي الغادر قطاع خَولان، في حين عاد الأمير محمد بن الحسين إلى نجران، وأشرف على تشكيل عددٍ من المعسكرات، بمعاونة ضباط سعوديون، وأردنيون، ومُرتزقة أجانب.

كما تَوافد إلى جبل قارة عددٌ من مَشايخ القبائل الشمالية؛ طَمعًا بالأموال والأسلحة التي عَاد بها الإمام المخلوع من السعودية، عقد الأخير مَعهم عِدة اجتماعات، وكَلفهم بالعودة إلى قَبائلهم، وتَوسيع خَارطة المُواجهات؛ لتظهر بعد عَودتهم جُيوب مُقاومة في بني مطر، والحيمة، وآنس، والحدا، وقامت تلك الجيوب والجيوب السابق ذكرها بنصب الكمائن، وقطع الطرقات، ومُحاصرة الحاميات الجمهورية في أكثر من مَنطقة.

والأكثر خُطورة أنَّ الإماميين بدأوا يُشددون الخناق على مدينة صنعاء، ورغم فَشلهم في قطع الطريق المؤدي إليها من الحديدة، إلا أنَّهم نجحوا في قطع باقي الطُرق المؤدية إليها من باقي المحافظات، وجعلوها شبه مُحاصرة، وأتبعوا ذلك بقصفها – من أرحب، وبني حشيش – بمدافع المورتر، صحيح أنَّ الطيران الحربي أسكت تلك المدافع، وفَرَّقَ المجاميع القبلية التي كانت تستعد للانقضاض عليها من تلك الجهة، إلا أنَّه لم يتمكن من مُلاحقة باقي الجيوب، وتأمين الطرقات من الكمائن المُترصدة.

كان الكمين الذي نَصبه الأمير عبدالله بن الحسين للقوات المصرية في القرب من مدينة ريدة هو الأخطر، ولم يكتفِ الإماميون يَومها بِقتل وجرح عددٍ من أفراد تلك القوات؛ بل استولوا على مَجموعة من العربات، والأسلحة الثقيلة، وهددوا من خِلالها الحاميات الجمهورية في تلك المنطقة، وبالأخص تلك المُرابطة على جنبات طريق صنعاء – صعدة.

وغير بعيد عن ريدة، دارت في شمال مَنطقة عضران التابعة لوادي السر – بني حشيش مَعركة شرسة بين الإماميين والقوات المُشتركة التي تقدمت إلى تلك الجهة، تحت قيادة العقيد حسن عفت، والعقيد عبدالله الجائفي، وقد تَمكن الإماميون تحت قيادة الأمير محمد بن المحسن من قتل وجرح وأسر العشرات من أفراد تلك القوات، إلى جانبِ قيامهم بأسر القائد المصري (العقيد عفت)، ولم يفرجوا عنه إلا بعد مُرور سنة وستة أشهر.

أمام تنامي الخطر الإمامي، قام الجمهوريون بتنظيم القيادة العامة للجيش، وتشكيل وحدات عسكرية جديدة، وأرسلوا بعضها إلى مصر لغرض التدريب، وأصدروا قانونًا للتجنيد العام، والخدمة العسكرية، وأبعدوا الدكتور عبدالرحمن البيضاني إلى القاهرة 18 يناير 1963م، بعد أنْ تنامى دوره الإقصائي؛ تقبل المصريون مَسألة إبعاد رجلهم الأول في اليمن، وبدأوا يُكثفون من استعداداتهم لفرضِ أمر واقع، يُخرجون من خلاله الإماميين وداعميهم عن المُعادلة.

كانت تحركات الأمم المتحدة قد اقتربت حينها أكثر من القضية اليمنية، وبدأت تعمل على تطويق الصراع، وفض الاشتباك، وإحلال السلام، وأقرت لأجل ذلك إرسال هيئة مُراقبين دوليين إلى المنطقة المُلتهبة، واستباقًا لتلك الخطوة المدعومة أصلًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؛ توجه المشير عبدالحكيم عامر إلى اليمن 30 يناير 1963م (5 رمضان 1382هـ)، ولم تكن زيارته (الثالثة) هذه كسابقاتها؛ جاء برؤية جديدة تُصلح ما أفسده البيضاني، وبِخطة شاملة تَهدف إلى إحكام السيطرة على جَميع الأراضي اليمنية، وتأمين طرقها الرئيسية، وإقفال حدودها في وجه داعمي التخلف، ومُقوضي الاستقرار.

ولأجل تنفيذ تلك الخطة؛ ضَاعف المصريون من أعداد قواتهم في اليمن، وقد وصل عددها إجمالًا إلى حوالي 20,000 جندي، وقيل أكثر، وقاموا بالتنسيق مع القيادة الجمهورية، وفي بداية الأسبوع الثاني لوصول المشير عامر، وتحت قيادة الأخير، بهجومهم الكبير (هجوم رمضان)، مَسنودين بـ 200 طائرة وصلت للتو، وقد كان لسلاح الجو بشكل عام، وللدبابات، والمدافع، والمدرعات التي رافقت تلك الحملة، دورٌ فاعل في حسم المعركة خلال أقل من شهر.

توجهت القوات المُشتركة بادئ الأمر شَمالًا، وتَعرضت قبل أنْ تستعيد مُعظم مَناطق لواء صعدة لـمُحاولة صد إمامية فاشلة، قادها الأمير محمد بن الحسين، الذي سارع فور علمه بذلك الهجوم، بتجميع 1,500 مُقاتل من مُعسكراته في نجران، إلا أنَّ القوات المُهاجمة فَرَّقت جمعه، ثم توجهت شرقًا، وبدأ بعد استعادة تلك القوات لمدينة المطمة، ثم الحزم، انهيار القوات الإمامية في المناطق المجاورة؛ وتمت – تبعًا لذلك، وبدون قتال – استعادة مدينة مأرب، ثم الجوبة، ثم حريب 7 مارس 1963م.

بالتزامن مع ذلك الهجوم، قام الجمهوريون عبر بعض الوجهاء – أمثال المناضل عبدالسلام صبرة – باستقطاب بعض قبائل طوق صنعاء، في حين قامت قوات تابعة لهم بتصفية بعض جيوب المقاومة الإمامية في ذات الإطار، وفي الوقت الذي تمركزت فيه بعض المجاميع القبلية الجمهورية في منطقة الخانق، وقطعت طَريق إمداد الإماميين في خولان الطيال، تمكن الشيخ سنان أبو لحوم ومجاميع من قبيلته من استعادة السيطرة على وادي السر في بني حشيش، واختراق قطاع نهم، ولم يمضِ من الوقت الكثير حتى استدعاه المشير عامر، وكلفه بالتوسط لدى قبيلة جهم البكيلية، من أجل فك الحصار عن كتيبة الصاعقة المصرية في صرواح، وقد نجح في ذلك، وجمهرت جهم مُؤقتًا.

حقق هجوم رمضان بالمعيار العسكري نجاحًا كبيرًا، فهو لم يُجبر الإماميين على الانسحاب إلى الشعاب والكهوف البعيدة فحسب؛ بل حرمهم من منفذين هامين كانا يمدانهم بالأموال والأسلحة، وهما منفذا نجران، وبيحان، ولم يتبق لهم إلا منفذ جيزان الذي استعصى على القوات المُشتركة، والمرتبط بجبال رازح، وخولان الشام، وبني الحداد، والممتد عبر سلسلة جبال اليمن الغربية إلى مشارف مدينة حجة، وصولاً إلى بلاد آنس جنوبًا.

واستمرارًا لمساعيها في التهدئة، أرسلت الأمم المتحدة مساعد أمينها العام وممثله الشخصي الدكتور رالف بانش إلى اليمن، وذلك لترتيب إجراءات عمل المُراقبين الدوليين، وقد زار كلًا من تعز، وصنعاء، ومأرب، الأخيرة بعد استعادتها مُباشرة، وصرح بأنَّ السلطات الجمهورية تُحكم سيطرتها على معظم الأراضي اليمنية، وخالف بذلك توقع رئيس الوزراء السعودي الأمير فيصل بن عبدالعزيز، الذي صرح قبل تلك الزيارة، بأنه – أي بانش – لن يَرى من اليمن إلا صنعاء، وأنَّ باقي المناطق تحت قبضة الإماميين!

وقد خرج بانش بعد زيارته تلك بانطباع داعم للجمهوريين، وقال مقولته الصادمة: «لقد كنت أتصور أنني رأيت أسوأ صور التخلف في الكونغو – نتيجة الاستعمار – ولكن ما رأيته هنا في اليمن أقنعني بأنَّ هناك ما هو أسوأ من التخلف في الكونغو».

رفض السعوديون استقبال بانش بعد تصريحاته تلك؛ فما كان من الرئيس الأمريكي كنيدي إلا أنْ أرسل السفير السيورث بانكرز لتدارك الأمر، وقد التقي الأخير بالرئيس ناصر، والأمير فيصل، واقنعهما بالتهدئة، ولم يمض من الوقت الكثير حتى لقي كنيدي مَصرعه 22 نوفمبر 1963م، وقد انتهى باغتياله الدور الأمريكي المزدوج في التعامل مع القضية اليمنية، وصار ذلك الدور في عهد خلفه (ليندون جونسون) أكثر وضوحًا، وتحول إلى داعم بارز للإماميين.

وكان قبل اغتيال كنيدي بخمسة أشهر قد بدأ العمل باتفاقية فض الاشتباك، واستمر العمل بها حتى سبتمبر من العام 1964م؛ فهل أتت تلك الاتفاقية أكلها؟ وهل كان هجوم رمضان – كما اعتبره المصريون – نصرًا نهائيًا؟ هذا ما سنجيب عنه اختزالاً في موضوعنا القادم (2).

الهوامش:

  1. التخلف الاقتصادي والاجتماعي في اليمن أبعاد الثورة اليمنية، د. محمد سعيد العطار، ط1، المطبوعات الوطنية الجزائرية، 1965م، ص 289 – 290 – 291 – 310 – 311 / مهمة في الجزيرة العربية، ديفيد سمايلي، ترجمة: حامد جامع، ج2، ط1، بيروت، 1989م، ص 21 – 44 / اليمن الثورة والحرب، إدجار أوبلانس، ترجمة وتعليق: د. عبدالخالق، محمد لاشيد، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1990م، ص 129 – 132 – 135 – 136 / ثورة 26 سبتمبر في اليمن، إيلينا جولوبوفسكايا، ترجمة: قائد محمد طربوش، ط1، دار ابن خلدون، بيروت، 1982م، ص 268 – 269 – 276 – 277 / التاريخ العسكري لليمن، سلطان ناجي، دائرة التوجيه المعنوي، ط3، صنعاء، 2004م، ص 265 – 266 – 267 – 283 / سنوات الغليان، محمد حسنين هيكل، ج1، ط1، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1988م، ص 625 / التاريخ السري للثورة اليمنية، اللواء عبدالله جزيلان، ط3، منشورات العصر الحديث، بيروت، 1987م، ص 220 – 221 / تاريخ اليمن المعاصر، مؤلفين سوفيت، ترجمة: محمد علي البحر، مكتبة مدبولي، ص 133 – 134 / الدور المصري في اليمن، أحمد يوسف أحمد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981م، ص 134 – 150 / أسرار ووثائق الثورة اليمنية، إعداد لجنة من تنظيم الضباط الأحرار، ط4، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، 2002م، ص 206 – 225 – 232 – 234 – 317 – 318 / الحركة الوطنية اليمنية من الثورة إلى الوحدة، سعيد أحمد الجناحي، ط1، مركز الأمل للدراسات والنشر، عدن، 1992م، ص 211 – 212 – 236 – 237 – 238 – 240 – 241 – 244 / رجال في خنادق الدفاع عن الثورة، العقيد أحمد أحمد فرج، ط1، صنعاء، 1995م، ص 113 – 114 – 119 – 128 – 129 – 130 / خمسون عامًا في الرمال المتحركة: قصتي مع بناء الدولة الحديثة في اليمن، محسن العيني، طبعة دار الشروق الأولى، القاهرة، 2001م، ص 52 – 53 – 54 / حقائق ثورة سبتمبر اليمنية إعدادًا وتنفيذًا، صالح علي الأشول، ط3، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، 2001م، ص 131 – 138 – 155 – 157 – 158 – 159 – 160 – 161 – 165 – 167 – 171 –  184 – 185 – 186 – 188 – 189 – 195 – 199 – 200 – 236 / الجيش والحركة الوطنية في اليمن 1919 – 1969م، اللواء الركن علي ناجي الأشول، ط3، دائرة التوجيه المعنوي، 2005م، ص 213 – 215 – 216 –  221 – 222 – 223 – 224 – 225 – 226 – 227 – 228 – 242 – 243 – 244 / لمحات من تاريخ حركة الأحرار اليمنيين، علي محمد عبده، ج2، ط1، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، 2002م، ص 357 – 358 / مذكرات سنان أبو لحوم، ج2 ص 35 – 36 – 38 – 43 – 66 / اليمن وأهل اليمن أربعون زيارة وألف حكاية، يوسف الشريف، دار الشروق، القاهرة، ط1، 2007م، ص 86 – 87 – 88 / مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الآفاق للطباعة والنشر، ط3، 2008م، ص 83 – 84 – 85 / أيام وذكريات، د. حسن محمد مكي، مركز عبادي للطباعة والنشر، ط1، صنعاء، 2008م، ص 196 – 197 / تاريخ اليمن المعاصر، عبدالوهاب العقاب،ط1،  دار رسلان، دمشق،  2009م، ص 101 – 103 / فيصل والإرياني يلتقيان، لطفي فؤاد نعمان، ط1، منتدى النعمان الثقافي للشباب، 2010م، ص 75 / مذكرات الرئيس القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني، ج2، ط1، 2013م، ص 21 – 22 – 34 – 45 – 57  – 711 / الصراع الجمهوري الملكي في اليمن وأبعاده العربية والدولية 1962 – 1970م، عبدالحميد عبدالله حسين البكري، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة بغداد، 2004م، ص 48 – 49 – 52 – 53 – 54 – 62 – 63 – 78 – 79 – 80 – 81 – 82 – 91 – 92 – 93 – 94 – 95 – 96 – 99 – 100 – 104 – 105 / أثر ثورة اليمن عام 1962م على العلاقات السعودية – المصرية، سميرة إسماعيل الحسون، مجلة (آداب البصرة)، العدد 61، 2012م، ص 103.
  2. التخلف الاقتصادي، العطار، ص 310 – 311 – 316 – 317 / مهمة في الجزيرة العربية، سمايلي، ص 20 – 21 – 46 – 50 – 51 – 59 – 60 – 62 – 64 – 66 – 86 –  87 – 88 –  97 – 98 – 103 – 106 – 119 – 125 –  127 – 129 – 130 – 131 – 149 – 165 – 190 / اليمن الثورة والحرب، إدجار أوبلانس، ص 141 -142 – 145 – 151 – 159 – 160 – 161 – 162 – 163 – 164 – 165 – 166 – 167 – 168 / التاريخ العسكري، ناجي، ص 283 – 284 – 286 – 287 – 288 – 289 – 290 – 291 – 292 – 293 / سنوات الغليان، هيكل، ص 644 – 645 – 652 / الدور المصري في اليمن، يوسف، ص 207 – 208 – 210 – 211 – 212 / مذكرات صلاح نصر، ج3، ط1، دار الخيَّال، 1999م، ص 61 – 62 – 63 / تاريخ اليمن المعاصر، مؤلفين سوفيت، ص 133 – 134 / الحركة الوطنية، الجناحي، ص 244 – 257 – 266 – 267 – 291 – 322 / رجال في خنادق الدفاع، فرج، ص 137 – 138 – 143 – 147 – 150 – 152 – 153 – 154 – 155 –  158 – 160 – 161 – 162 – 163 – 164 – 165 – 166 – 167 – 169 / عبدالناصر والفريق العمري وحديث أوجاع نصف قرن، محمد الشعيبي، ط1، مطابع المفضل للأوفست صنعاء، 1996م، ص 168 – 170 /  خمسون عامًا، العيني، ص 60- 61 – 62 – 64 – 65 / الجيش والحركة الوطنية، الأشول، ص 218 – 219 / مذكرات سنان أبو لحوم، ج2 ص 36 – 38 – 43 – 45 – 50 – 51 – 55 – 60 – 61 – 65 – 70 – 80 –  87 – 128 – 141 / اليمن وأهل اليمن، الشريف، ص 90 / مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، ص 84 – 85 – 374 – 375 / أيام وذكريات، مكي، ص 120 – 124 – 125 – 126 – 128 / مذكرات الرئيس الإرياني، ج2، ص 60 – 73 – 711 / التطورات العسكرية والسياسية في اليمن 1962 – 1970م، يحيى محمد زاير الكورجي، ط1، المركز الديمقراطي العربي، برلين، 2022م، ص 91 – 92 / الصراع الجمهوري الملكي، البكري، ص 81 – 82 – 84 – 85 – 89 – 90 –  92 – 93 – 95 – 96 – 97 – 99 – 100 – 101 – 102 – 103 – 104 – 106 – 107 – 110 – 111 – 112 – 113 – 114 / أثر ثورة اليمن، سميرة إسماعيل، مجلة (آداب البصرة)، مصدر سابق، ص 104 – 110 – 111 – 114.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى