Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
آثار

كيف قاوم اليمنيون الاحتلال الفارسي؟

ثمة أحداث تاريخية تبعث على الفخر والاعتزاز، إلا أنَّها وصلت إلينا مُشوهة ومبتورة، وغير مُكتملة الأركان، وبدلًا من أنْ يعمل المُؤرخون المُعاصرون على إعادة قراءتها، وتنقيحها، وترتيبها زمنيًا، أنكروا أغلبها، وأوجدوا تاريخًا آخر غير الذي كان. وكما انعكس شتات اليمنيين وتمزقهم على مسار تلك الأحداث، انعكس أيضًا على من أرخوا لها، بعيدهم والقريب.

عبهلة.. ثائر أم مُرتد؟!

تعددت الروايات، واختلفت المُسميات، واختلطت الحقيقة بالأسطورة، والزيف بالحقيقة، ولم يتعرض حدث تاريخي للبتر والتشويه كما تعرضت له ثورات اليمنيين المُتلاحقة ضد الاحتلال الحبشي (1)، ثم الاحتلال الفارسي، وما هذه التناولة إلا مُحاولة لفهم الحكاية من جذورها، لا نجزم أنَّها الأصوب، ولكنها الأقرب للحقيقة.

وكما قيل عن الأحباش بأنَّ أصولهم يمنية (2)، قيل ذلك – أيضًا – عن الفُرس، وأنَّهم عادوا مع سيف بن ذي يزن لوطنهم الأصلي، وهذا – قطعًا – غير أكيد، والأكيد أنَّهم فارسيون توارثوا حكم صنعاء لعدة عقود، واحتلوا – رغم قلة عددهم – مراكز اقتصادية مرموقة؛ الأمر الذي جعلهم شديدي التأثير في تاريخ اليمن الإسلامي.

أما عن تسميتهم بـ (الأبناء) فتعود إلى أنَّه عندما سُئل جالبهم – ابن ذي يزن – عن هويتهم، قال: «هم أبنائي»، فسموا بذلك، وقيل: لأنَّهم تزوجوا بيمنيات، فتسمى أولادهم وأحفادهم بذلك، والقول الأخير هو الأرجح.

وعلى ذكر الزواج أفاد المُؤرخ المسعودي أنَّ كسرى فارس أنوشيروان اشترط على سيف بن ذي يزن أنْ يتزوج الفرس من يمنيات، وألا يتزوج في المُقابل اليمنيون من فَارسيات، وهو السلوك العنصري الذي لازم الأئمة السلاليين طيلة القرون الفائتة.

والأكثر إيلامًا أنَّ سيف بن ذي يزن باستنجاده ذاك قدَّم للفرس فرصة ذهبية للانتقام من العرب ومن اليمنيين على وجه الخصوص، الذين أذلوا الدولة الساسانية في غزوات سابقة، وتحديدًا في عهد التبع الحميري شمر يهرعش الذي حكم اليمن ووحدها في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي (3).

كانت دولة فارس – بعد مقتل سيف بن ذي يزن – في أوج قوتها، دانت لها اليمن، وكانت الأخيرة – كما أفاد المُؤرخ الطبري – الولاية الرابعة في تقسيم تلك الدولة الإداري، كما دانت لها الحيرة، والبحرين، وبعض مناطق الخليج؛ بل أنَّ جنودها هزموا الرومان، وصالوا وجالوا في بلاد الشام، ووصلوا إلى تخوم بيت المقدس، وقال الله تعالى عن ذلك: «غُلِبَتِ الرّومُ، فِيَ أَدْنَى الأرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ، لِلّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ».

وتَعزيزًا لقواتهم في صنعاء، التي لم يتجاوز عَددها الألف مُقاتل، وقيل أكثر من ذلك (4)، أرسل كسرى أبرويز بن هرمز بأكثر من 4,800 فارسي مع عائلاتهم بحرًا، ثم برًا، فاستقروا في ذات المدينة، واستتب لهم حكم غالبية الأراضي اليمنية بزعامة باذان ابن ساسان، ويَجزم بعض المُؤرخين أنَّ تسمية (الأبناء) تُطلق على المُحتلين الأوائل لا على هؤلاء.

تبنى المذحجيون خيار مُقاومة الغُزاة، واجتمعوا لأجل ذلك، فأوعز الفُرس لحلفائهم الهمدانيين بمواجهتهم، ومدوهم بالعُدة والعُتاد، وذكر الرازي – وهو مُؤرخ من أصول فارسية – أنَّ باذان خرج بنفسه لملاقاة الثائرين، وانضم إليه 10,000 مُقاتل من حاشد وبكيل، ما بين فارس وراجل، وفي عدة كاملة، وذكر أخرون أنَّ تلك الجموع كانت بقيادة الأجدع بن مالك، وقيل مالك بن حريم، وأنَّ أساس الصراع خلاف بين قبيلتي مُراد وبني الحارث في نجران، وكلاهما من مذحج، وأنَّ الأخيرين استنجدوا بهمدان، فأنجدتهم.

وتأكيدًا لروايته، أفاد المُؤرخ الرازي أنَّ همدان كانت تميل ميل الأساورة وتنصرهم، وهي كما وقفت معهم ضد سيف بن ذي يزن من قبل، عقدت معهم – هذه المرة – حلفًا مَشئومًا مُناهضًا للثائرين المذحجيين، جاء فيه: «هذا كتاب ما أجمعت همدان وفارس في اليمن، بمحضر المرزبان باذان بن ساسان، ومشاهدة الرئيسين عمرو بن الحارث، وعمرو بن يزيد من بكيل وحاشد، وكفالة بعضهم لبعض عمن غاب من الحيين جميعًا.. عهدًا تؤكده العهود، وحلفًا يشدده القود، بعقد مُبرم مُحكم، شديد لا يضمحل أمره، ولا يبيد خبره».

تناسى المذحجيون ما بينهم من خلافات، واتحدوا بقيادة عدد من الأقيال لمـُواجهة الفُرس وأذنابهم، وقيل ساندتهم حمير، وخذلتهم كنده، وفي منطقة الرَّزم بوادي مذاب في الجوف حدثت أولى المواجهات رمضان 2هـ / مارس 624م، وكانت هزيمتهم ماحقة، تباهى الهمدانيون بانتصارهم ذاك (5)، وتبارى شعراؤهم في تخليده، وهذا مالك بن ملاين قال في إحدى قصائده:

ونبني على دار الحفـــاظ بيـــوتنا

 ونحـبس أموالًا وإن طـال جوعها

 ونحـن كفيــــنا الرَّزم همـدان أننا

 كفاة وقـد ضــاقت بـذاك دروعها

خسر المذحجيون في تلك المعركة عددًا من كبرائهم، ونجا من الموت قيس ابن مكشوح المُرادي، وخاله عمرو بن معد كرب الزُبيدي (نسبة إلى بني زُبيد بن صعب في نجران)، وعبهلة بن كعب العنسي، وفروة بن مسيك المُرادي، وقال الأخير في تلك الهزيمة:

فـــــإن نغلب فغــــــلاّبـــــون قــــــدمًا 

وإن نـهــزم فــغيـــــــر مهـــــزّمـيــــنا

 ومـــــا إن طبّـــنـــــا جــبـــــنٌ ولــكــن

 مــنـايـــــانــــــا ودولـة آخـــــريــنـــــا

قام الهمدانيون في العام التالي بإجلاء المذحجيين من الجوف، وصادروا أراضيهم، ووطنوا عشائر من همدان في مناطقهم، وعن ذلك قال الهمداني: «كانت الجوف من مواطن مذحج، فأجلتهم همدان»، وذكر محمد حسين الفرح أنَّ مقولة عبهلة بن كعب: «أيها المتوردون…»، قيلت في حق هؤلاء، فيما عبر فروة عن اعتراضه شعرًا، وخاطب الهمدانيين قائلًا:

دعــــوا الجـوف إلا أن يكون لأمكم 

بها عقر فــــي سالف الدهر أو مهر 

وحِلـــوا بيــعمــــــونٍ فـإن أبـــــاكم

 بـهــا، وحليــفـكم المــــذلة والفــــقر

بعد خمس سنوات من الاستقرار النسبي، ذاع خبر النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ورسالته الداعية للوحدة ومكارم الأخلاق، تلقى غالبية أقيال اليمن تلك الدعوة بالقبول، وتوافدوا مُتفرقين إلى المدينة المنورة، مُعلنين إسلامهم وإسلام من ورائهم.

وكان من جُملة الوافدين من مذحج فروة بن مسيك، وعمرو بن معدي كرب، ثم قيس بن مكشوح، وقد خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم الأول قائلًا: «يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرَّزم؟»، فأجاب: «يا رسول الله من ذا يُصيب قومه مثل ما أصاب قومي ولم يسؤه ذلك؟»، فقال رسول الله له: «إنَّ ذلك لا يزيد قومك في الإسلام إلا خيرًا»، فرد فروة: «قد سرني إذ كان ذلك».

أما الفُرس (الأبناء) فقد أسلموا – كما أفاد ابن هشام – وكبيرهم باذان، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخير على صنعاء وضواحيها، وخاطب رُسله قَائلًا: «أنتم منا وإلينا أهل البيت» (6)، وهذه الرواية – قطعًا – غير صحيحة، ونفاها عدد من المُؤرخين اليمنيين، والراجح أنَّ الفُرس ظلوا على مَجوسيتهم، وحكم عليهم معاذ بن جبل (رسول رسول الله إلى اليمن) بدفع الجزية، ولم يسلموا إلا أثناء ثورة مذحج الثانية الآتي ذكرها؛ بدليل قول المُؤرخ الرازي: «لما قُتل الأسود العنسي أسلم الأبناء، وكتبوا بإسلامهم إلى رسول الله».

وجاء في (عيون الأثر) أنَّه لما مرض باذان اجتمعت إليه أساورته، فقالوا: «من تؤمر علينا؟»، فقال لهم: «ملك مُقبل، وملك مُدبر، فاتبعوا هذا الرجل – يقصد النبي محمد صلى الله عليه وسلم – وادخلوا في دينه»، ليؤول الأمر بعد وفاته لولده شُهر.

ومن هذا المُنطلق لم تكن ثورة مذحج الثانية ردة على الإسلام، ومحاربة للأبناء المُسلمين كما توهم عدد من المُؤرخين؛ بل كانت في بداياتها ثورة حقيقية ضد الفرس المحتلين، وامتدادًا وانتقامًا لموقعة الرَّزم السابق ذكرها، قام بها المذحجيون – مُسلميهم وغير مُسلميهم – بعد أنْ تبادر إلى مسامعهم وفاة الحاكم الفارسي باذان ذي القعدة 10هـ / فبراير 632م.

سارع المذحجيون حينها للاحتشاد في منطقة خب ما بين الجوف ونجران، وفي أواخر ذات الشهر كان تحركهم، وما يجدر ذكره أنَّ ذلك التحرك جاء بالتزامن مع هزيمة الفُرس على يد الروم، وصدق الله في الأخيرين وعده، وفرح المؤمنون.

رغم أنَّه لم يسلم، كانت لعبهلة بن كعب – الشهير بــ (ذي الخمار) سلطة رُوحية على مذحج تفوق سلطة أقيالها المُتفرقين؛ كونه كاهن القبيلة الأكبر، كما كان لانضواء 700 من الفرسان الأشداء تحت لوائه أثره البارز في تقوية مركزه، وقيل أنَّ 4,000 مُقاتل من حمير انضموا لمساندته؛ ولهذه الأسباب كانت له القيادة العليا، وقيل أيضًا أنَّه لم يكن سوى واحد من رؤساء مذحج الثائرين.

وعنه قال المُـؤرخ محمد بن علي الأكوع: «كـان أحد أقيال اليمن المرموق إليهم، والمُتطلعين للمُلك والسلطان»، وقال عنه المُؤرخ الطبري: «وتكمن قوة الأسود في ضخامة جسمه، وقوته، وشجاعته، واستخدم الكهانة والسحر، والخطابة البليغة، فقد كان كاهنًا مُشعوذًا، وكان يرى قومه الأعاجيب، ويسبي قلوب من سمع منطقه، واستخدم الأموال للتأثير على الناس».

وما يجدر ذكره أنَّ عددًا من الصحابة كانوا دعامة تلك الثورة، كعمرو بن معدي كرب، وقيس بن الحصين، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل، ويزيد بن الأفكل، وثات بن ذي جرة الحميري، واختلف المُؤرخون حول مُشاركة فروة بن مسيك، والراجح أنَّه بقي في منطقة الأحسية بمُراد، وراسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحداثها؛ كونه والي مذحج المعين من قبله، وقيل أنَّه لم يكن مُوافقًا عليها.

أما الصحابي قيس بن مكشوح – من أقسم ذات يوم بأنَّه سيأخذ بثأر الرَّزم من الفُرس – فقد كانت له مهمة القيادة العسكرية، توجه بالجُموع الثائرة صوب صنعاء، وهزم الفرس وحلفاءهم شرَّ هزيمة، وقتل في شُعوب كبيرهم شُهر بن باذان، وذكر المُؤرخ الفرح أنَّه صلى والمسلمين صلاة عيد الأضحى في المشهد 7 مارس 632م، ويتداول الناس حكاية أسطورية مفادها أنَّه كان يقول حين قتله لأعدائه: «بستين داهية»، أي بستين كبير من مذحج سبق أنْ تم قتلهم في موقعة الرَّزم السابق ذكرها، ونُقل عنه قوله:

وفيتُ لقومي واحتشــــــدت لمعشرٍ 

أصابوا على الأحياء عمرا ومرثدا 

وكنت لـدى الأبنـــــاء لما لقيتــهم 

كأصيـد يسموا في العزازة أصيدا

وقال الصحابي ثات بن ذي جرة الحميري عن تلك الموقعة:

لعمــــرك أنــا يـوم صنــعاء عصـبة 

يمـانــيــة الأحسـاب غــــيـــر لـئــام 

غـــداة جــــدعنا في شُهر بضــربة

 أبـان بــــها المكــشـــوح رأس هُمام

وتأكيدًا لما سبق قال الدكتور نزار عبد اللطيف الحديثي في كتابه (أهل اليمن في صدر الإسلام): «اتضح من دراسة الحالة السياسية لليمن قبل الإسلام أنَّ حركة عبهلة لم تكن في البداية مُوجهة نحو الإسلام، ونحو سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنَّ الجماعات التي تزعمتها كانت تخاصم الساسانيين الفرس، وحلفاءهم من همدان».

من قتل عبهلة؟

لم يكن مُعاذ بن جبل أثناء قيام تلك الثورة في اليمن؛ بل كان ومعه أبو موسى الأشعري وآلاف من المُسلمين اليمنيين في مكة المُكرمة، مُشاركين للرسول – صلى الله عليه وسلم – شعائر حجته الأولى والأخيرة ذي الحجة 10هـ / مارس 632م، وهي من عُرفت بــ (حجة الوداع).

وفي مُخالفة لسياق تنقلات عبهلة التي استغرقت 25 يومًا، التي بدأها من الجوف، ثم نجران، ثم صنعاء محطته الأخيرة، ذكر عدد من الرواة أنَّه أرسل من كهف خبان رسولًا إلى الجند حيث يُقيم معاذ، وخاطبه وأصحابه قائلًا: «أيها المُتوردون أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم، فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه»، والراجح أنَّه قال تلك العبارة قبل دخوله صنعاء، وخبان المذكورة هي خب الجوف مقر إقامته، ونقطة انطلاق حركته، وأنَّ معاذ لم يستلمها، لأنَّه لو كان فعل؛ لتعامل مع مضمونها بجدية، ولما ذهب وآلاف المسلمين إلى الحج، وبإسقاطنا الزماني والمكاني للحادثة لتأكد لنا ذلك بكل سهولة ويسر.وفي مُخالفة لسياق تنقلات عبهلة التي استغرقت 25 يومًا، التي بدأها من الجوف، ثم نجران، ثم صنعاء محطته الأخيرة، ذكر عدد من الرواة أنَّه أرسل من كهف خبان رسولًا إلى الجند حيث يُقيم معاذ، وخاطبه وأصحابه قائلًا: «أيها المُتوردون أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم، فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه»، والراجح أنَّه قال تلك العبارة قبل دخوله صنعاء، وخبان المذكورة هي خب الجوف مقر إقامته، ونقطة انطلاق حركته، وأنَّ معاذ لم يستلمها، لأنَّه لو كان فعل؛ لتعامل مع مضمونها بجدية، ولما ذهب وآلاف المسلمين إلى الحج، وبإسقاطنا الزماني والمكاني للحادثة لتأكد لنا ذلك بكل سهولة ويسر.

ولو تأملنا العبارة ومضمونها، لتبدى لنا أنَّ رُسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن هم المقصودون، لا الهمدانيين الذين احتلوا الجوف كما أشار المُؤرخ الفرح، وأنَّ أصل الاعتراض على الزكاة لا على الأرض، وهو البُعد الآخر لتلك الثورة، والأقل أهمية، وسبق للدكتور حمود العودي أن علق على ذلك قائلًا: «فإن اليمنيين لاحظوا بأنَّ خراج بلادهم كله من الزكوات وغيرها تُنقل بالكامل الى المدينة، ولم يبق منها شيء لفقراء اليمن كما تقضي بذلك مبادئ الإسلام، ولا لمنافعها العامة».

صحيح أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط أقاليم اليمن مَركزيًا بالمدينةِ المنورة، وهو خيار ضرورة فرضته جغرافية ذلك الزمان السياسية، وما هو مُؤكد أنَّ ولاته أشاعوا العدل، وتم إعفاء كثير من المُسلمين اليمنيين من دفع الزكاة لفقرهم، ليتجسد ذلك التسامح أكثر في وثيقة الصلح التي وُقعت مع غير المسلمين من نصارى نجران، ولو عُدنا إلى جذور الاعتراض لوجدنا أنَّ أبطاله هم بعض مشايخ الإقطاع، من جُرِّدوا من سُلطاتهم.

وبالعودة إلى الهدف الرئيسي لثورة مذحج، فقد قام عبهلة فور دخوله صنعاء بالتنكيل بالفُرس، وخاطبهم قائلًا: «إنَّ الأرض أرضي وأرض آبائي، فاخرجوا منها، والحقوا بأرضكم، وأنتم آمنون شهرًا على أنْ تعطوني السلاح»، ولم يكد ينقضي ذلك الشهر حتى انحرف بتلك الثورة عن هدفها، واستبد بالأمر، وأقصى معاونيه، وقرَّب الأبناء، وصاهرهم بالزواج من آزاد أرملة شُهر بن باذان، وابنة عم فيروز الديلمي، وقيل أنَّه تزوجها عنوة.

ولأنَّه – كما سبق أنْ أشرنا – كاهن مذحج الأكبر، وله معرفة بالسحر والشعوذة، نجح في التأثير على من حوله، وادعى النبوة، وقيل أنَّه كان له عفريتان من الجن يأتيانه بالأخبار، يُدعيان (شقيق)، و(سحيق)؛ الأمر الذي جعل غالبية أنصاره – وخاصة المسلمين – ينفرون منه، غادر مُعظمهم صنعاء، فيما ظل الصحابيان ثات بن ذي جرة الحميري، وقيس بن مكشوح المُرادي في ذات المدينة غاضبين منه، ومُترصدين له، لينجح الأخير – كما سيأتي – في طي صفحته وإلى الأبد.

كان عمرو بن معدي كرب من جُملة المُغادرين، ألح – كما أشار المُؤرخ الفرح – على ابن أخته قيس بالمغادرة، وحين رفض الأخير طلبه، خاطبه مُعاتبًا:

أمـرتُك يـــــــوم ذي صنـــــعاء

 أمــــــرًا بـــــيِّــــــــنًا رَشَـــــدُه

 رســــــول الله تــــــأتــــيـــــــه

 وأمــــر الـــحــــزم تتَّــــعـــــدُه

 فــكنـــــــت كـــذي الخُـــمَــيّــر 

غــــرّه مـــــمـــا بـــــــه وتِــدُه

والأدهى والأمر من ذلك، أنَّه اتهم قيس بالخيانة، ونعته بــ (صاحب الأبناء)، وقال:

غـدرت ولم تُحسن وفاءً، ولم يكــن

 ليحتـمـــــل الأسـبــاب إلا المُعــوَّدِ 

وكـيــف لقيــس أن يُنــــَوَّط نفـــسه

 إذا ما جرى، والمِصرُّ حيُّ المُسـوَّدِ

المِصرُّ المذكور في الشعر هي صنعاء، والمُسوَّدِ هو عبهلة، ولُقب الأخير بـ (الأسود) لأنَّه كان سيدًا مسودًا لا أسود البشرة، وبالفعل لم تتجاوز سيطرته تلك المدينة وضواحيها، وحين وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ادعائه النبوة، أرسل إليه – كما أفاد المُؤرخ البلاذري – جرير بن عبدالله البجلي يدعوه للإسلام، فأبى، فما كان منه – صلى الله عليه وسلم – إلا أنْ أرسل وبر بن يُحنِّس في مهمة سرية صفر 11هـ / مايو 632م، وضحها ذات المُؤرخ بقوله: «بعث النبي إلى قيس بن مكشوح لقتال الأسود العنسي، واستمالة الأبناء.. فاستمال قيس فيروز الديلمي، ثم أتيا داذويه فأسلم».

ولمـَّا كان الأبناء هم القوة الضاربة في صنعاء، والأكثر تأثيرًا وكرهًا لـعبهلة؛ عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على استمالتهم، ونجح قيس، ووبر في ذلك، وأسلم عدد منهم، ولا نستطيع الجزم هل كان إسلامهم عن قناعة أم خوفًا ومجاراة للوضع، خاصة وأنَّ دولتهم في فارس كانت تعيش وضعًا صعبًا، وكان – كما أفاد المُؤرخ الرازي – أول الداخلين في الدين الجديد أم سعيد بنت برزخ زوجة داذويه، وهكذا حلَّت العصبية الدينية محل العصبية القبلية، وتوافق الجميع كما أشار ابن كثير: «على الفتك بالأسود، وتعاقدوا عليه».

لم يكتفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ بل بعث في الوقت نفسه لمـُسلمي اليمن، وحثهم على التوجه إلى صنعاء لمـُصاولة عبهلة، وبالفعل تحركوا ووصلوا إلى مشارف ذات المدينة، وجاءت كتبهم قيس، وفيروز، فطلب منهم الأول بـ «أنْ لا يحركوا شيئًا حتى نُبرم أمرنا»، وبالفعل أبرموا أمرهم في ليل، وساعدتهم آزاد في الدخول إلى مخدع زوجها، وذلك بعد أنْ أسقته كميات هائلة من الخمر.

وعلق ابن خلدون على ذلك قائلًا: «دخل قيس ومعه فيروز ففتل عنقه، ثم ذبحه»، وقال ابن كثير: «ألقى قيس رأس الأسود العنسي، ونادى: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، وأنَّ عبهلة كذاب، فانهزم أصحابه، وظهر الإسلام وأهله».

صحيح أنَّ فيروز الديلمي، وداذويه الأصطخري سهلا لقيس تلك المهمة، إلا أنَّ عملية القتل اضطلع بها الأخير؛ كونه فارس قبيلته المقدام، ورجل حربها الهُمام، وكان بحق بطل ذلك اليوم، والأكثر أهمية أنَّه خلَّد تلك المعركة في كثيرٍ من أشعاره، حيث قال:

لعُمري ومـا عُمــري عليّ بهيــن

 لقـد جزعت عنس لقتـل المُســود

 وقال رســــول الله: سيـروا لقتله

 على خيـر مـوعودٍ وأسعـد أسـعد

 فسـرنــا إليـه في فــوارس بهـمة

 على خير أمرٍ مـن وصـاة محمد

وقال أيضًا:

لم تـــــر عيـني مثــل يــوم رأيــتــه 

أحاطت بعنـــس والكـــلاب عجائبــه

 نعينا لها الكـــذاب فــــأرمــــد جمعها

 وقـــد حويــت أفــــــراسه وركـائـبـه 

فمن مبــلــغ عنـــي الـرسول بـــأنني 

رأيـت نـهـــارًا طـالعتــــني كـــواكبه

وفي دامغته التي دافع بها عن اليمن ومجدها الحضاري، خلَّد الحسن الهمداني تلك الحادثة، وقال:

وزار الأســـود الـــعنـــــسي قـــــيـــس 

بـجــمــعٍ مـــن غـــطيــف مُــــردفـيـــنا

 فـعــــمـــم رأســــــه بـــذبـــاب سيـــفٍ

 فــطــــار القُـــحـــــف يســمــــعه حنينا 

وهــــــل ابـــن مكــــشـــوح هُــــمـــام

 يـــــكــــون بــــه مــــن الـمــتـمرسيـنا

رُغم أنَّه لم يكن رجل حرب، عمد فيروز على سرقة ذلك الإنجاز، والقول بأنَّه وحده من قتل عبهلة، وتابعه في ذلك كثير من المُؤرخين، مُستدلين بأنَّ جبريل نقل لرسول الله تلك المعركة، وأنَّه – صلى الله عليه وسلم – قال لأصحابه: «قُتل العنسي البارحة»، وأنَّه أضاف: «قتله رجل مُبارك من أهل بيت مُباركين. قيل من هو؟ قال: قتله فيروز، فاز فيروز».

وإذا كان الجزء الأول من الحديث مقبولًا، فإن الجزء الأخير غير مقبول البتة، ولم تكن – كما أفاد المُؤرخ الفرح – سوى عبارة مُلفقة، وضعها سيف بن عمر التميمي (توفي سنة 180هـ)، أحد الرواة العراقيين المُشايعين للفرس، وزاد بعض هؤلاء المُؤرخين بأنْ استدلوا بشعر ركيك نسبوه لـفيروز، جاء فيه:

لما قتلنا بالدبـــادى العرجلة

 أبرمت أمري وقتلت عبهلة

تعمق الخلاف – بفعل ذلك – بين فيروز، وقيس؛ الأمر الذي جعل الأخير يقول مُفندًا ومُوضحًا:

زعــم ابـــن حمـراء القصاص بـــأنَّه 

قتـــل ابــن كــــعـب نــائمـــًا نشــوانا

 كـلا وذي البيــت الـذي حجـــت له

 شعث المــفـــارق تــمسح الأركـانا

 لأنــــا الــذي نــهـــبــتــــه فقـتـلته

 ولقـــــد تكبـــــد قـائـــمـــًا يقـظانا

 فعلـوته بـــالسيـــــف لا متهـــيــبًا 

ممــــا يكــون غــدًا ولا ما كـــانا

ويستمر اللغط، وتتعدد الروايات الناقلة لتلك الحادثة الغامضة، وذكر المُؤرخ الرازي بعضًا منها، ونقل عن أحد الرواة قوله: «لمـَّا قُتل الأسود وكان على بابه سبعون ألفًا – ربما يقصد السبعمائة مُقاتل الذين ساندوه منذ البداية – يحرسونه، خرج الشيطانان اللذان كانا يأتيانه بالأخبار في صورة خنزيرين، وطرح وبر بن يُحنس رأسه إليهم، وأذن بالصلاة من فوق قصر غمدان، وكان النبي قد دعا عليه بالليل، فنزل عليه جبريل فقال: إنك قد كفيته، وكان قتله بغمدان».

وهكذا تحققت للمسلمين السيطرة النهائية على صنعاء من داخلها، ثم من خارجها، وقد اختلف المُؤرخون حول من تولى حكمها، هناك من قال أنَّ قيسًا، وفيروز تنازعا على ذلك، وهناك من قال أنَّ رسول الله أسند أمرها إلى أبان بن سعيد بن العاص، وقيل وبر بن يُحنِّس، وقيل معاذ بن جبل، وما هو مُؤكد أنَّه – صلى الله عليه وسلم – توفي بعد ذلك النصر بعدة أيام، وأنَّ خليفته أبابكر الصديق جعل فيروز الديلمي على ذات المدينة رجب 11هـ؛ الأمر الذي أثار حفيظة اليمنيين، فأعلنوها ثورة، وهي ما عُرفت بثورة مذحج الثالثة، لا ردة اليمن الثانية.

صورة من حروب الردة

قيس بن مكشوح المُرادي

عمد كثيرٌ من المُؤرخين على القول بأنَّ قيس بن مكشوح ارتد – قبل وبعد قتله لعبهلة بن كعب – مَرّتين، وذلك نقلًا عن سيف التميمي، والأخير – كما سبق أنْ أشرنا – قصاص عراقي مُتعصب للفرس، ومروياته مليئة بالكذب والتزييف، منها قوله: «وارتد ثانية قيس.. وكان من حديث قيس في ردته الثانية أنَّه حين وقع إليهم الخبر بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم انتكث، وعمل في قتل فيروز، وداذوية، وجشيش».

اكتفى المُؤرخون المُتقدمون بنقل أقوال ذلك القصاص، دون إخضاعها للفحص والمُراجعة، ليعمل من أتى بعدهم على تداولها كحقائق دامغة، واتهام كل من شكك بصحتها بأنَّه يعادي الإسلام وأهله، وردًا على هؤلاء، وإنصافًا للتاريخ، سنكشف بقراءة فاحصة مدى زيف تلك المرويات.

كان المُؤرخ محمد حسين الفرح – رحمه الله – سباقًا في ذلك، كشف الكثير من المثالب، وأغفل بعضها، وقال مُنصفًا: «التعبيرات التي وصفت ما حدث بأنَّه ردة هي تعبيرات خاطئة أدت إلى عدم إدراك حقيقة ما حدث، والانسياق وراء بعض الأوهام والتلفيقات»، وهو رغم دقته، التبس عليه أمر ولاية معاذ بن جبل، وقال أنَّها كانت عامة لكل اليمن.

الفرح لم ينفِ وجود ولاة آخرين غير معاذ، إلا أنّهم – حد قوله – كانوا تابعين للأخير، وهذا – قطعًا – غير أكيد، والأكيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قسَّم اليمن إلى أربعة أقاليم، وجعل ولاتها مُرتبطين بالمدينة، وهو التصرف الذي أقره باقي الخُلفاء مع تغيير محدود في عدد الأقاليم، ولم تُصبح اليمن ولاية واحدة إلا مع نهاية العهد الأموي وبداية العهد العباسي الأول، وهو الوضع الذي لم يستمر طويلًا.

ومن هذا المُنطلق لا علاقة لعزل معاذ بن جبل وتولية فيروز الديلمي؛ لأنَّ الأول عُزل من ولاية الجند، وعُين الآخر – في ذات الوقت – على صنعاء رجب 11هـ / أكتوبر 632م، وقد بعث أبو بكر الصديق برسالة إلى عمر ذي مران، وسعيد ذي زود، وسميفع ذي الكلاع، وحوشب ذي ظليم، وشهر ذي يناف، جاء فيها: «أعينوا الأبناء على من ناوأهم، وحُوطُوهم، واسمعوا من فيروز، وجدوا معه، فإني قد وليته».

نزل خبر تعيين فيروز على قيس بن مكشوح كالصاعقة؛ لأسباب عدة، لعل أبرزها أنَّه كان يرى نفسه الأحق بذلك المنصب، كونَّه ابن الأرض، وأبلي بلاءً حسنًا في قتل عبهلة، وقيل أنَّ ذات الشعور تسلل إلى خاله عمرو بن معدي كرب الزُبيدي، فما كان من الأخير إلا أنْ هدد من مقر إقامته في نجران الأبناء بالنفي، قائلًا:

ومـــــــا أن داذويه لكــم بفـخرٍ 

ولكـن داذويه فــضح الـذمارا

 وفيــــروز غدًا سيصاب فيكم 

ويضـرب في جموعكم القِفارا

وداذويه المذكور في الشعر هو أحد كبراء فارس، وكانت له هو الآخر سلطة روحية على بني قومه، كونه أكبرهم، وكان فيما مضى كاهن معبدهم، وحين عزم قيس على ثورته الجذرية ضدهم، بدأ به، فقتله؛ فما كان من فيروز إلا أنْ ولى هاربًا إلى أخواله في خولان، وبدأ من هناك بمراسلة بعض القبائل اليمنية يستحثهم لنصرته، ومن أشعاره التي اعتد بها بنفسه، قوله:

وإنــــا وإن كــانت بـــنــــعـاء دارنــــــا

 لنـــا نســل قـوم مـــن عـرانينـهم نــسلي

 ولـــــلديلم الــرزام مـن بــعــــد بـاســل

 أبى الخفض واختـار الحرور على الظل

 وكـــانت مـنابــيـت العـــــراق جســامها 

لــرهــطـي إذا كســـرى مــراجـله تغلي 

وبـاسل أصـلي إن نمـيــت ومنــصـبي

 كما كــــل عـــــود منـتـهاه إلى الأصل

ويُقال أنَّ قيسًا تظاهر بادئ الأمر بالولاء لفيروز، وأنَّه قام في ذات الوقت باتصالات سرية مع الأقيال الرافضين لحكم الفُرس، وبعث برسالة إلى ذي الكلاع الحميري خاطبه فيها: «إن الأبناء نزّاع في بلادكم، وثقلاء عليكم، وأن تتركوهم لن يزالوا عليكم، وقد أرى أن أقتل رؤوسهم، وأخرجهم من بلادنا».

صحيح أنَّ الأقيال – كما أفاد المُؤرخ الطبري – لم ينصروا الأبناء، ولم يمالئوا قيسًا، وخاطبوا الأخير قائلين: «لسنا مما ها هنا في شيء، أنت صاحبهم، وهم أصحابك»، إلا أنَّ العوام توافدوا إلى مشارف صنعاء لنصرته، وعن ذلك قال ذات المُؤرخ: «وطابق على قيس عوام قبائل من كتب أبو بكر إلى رؤسائهم، وبقي الرؤساء مُعتزلين»، وكان أصحاب عبهلة – الذين سبق أنْ غادروا صنعاء – من جملة من ناصروه.

أراد قيس ابن مكشوح بحركته السرية التخلص أولًا من رؤوس الأبناء، تمامـًا كما فعل قبل أربعة أشهر مع عبهلة بن كعب، ونجح – كما سبق أنْ أشرنا – في قتل داذويه، فيما هرب فيروز، وجشيش، وآخرون إلى خولان، ودخل الثوار صنعاء ومعهم عمرو بن معدي كرب، وقيل أيضًا غير ذلك.

وإكمالًا للمشهد أترككم مع ما قاله المُؤرخ الطبري: «وعمد قيس إلى الأبناء ففرقهم ثلاث فرق، أقر من أقام، وأقر عياله، وفرق عيال الذين هربوا إلى فيروز فرقتين، فوجه إحداهما إلى عدن ليحملوا في البحر، وحمل الأخرى في البر، وقال لهم جميعا الحقوا بأرضكم».

وكان من جملة من رحلَّهم قيس مهران بن باذان، وكان الأخير قائدًا للجيش الفارسي في موقعة البويب بالعراق رمضان 13هـ / نوفمبر 634م، وقُتل في ذات المعركة، وعنه قال الطبري: «وكان مهران عربيًا – أي يتكلم العربية – لأنَّه نشأ مع أبيه في اليمن»، ونقل عنه هذا البيت من الشعر:

إن تسألوا عني فـــإني مهران

 أنا لـمــن أنكـــــرني ابن باذان

وصف الطبري وابن خلدون تلك الحركة بـ (الثورة)، وأفاد الأخير: «ثار قيس بصنعاء، وجبى ما حولها»، وقال الشعبي: «رجلان لو انبغى لأحد أنْ يسجد لشيء دون الله لانبغى لأهل اليمن أنْ يسجدوا لهما، سيف بن ذي يزن في الحبشة، وقيس بن مكشوح في الأبناء»، ومن هذا المُنطلق لم يكن قيس مُرتدًا؛ بل خارجًا على أبي بكر، مُتمردًا على قراره؛ لاعتبارات ذكرناها أنفًا، وتفهمها – كما سيأتي – خليفة المُسلمين الأول.

جاءت ثورة قيس بالتزامن مع ردة غالبية القبائل العربية عن الإسلام، وتناول المُؤرخون توجه المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء في إطار حديثهم عن الحملات العسكرية التي توجهت لمحاربة المُرتدين، رغم أنَّ الأخير خرج من المدينة وحيدًا، وأخذ معه من مكة بضعة مُرافقين، ووصل إلى صنعاء لغرض الإصلاح لا الحرب، الإصلاح بين المُسلمين أنفسهم، بشقيهم اليمني والفارسي.

تفهم أبو بكر الصديق ثورة اليمنيين، وتجنبًا لأي حساسيات قد تظهر مُستقبلًا، عزل فيروز، وأرسل أبان بن سعيد بن العاص بدلًا عنه، وهو أمرٌ لم يعترف به الراوي التميمي، الذي أصر على القول بأنَّ فيروز ظل واليًا على صنعاء لعدة سنوات، وأنَّ قيسًا أُرسل إلى المدينة مُكبلًا، ووافقه في ذلك كثير من المُؤرخين، ونقل أحدهم عن فيروز قوله:

ملكت ذوي يــمــن عــــنــوة

 وصـاروا إليـنـا هـنـاك البشر

 إذا خنـــدف أجمـعت أمـرها 

وقيـس بن عيلان حل الظفر

سبق للوالي الجديد (أبان بن سعيد بن العاص) أنْ تزوج قبل عامين بكبشة بنت مكشوح، وذلك بعد وافادتها وأخيها إلى المدينة المنورة، وقد نال تعيينه رضا اليمنيين، وأثناء تحقيقه في قضية مقتل داذويه، سأل – كما أفاد ابن حجر العسقلاني – صهيره: «أقتلت رجلًا مُسلما»، فأنكر قيس أنْ يكون القتيل من المُسلمين، فما كان من أبان إلا أنْ أمره وغريمه فيروز بالتوجه إلى المدينة، ومعهما رسالة بما قضى بينهما.

ويبدو – كما أشار المُؤرخ الفرح – أنَّ قيسًا كانت عنده أدلة قوية تدين داذويه، بأنَّه كان يتظاهر بالإسلام، ويتآمر على المسلمين، فاقتنع أبان بذلك، وأقرَّ أبو بكر ما كتبه واليه، وأفاد – ذات المُؤرخ – أنَّ فيروز ظل في المدينة، وأنَّ قيسًا عاد إلى صنعاء وبقي فيها إلى أواخر العام التالي (12هـ)، حتى وصل الصحابي أنس بن مالك يستنفر اليمنيين للجهاد، استجاب قيس وقومه لدعوة الجهاد، مثله مثل أقرانه، وقال حال وصوله المدينة المنورة مُخاطبًا الخليفة أبي بكر:

أتتـــك كــتـائب منــا ســـــراعا 

ذوي التيــجــان، أعني من مُراد 

فـــقـدمنــا أمـامــك كـي تــرانا

 نُبيـــد الــروم بــالأســل النجاد

كانت لقيس صولات وجولات كثيرة في الفتوحات الإسلامية، وكان قائد فرقة ميسرة الفُرسان في معركة اليرموك، وأحد القادة الستة الذين قادوا فتح دمشق، وسابع سبعة أمراء وجههم أبو عبيدة بن الجراح لحصار القدس، وهو الحصار الذي استمر لأربعة أشهر، وأجبر سكانها على طلب الصلح، وكان أيضًا من ضمن من شاركوا في فتح الرستن، وحلب، وديار بكر، وأرمينية، وصعيد مصر.

وهو كما بدأ حياته بمحاربة الفرس المُحتلين، كان له دور بارز في القضاء على دولتهم، وكان – كما أفاد ابن كثير – قائد ميسرة الجيش العربي في معركة القادسية، وقيل أنَّه قاتل رستم بعد أن مهد له خاله عمرو ذلك، ليستقر أواخر عُمره في الكوفة، وقيل أنَّه شهد صفين مع علي بن أبي طالب، وقُتل فيها صفر 37هـ / أغسطس 657م، وقد صور – رحمه الله – بطولاته في ملحمة شعرية شهيرة، نقتطف منها:

أتــيـــنــــا القـــادسيـة بـعـد شهر

 مــرشــــقةً نـواصــيـــها دوامي 

فنـــــاهضنا هنـاك جـمع كسـرى

 وأبنـاء الــمــرازبــة الــــطِــغام

 فلــــما أنْ رأيـت الخـيــل جـالت

 قصدت لموقــــــف الملك الهمام 

فــأضرب قـره، فهـوى صريعًا

 بـــــسيــفٍ لا أفــلَّ ولا كُـــهام

وهكذا أصبح اليمنيون محل ثقة دولة الخلافة، ودعامة فتوحاتها، أما الفُرس فلم يولِ الخلفاء الأوائل أحدًا منهم، حتى جاء معاوية بن أبي سفيان وانحرف عن ذلك المسار المُتفهم، وجعل على صنعاء فيروز الديلمي، ثم سعيد بن داذويه، ثم الضحاك ابن فيروز، وقد استمر الأخير حتى وفاة ذات الخليفة، ودامت مدة ولايته 8 سنوات.

لم يقم اليمنيون – هذه المرة – بثورة رابعة؛ لأنَّ غالبيتهم كانوا قد استقروا في المناطق التي سبق أنْ فتحوها، ولأنَّ الإسلام جبَّ ما قبله، وهذَّب الطبائع، وصار الأبناء جزءًا من هذا الشعب، وذابوا فيه، حتى جاء دعاة الإمامة الكهنوتية وأحيوا النزعات التسلطية عندهم وحلفائهم من جديد، وعادت الصراعات لتُكشر عن أنيابها وبعناوين مُختلفة أكثر دموية (1).

الهوامش:

1- في كتابه (أهل اليمن في صدر الإسلام)، قال نزار عبداللطيف الحديثي: «والواقع أنَّ عهد أبرهة الحبشي شهد تمردات قبلية كبيرة، ويبدو أنَّ حضرموت كانت من المناطق المُعارضة، كما قاومه ذو نفر الهمداني، ومُقبل بن حبيب الخثعمي عند توجهه إلى مكة، إلا أنَّ المُعارضة التي واجهها الحكم الحبشـي هي معارضة ذي يزن، وهي أسرة حميرية تسكن السرو، ولحج، ومرخة، وأحور، وتنسب لها صناعة الرماح الحديدية..»، وأضاف: «ابتدأت مقاومة ذي يـزن في عهد النعمان بن عفير المعروف بذي يـزن الأصغر، وتركزت مقاومته في منطقة السحول من منطقة حمير، حيث تستوطن قبيلته، إلا أن حالة التفكك والانقسام التي سادت الأذواء عرقلت جهوده، فلم يوفق».

2-  أرجع كثيرٌ من المُؤرخين والنسابة نسبة الأحباش إلى اليمن، وقالوا أنَّهم من سلالة القبائل اليمنية القديمة التي هاجرت إلى القرن الإفريقي في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، وأهمها قبائل سحرت، وحبشت، والأجاعز، والمهرة، تفوقوا على سكان تلك البلاد الأصليين، وكان لهم – فيما بعد – دور كبير في تأسيس الدولة الأكسومية التي استمرت لحوالي ثمانية قرون، وقيل أنَّ أبرهة الأشرم من أصول يمنية، وذكر ابن هشام أنَّ سيف بن ذي يـزن قال بعد انتصاره، وقتله لمسروق بن أبرهة:

قتلنا القيل مسروقا

وَرّوَّينَا الكثيب دما

والأرجح أنَّ تسمية قيل – وهي مرتبة دون الملك – ليست حكرًا على كُبراء اليمن؛ بدليل أنَّ عددًا من الشعراء العرب ذكروها في أشعارهم، وفي مواضع مٌختلفة تؤكد عموميتها، منهم عدي بن ربيعة (أبو ليلى المُهلهل) الذي قال في إحدى تهديداته:

فَلَعَمري لَأَقتُلَن بِكُلَيــــــبٍ

كُلَّ قَيلٍ يُسمى مِنَ الأَقيالِ

وابن ابنته ليلى، الشاعر عمرو بن كلثوم (العصر الجاهلي، توفي سنة 584م) الذي قال في مُعلقته:

 بِاَيِّ مَشِيْئَةٍ عَمْرُو بْنَ هِنْدٍ

نَكُوْنُ لِقَيْلِكُمْ فِيْهَا قَطِيْــــــنَا  

(قطينا: أي العبيد الأذلاء)

وهذا الشاعر البصري الراعي النميري (العصر الأموي) قال في إحدى قصائده:

لا مرحبًا بابنةِ الأقيالِ إذْ طرقتْ

كأنَّ محجرها بالقارِ مكحــــــولُ

وهذا الشاعر ابن الرومي (العصر العباسي، توفي سنة 283هـ) قال في إحدى أشعاره:

نَيْلاً ومازال جزيلَ النيل

قيْلاً من الأقيال وابن قيل

ليس بتَنْبالٍ ولازُميــــــل

إنِّي إليه لشـــــديدُ الميل

الشاعر الشامي محمد بن حيوس (توفي سنة 453هـ)، هو الآخر قال في إحدى قصائده:

عزُّها وابنُ تاجها منشرُ الآما

لِ جودًا وقاتلُ الأقيـــــــــــــالِ

إلى أن قال:

ولكمْ في المديحِ أبقى سماتٍ

تركتها الأقوالُ في الأقيالِ

وقال في قصيدة أخرى:

قَدْ سَدَّدتْ عَزَماتُهُمْ أَرْماحَهُمْ

حتّى عرفنَ مقاتلَ الأقيــــــالِ

وكذلك فعل الشاعر الأندلسي الصنهاجي أبو إسحاق الألبيري (توفي سنة 460هـ) الذي قال:

وطف البلاد لكي ترى آثار من

قد كان يملكها من الأقيــــــــال

وهذا الشاعر الأندلسي ابن زيدون (توفي سنة 463هـ) قال في إحدى قصائده:

كأنْ لم تسرْ حمرُ المنايا، تظِلّها،

إلى مهجِ الأقيالِ، راياتُهُ الحمرُ

وهذا الشاعر العراقي صفي الدين الحلي (توفي سنة 750هـ) قال في إحدى قصائده:

أغارتْ على الأقيالِ من آلِ سنبسٍ

فأصبَحَ فيهمْ صرفُها يتَصَـــــــرّفُ

الشاعر الأندلسي ابن زمرك (قتل سنة 793هـ) قال هو الآخر:

هم آل نصر ناصرو دين الهدى

والمصطفون لخيرة الأرســــال

ما شئت من مجدٍ قــــــديم شاده

أبناء قيلة أشرف الأقيـــــــــــال

الشاعر العراقي عبد الغفار الأخرس (توفي سنة 1873م) قال:

إنّي أحنُّ إلى مراشف ألعسٍ

أحداقهنّ مصارع الأقيــــــال

إلى أن قال:

قيل تعاظم كالرواسي شأنه

وكذلك شأن السادة الأقيال

الشاعر المصري علي الجارم (توفي سنة 1910م) قال مادحًا:

وَتَوَاضُعُ النُّسَّاكِ فِيهِ يَزِينه

شَمَمُ الْملُوكِ وَعِزَّةٌ اْلأَقْيَال

إلى أن قال:

هذا الذي فاروقُ مِصْرَ حَفيدُه

زينُ الشبابِ وسيدُ الأقْيــــــال

وقال في قصيدة أخرى:

بَيْنَ عُودٍ كم هَزَّ أعطافَ رَمْسِي

س وحَيَّا مَواكِبَ الأقْيــــــــــــــالِ

الشاعر اللبناني جبران خليل جبران (توفي سنة 1931م) قال هو الآخر:

قيل من الأقيـــــــــال لكنه

منفرد في المجد أي انفراد

وقال في قصيدة أخرى:

لم يثنه دون القيام بواجـــــب

بأس الملوك ولا ندى الأقيال

3-   صراع العرب مع الفرس قديم جديد، أساسه التعالي والانتقاص من الآخر، حتى لو كان هذا الآخر شريكًا في الدين والمذهب، ولطالما رأى الفرس أنفسهم – ولا يزالون – أنَّهم سادة أقحاح، وما دونهم رعاع عبيد، وتخللته – أي ذلك الصراع الطويل – حروب وخطوب، وتحالفات ومُؤامرات شاب لها رأس الوليد.

كان العرب – ولا يزالون – مُتفرقين، بلا دولة قوية، بلا كلمة جَامعة، بلا قائد رمز، ومن شقوق ذلك التمزق والخلاف تسلل العدو، تدخل وأفسد، وفَرَّق وسد، وحَقَّر واستعبد، وكَرس كل جهوده للنيل منهم ومن كرامتهم. كانت موقعة ذي قار ومن بعدها القادسية انتقامًا عربيًا للكرامة المسلوبة، يتناقل الجميع أحداثها بفخر مائز، واعتزاز بالغ، دون التعمق في إحداث أخرى مشابهة، كانوا فيها – أي العرب – مُنتصرين لا مهزومين، غازين لا مغزوين.

في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي، وفي عهد الدولة الحميرية الثالثة، عاش اليمنيون أزهى عصور التوحد والمنعة، في ظل دولة قوية، سادها الوئام، وتجاوزت الجغرافيا اليمنية، وجاب صيتها الآفاق. فترة استثنائية، قادها ملك استثنائي، إنَّه التبع الحميري شمر يهرعش أو شمر يرعش (275 – 300م)، موحد اليمن الأول، وحامل اللقب الملكي الطويل (ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت)، وذو ريدان في التسمية المقصود بها بلاد حمير، ويمنت أو يمنات المقصود بها بلاد شبوة أو أجزاء منها، ومن التسمية الأخيرة – كما يعتقد البعض – خرج لفظ اليمن.

كتب التاريخ حافلة بسيرة هذا التبع الحميري العظيم، لتطغى في مُعظم المرويات المُتداولة الأسطورة على الحقيقة، ومن قائل أنَّه – أي شمر يهرعش – غزا أرمينية، وفارس، والهند، والصين، والحبشة، إلى قائل أنَّه هدم مدينة سمرقند، وأنَّ اسم الأخيرة تحريف لكلمة شمر كند أي شمر خرَّب، كما نصت الترجمة الفارسية، وهي المروية التي خلَّدها نشوان الحميري بقوله:

أم أين شمر ذلك الملك الــــذي

ملك الورى بالعنف والإسجاحِ

وبه سمــــــــرقند المدينة سُميت

لله مـــــن غـــارٍ ومـــن فــــتّاحِ

بين الحقيقة والاسطورة خيط رفيع قد يتلاشى فجأة، وكم من أخبار كانت في نظر المُتلقين ضربًا من الخيال، ومن أساطير الأولين، حتى ظهرت نُقوش أو وثائق تؤكدها، فغدت بين لحظة وأخرى حقائق دامغة لا يمكن تفنيدها، وهو ما حصل مع غزو جنود هذا التبع الحميري لبلاد فارس، وهو ما ستكشفه – أيضًا – السطور التالية.

كنت – ككثيرين غيري – أقرأ بطولات هذا التبع الحميري بفخر منقوص، خالٍ من البوح، حتى أتت النقوش المُسندية المُكتشفة مُؤخرًا لتؤكد صحة بعض تلك البطولات المائزة، وبالأخص تلك المُتعلقة بغزو اليمنيين لبلاد فارس. جاء في أحد تلك النقوش أنَّ ريمان ذو حزفر عامل شمر يهرعش على صعدة اشترك في عدة حملات عسكرية وجهها ذات الملك شمالًا، وإنَّ إحداها – أي الحملات – وصلت إلى مدينتي قطيسفون وكوك (المدائن)، عاصمتي الدولة الساسانية.

وإذا كان هذا النقش الأثري قد أكد حقيقة غائبة، كانت حتى الأمس القريب واحدة من مرويات أسطورية لا يُستدل بها؛ فمن يدري؟ ربما تكون مُعظم أو بعض المرويات السابق ذكرها حقيقية لا من نسج الخيال، هذا ما ستجيب عنه – قطعًا – الأيام القادمة، وبمعنى أصح النقوش التي لا تزال مطمورة تحت الرمال.

4-  ذكر المُؤرخ ابن قتيبة أنَّ كسرى فارس أرسل إلى اليمن بحملة كبرى قوامها 7,500 مُقاتل، وأنَّ مُعظمهم كانوا من بلاد الديلم، وفي ذات السياق ذكر المُؤرخ المسعودي أنّه – أي كسرى فارس – ضم إلى أولئك المُقاتلين من كان في سجونه – قدرهم كثير من المُؤرخين بـ 800 سجين – من المُجرمين، وجعل عليهم هرمز أحد أبرز قواده، والأخير كان قائدًا لمنطقة الديلم، وهو من الأسرة المالكة، وتأكيدًا لروايته أفاد ذات المُؤرخ أنَّ الأحباش واجهوا الفرس بجيش كبير تعداده مئة ألف مُقاتل، جلهم من الحبشة، وحمير، والأعراب.

5-   في كتابه (اليمن في صدر الإسلام) أورد الدكتور عبد الرحمن الشجاع رواية مُختلفة مفادها أنَّ مذحج وبالأخص قبيلة مُراد كانت في صراع مُستمر مع همدان، وأن معركة الرَّزْم كانت آخر المعارك لا أولها، وأنَّه في الفترة التي تقع بين ظهور البعثة المحمدية بمكة، وغزوة بدر الكبرى، نشبت حوالي ست حروب بين الجانبين.

6-   جاء في الأثر نقلًا عن كثير بن عبد الله المزني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في موقعة الخندق عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي: «سلمان منا أهل البيت»، وكثير هذا – راوي الحديث – ضعفه الجمهور، وقال عنه الذهبي: «سنده ضعيف»، وقال عنه أبو زرعة: «واهي الحديث ليس بقوي»، وقال الهيثمي: «كثير ضعيف». ومن مرويات كثير غير المُستساغة قوله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب بني عمومته قائلًا: «يا مَعشَرَ قريش، إنَّكم الولاة من بَعدِي لِهَذَا الأَمر، فَلا تَمُوتُنَّ إلا وأَنتم مُسلمون»!

 

ومن هذا المُنطلق عمل بعضٌ من كبار الأسر العلوية في اليمن وفي بلاد فارس على وجه الخصوص على إلحاق المُبالغين في حبهم بالنسب العلوي الهاشمي؛ على اعتبار أنَّهم قد صاروا منهم (أهل البيت)! وكتبوا صكوكًا بذلك، وذيلوها بتوقيعاتهم، وتوقيعات شهود الزور؛ وغرضهم من ذلك – خاصة ذوي المطامع السياسية الواضحة – تكثيف أعدادهم، وخلق عصبية سُلالية مُتسيدة ينعشوها وقت الحاجة، والأمثلة على ذلك كثيرة ومُتعددة.

المراجع:

(1) عيون الأخبار، عبدالله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق: د. ثروت عكاشة، دار المعارف، مصر، 1969م، ص 368 – 664 / فتوح البلدان، أحمد بن يحيى البلاذري، مكتبة النهضة المصرية، ج1، ص 105 – 106 / عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن عبد الله بن سيد الناس، مصدر الكتاب: موقع يعسوب، ص 335 / تاريخ الأمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407ه، ج2، ص 99 / ج3، ص 134 – 229 – 230 – 231 – 320 – 330 – 332 / ج4، ص 211 / مروج الذهب ومعادن الجوهر، علي بن الحسين المسعودي، تحقيق: محمد محيى الدين، ط5، دار الفكر بيروت، 1973م، ج2، ص 81 – 82 / الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير، حققه وعلق عليه محمد بن علي الأكوع، ج1، إصدارات وزارة الثقافة، صنعاء، 2004م، ص 15 – 21 – 196 / ج10، تحقيق محب الدين الخطيب، الدار اليمنية للنشر والتوزيع، ط1، 1987م، ص 111 – 320 / تاريخ مدينة صنعاء، للرازي، تحقيق: حسين العمري، ط2، دار الفكر، دمشق، 1981م، ص 95 – 96 – 126 – 127 / البداية والنهاية، إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1988م / ص 7 – 8 – 9 – 10 / قرة العيون بأخبار اليمن الميمون، عبدالرحمن بن علي الديبع، تحقيق: محمد بن علي الأكوع، ط2، 1988م، ص 70 – 72 – 74 / معجم البلدان، أبو عبد الله ياقوت ابن عبدالله الحموي، ليبسك 1866 – 1873م، ج3، ص 812 / ج8، ص 511 / أهل اليمن في صدر الإسلام، الحديثي، ص 69 – 91 – 92 – 113 – 115 – 116 / المدخل الاجتماعي في دراسة التاريخ والتراث العربي دراسة عن المجتمع اليمني، د. حمود العودي، ط2، 1989م، ص 123 – 125 / اليمن في صدر الإسلام، د. عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع، ط2، 2010م، ص 34 / يمانيون في موكب الرسول، محمد حسين الفرح، المجلد الأول، إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م، ص 178 – 179 – 180 – 181 – 186 – 199 – 203 – 205 – 212 – 214 – 219 – 223 – 226 – 227 – 229 – 230 – 231 – 232 – 233 – 234 – 235 – 237 – 438 – 240 – 242 – 243 – 244 – 245 – 247 –  248 – 251 – 260 – 261 – 268 – 271 – 672 – 673 – 677 – 680 / الأنباء عن دولة بلقيس وسبأ، محمد بن محمد يحيى زبارة، مكتبة اليمن الكبرى، صنعاء، 1984م، ص  36 – 37 / التاريخ العام لليمن، محمد يحيى الحداد، إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م، ص 27 – 28 – 32 – 33 – 34 – 35 – 37 – 39 / محاولة لفهم المشكلة اليمنية، زيد بن علي الوزير، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1971م، ص 41 / حمير بين الخبر والأثر، د. يوسف محمد عبدالله، مجلة (دراسات يمنية)، العدد 42، أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر 1990م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى