آثار

مراجعة رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس

في مطلع عام 1697م قرر هنري موندريل ومجموعة من رفاقه -يبلغ عددهم خمسة عشر- شخصًا القيام برحلة من حلب إلى القدس. وفي يوم 26 من فبراير، انطلقوا باتجاه اللاذقية على الساحل السوري، وتابعوا طريقهم على طول ساحل لبنان من شماله إلى جنوبه؛ حتى بلغوا عكا في ساحل فلسطين، ومنها اتجهوا برًا إلى القدس الشريف. زار فريق منهم وادي الأردن والبحر الميت وبيت لحم، وعادوا مرة أخرى إلى القدس ليشقوا طريق الرجوع عبر دمشق وبعلبك حتى وصلوا حلب في يوم 18 من مايو. قضى الفريق الجزء الأكبر من الأشهر الثلاثة في السفر والترحال، وشاهدوا العديد من البلدان والمدن في المشرق. الرحلة في حد ذاتها كانت مألوفة للعاملين في حلب، ولكن ما يميز هذه الرحلة تحديدًا هي صحيفة الترحال التي خطها “هنري موندرل” وكتب فيها ملاحظاته عن الأماكن التي زارها.

في هذا المقال نتعرض لمذكرات رحلة موندرل بالعرض والدراسة. وسوف يدور المقال تحت هذه الخطوط الرئيسة: ترجمة الرحالة هنري موندرل، وعرض الكتاب وطبعاته القديمة والحديثة، ثم الرحلة والملامح التي مشى عليها رحالتنا في عرض رحلته، والفوائد والملاحظات التي قد يخرج بها القارئ من الرحلة. ثم بيان بعض الأمور التي قد تؤخذ على الرحلة وهي قليلة ولكن جوهرية. فهذه الرحلة تعد من أفضل كتب الرحلات الإنجليزية التي وصفت الشرق الأدنى. ثم عرض للملحقين بالرحلة.

● من هو هنري موندرل؟

هنري موندرل، ولد عام 1665م في بلدة كومتون باسيت Compton Bassett بمقاطعة ويلتشاير، درس في كلية إكستر بأكسفورد. وفي عام 1691 رُسم كاهنًا، ثم في عام 1695 -وبإيعاز من خاله مدير بنك إنجلتر- عُين كاهنًا في معمل تابع لشركة المشرق التجارية في حلب بشمال سوريا. كان موندرل في الثلاثين من عُمره عندما انطلق إلى حلب عام 1695م، وكان قد أمضى القسم الأكبر من حياته اليافعة في بيئة أكاديمية أو دينية. كانت الجالية في حلب مجموعة صغيرة مؤلفة من أربعين شابًا أعزب لديهم اتصال قليل بالعالم الخارجي، وكانوا يعيشون تقريبًا في عُزلة عن العالم الخارجي. توفي هنري موندرل في حلب عام 1701م[1].

رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس 4 مراجعة رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس

وصف الكتاب وطبعاته

“بما أن عددًا من رجال أمتنا، وكان عددهم أربعة عشر (لم يحسب موندرل نفسه في العدد وقد سبق في المقدمة أن الفريق كله كان عدده خمسة عشر) صمموا القيام بزيارة إلى الأراضي المقدسة في عيد الفصح القادم (9 إبريل)؛ فقد قررت مؤخرًا المجيء إلى حلب، للقيام برحلة على المنوال ذاته، آخذًا بعين الاعتبار أن نيتي كانت القيام بحجة في وقت ما، قبل عودتي إلى إنجلترا، وإلا فلن أستطيع القيام بذلك مطلقًا”. بهذه الافتتاحية استهل هنري موندرِل صحيفة ترحاله ومذكراته.

دوَّن موندرل وقائع الرحلة في كتاب أطلق عليه “رحلة من حلب إلى القدس”، ولم ينشر إلا عام 1703 بأكسفورد، بعد وفاته بسنتين. ومن ذلك الحين صدرت له عدة طبعات، منها ترجمة فرنسية عام 1706، وهناك طبعة إنجليزية ثانية عام 1707، ونشر الكتاب في دبلن عام 1749، ثم توالت طبعات كثيرة للكتاب صدرت في لندن 1823،1832. وفي عام 1963 صدرت في بيروت عن مكتبة الخياط طبعة حديثة استندت إلى طبعة لندن 1810 مع مقدمة وافية وتعليقات ختامية، قام بها دايفيد هويل. وقد اعتمد المترجم على أغلب هذه الطبعات -كما ذكر في مقدمة الكتاب-[2].

تأتي هذه الرحلة في كتاب من الحجم الوسط في 160 صفحة، من ترجمة صفوح الذهبي،  ومراجعة أحمد آيبش. تحتل مقدمة المحقق 25 صفحة، ثم نص الرحلة في 120 صفحة، ثم يأتي في نهاية الكتاب نص لرسالتين أرسلهما رحّالتنا إلى أحد الأشخاص، لم يأتِ ذكر اسمه. ثم يكون نص آخر لرحلة صغيرة، قام بها صاحبنا من حلب إلى نهر الفرات، ومدينة بيره جيك[3]، وإلى بلاد الرافدين. قال في أولها: “انطلقنا من حلب في (17 إبريل 1699) متجهين صوب الشمال الشرقي، ووصلنا في خلال ثلاث ساعات ونصف إلى سرباس”.

رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس 12 مراجعة رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس

● الملامح المميزة لرحلة موندرل

هذه الرحلة تعد واحدة من أهم كتب الرحلات الأوربية في القرن السابع عشر؛ فهي رحلة مليئة بالأحداث حافلة بالوصف الشيق للأماكن والخطط، من حيث ما تمتاز به من الرواية الشخصية والتفاعل الحي مع الأحداث. وهناك بعض الملامح المميزة التي لا بد أن يلحظها القارئ. من هذه العلامات:

ـ استخدامه للأيام والشهور، بل تحديد الساعة في ذكره للحدث. فتجده يقول مثلًا في أول الرحلة: “انطلقنا من حلب يوم الجمعة 26 فبراير 1696[4] وذلك في الساعة الثالثة من بعد الظهر”. وهذا الملمح موجود على طول الرحلة إلى منتهاها. وقد يدل على تأثر رحّالتنا بالبيئة الأكاديمية التى نشأ فيها إذا علمته الانضباط والالتزام ومحافظته على وقته.

ـ أيضًا تجد أنه يقوم بما نسميه في عصرنا (مسحًا جغرافيًا) للأماكن التي يزورها؛ فتجده يصف الأماكن والبقاع وصفًا دقيقًا: الجبال وطولها[5] والبحار والأنهار وعمقها. ولربما ذكر علو الماء ونقصانه والآثار القديمة: “ولكن أهم أثر في جبلة، وأكبر تذكار لسموها السابق هي بقايا مسرح جليل عند البوابة الشمالية للمدينة. وما تبقى من هذا البناء الضخم لا يتجاوز ارتفاعه عشرين قدمًا”[6]. ولربما يذكر شيئًا من تاريخها “ولكن على كل حال لا يمكن لذلك أن ينتهي بغير تعويض لأتعابنا، فقد حصلنا على مسح مضبوط بقدر ما استطعنا لغرف الظلام هذه”[7]، والسهول وطولها[8]، والبلدان[9] وسكانها. ولربما تكلم عن تاريخ البلد الذي يدخله[10]؛ المنازل وطريقة بنائها، بل تجده ينتقد طريقة البنيان للمنازل والدور -لا بد في هذا الأمر تحديدًا أن نأخذ بعين الاعتبار أن رجلنا يتعامل مع الموقف بعقلية الرجل الأوربي في نظره صاحب الإنجازات والحضارة-.

وهنا يصف بعض البرك التي مر عليها: “ذهبنا هذا الصباح لنرى الأماكن الجديرة بالملاحظة في جوار بيت لحم. وكان المكان الأول الذي توجهنا إليه هو تلك الينابيع والبرك والحدائق المشهورة .. أما بالنسبة للبرك؛ فعددها ثلاث، وهي واقعة على صف واحدة فوق الأخرى، وهي مرتبة بحيث أن مياه العليا تنزل إلى الثانية، ومياه الثانية تنزل إلى الثالثة. شكل هذه البرك مربع الجوانب، وعرضها هو نفسه في جميعها يصل إلى حوالي تسعين خطوة. وبالنسبة لأطوالها فيوجد بعض الفروق بينها؛ إذ يبلغ طول الأولى حوالي مئة وستين خطوة، والثانية مئتين، والثالثة مئتين وعشرين، وجميعها مبطنة بجدار وتحتوي على عمق كبير من الماء.[11]

وهناك نص بديع يدل على حرصه الشديد ألا يترك شيئًا، إلا ويأتي عليه. في هذا النص أراد قياس محيط المدينة قبل مغادرتها. “كنت أريد قبل مغادرتنا قياس محيط المدينة، وهكذا أخذت معي أحد الكهنة وخرجت بعد الظهر لكي أقيس الدار وما حوله، وخرجنا لدى بوابة بيت لحم وتابعنا نحو اليمين حتى وصلنا نحو البوابة ثانية، فوجدت بأن محيط كامل المدينة 4630 خطوة. وقد حسبته كالتالي…”[12]. هذا المسح الجغرافي الشامل  تجده معك أيها السائر في الرحلة من أول ركوبك سفينتها إلى وصولك لبر الأمان.

ـ من الملامح الرئيسية للرحلة كون صاحبنا لا يأخذ الأمور بمسلماتها هكذا؛ بل يُعمل عقله وفكره، ويستخدم علمه في تفنيد الخزعبلات -هو ذو خلفية ثقافية ودينية واسعة. وهذا ساعده كثيرًا في مثل هذه الأمور-. يقول “كان لنا الحظ بأن نرى ما يمكن أن يعتقد بأن الفرصة لتلك الفكرة التي يربطها لوقيانوس بهذا النهر -أي أن هذا النهر في فصول معينة من السنة، وخاصة عند احتفال أدونيس يكون ذا لون دموي-؛ حيث إن الوثنيين نظروا إلى ذلك بأنه ناتج عن نوع من الحداد يبديه النهر لموت أدونيس الذي قتله خنزير بري في الجبال التى ينبع منها هذا النهر. ورأينا أن شيئًا كهذا قد حصل بالفعل؛ لأن الماء قد صبغ بلون حمرة مذهلة، كما لاحظنا في سفرنا، وغيّر لون البحر إلى مسافة كبيرة إلى لون محمر. وكان سبب ذلك دون شك نوع الزيرقون أو التراب الأحمر الذي غسل إلى النهر بسبب عنف المطر وليس بسبب أىّ تلوث من دم أدونيس”[13]. تأمل كيف ذكر الأسطورة وفندها باستخدام عقله وعلمه.

ـ يلحظ السائر في نصوص الرحلة أن رحَّالتنا لربما اتبع منهج طرح السؤال والجواب أو يطرح إشكالا ويجيب عليه. وهذا له فوائد منها شحذ ذهن القارئ أو السامع، ومنها لفت الانتباه لما يقال وغير ذلك كثير. قال “وصلنا إلى بئر يعقوب وهو مشهور؛ ليس فقط بسبب صاحبه ولكن أكثر بكثير بسبب تلك المحاورة التذكارية التي أجراها مُخلِّصنا المبارك مع المرأة السامرية .. وإذا كان يجب الاستفسار فيما إذا كان نفس البئر الذي جرى الادعاء من أصله أو لا، ويبدو كونه من المشكوك فيه بأنه يقع بعيدًا من سيخار بالنسبة للنساء بأن يأتين كل هذا البعد ليسقين الماء؟ والجواب بأنه من المحتمل أن المدينة امتدت بشكل أبعد بهذا الاتجاه في العصور السابقة أكثر مما هي عليه”[14].

ـ كثيرًا ما يربط رحّالتنا وصفه للمواقع والبلدان والآثار بالكتاب المقدس؛ فنجده يستشهد كثيرًا بنصوص من الكتاب المقدس. وهذا أمر طبيعي يرجع لكونه رجل دين (أضحى من رجال الإكليروس في كنيسة إنجلترا 1691م). يقول -على سبيل المثال- وهو يتكلم عن مدينة جبيل: “ومن المرجح أن جبيل هي بلد الجبليين المذكورة في سفر يوشع (5:13)”. ولما تكلم عن حدود الأراضي المقدسة قال: “وبالقرب من صيدا تبدأ حدود الأراضي المقدسة وخاصة من ذلك القسم الذي كان مخصصًا لسِبط أشير. وحدود هذا السِبط من الكرمل حتى صيدا الكبرى كما يبدو من سفر يوشع (19:26)”.

ـ كذلك من ملامح هذه الرحلة كون رحّالتنا يعتمد مبدأ المشاهدة – ما استطاع إلى ذلك سبيلًا-، لا مجرد السماع فقط وانظر إلى قوله “وأما بالنسبة لتفاح سدوم الذي جرى الحديث عنه كثيرًا فإنني لم أر شيئًا ولم أسمع عنه شيئًا في هذه الأماكن، ولم توجد أية شجرة يمكن رؤيتها قرب البحيرة لما يتوقع المرء منها هذا النوع من الفاكهة التي تجعلني أصدق أنه ربما يكون ثمة خداع أكبر في هذه الفاكهة، مما يقال عنها عادة ووجودها نفسه بالإضافة لجمالها هو عبارة عن أسطورة تم الحفاظ عليها”. وقال في موضع آخر بخصوص البحر الميت وكون الطيور التي تحلق فوقه تموت “العرف العام أن الطيور التي تحاول أن تطير فوق هذا البحر تسقط فيه، وأن الأسماك والأنواع الأخرى من الحيوانات لا يمكنها تحمل هذه المياه المميتة. إن التقرير السابق الذي رأيته هو فعلًا منقوض؛ لأن عدة طيور تطير حول البحر دون أن يصيبها شيء”. وفي فهم ودراية يقول، وهو ينقض هذا التقرير: “لدي بعض الأسباب بأن أشك فيه، بأنه مزيف؛ حيث لاحظت بين الحصى على الشاطئ صدفتين أو أكثر تشبه صدفات المحار كانت قد ألقتها الأمواج على بعد ساعتين من نهر الأردن، حيث أذكرها   لئلا يشتبه بها بأنها جلبت إلى البحر”.

ـ ويعتمد موندرل التجربة بنفسه، ولا يركن لما يقال. مثلًا لمَّا أراد أن يعلم حقيقة ما يقال عن البحر الميت: “كان البحر الميت صافيًا ومالحًا جدًا بل هو مر للغاية ويسبب الغثيان. وبما أنني كنت أريد أن أقوم بتجربة لقوته؛ فقد نزلت فيه ووجدته بأنه حمل جسمي لأعلى أثناء السباحة بقوة غير عادية. ولكن بالنسبة لمقولة بعض المؤلفين بأن الرجال يخوضون فيه كانوا يطفون إلى أعلى حالما ينزلون إلى عمق السرة؛ فلقد وجدت بالتجربة أن ذلك غير حقيقي”.

ـ نلمح أيضا في أسلوبه السخرية والتهكم في عرض الحدث. وهذا وقع منه في أكثر من موضع أنقل واحدًا فقط لكفايته على دلالة المراد “وبالتأكيد فإن مستشفى المجانين نفسه لم ير أبدًا تولهًا كالذي جرى سريانه لدى عامة الناس عند هذا المنظر”[15].

رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس 6 مراجعة رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس

● رصده لآداب الضيافة عند الأتراك

يلحظ القارئ أن موندرل قد زودنا بنصوص مهمة تخص آداب الضيافة لدى الأتراك وهو نص فريد مميز وصف فيه بدقة عاداتهم في الضيافة يقول: “السبت 13 مارس، ذهبنا هذا الصباح ثانية لزيارة أوستان باشا [16] بناءً على موعد معه. عندما تقوم هنا بزيارة شخص هام، فينبغي أن:

– ترسل شخصًا معه هدية ليطلب سابقًا دخولك، ولكي يعلم في أية ساعة يمكن لمجيئك أن يكون أكثر ملاءمة.

– عندما تأتي إلى البيت، يستقبلك الخدام عند البوابة الخارجية، ويقودونك نحو شقة سيدهم، ثم يجتمع بك في الطريق خدام آخرون أعتقد أنهم ذوو مرتبة أعلى في مراكزهم المتعددة كلما اقتربت أكثر من الشخص الذي تزوره.

– عندما تدخل غرفته تجده مستعدًا لاستقبالك؛ إما واقفًا لجانب الديوان أو مستلقيًا على إحدى زواياه. وذلك وفق ما يظنه مناسبًا للحفاظ على تمييز أكثر أو أقل[17]. وهذه الدواوين الأترك يأكلون عليها وينامون ويدخنون ويستقبلون الزوار ويقرأون صلواتهم عليها. وكل بهجتهم هي بالترخي عليها وبفرشها بشكل باذخ، وهو غاية ترفهم.

– عنما تصل إلى جانب الديوان تخلع حذاءك، وترتفع لتأخذ مكانك على ركبتيك وواضعًا يديك بصورة رسمية أمامك (يجب أن تبقى هكذا حتى يدعوك الرجل ذو الشأن بأن تقترب وتضع نفسك في وضع أكثر راحة باستنادك إلى مخدة) وبوضعك هكذا هو يتحدث إليك حسب ما تقتضيه المناسبة.

– يقف الخدم حولكما كل الوقت بعدد كبير، مع أشد الاحترام والسكوت والنظام الممكن تصوره.

– عندما تكون قد تحدثت حول عملك أو المجاملات أو أي موضوع آخر، يقوم السيد بإعطاء إشارة لتقديم أشياء الضيافة -التي هي بصورة عامة؛ قليل من الحلوى وكأس شراب وآخر للقهوة 

– يجري إدخالهما جميعًا مباشرة من قبل الخدم وتقدم لجميع الضيوف بانتظام مع أكبر العناية المهابة التي يمكن تصورها”[18]. 

– وأخيرًا يأتي القسم النهائي لضيافتك؛ ألا وهو تعطير لحى المجموعة، وهذا عُرف يعني تلمحيًا لبقًا للزوار بالانصراف، مشيرين لهم بأن سيد الدار لديه عمل أو شغل للقيام به، حيث يسمح لهم بأن ينصرفوا حالما يريدون، والأسرع بعد هذا الاحتفاء هو الأحسن”[19]. 

وهناك نص آخر له علاقة بهذا الأمر. وفيه يقول: “ومن المعتبر في هذا البلد بأنه من غير اللائق أن تقوم بزيارة دون تقديم هدية. ويتوقع جميع الرجال العظماء الهدية كنوع من التقدمة بالنظر لشخصيتهم وسلطتهم. وعندما لا تتم هذه المجاملة ينظرون إلى أنفسهم بأنهم أهينوا وحط من قدرهم حقًا. حتى في الزيارات المألوفة بين الأشخاص العاديين، نادرًا ما تراهم يأتون دون أن يجلبوا معهم وردة أو برتقالة أو أية إشارة أخرى تدل على احترامهم للشخص المَزُور. إن الأتراك بالنسبة لهذه النقطة يحافظون على العادة الشرقية القديمة”[20].

وهنا لا بد أن نذكر النص الوحيد في الرحلة، والذي أثنى فيه موندرل على الأتراك، وهو يعرض مراسم الضيافة لما له تعلق في هذا الموضع قال: “لأنه ينبغي أن نعلم بأن الأتراك لا يجهلون المدنية وفنون اللباقة، بل يمكنهم القيام بها بكثير من الدقة كأية أمة أخرى عندما يودون أن يظهروا كرمهم”[21].

رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس 7 مراجعة رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس

● نقده وتحامُله على الأتراك

يلحظ المتأمل في هذه الرحلة النقد الشديد الذي يوجهه موندرل للأتراك. وهو كثير في نصوص هذه الرحلة. وسأكتفى ببعضها:

ـ وصفهم بكونهم جباة للضرائب ظالمين محتالين لصوص “لكي يكونوا قادرين على أن يفوا بالضرائب غير المعقولة التي يمكن أن يفرضها الأتراك الجشعون، والتي يبتدعونها تحت أي حجة”[22]. وفي موضع آخر يقول “ولكن تحت هذا الادعاء يغتنمون الفرصة ليفرضوا على المسافرين -خاصة الأوربيين- مبالغ جائرة غير معقولة. وهذا يعوض عن أن يكونوا حماة يثبتون بأنهم أنفسهم أكبر المحتاين واللصوص”.

ـ وصفهم بكونهم عديمي الرحمة والشفقة والإنسانية “حيث إن الأتراك بصورة عامة لديهم تعصب أكثر مما لديهم من الرحمة”[23].

– وصفهم بكونهم أغبياء ليسوا سريعي الفهم “ولكن يبدو بأن الأترك ليسوا سريعي الفهم لهذا التكهن؛ لأنهم بدلًا من أن يمنعوا نمو التلة فقد تركوها تأخذ مجراها وجعلوها مرتعًا للنزهة والانشراح”[24].

 ـ وصفهم بكونهم همجًا رعاعًا “لأن الأترك كان عندهم إحساس قليل لمثل هذا، لأنهم كانوا بصفة عامة شعبًا ذا إدراك سمج ولا يعرفون أية ملذات أخرى سوى حب الشهوات التي كانت شائعة بين البشر والوحوش”[25]. 

ـ ينعتهم بلفظة تحمل في معناها القبح والإساءة “ولكن اغتصبها الأتراك لمسجدهم الرئيسي”[26]. 

ـ يصفهم بالوقاحة والعنجهية والكبر “لأن عنجهية الأتراك لا تسمح لهم بأن يُركبوا الأوربيون على ظهور الخيل”[27]. 

ـ يصفهم بأنهم لا يملكون حسًا حضاريًا ولا ذوقًا فنيًا؛ يذكر في أثناء كلامه على عكا “كانت هذه المدينة لمدة طويلة مسرحًا للنزاع بين المسحيين والوثنيين. وبعد حصار طويل فتحها الأتراك وخربوها؛ وكأنهم ظنوا أنهم لا يقدرون أبدًا أخذ انتقام كامل بالنسبة للدماء التي تكلفوها أو أن يمنعوا بشكل كافٍ مثل هذه المذبحة في المستقبل”. وفي موضع آخر يقول في أثناء كلامه على بعض الحدائق التي زارها وتعجب من حسن إحداها “وتشاهد الحدائق التركية بأنها عادة لا شيء سوى مجموعة أشجار مرتبكة، متلخبطة سويًا دون أية عقد أو ممرات أو عرائس، أو أي شيء من الفن والتصميم؛ لذلك تبدو كالأدغال أكثر من الحدائق”[28]. 

نجد أيضًا من المسائل اللافتة للنظر في الرحلة؛ وصفه لعقوبة الإعدام لدى الأتراك في نص عزيز ذكره موندرل يقول: “ويجري الإعدام بهذه الطريقة: يأخذون عمودًا ثخنه حوالي ساق الإنسان وطوله ثمانية أو تسعة أقدام، ويجعلونه مدببًا وحادًا جدًا في إحدى نهايتيه، ويضعونه على ظهر المجرم، ويجبرونه على حمله إلى مكان الإعدام. وذلك تقليدًا للعادة الرومانية التي تجبر المجرمين على حمل صليبهم. ولدى الوصول إلى المكان المميت يدخلون العمود في دبر الشخص المدان التعيس بهذا الهلاك ثم يمسكونه من ساقيه ويسحبون جسمه عليه حتى يظهر رأس العمود عند كتفيه وبعد ذلك يقيمون العمود ويثبتونه في حفرة حفرت في الأرض. وبجلوس المجرم عليه في هذا الموضع لا يبقى حيًا فقط بل يشرب ويدخن ويتكلم كشخص واع تمامًا، حتى أن البعض قد لبثوا لمدة أربع وعشرين ساعة. ولكن بصورة عامة بعد أن يبقى الشقي المعذب في هذه الحالة المؤسفة والمشينة لمدة ساعة أو ساعتين يسمح لأحد المتفرجين بأن يسدد إليه طعنة الرحمة في قلبه، وهكذا يضع نهاية لتعاسته التي لا توصف.(29) 

هذه بعض الأوصاف التى نعت بها موندرل الأتراك وغيرها كثير في نص الرحلة.

رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس 5 مراجعة رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس

● من ملامح وصفه للكنائس الشرقية

وقد أتى موندرل على ذكر المسيحين. ولا بد وأن نلحظ أمرًا هامًا؛ ألا وهو الخلاف الحاصل بين الكنائس في الشرق والغرب أثناء قراءة هذه العلاقة، في هذه الرحلة. يصف حال المسحيين ويقول “جرى إعلامنا بوجود عدة سكان مسيحيين في هذا المكان .. لذا ذهبنا لزيارة كنيستهم التي وجدناها فقيرة جدًا تستحق الشفقة، والمسيحية هنا بدت وكأنها بلغت أقصى حالتها المتواضعة ووضع المسيح ثانية في معلف”[30].

ويصف كنيسة اليونان وطريقة صلواتهم: “إن معبدهم كبير ولكنه مظلم، والمذبح محوط بمكان الكهنة بحيث لا يمكن الاقتراب منه لأي شخص سوى الكاهن. وذلك وفق طريقة الكنيسة اليونانية، ويدعون إلى تجمعهم بإحداث صوت بالضرب بمطرقتين على قطعة متدلية من لوح معلقة على باب الكنيسة .. وتتألف عبادتهم من تميمة صلوات معينة سريعة لا تتصف بأي وقار وأناشيد لمخلصنا المبارك وللعذراء المباركة وبعض الطقوس المظلمة”[31]. 

ويصف الكهنة في الأحد الأديرة بالجهل وقلة العلم “وكان كهنة هذا الدير -على ما أتذكر- أربعين. ووجدناهم على ما يبدو ذوي طبيعة جيدة جدًا .. لكنهم بالتأكيد جهلة لحد بعيد. وهذا الجهل لا يدعو للعجب كثيرًا”[32]. أيضًا لفت نظره وجود الرهبان والراهبات متجاورين بعضهم البعض في أحد الأديرة، فكأنه استنكر ذلك “ويبدو أنهم يعيشون معًا بشكل مختلط دون أي نظام أو فصل بينهم”.

رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس 9 مراجعة رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس

● مآخذ على رحلة موندرل

هذه بعض الخطوط العريضة التي أخرجتها من نصوص الرحلة. وتتبقى بعض المآخذ التي قد تظهر للقارئ أثناء القراءة.

ـ أول ما يلفت النظر هو العنصرية المتحيزة لكل ما هو أوربي، والتي تطغى على نصوص الرحلة. نجد ذلك في عدة مواضع من الرحلة. والعنصرية التي أقصدها ذات شقين شق ديني وشق مدني. أما الديني فواضح في النصوص التي ذكرتها أعلاه؛ من انتقاده لطوائف المسيحين المخالفين للطائفة التي ينتمي إليها، وأما الشق المدني ظهر أيضًا في انتقاده للأتراك. وقد أخَّرت نصًا بالغ الأهمية يفيد في هذا الأمر؛ إذ العنصرية فجة فيه وواضحة: “وكان في الجانب الشرقي لهذه الحديقة ممران مدرجان أحدهما فوق الآخر .. وقد صمم هذا المكان الأمير فخر الدين الذي عاش في أيام حكم السلطان مراد وهو الأمير الرابع أو أمير الدروز[33] لمجلسه الرئيسي لأجل المتعة. وربما يدعو للعجب كيف أن هذا الأمير قد استطاع أن يبدع شيئًا أنيقًا ومنظمًا إلى هذا الحد كهذه الحديقة. وتشاهد الحدائق التركية بأنها عادة لا شيء سوى مجموعة أشجار مرتبكة متلخبطة سويًا، دون أية عقد أو ممرات أو عرائس أو أي شيء من الفن والتصميم. لذلك تبدو كالأدغال أكثر من الحدائق. ولكن الأمير فخر الدين كان في إيطاليا حيث رأى أشياء ذات طبيعة أخرى وعرف جيدًا كيف ينسخها في بلده. لأنه يبدو حقًا بهذه البقايا منه أنه رجل فوق المستوى العادي لعبقري تركي”[34].

ويخطئ موندرل في الأسماء وضبطها (أوستان باشا ورد ذكره صوستان باشا في ص34 وصوابه: أرسلان باشا المطره جي والي طرابلس في الفترة من 1693/ 1697م، وفي الفترة من 1698/1704 . وكذلك قرية ضهر صَفرا يسميها موندرل صوفيا، وقد نبه على ذلك المحقق.

ويخطئ في نسبة بعض القبائل لغير أصلها؛ كما فعل مع الدروز، فنسبهم إلى بقايا الجيوش الصليبية التي كانت في المنطقة. والصواب أنهم عرب أقحاح من بني تنوخ. ورد ذكرهم في ص55. 

ويخطئ في نسبة البلدان وتسميتها؛ فيذكر أن عكا استعادت بعض الشبه لاسمها العبري ثانية. وهذا منه خطأ؛ إذ ترجع تسميات بلدان فلسطين كنعانية وليست عبرية. وقد نبه على ذلك المحقق صـ67 .

رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس 8 مراجعة رحلة هنري موندرل من حلب إلى القدس

المُلحقان في آخر الرحلة

بقي لنا أن نعرج على الملحقين اللذين في آخر الرحلة. والأول منهما عبارة عن رسالة من موندرل لأحد الأشخاص لم يذكر اسمه، يجيب فيها موندرل على أسئلة كان هذا الشخص أرسلها إليه. وهذه الأسئلة هي “لقد رغبت بمقال عن الأتراك وعن الطريقة التي عشنا فيها بينهم”. ثم يبدأ الجواب بوصف الأتراك. وحقيقةً جوابه مرتبك جدًا وغير منظم. واللافت للنظر في وصفه أنه وصف المسيحية بأنها أقل من الفضيلة التركية. قال “لكنني يجب أن أعترف بنفسي بفكرة أخرى عن الديانة المسيحية، وكم نحن نعيش أدنى من الروح الحقيقة لها ولسموها. ولا يزال يجب أن يسمح لنا بأن نكتشف قوة كثيرة حول أفكار أساتذتها بحيث نرفعها أعلى بكثير من مستوى الفضيلة التركية”.

من اللافت أيضًا كونه ينتقص من الأتراك ودينهم وحفاظهم على تقى وخشوع خارجي كبير دون أقل حكمة أو فضيلة في فكرهم. “رأيتهم في صدقة مصطنعة حيث يعطون المال لماسكي الطيور التي يتاجرون بها؛ ليعيدوا الطيور الأسرى إلى حريتها. وبنفس الوقت يحتفظون بعبيدهم في أقصى حدود العبودية”. ثم يعود ويمدح الأمم المشرقية كلها. يقول لديها بالتأكيد أروع فصاحة من أي شعب على وجه الأرض”. ثم ذكر بعد ذلك كيف قضى الأشهر الثلاثة في الرحلة وكيف تعامل مع الأتراك.

وأما السؤال الثاني في الملحق، فكان عن شيء في العقيدة المسيحية. وأجابه عليه موندرل. وأما الملحق الأخير فهي رحلة صغيرة قام بها موندرل في 17 من إبريل 1699، من حلب إلى نهر الفرات، ومدينة بيره جيك وإلي بلاد الرافدين. وعاد منها في 29 من إبريل 1699. ووصف الأماكن التى زارها على عادته. 

وقد أنهى هذه الرحلة الماتعة بقوله: “وهكذا برحمة الله وحمايته اللامتناهية، قد جرت إعادتنا جميعًا بأمان إلى مساكننا الخاصة بنا. 

المجد لله”.

الهوامش:

[1] للمزيد حول حياة هنري موندرل راجع بحث شرين خير الله (معهد الإنماء العربي) ترجمة عماد أبو سعد ـ1988/ مج9ع51.

[2] ـ للمزيد انظر مقدمة الترجمة العربية (هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة دار الكتب الوطنية (ط1/1433ـ2012) ت صفوح الذهبي. 

[3] مدينة بيره جك أو البيرة مدينة في محافظة أورفة في جنوب شرق تركيا حاليًا. كانت هذه المدينة تابعة لولاية حلب العثمانية ـحيث تبعد عنها حوالي 80 ميلًاـ، ولسوريا حسب معاهدة سيفر التى أنهت الحرب العالمية الأولى. ولكن معاهدة لوزان عام 1923 وضعت المدينة مع بقية الأقاليم السورية الشمالية ضمن الحدود التركية وتقع المدينة على نهر الفرات. 

[4] ننبه علي أن هذا خطأ كانت الرحلة في عام 1697. 

[5] انظر الرحلة 28 وهو يصف جبل العقبة يقول وهو كما تشير التسمية صعبًا، وجدنا صعوده متجاوبا مع اسمه. [6] انظر الرحلة 63. 

[7] انظر الرحلة 42. 

[8] انظر الرحلة 24 وهو يصف سهول كفتين والتي تسمى في عصرنا اليوم كفر حلب. 

[9] انظر الرحلة 26 وهو يصف مدينة الشغور. 

[10] انظر الرحلة 34 وهو يصف مدينة جبلة وكيف كانت في الماضي وكيف أصبحت الآن. 

[11] انظر الرحلة 90 وفيها ذكر أيضًا كيف يصل الماء إلى هذه البرك. 

[12] انظر الرحلة 109 وذكر جدولًا فيه قياس ذلك بالخطوات؛ طولًا وعرضًا. 

[13] انظر الرحلة 51 جدير بالذكر أن النهر المذكور هو نهر إبراهيم باشا ولايزال إلى اليوم بهذا الإسم . 

[14] انظر الرحلة 73. 

[15] انظر الرحلة (  97 )  سياق هذا الكلام منه وهو ينتقد أفعال بعض المسيحيين في صلواتهم 

[16] ذكر المحقق أن الصواب في الاسم (أرسلان باشا المطره جي) والي طرابلس بين عامي 1693)/( 1697 وبين عامي (1698/1704). 

[17] يذكر المؤلف هنا استطرادًا حاصله أن هذه الدواوين هي عبارة نوع من الدكات المنخفضة موضوعة في أظرف قسم من الغرفة. وارتفاعها حوالي ستة عشر أو ثمانية عشر بوصة أو أكثر فوق الأرض. ممدود عليها سجاد ومفروشة من جميع الجهات بمخدات طويلة للاتكاء عليها. انظر الرحلة 47. 

[18] يذكر المؤلف هنا سبب الاهتمام بقوله: ” إذا ارتكب أي خادم أقل هفوة أو غلطة؛ إما بتقديم أو استلام طبقه، فمن الممكن أن يكلفه ذلك خمسين وربما مئة ضربة بالعصا على قدميه العاريتين ليكفر عن جريمته”. انظر الرحلة 48. 

[19] انظر لهذا النص الفريد الرحلة (46/47/48). 

[20] انظر الرحلة 45)). 

[21] انظر الرحلة (47). [22] انظر الرحلة (46). والكلام في سياقه على كهنة أحد الأديرة، وكونهم قليلي العلم بسب انشغالهم بالعمل خارج الدير. ويعلل ذلك بما ذكر أعلاه. 

[23] انظر الرحلة 31 

[24] انظر الرحلة 45. سياق الكلام حول مدينة طرابلس وكونها تقع بين تلتين، وكون إحدى التلتين كانت تزداد علوًا بسبب تراكم الرمل. 

[25] انظر الرحلة 56 

[26] انظر الرحلة وسياق الكلام في مكان أخذه الأتراك وضموه إلى مسجدهم، ولكنه آثر استخدام هذا اللفظ لما يحمله من معان قبيحة وأوصاف شنيعة. 

[27] انظر الرحلة 132 وسياق الكلام أتى بسبب وهو يتكلم عن زيارة لأحد البساتين وأن الفرنجي يجبر على المشي أو ركوب الحمار ثم يذكر أيضًا مدى الإهانة التي يتعرض لها الإفرنجي عند ركوبه الحمار من كون صاحب الحمار يُخنس الإفرنجي بالعصا من الخلف كما يفعل مع الحمار من باب إهانة الإفرنجي. 

[28] انظر الرحلة 56. 

[29] انظر الرحلة 141ـ142.يذكر موندرل سبب كلامه (على هذه العقوبة قال “بعد الظهر أخذنا السيد القنصل هيستينغر لنرى قلعة طرابلس .. وكان محبوسا فيها في هذا الوقت سجين مسيحي فقير يدعى الشيخ يونس. وهو ماروني وكان شخصًا قد ترك دينه سابقًا، وعاش لمدة سنوات كثيرة في الديانة المحمدية، ولكن لدى تقدمه في السن عاد فسحب ارتداده عن الإيمان ومات ليكفر عن ذلك، حيث خُوزِق بأمر الباشا. تنفذ عقوبة الخوازيق هذه بصورة شائعة بين الأتراك لجرائم من الدرجة العليا وهي بالتأكيد إحدى أكبر الفظائع والوحشية التي يمكن أن تقدم للطبيعة الإنسانية ويجرى الإعدام بهذه الطريقة”. 

[30] انظر الرحلة (29) وفيه وصف للكنيسة المذكورة. قال: وكانت الكنيسة عبارة عن مجرد غرفة تبلغ حوالي أربع أو خمس ياردات مربعة جدرانها وسخة. جدير بالذكر أن قوله (ووضع المسيح في معلف) هذا فيه تشبيه بليغ منه؛ إذ صور الكنيسة وكونها فقيرة جدًا وتستحق الشفة صورها كأن المسيحية رجعت إلى القديم عند ميلاد السيد المسيح الذي ولد في المزود -وهو المكان الذي تربى فيه الماشية-. وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المزود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل انظر إنجيل لوقا (2:1ـ7 ). فهو تشبيه منه أن المسيحية عادت إلى أيامها الأولى فهذا استنكار منه ولكنه استعمل البلاغة في ذلك. 

[31] انظر الرحلة (46). 

[32] انظر الرحلة 46. وفيه يذكر سبب ذلك هو طول فترات الوقت بين ساعات عبادتهم، لكنهم مجبرون على قضائها في العمل للكسب والإنفاق على أسرهم، وكذلك لدفع الضرائب التى يفرضها الأتراك عليهم. 

[33] الأمير فخر الدين المعني الثاني. كان يجلس في بستانه مع بطانته. وجدير أن يذكر أن عبد الغني النابلسي شاهد حمّام الأمير فخر الدين في رحلته لبيروت عام 1700م في أيام موندرل نفسه. 

[34] انظر الرحلة 56.

محمد عثمان الشربينى

باحث ماجستير في تاريخ العصور الوسطى

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى