أدب

علي جواد الطاهر .. باحثًا

البحثُ شأن جليل من شؤون الحضارة؛ لا ينهض به إلّا من نشأ على حبّ الحقيقة، وتطلّبِها، والصبرِ على مشقّةِ طريقها، والجرأةِ في إعلانها حين يصل إليها. وقد عرف العراق منذ مطالع القرن العشرين باحثين أخلصوا أنفسهم للمعرفة الصحيحة؛ فتوفّروا على سلك سبيلها، ورضوا بحمل أعبائها، فأغنوا ميادينها كلّها. وقد توطّد بهم مفهوم للبحث؛ بعضُ أركانه مستمدّ من تراث الأمّة، وبعضها قائم على ما أفادوه من علماء الغرب؛ لكنّهم أحسنوا المواءمة بين الجانبين، وارتقوا بهما معًا.

وقد كان في طليعة أولئك الباحثين في ميدان اللغة والأدب؛ ثلاثة كانوا من أساتذة دار المعلمين العالية؛ هم طه الراوي، ومحمّد مهدي البصير، ومصطفى جواد؛ وقد درس عليهم علي جواد الطاهر العربيّة، ورأى كيف ينظرون في اللغة والأدب، وكيف يعالجون قضاياهما، ورأى حرصهم على استيعاب القديم على أصوله، والوقوف على أسراره، وإلى جوارهم كان طه باقر يدرّس التَّاريخ ومنهج البحث فيبعث الحياة في قِطَع من الماضي السَّحيق. لقد أفاد الطَّاهر منهم جميعًا، وتشرَّب نهجهم في تلقّي المعرفة وإشاعتها. وقد كتب عنهم، بعد سنين، مُشيدًا بهم معربًا عن فضلهم، ورفيع مكانتهم في الدَّرس الأدبيّ.

كان عليّ جواد الطاهر قد نشأ على حبِّ الأدب، والتزوّد من قديمه وحديثه؛ قراءة وحفظًا؛ فلمّا انتظم في دار المعلمين العالية وجد فيها أساتذة يتّخذون من الأدب ميدان دراسة تقوم على منهج رصين؛ يبدأ بحسن الإحاطة، وتفهّم النُّصوص، وتبيّنِ آثار المكان والزَّمان فيها. يقول وهو في سياق الوقوف على المنهج ومكانته من دراسته في دار المعلّمين العالية: “وإذ حان العصر، وحلَّ درس التَّاريخ القديم؛ طلعَ علينا الأستاذ طه باقر فأكبرناه منذ الدرس الأول؛ وبدأ الأستاذ يمهّد لدرس التاريخ محاولًا أن ينقل إلينا أطرافًا من مادّة شغلت الغرب فوعاها: هل التَّاريخ علم؟ وتحدّث لنا في ذلك غير قليل عارضًا طبيعة المسألة، مبيّنًا آراء المعارضين والمؤيدين حتّى انتهى إلى أنَّ التَّاريخ علم بالطريقة التي يتّبعها في بحثه وتحرّيه الحقائق”.

وحين التحق بجامعة السوربون في سنة 1948، واتّصلت أسبابه بالمسيو بلاشير، ورأى المنهج الفرنسيّ في معالجةِ الأدب ودراسته، وهو منهج، مثلما تجلَّى عند لانسون، لا يُغفل التاريخ، بل يُفيد منه ويزيد عليه ممّا يتّصل بجوهر الأدب؛ استقرَّ لديه مفهوم متماسك للدرس الأدبيّ؛ يقوم على عناصر مؤتلفة منسجمة من التراث العربيّ والأدب الفرنسيّ؛  يبدأ بالنصّ ويضيئه بما حوله!

زاول الطاهر البحث بهدي ممّا استقر لديه من مفهوم صحيح للبحث الأدبيّ، وبلغ في ذلك مبلغًا رفيعًا جعل من مؤلّفاته مرموقة الجانب عند الدارسين. وقد تمثّلت في بحوثه جملة مبادئ لم يحد عنها فأخذ نفسه بها، وأجرى كلّ شؤونه في البحث عليها. كان ينتقي تلك الموضوعات الجديدة التي لم يتناولها بحث، ولم يقف عليها دارس؛ لكنّها قيّمة في سياق الأدب، إذ كانت ثمرةً لما قبلها، وكان لها أثرٌ فيما بعدها. فقد كتب (الشعر العربيّ في العراق وبلاد العجم في العصر السلجوقي)، ونال به الدكتوراه من جامعة السوربون في سنة 1954، ولم يكن أحدٌ من قبل قد جعل هذا الشِّعر موضع درس وعناية. وقد أقامَ دراسته على ركنين متعاضدين؛ هما التَّاريخ والفن! وكتب (محمود أحمد السيّد – رائد القصّة الحديثة في العراق) ونشره في سنة 1969، يوم كان السيّد مجهولًا أو كالمجهول، لدى القرّاء، على ريادته في القصَّة، وفي أشياء أخرى. وقد كان ركنا التَّاريخ والفن قوام الدراسة. وألّف  (أبو يعقوب الخُريميّ،  حياته وشعره) ونشره في سنة 1986؛ وكان من قبل قد نشر ديوانه مع محمّد جبّار المعيبد، إذ لم يكن الخُريميّ ممّن شُغل به الدارسون. وقد أقام الدراسة أيضًا بضوء من التاريخ والفنّ. ولا ريب في أنّ العناية بالفنّ وخصائص البيان هي الغاية التي تسعى إليها هذه الدراسات، وما التاريخ وما يتّصل به إلّا وسيلة تُستكمل بها تلك الغاية.

وإذا تناول أمرًا قد جرت فيه الأقلام فإنّه يذهب فيه إلى ناحية لم يطرقها أحد؛ فقد وقف الدارسون على المرزوقي الناقد فشُغلوا بمقدّمته على شرحه ديوان الحماسة، وعُنوا بما سمَّاه عمود الشعر؛  لكنّ الطاهر حين أراد أن يتناول نقد المرزوقيّ انصرف عن المقدّمة، ووقف على الشرح نفسه يتلمّس فيه طرائق نقده الشعر، ووضع كتابًا وسمه بـ (المرزوقيّ شارحُ الحماسة .. ناقدًا) .

وشبيه بذلك صنيعه مع (المثل السَّائر في أدب الكاتب والشاعر) لابن الأثير؛ فقد عرف دارسو البلاغة الكتاب، ووقفوا عنده، ودرسوه في مناحيه البلاغيّة والنقديّة؛ لكنّ الطاهر حين ألّف (منهج البحث في المثل السائر) الصَّادر في سنة 1982 لم يقف عند البلاغة وفنونها؛ وإنّما ذهب إلى منهج الكتاب، أي كيف بنى ابن الأثير كتابه، وكيف انتظمت له الأشتات، وكيف مضى يؤلّف بين العناصر، وكيف ينتقل من فكرة إلى أخرى؛ وذلك كلّه شيء جديد لم يلتفت إليه أحد ممّن عُني بابن الأثير وكتابه. والكتاب، من بعد، يصبّ كلّه في أنّ العرب في حضارتهم عرفوا منهج البحث، وأنّهم كانوا يضعون مؤلّفاتهم، في أغلبها، على خطّة محكمة، ولم يكونوا يجرون الكلام أشتاتًا.

وهو إذ يختار الموضوع الذي يروم الكتابة فيه؛ لا يكتب حتّى يحيط به إحاطة تامّة؛ يقرأ كلّ أصوله؛ المطبوع منها والمخطوط، ويُلمّ بمن تناوله بنحو ما حتّى يقف على أبعاده كلّها. والمصادر عنده على درجات؛ أعلاها درجة؛ آثار الشعراء والكتّاب أنفسهم إذ هي مدار الدرس، ومبتغى الباحث، ويأتي بعدها؛ ما كُتب عنهم في عصرهم، أو في عصر قريب من عصرهم، ثمّ يجيء ما كتب الآخرون في أزمان متأخّرة عنهم. والأدب القديم، عنده، إنّما يُفهم بسياق عصره، من دون أن تُسقط عليه أفكارٌ من عصور لاحقة.

وإذا كان موضع الدراسة شاعرًا أو كاتبًا حيًّا يعيش في هذا العصر؛ فإنّ الطَّاهر يسعى أن يعرفه عن قرب، وأن يعرف جملة من شؤونه؛ في نشأته، وفي دراسته، وفي مصادر أدبه، حتّى إضبارته الشخصيّة في دائرة عمله يحرص الطاهر أن يطّلع عليها؛ فلقد اطّلع على إضبارة محمود أحمد السيّد، وهو يكتب كتابه عنه، ونقل عنها ما ينفع في إضاءة حياة الكاتب. غير أنّه لا يسلّم بكلّ ما يسمع ، وما يقرأ، ! ولا يسلّم بكلّ ما يجد في المصادر والمراجع؛ بل يوازن بين الأقوال، ويحاكم الآراء، ويعرض كلّ ذلك على عقل صارم ناقد، لا يقبل إلّا بالواضح المبين المحكم من الأشياء. وعنده أنَّ أولئك الكاتبين إنّما هم بشر محكومون بما يحكم البشر من منافع وأهواء، وآمال وخوف؛ فلا يصحّ قبول أقوالهم من دون تمحيص ونقد. وقد يغلِب على عصر من العصور طابعُ الغلو والتزيّد، وتسمية الأشياء بغير أسمائها؛ وعندئذٍ فإنّ مهارة الباحث تتجلّى في ردّ الأشياء إلى نصابها، وإحكام الأسماء على مسمياتها مثلما فعل في كتابه: (الشعر العربيّ في العراق وبلاد العجم في العصر السلجوقي) فقد غلت المصادرُ التي كتبت عن شعراء تلك الحقبة، وخلعت عليهم عظيم الأوصاف، وأسرفت في الثناء عليهم؛ إذ ردّ تلك الأقوال، بعقله الناقد، إلى جادة العدل، وحكم بما لهم وما عليهم، ووضعهم في سياق زمانهم، وما كان يُتيحه لهم.

وينظر إلى ما في الغرب بالعقل الناقد نفسه؛ فيرى، هناك، مواضع الإجادة وهي كثيرة؛ في الأدب والفكر وما يتّصل بهما؛ لكنّه لا يغفل عن مواضع الضعف والافتعال، وعناصر الفوضى، وقُوى استعباد الإنسان؛ فقد كتب مرّة يقول: إنّهم يعبثون بالمصطلحات أيضا! وكتب مرّة أخرى مُبينًا عمّا نشأ لديهم من أفكار تخذل الإنسان، وتنصر المتسلّطين عليه بنحو ما، ونبّه على سوء متابعتهم بجيّدهم ورديئهم، ودعا إلى إعمال العقل النَّاقد في القبول والرفض.

جواد الطاهر .. باحثًا 2 علي جواد الطاهر .. باحثًا

ولا يغفل الطاهر، وهو يزاول البحث، أنّ الأفكار إنّما تنشأ في سياق من الزمان، والمكان، والثقافة، وأنّها لا تُفهم حقّ الفهم إلّا في سياقها، ولا يصحّ قطعها عمّا هي فيه، وجعلها معلّقة فوق الزمان والمكان. فقد رأى وهو يكتب عن ابن سلّام في كتابه: (محمّد بن سلّام وكتابه طبقات الشعراء)  أنَّ من دارسي ابن سلّام من أخذ يقرن بينه وبين  (تين)، الناقد الفرنسيّ الذي عاش في القرن التاسع عشر، من أجل أنّ ابن سلّام تحّدث عمّن سمّاهم شعراء القرى، وأنّه وصل بنحو ما بين الشعر وبيئته؛ يقول: (يُخشى أن يجرّ التطرّفُ في النظر إلى “إيمان ابن سلّام بأثر البيئة” إلى أن نقارنه بتين Taine ونعدّ هذا تابعًا لذاك). ذلك أنَّ كلًّا من ابن سلّام و( تين) نشأ في زمان، ومكان، وسياق ثقافي يختلف عمّا نشأ فيه الآخر؛ وليس من المعرفة الصحيحة الخلط بين الأزمنة، والأمكنة، والثقافات! الفهم الصحيح عنده مرهون بفهم الأفكار موصولةً بزمانها، ومكانها، وسياقها الثقافي!

وموضع الدراسة عنده النصُّ! شعرًا كان أو نثرًا؛ يدرسه في نسيجه، وبنائه، وآفاقه، ودواعيه. ولكنّه نصّ غير منقطع عن منشئه، ولا عن محيطه الاجتماعيّ. ولعلَّ الطاهر أوّل من عُني، في العراق، بالنصّ وقدّمه، في الدراسة، على التاريخ وما يتّصل به، ولكنّه أيضًا لم يقطعه عمّا حوله. وقد كتب ذات مرّة في مجلّة (المعلّم الجديد) في بدء الستينيّات فقال: (النصّ أوّلا!)، ومن مهارة الباحث عنده أن يُحسن إضاءة النصّ بشيء من سيرة صاحبه، وبشيء من التاريخ، ولكن يبقى النصّ أوّلا؛ وقد درج على هذا المسلك في كلّ ما كتب عن الشعر، أو النثر!

وتذوّق الآثار الأدبيّة شيء من صميم الدراسة عنده؛ إذ تتباين الآثار بين الجودة والرداءة، ولا تستوي كلّها على صعيد واحد. وليس حريًّا بالدرس إلّا ما كان جيّدًا ، أمّا الرديء فحقّه الإهمال. وقد يقوده تذوّق بيت أو بيتين إلى دراسة الشاعر في شعره كلّه، وتحقيق ديوانه؛ كما وقع له مع أبي يعقوب الخُريميّ؛ إذ سمع هذين البيتين يُنشدهما أستاذه طه الراويّ في دار المعلمين العالية فأُعجب بهما ، وعلقا بذهنه:

ألَمْ ترني أبني على الليث بيتَه

وأحثــــو عليـــه التـــُربَ لا أتخشّعُ 

ولو شئتُ أن أبكي دماً لبكيتُه

عليه ولكنْ ساحةُ الصبر أوسعُ

ورجع، بعد سنين، يدرس الشاعر في حياته، وفي شعره، وفي تقلّب الدنيا به دراسةً يظلّلها تذوّقُ الشعر،  وحسنُ الانسجام معه، مبعثها ذانك البيتان. والذوق مَلَكةٌ مرجعها الجبلّة، يقوّمها النظر في الآثار الأدبيّة الخالدة، في العربيّة، وفي غيرها؛ لا غنى لدارس الأدب عنها!

وطِلْبتُه، وهو يبحث، الجودةُ من أيّ أتت؛ أمن الأدب القديم، أم من الأدب الحديث! يقول: أطرب لـ “عيناك غابتا نخيل ساعة السحر” كما أطرب لـ “لوكنتُ من مازن لم تستبح إبلي …” والجودة ليست مقصورة على زمان دون آخر، ولا على مكان دون ما سواه!  وقد هيّأ هذا المبدأ للطاهر أن ينأى بقلمه عن التعصّب للقديم لقدمه، أو للحديث لحداثته، إنّما هو مع الإبداع الذي يتعدّى زمنه فيمسّ جوهر الإنسان حيثما كان. وقد هيّأ له هذا المبدأ أيضًا أن يرى الضعف ونضوب الشاعريّة في كثير من الشعر القديم، ولا سيّما ذلك الذي يرجع إلى القرنين الخامس والسادس الهجريين وما تلاهما ، وأن يرى كذلك ما جفّ فيه الشعر من أنماط تُدّعى لها الحداثة .

وإذا كان الشكل عند الطاهر، في سلامته، وانسجامه، وحسن تركيبه؛ قِوامَ الجودة وعنصرها المبين عنها؛ فإنّ سموّ المحتوى، وما ينطوي عليه من رفيع القيم شيء لا يستقيم أمر الأدب من دونه. ذلك أنّ الطاهر يتطلّب في الأدب الذي يدرسه أن يكون مع الخير، ينصر الإنسان، ويُنير دربه؛ ويتطلّب في الأديب الذي يكتب عنه أن يكون صادقًا مخلصًا لا يتّخذ من الأدب متجرًا يتربّح منه.

فإذا تمّت له عناصر البحث، وتكاملت نواحيه؛ أبان عنه بلغة صافية، واضحة، لا لبس فيها، ينطبق فيها الاسم على المسمّى،  قد تنزّهت عن الفضول، وابتعدت عن المجاز، لكنّها مع ذلك لم تقع في الجفاف، ولم يأسرها البرود؛ إنّها مثال رفيع في ما ينبغي أن تكون عليه لغة البحث.

ومن تمام البحث عنده؛ أن تتواشج فقراته، وأن يأخذ بعضها برقاب بعض، وأن يفضي السابق منها إلى اللاحق حتّى يكون البحث كلّه قد أُفرغ إفراغًا، وسُبكت عناصره سبكًا، واستوى بين يدي القارئ حصيفًا محكمًا لا عوج فيه، ثمّ تجيء خاتمته لتلمّ أطرافه، وتسلّط الضوء على عناصره، وتفتح منه آفاقًا أخرى لمرتاد جديد.

لقد كانت للطاهر تجربة ثريّة في البحث قامت على العلم والمزاولة متّسمة بالأصالة، والصدق، والإخلاص، وتوخّي الحقيقة؛ يُظلّلها حبُّ العربيّة، والحرصُ على بقائها نقيّة صافية يتّصل حاضرها بماضيها. وقد عبّر عن تلك التجربة، بعد تكاملها، بكتاب رائد مؤسس عنوانه: (منهج البحث الأدبيّ) وضع فيه معالم البحث، ورسم خطواته؛ حتّى يسترشد به من يروم مزاولة البحث؛ إنّه كتاب يلتقي فيه العلم بالخبرة، ويأتلفان في نسيج واحد .

وممّا يتّصل بأفق البحث عند الطاهر، ويتمّم مغزاه؛  ما أشرف عليه من رسائل وأطاريح؛ فلقد بدت له جملة قضايا في الأدب القديم والحديث جديرة بالبحث والدراسة، لكنّ وقته لا يسعف بالوقوف عندها ودراستها؛ فاقترح على  نابهين من طلبته أن يكتبوا فيها؛ كمثل  (الفكر الاشتراكي في الأدب العراقي  من 1918 إلى   1958)، الذي كتب فيه عبد اللطيف الراوي أطروحة دكتوراه ، في سنة 1976 ، و (منهج البحث الأدبيّ عند العرب)، الذي كتب فيه أحمد جاسم النجدي أطروحة دكتوراه، في سنة 1976، و(الصراع بين القديم والجديد في الشعر العربيّ)، الذي كتب فيه محمّد حسين الأعرجي أطروحة دكتوراه ، في سنة 1977 ، و(الشعر الحر في العراق منذ نشأته حتى عام 1958)، الذي كتب فيه يوسف الصائغ رسالة ماجستير. وغيرها ممّا يدور في مدارها من الجدّة والأصالة. وقد عالجها الباحثون بهدي من الأستاذ المشرف علي جواد الطاهر؛ فجاءت على خير ما تكون عليه الدراسة الأكاديميّة في العراق؛ إحكامًا في المنهج، وإحاطة بالموارد، واستقامة في المعالجة. ولعلّ من دلالة ذلك؛ أنّ الطاهر صاحب مدرسة في الدرس الأدبيّ، وأنّه يُحسن انتقاء تلامذته، ويُحسن القيام على توجيههم، والأخذ بأيديهم حتّى يستقيم لهم الدرس والبحث.

لقد أقام الطاهر حياته، كلَّ حياته، على البحث والدرس ومعالجة شؤون الأدب والنقد؛ حتّى إنّك لا تراه إلّا وبيده كتاب، أو دفتر؛ يقرأ ويصحّح ، ويدوّن، ولا تسمعه إلّا متحدّثًا عن الأدب وما يتّصل به؛ وقد صحبتُه عشرين سنة متّصلة ورأيتُه في قاعة الدرس، وفي أروقة العلم، وفي بيته؛ فلم أره منشغلًا بغير البحث الأدبيّ وشؤونه؛ حتّى في الأسبوع الأخير من حياته، وقد ثقل به المرض، كان حديثه الخافت عن شؤون الأدب…!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى