مررتُ بكُليتنا في الجامعةِ وقد كانت لي فيها أيَّام صالحات كما يقول امرؤ القيس فهاجت الأشواق الدَّفينة، وأيقظت ما كنتُ أظنُّ الدَّهر قد أعانَ على نسيانه؛ فوقفتُ عليه، وقلتُ:
أُحَييكَ من رَبْعٍ تَكاثَرَ آهِلُه
وَزَانتْ بِحُسْنِ الغَانِيَاتِ مَنَازِلُه
وَقَفْتُ بِهِ عَلِّي أُنَاجي خَيَالَها
وَكَم مِن كَريمٍ رامَ طَيفا يُسَائِلُه
يُناهِبُهُ طِيبَ الحديثِ ويَرْتَجِي
إذا عادَ يُنبِيهَا الذي هو قَائِلُه
فيا ربّةَ الحُسْنِ البهيِّ ومَنَ إذا
أشارتْ إلى طودٍ لذابتْ جَنادِلهُ
على ما منعتِ الصبَّ وصلاً ألم تَصِل
إليكِ أحاديثُ الفتى وشَمَائِلُهُ
أمِنْ بَينِ أبكارِ الجنانِ أتَيْتِنَا
فلا حَظَّ في الدُنْيا لوصلٍ نُحَاوِلُه
فَجُودِي عَليْنَا كيْ نقولَ: كرامةٌ
وربَّ وليٍّ خَالَطَ البرَّ بَاطِلُه
فإني سألتُ اللهَ أنْ يُذهبَ الجوى
بوصلكِ والمولى يُرجِّيْه سَائِلُه
رأيْتُكِ أهلا للذي أنا أهْلُهُ
نَدِيمَ نُجُومٍ رامَ بدرً يُماثِلُه
شَغُوفًا بِتَطْلابِ المَعَالي فَهَلْ تُرى
إلى غيرِ هذا البدرِ تُحدى رَواحِلُه
يَقُولُونَ لي- يا ميّ-: دَعْ عَنْكَ ذِكْرها
فما كُلُّ مَأمُولٍ سَيَلقَاهُ آمِلُه
مَدَدتَ لها كَفًا فَلَـــم تُـلْـفِ كَفَّها
وبُحتَ فَلَم يُرجِعْ لَكَ الردَ نَاقِلُهُ
ألمْ تَعْلَمُوا أنَّ الفتى قَبلَ وِرْدِهِ
بِحَارَ الهَوى كَانَتْ نَهَارًا أصَائِلُه
يُقَصِّرُ طُوْلَ اليلِ بالعَزْمِ والسُرى
ويَحَمِلُ همًّا قَلَّ فِي الناسِ حَامِلُه
حَمَاهُ بأنَّ القَلْبَ لم يَكُ فَارِغَا
غداةَ رَمَتْ سَهْمًا صَقِيْلا مَعَابِلُه
فَلولَمْ يَكُنْ يَهْوى المَعَالي وَنَيْلَها
لكَانَ هَوَاها لا مَحَالةَ قَاتِلُه
تَأمَّلْتَ في الأيامِ كَيْفَ انقِضَاؤها
عدوًا تُدَاجِيْهِ وحِبًا تُزايِلُه
وآمالَ نفسٍ لا تَرى مَا يَحُدُّهَا
ودَهرًا عنيدً ما حَييتَ تُصَاوِلُه
وعِلْمُكَ أنَّ المَجدَ قد لا تَحُوزُهُ
فَكَم مِنْ سُرىً لَم يَحْمَدِ الصَبحَ راحِلُه
وَكَم مِنْ هُمَامٍ بالغِ الجُودِ فَاضِلٍ
أتته المَنَايَا لم تُشفَّع فَضَائِلُه
فَما شَرفُ الإنسانِ إلا بِسَعْيِهِ
أنالَ العُلى أم أدرَكَتْهُ غَوائِلُه
فإنَّ هلالَ البدرِ رمزُ اكتِمَالِه
وآيةُ شأوِ الأمر دوماً أوائِلُه
فمَنْ أمَّلَ النُعْمَى مِنْ الدَهْرِ آمِنًا
كمَنْ أمَّلَتْ قَبْضَ السَرَابِ أنِامِلُه
المجيدون في الشعر قليل، أفخر أنك منهم هذا الزمن.. أحسنت